آراء لا تحتمل في زمن الإبادة الجماعية

آراء لا تحتمل في زمن الإبادة الجماعية
تحميل المادة

على سبيل التقديم..

تستعيد هذه المقالة للكاتب جيفري سانت كْلير (Jeffrey St. Clair)[1] السيرة النضالية لـ جون ليلبورن، من القرن السابع عشر في إنجلترا، وتمسكه بنضاله بالرغم من القمع الذي تعرّض له سواء من الملكيين أو الجمهوريين.

يلاحظ الكاتب أن أجواء القمع والاستبداد السياسي والملاحقة تخيّم على الولايات المتحدة فيما أسماه حطام إمبراطورية بايدن/ ترامب، وذلك في إطار ملاحقة الأصوات والفاعليات والنشاطات المندّدة بالإبادة الجماعية التي تستهدف بها "إسرائيل" الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، وتموّلها كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

في مواجهة السياسات القمعية في الولايات المتحدة التي يعدّدها الكاتب في آخر المقالة، يستعيد الكاتب شجاعة ليبلورن. وإذا كانت ترجمة المقالة مُهمّة من هذه الحيثية للاطلاع على سياسات القمع وتكميم الأفواه التي تنتهجها الدول الديمقراطية بنفاق فجّ ومكشوف لا في مجرّد دعم "إسرائيل" بل وفي دعم إبادتها الجماعية للفلسطينيين؛ فإنّها مفيدة كذلك في تسليط الضوء على جانب من النضالات التاريخية في إنجلترا وبعض أبرز الأصوات التي واجهت القمع في ذلك السياق التاريخي، ليس فقط بغرض المعرفة التاريخية المجردة، ولكن أيضًا بغرض التركيز على قيم النضال ضدّ الاستبداد والانتهاكات في زمن يسوده القمع المُمنهج، وللتأكيد على كون الحرية لا توهب وإنما تنتزع بالشجاعة والإصرار، ولاسيما وأن الطغيان يجدّد نفسه باستمرار، ممّا يعني ضرورة تجدّد النضال والسعي إلى نيل الحرّية، فالدعم الغربي للإبادة الجماعية التي يشنّها الإسرائيليون على قطاع غزّة، وتواطؤ حكومات الاستبداد والتبعية في المنطقة العربية معها؛ تؤكّد أهمّية التضامن العالمي في مواجهة قوى القمع الصريح والمقنّع.

تُتَرجم "إطار" هذه المادة المنشورة في موقع counterpunch،[2] لهذه الأغراض، مع التأكيد على أنّ الهوامش جميعها من صنع هيئة التحرير بغرض تعريف القارئ العربي ببعض ما يرد في المقالة من أسماء وحوادث، ولتوضيح بعض ما قد يلتبس عليه، بالإضافة إلى تفقير المقالة ووضع عناوين فرعية لها.

التحرير

"في دولة الحب الحرة، تُسوَّى جميع القوى بحيث.. تحكمها العاطفة أكثر من الرهبة." (ويليام دافينانت)[3].

 

في عام 1638، خضع جون ليلبورن[4] لمحاكمة سرية من قبل محكمة النجم[5] التابعة للملك تشارلز الأول. جريمته؟ كتابة وتوزيع كتيبات تحريضية تهاجم شرعية النظام الملكي وتُشكك في سيادة كبار رجال الدين في الكنيسة الإنجليزية. أُدين بسرعة بنشر كتابات ذات "عواقب خطيرة وتأثير شرير".

بسبب هذه الآراء غير المُحتملة، حكمت عليه المحكمة الملكية بأن يُجلد علنًا في شوارع لندن، بدءًا من سجن فليت[6]، الذي بُني على ضفاف مستنقعات حيث كانت مياه الصرف الصحي لنهر فليت تتدفق إلى المدينة، وصولًا إلى ساحة القصر في وستمنستر، والتي كانت حينها ساحةً عامة للعروض الأسبوعية للإذلال والتعذيب. وفقًا لإحدى الروايات، تعرض ليلبورن للجلد على يد منفذ أحكام الملك أكثر من 500 جلدة، مما تسبب في تورم كتفيه بشكل هائل بفعل العقد المتشابكة للحبال.

بعد ذلك، جرى تكبيل الكاتب الدامي على منصة العقاب، حيث أَطلق، وسط دهشة الحشود المتجمعة، خطبة نارية دافع فيها عن صديقه الدكتور جون باستيك،[7] الطبيب والواعظ البيوريتاني[8]. قبل أسابيع قليلة، تم قطعت أذنا باستيك على يد رجال الملك عقابًا على نشره هجومًا على رئيس أساقفة كانتربري، وهو مقال كان ليلبورن قد وزّعه بكل سرور على نطاق واسع. تحدث ليلبورن بغزارة عن هذا الظلم الوحشي لبضع لحظات، حتى قام جلادوه بحشو فمه بخرقة مبللة بالبول.

بعد أن تحمل ساعتين إضافيتين من التعذيب، جره الحراس خلف عربة إلى سجن فليت مرة أخرى، حيث قيّدوه بالأصفاد لمدة عامين ونصف. كانت هذه المواجهة الأولى لـ "جون ليلبورن المولود حرًا" مع سادة الإمبراطورية، والتي تبعتها مواجهات عديدة لاحقًا.

بينما كان في زنزانته القذرة في سجن فليت، وُضع جون ليلبورن في الحبس الانفرادي بأمر من محكمة النجم. كانت زائرته الوحيدة خادمة تُدعى كاثرين هادلي. بطريقة ما، تمكنت الخادمة من تهريب قلم وورق وحبر عبر حراس السجن إلى ذلك الشاب الثائر. وفقًا لوصف ليلبورن نفسه، كان "مستلقيًا ليلًا ونهارًا مقيدًا بالأصفاد الحديدية في كلتا يديه وقدميه" عندما بدأ في الكتابة بشراسة، ليؤلف رواية مروعة عن محاكمته الصورية وتعذيبه بعنوان "عمل الوحش" (The Work of the Beast)، وهجومًا لاذعًا على أساقفة الكنيسة الإنجليزية بعنوان "اخرجوا منها يا شعبي" (Come Out of Her, My People).

هُرِّبت هذه الكتيبات من سجن نيوغيت[9]، وطبعت في الأراضي المنخفضة (هولندا وبلجيكا)، ووزعت عبر شبكات سرية في جميع أنحاء إنجلترا، ولاقت ترحيبًا شعبيًا واستنكارًا ملكيًا.

تولى أوليفر كرومويل، الذي كان آنذاك زعيمًا بيوريتانيًا في مجلس العموم، الدفاع عن قضية ليلبورن، ملقيًا خطابًا حماسيًا للدفاع عن الكاتب المسجون. أثر ذلك على البرلمان، الذي صوت لصالح إطلاق سراح ليلبورن من السجن. خرج ليلبورن ممتنًا لكرومويل، لكنه لم يكن أعمى عن طموحات الجنرال الديكتاتورية؛ فكتب لاحقًا هجمات لاذعة على كرومويل وأعوانه الرقابيين.

بعد ذلك، انضم ليلبرون إلى جيش البرلمان[10]، وقاتل بشجاعة ضد القوات الملكية في معارك عديدة، بما في ذلك معركة إيدجهيل[11]، التي كانت أول مواجهة كبيرة في الحرب الأهلية الإنجليزية، قبل أن يقع في الأسر في برينتفورد في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1642. ومرة أخرى، مثل أمام المحكمة، هذه المرة في أكسفورد، بتهمة "حمل السلاح ضد الملك". سُرعان ما أُدين وحُكم عليه بالإعدام. لكن أصدقاءه في البرلمان نهضوا للدفاع عنه، مهددين بالانتقام من سجناء الملكيين. جرى ترتيب تبادل للأسرى، وعاد ليلبورن للحرية مرة أخرى، ليقود الجنود في المعارك ضد قوات الملك، وترقى في النهاية إلى رتبة مقدم (Lieutenant-Colonel).

ولكن في عام 1645، تخلى ليلبورن عن جيش كرومويل النموذجي الجديد، المعروف بغناء المزامير أثناء دخول المعارك[12]، بعد أن أُمر بأداء قسم "الميثاق والاتفاق المقدس"، وهو بمثابة قسم ولاء ديني للكنيسة المشيخية فرضه كرومويل. كان ليلبورن، لكونه مستقلًا (Independent)، يكره الأيمان، وقد تحدى محكمة النجم في أول محاكمة له برفضه أداء القسم الرسمي (ex officio oath)، الذي جادل بأنه ينتهك الحق القديم في أمر الإحضار (Habeas Corpus).[13]

لكن في تلك المرحلة، كان جون ليلبورن يُخطط لتمرد أعمق يهدف إلى دمقرطة الجيش وبقية الأمة. تساءل: لماذا يُتوقع من الجنود أن يقاتلوا في حرب أعلنها مشرعون لم يُمنحوا الحق في التصويت لهم؟ ولماذا، تساءل في أروقة وستمنستر، لا يُدفع للجنود رواتب أعلى؟ ولماذا لا تُعوض عائلات القتلى؟

كتب ليلبورن: "يجب أن يكون لكل رجل حر في إنجلترا، فقيرًا كان أم غنيًا، حق التصويت في اختيار من يسنّ القوانين." وأضاف: "كل رجل وامرأة، ممن تنفسوا يومًا في هذا العالم، متساوون بالفطرة في سلطتهم وكرامتهم وسلطانهم وعظمتهم، ولا يمتلك أي منهم (بالفطرة) أي سلطة أو سيادة أو حق في الحكم فوق الآخر."

بالمقارنة مع هذه الكلمات الحماسية، تبدو كتابات توماس جيفرسون[14] حذرة ومترددة.

كانت هذه الطلقة الافتتاحية لحركة المستويين (Levellers)[15]، والتي كانت تهدف، وفقًا لأحد المراقبين، إلى "إعادة ترتيب كل شيء وإقامة مساواة ومجتمع متكامل في المملكة." من وجهة نظر ليلبورن، كانت ستكون مملكة جديدة بلا ملك أو مجلس أسياد (House of Lords) أو حتى ملاك أراضٍ.

بدأت حركة المستويين تمردًا داخل التمرد ذاته، وانتشرت من الجيش إلى الطوائف الدينية المضطهدة ثم إلى المزارعين والعمال. كانت حركة مدفوعة بقوة الكتّاب، يتصدرهم ليلبورن، ريتشارد أوفرتون[16]، وويليام والوين[17]. انتشرت الكتيبات بسرعة من المطابع، فقد طُبع أكثر من 2100 كتيب مختلف بحلول عام 1645.

أدى ذلك إلى إصدار قوانين قمعية عُرفت بـ "الأوامر البرلمانية"، والتي منعت التجمعات العامة، وجرّمت اجتماعات الطوائف الدينية مثل الأنتميونيين[18] والمعمدانيين[19]، وحظرت الوعظ من قبل الوعاظ غير الرسميين، وفرضت رقابة صارمة على الصحافة.

كُلِّفت "لجنة الفحص التابعة لكرومويل"، التي كانت بمثابة النسخة البرلمانية من "محكمة النجم"، بالتحقيق في الكتابات "الفضائحية"، وتدمير المطابع المستقلة، واعتقال الكتاب والناشرين وبائعي المنشورات التي تُعدّ تحريضية.

كانت هذه القوانين القمعية هي التي دفعت جون ميلتون[20] لكتابة عمله الشهير "آريوباجيتيكا"[21]، أحد أعظم الدفاعات عن حرية الصحافة. ومع ذلك، كانت حدة كلمات ميلتون المعتدلة لا تُقارن بالهجمات الغاضبة التي انطلقت من قلم ليلبورن.

هذه الجرأة الوقحة أعادت جون ليلبورن إلى سجن نيوغيت مرة أخرى، وهذه المرة بتهمة التشهير. لكن 2000 من أبرز سكان لندن وقعوا عريضة لصالحه، وأدت أعمال الشغب العامة دفاعًا عنه إلى الإفراج عنه بسرعة. لم تؤدِ التجربة إلا إلى تعزيز مقاومته لـأوليفر كرومويل، الذي رآه ديكتاتورًا باع نفسه لقوى الإمبراطورية (على غرار، إن شئت، أنتوني بلينكن) وأصبح أبرز أدوات القمع الحكومي[22].

أرسل ليلبورن رسالة علنية تهديدية إلى كرومويل، مختتمًا إياها بعبارة مظلمة:

"كن على يقين، إذا وُضعت يدي عليك، فسيكون ذلك وأنت في قمة مجدك."[23]

أسس ليلبورن ورفاقه من حركة المستويين صحيفة سرية أطلقوا عليها اسم "المعتدل" (The Moderate). كان العنوان مزحة ساخرة، إذ بدت مطالب المستويين راديكالية حتى بمقاييس اليوم، فقد أرادوا:

   •        حظر الاحتكارات.

   •        إلغاء الضرائب على الفقراء.

   •        فرض حدود زمنية لفترات عضوية البرلمان.

   •        إلغاء جميع القيود على الصحافة والعبادة الدينية.

   •        ضمان حق التصويت الشامل.

   •        تأمين محاكمة أمام هيئة محلفين لجميع المتهمين.

لكن ليلبورن لم يكن الأكثر راديكالية في ذلك العصر المضطرب. فقد تجاوزه يسارًا كل من جيرارد وينستانلي[24] وحركة الحفّارين (Diggers)[25]، بالإضافة إلى الباحثين (Seekers)[26]، والصاخبين (Ranters)، والأنتميونيين (Antinomians)، وسكان المستنقعات المسلحين[27]؛ الذين يمكن عدّهم آنذاك "حماة البيئة الأوائل" (Earth First).

مثل توماس بين[28]، عارض ليلبرون عقوبة الإعدام، وصرّح علنًا ضد إعدام الملك تشارلز الأول. كتب قائلاً:

"رفضت أن أكون أحد قضاته (الملك تشارلز الأول). لم يكونوا أفضل من القتلة عندما أزهقوا روح الملك، حتى وإن كان مذنبًا بالتهم الموجهة إليه. إنها جريمة قتل لأنها ارتُكبت بيدٍ لا تملك السلطة الشرعية لفعل ذلك."

انتقال سريع إلى عام 1649

أُعيد ليلبرون إلى السجن مرة أخرى، ولكن هذه المرة في برج لندن[29]، إلى جانب أربعة من زملائه من حركة المستويين، بمن فيهم الكاتب الجدلي البارع ريتشارد أوفرتون. هذه المرة، هاجموا كرومويل مباشرة، متهمين إياه بأنه قوة رجعية تجوب البلاد بجهاز شرطة سرية لقمع جميع المعارضين.

كتب ليلبورن في رسالة نارية إلى كرومويل:

"لو لم تكن قلوبنا مثقلة بشدة بشعور البؤس الحالي والمخاطر الوشيكة التي تحيط بالأمة، لكان عدم اكتراثك بمخاوفنا الجادّة الأخيرة قد أبقانا صامتين. لكن البؤس والخطر والعبودية التي تلوح في الأفق كبيرة للغاية ووشيكة وواضحة، لدرجة أننا، ما دمنا نتنفس ولم نُقيّد بعنف، لا يمكننا إلا أن نتكلم، بل أن نصرخ بصوت عالٍ حتى تسمعنا، أو حتى يريحنا الله بطريقة أخرى."

كانت التهمة: الخيانة العظمى.

زوجته، إليزابيث، التي كانت بدورها ناشطة قوية من أجل السلام وحقوق المرأة، كتبت كتيبًا مؤثرًا دفاعًا عنه بعنوان "عريضة النساء" (A Petition of Women). لا تزال كلماتها مؤثرة، وربما أكثر من أي وقت مضى خلال الـ 300 عام الماضية:

"هل تريدون منا أن نبقى في بيوتنا، بينما يُؤخذ رجال مخلصون ونزيهون كالأربعة المسجونين، أصدقائنا في البرج، من أسِرّتهم ويُجبرون على مغادرة منازلهم على يد الجنود، مما يسبب الرعب والدمار لهم ولزوجاتهم وأطفالهم وعائلاتهم؟ ألسنا نحن أزواجهم، وبناتنا، وعائلاتنا عرضة لنفس الظلم والقسوة وفقًا لنفس القواعد؟"

تمكنت إليزابيث من جمع 10,000 توقيع على عريضة تطالب بالإفراج عن زوجها.

الإفراج والعودة للسجن

أُطلق سراح ليلبرون قريبًا، لكنه اعتُقل مرة أخرى في غضون عام، هذه المرة بسبب إدانته لحملات الإبادة الجماعية التي شنّها كرومويل في أيرلندا. لكن هيئة المحلفين رفضت إدانته، فأمر كرومويل بنفيه من إنجلترا.

قضى ليلبرون بضعة أشهر في هولندا يكتب كتيبات تحريضية قبل أن يعود خلسة إلى إنجلترا. اكتُشِفَ بسرعة وأُعيد اعتقاله بتهمة الخيانة العظمى مرة أخرى. مرة أخرى، رفضت هيئة المحلفين إدانته. لكن كرومويل رفض الإفراج عنه، فنقله من برج لندن إلى قلعة جبل أوريغيل[30]، وهي قلعة نورمانية رطبة في غيرنسي، وأخيرًا إلى قلعة دوفر[31].

أحد حراسه وصف ليلبرون بأنه "أكثر صعوبة في التعامل من عشرة من فرسان الملك".

التحول إلى السلمية

أثناء احتجازه في قلعة دوفر، تأثر ليلبرون بأفكار الكويكرز (Quakers)[32] وأصبح مسالمًا راديكاليًا. كتب:

"لقد انتهيت من معارك السيف الجسدية، والصراعات والمشاحنات الدنيوية."

لكن قلمه لم يتوقف أبدًا. استمرت الكتيبات في التدفق حتى وفاته في عام 1657.

أسطورة ليلبرون

رفض ليلبرون أن يكون شهيدًا. واجه القمع، وتحمّل السجون والتعذيب الذي قد يصيب حتى سجينًا في غوانتانامو بالقشعريرة، وبقي متحديًا ومتفائلًا. عاش حياة شخص يستطيع التحدث للخروج من المشاكل والدخول فيها بسهولة مذهلة. كان عقله يعمل بأقصى طاقته، وكذلك لسانه.

قال عنه صديقه هاري مارتن[33]، أحد الموقعين على إعدام الملك:

"إذا أُفرغ العالم من جميع الناس باستثناء جون ليلبرون، لكان ليلبرون سيتشاجر مع جون وجون مع ليلبرون."

 

الإرث والتأثير

أول مرة قابلت فيها كتابات جون ليلبرون كانت في عام 1981، خلال سلسلة من المحاضرات عن جون ميلتون والراديكاليين في الثورة الإنجليزية ألقاها المؤرخ البريطاني العظيم كريستوفر هيل[34]، مؤلف كتاب "العالم المقلوب رأسًا على عقب" (The World Turned Upside Down).

كان هيل يلاحق أهدافًا أخرى في تلك المحاضرات، لكن تعليقاته الجانبية عن ليلبرون وحركة المستويين أثارت اهتمامي. هنا كان هناك بيوريتانيون يكرهون الطموحات الإمبريالية ويؤمنون بحرية التعبير المطلقة والمساواة الكاملة.

إنهم بعيدون كل البعد عن المتشددين المتزمتين في قصص ناثانيال هاوثورن[35]، فضلًا عن المتشدقين الجدد (النيوبوريتانيين)[36] مثل جيري فالويل[37] وبات روبرتسون[38] الذين كانوا يتصاعدون في تلك الفترة.

كان جون ليلبورن قد فقد شعبيته منذ زمن طويل لدى المؤرخين الأمريكيين، وكانت كتاباته من الصعب العثور عليها. انتهى بي الأمر إلى أن ألتهم نصوصه بنهم في أحد الزوايا المعزولة داخل التصميم الوحشي الخانق لمكتبة "لاوينغر" بجامعة جورج تاون (المكتبة المتواضعة في الجامعة الأمريكية، حيث درست، كانت فضيحة دولية[39])، مُطلة على نهر بوتوماك ونصب لينكولن التذكاري الكئيب.

في تلك الأيام، كان ظل ريجان البارد يُخيم على الجمهورية، وأمسكتني مقالات ليلبورن اللاذعة عن الحرية والقمع وكأنها صوت مشتعل قادم من القبر.

من الغريب، وربما المُعبّر عن فقداننا الجماعي للذاكرة التاريخية، أن سمعة ليلبورن قد سقطت في دائرة النسيان في الولايات المتحدة، بالرغم من أن أسلوبه الفوضوي يبدو أكثر توافقًا مع الروح الصاخبة التي أطلقت الثورة الأمريكية من الوعظ الكئيب لجون لوك[40]، الذي تحظى كتاباته بكل الاهتمام الإعلامي هذه الأيام.

 

لماذا أستعيد الآن حياة جون ليلبورن البالية؟

·        في زمنٍ تُسلّح فيه بلاده وبلادي وتُمَوّل وتُدير الإبادة الجماعية، وفي زمنٍ تُجرّم فيه الكلمات التي تصف الفظائع التي شهدناها، وأصبح من الخطر التحدث أو الكتابة عمّا نراه ونشعر به، بل وأصبح أكثر خطورة القيام بأي فعل، حتى ولو كان صغيرًا، لمحاولة إيقافه.

·        في زمنٍ حوّل فيه الطلاب الجامعيون ما تعلموه في دروس التاريخ والفلسفة إلى أفعال سلمية في الحرم الجامعي، ليجدوا إداراتهم تستدعي فرق SWAT[41] لتفريق مخيماتهم ومظاهراتهم بوحشية.

·        في زمنٍ يُعتقل فيه الأساتذة الذين يدافعون عن طلابهم، ويُمنعون من دخول الفصول الدراسية، ويُحرمون من التثبيت الأكاديمي، ويفقدون وظائفهم.

·        في زمنٍ يُطرد فيه الصحفيون من وظائفهم وتُداهم منازلهم لمجرد تعبيرهم علنًا عن معارضتهم للمذابح الجماعية والتجويع القسري في غزة.

·        في زمنٍ يُطارد فيه أعضاء الكونغرس الحاليون، ويُشهر بهم، ويُجبرون على ترك مناصبهم بسبب اعتراضهم على نقل الأسلحة المستخدمة في ارتكاب فظائع جماعية ضد المدنيين.

·        (بالطبع، أن تكون صحفيًا في غزة يعني أنك على قائمة أهداف الطائرات المُسيّرة).

·        إن الاستمرار الناجح للإبادة الجماعية يعتمد على عدم تسميتها، وعدم الاعتراف بها، وعلى عدم فضحها في الوقت الفعلي على حقيقتها.

 

ما الذي يجعل إرث ليلبورن مهمًا اليوم؟

لأن القوى التي واجهها ليلبورن "بتعبيرات عنيفة ومريرة" قد تجمّعت مرة أخرى (ليس كأنها تلاشت يومًا، إذا أردت الحقيقة)، وتهدد الآن بفرض إرادتها على كل الكائنات الحية في هذا العالم.

ما هي هذه القوى؟

   •        العسكرة.

   •        التعصب الديني.

   •        الرقابة الرسمية.

   •        الاستجوابات القضائية والتعذيب.

   •        التوسع الإمبريالي.

   •        الاحتكاريون.

   •        مغتصبو الأراضي.

   •        كارهات النساء.

   •        من يبيعون ويشترون الأرض والبشر أيضًا.

 

بكلمات أخرى: الطغمة الفاسدة بالكامل.

عندما تتأمل حطام إمبراطورية بايدن/ ترامب، من السهل أن تجتاحك ظلمة الزمن، وتغرق في التيار العنيف للدماء والعنف الرسمي الذي لا يرحم. لكن حتى في مواجهة أساليب التعذيب والسجن التي قد تُرعب سجينًا في غوانتانامو، لم يستسلم جون ليلبورن أبدًا لليأس أو الهزيمة.

لا تزال كتاباته مشبعة بهدف راديكالي واضح، أشبه بنداء مشعٍ عبر القرون للمقاومة الجماعية.

بينما تُعد نفسك لمواجهة الإمبرياليين الجدد، اسأل نفسك:

"ماذا كان سيفعل ليلبورن؟"

 



[1]. جيفري سانت كلير هو محرر مجلة CounterPunch. أحدث كتبه هو “حفلة لصوص: النيوليبرالية وتداعياتها” (بالمشاركة مع ألكسندر كوكبورن).

[2]. نشرت المادة بتاريخ 3 كانون الثاني/ يناير 2025، بعنوان " Intolerable Opinions in the Time of Genocide"، على هذا الرابط:

https://www.counterpunch.org/2025/01/03/what-would-lilburne-do-intolerable-opinions-in-the-time-of-genocide/

[3]. ويليام دافينانت (1606–1668) كان شاعرًا وكاتبًا مسرحيًا إنجليزيًا بارزًا، يُعد أحد أهم الشخصيات الأدبية في عصره، وداعمًا قويًا للملكية خلال الحرب الأهلية الإنجليزية. عُرف بأعماله المسرحية المبتكرة، مثل "حصار رودس"، التي تُعد أول أوبرا إنجليزية، وبقصيدته الملحمية "Gondibert". افتتح الكاتب مقالته بهذا البيت الشعري لـ ويليام دافينانت لأنه يُلخص بنحو رمزي وثري الروح العامة لمقالته عن جون ليلبورن وحياته النضالية. (التحرير).

[4]. جون ليلبورن (John Lilburne): (1614- 1657).

كان جون ليلبورن ناشطًا سياسيًا إنجليزيًا، وكاتبًا، وأحد أبرز قادة حركة المستويين (Levellers)، وهي حركة سياسية ديمقراطية راديكالية خلال الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1651). كان معروفًا بدفاعه القوي عن الحقوق المدنية والحريات الفردية، وبصوته الجريء ضد القمع والفساد، سواء كان من الملكيين أو من حكام البرلمان. (التحرير).

[5]. محكمة النجم: كانت محكمة إنجليزية خاصة، تأسست في القرن الخامس عشر في عهد الملك هنري السابع، وبلغت ذروتها في عهد الملك هنري الثامن والملك تشارلز الأول. كانت المحكمة تُعقد في قصر وستمنستر، وأخذت اسمها من النمط النجمي الذي كان يزين سقف قاعتها. (التحرير).

[6]. سجن فليت (Fleet Prison): سجن فليت كان أحد أقدم وأشهر السجون في إنجلترا، ويقع في لندن، بالقرب من نهر فليت (Fleet River). تأسس في القرن الثاني عشر تقريبًا، وظل قيد الاستخدام حتى إغلاقه في عام 1844. (التحرير).

[7]. الدكتور جون باستيك (Dr. John Bastwick): (1593- 1654).

كان جون باستيك طبيبًا وكاتبًا وناشطًا بيوريتانيًا إنجليزيًا، اشتهر بمعارضته الشديدة لأساقفة الكنيسة الأنجليكانية وسلطتهم المطلقة خلال حكم الملك تشارلز الأول. كان واحدًا من أبرز الأصوات الدينية المعارضة للسلطة الكنسية والسياسية في إنجلترا في القرن السابع عشر. (التحرير).

[8]. البيوريتانية (Puritanism): حركة دينية نشأت في إنجلترا في القرن السادس عشر، في أعقاب الإصلاح البروتستانتي. كان أتباعها يُعرفون باسم "البيوريتانيين (Puritans)"، وهي مشتقة من كلمة "Purity" التي تعني النقاء، نشأت في رد فعل على ما عدّه أتباعها نصف إصلاح ديني في الكنيسة الإنجليزية خلال عهد الملك هنري الثامن، فقد رأوا أن الكنيسة الإنجليزية لا تزال متأثرة بالعديد من التقاليد والممارسات الكاثوليكية، عارضت حكم الملك تشارلز الأول وأساقفته، خاصة رئيس الأساقفة ويليام لود، لعبت دورًا كبيرًا في الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1651)، فقد دعمت البرلمان ضد الملك. (التحرير).

[9]. سجن نيوغيت (Newgate Prison): كان واحدًا من أقدم وأشهر السجون في لندن، إنجلترا. تأسس في القرن الثاني عشر، واستمر في العمل لأكثر من 700 عام حتى تم إغلاقه وهدمه في 1902. (التحرير).

[10]. جيش البرلمان (Parliamentarian Army): كان القوة العسكرية التي شكلها البرلمان الإنجليزي لمحاربة قوات الملك تشارلز الأول خلال الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1651). كان يُعرف أيضًا باسم “الجيش النموذجي الجديد” (New Model Army) بعد إعادة تنظيمه. (التحرير).

[11]. معركة إيدجهيل: وقعت في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1642 في وارويكشاير، إنجلترا، كانت أول مواجهة كبرى في الحرب الأهلية الإنجليزية بين الملكيين بقيادة الملك تشارلز الأول والبرلمانيين بقيادة روبرت ديفيرو، إيرل إسكس. انتهت المعركة بنتيجة غير حاسمة، فقد أظهر كلا الطرفين قوة متكافئة، مع خسائر فادحة تجاوزت 1,000 قتيل من كل جانب. على الرغم من أن القوات الملكية حققت تقدمًا أوليًا بفضل سلاح الفرسان بقيادة الأمير روبرت، إلا أن غياب التنسيق الاستراتيجي حال دون تحقيق نصر حاسم. شكلت المعركة نقطة انطلاق لصراع طويل ودموي استمر لسنوات، وأظهرت أن الحرب لن تُحسم بسهولة، لتصبح معركة إيدجهيل رمزًا لبداية التحدي الكبير بين الملكية المطلقة والسلطة البرلمانية في إنجلترا. (التحرير).

[12]. غناء المزامير عند دخول المعارك كان تقليدًا دينيًا تبناه جيش البرلمان الإنجليزي (Parliamentarian Army)، خاصة خلال فترة الحرب الأهلية الإنجليزية (1642–1651). كان هذا التقليد ناتجًا عن التأثير البيوريتاني (Puritanism)، الذي كان يؤكد على العودة إلى الكتاب المقدس مصدرًا وحيدًا للإيمان والعبادة، مع التركيز على المزامير (Psalms) الموجودة في العهد القديم. (التحرير).

[13]. Habeas Corpus  (الحق القديم في أمر الإحضار): مصطلح قانوني لاتيني يعني حرفيًا “أحضروا الجسد” أو “ليكن لديك الجسد”. يُشير هذا الحق إلى مبدأ قانوني أساسي يُلزم السلطات بإحضار شخص محتجز أو معتقل إلى المحكمة لتوضيح أساس قانوني لاحتجازه، وضمان عدم احتجازه بشكل تعسفي أو دون محاكمة عادلة. (التحرير).

[14]. توماس جيفرسون (1743-1826) هو الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية وأحد أبرز الآباء المؤسسين. اشتهر بكونه المؤلف الرئيس لإعلان الاستقلال الأمريكي، فقد أكد على مبادئ الحرية، المساواة، وحقوق الإنسان غير القابلة للتصرف. شغل منصب وزير الخارجية ونائب الرئيس قبل أن يتولى الرئاسة (1801-1809)، وأبرم صفقة شراء لويزيانا التي ضاعفت مساحة الولايات المتحدة. أسس جامعة فرجينيا وساهم في ترسيخ مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة. رغم دعوته للمساواة، ظل موقفه من العبودية متناقضًا. يُعد جيفرسون شخصية محورية في التاريخ الأمريكي، حيث ترك إرثًا فكريًا وسياسيًا أثر في الحركات الديمقراطية حول العالم. يشير كاتب المقالة إلى أن كتابات جيفرسون حول الحرية وحقوق الإنسان تبدو حذرة مقارنةً بالكتابات الحماسية لجون ليلبورن. الكاتب يقارن بين الراديكالية الصريحة لجون ليلبورن، الذي كان يطالب بالمساواة المطلقة وحرية التعبير دون قيود، وبين توماس جيفرسون، الذي رغم كتابته لإعلان الاستقلال الأمريكي والدعوة إلى "المساواة بين البشر"، كان يُنظر إلى مواقفه على أنها أكثر اعتدالًا أو تحفظًا، خاصة فيما يتعلق بالعبودية وحقوق الأقليات. (التحرير).

[15]. حركة المستويين (Levellers): حركة سياسية واجتماعية إنجليزية نشأت خلال الحرب الأهلية الإنجليزية (1642–1651). دعت الحركة إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي الجذري، والمساواة بين جميع المواطنين، واعتبرت واحدة من أوائل الحركات الديمقراطية المنظمة في التاريخ الحديث. (التحرير).

[16]. ريتشارد أوفرتون كان كاتبًا سياسيًا وناشطًا إنجليزيًا بارزًا في القرن السابع عشر وأحد قادة حركة المستويين (Levellers) خلال الحرب الأهلية الإنجليزية. اشتهر بدفاعه القوي عن الحقوق الطبيعية، حرية التعبير، والعدالة الاجتماعية، وكتب العديد من الكتيبات المؤثرة مثل "سهم ضدّ كل الطغاة" (An Arrow Against All Tyrants)، حيث دعا إلى المساواة السياسية وحرية الصحافة. تعرض للسجن عدة مرات بسبب كتاباته، لكنه استمر في نضاله من أجل الحرية والعدالة، مما جعله أحد رواد الفكر الديمقراطي الحديث. (التحرير).

[17]. ويليام والوين كان كاتبًا وناشطًا سياسيًا إنجليزيًا وأحد القادة الفكريين البارزين في حركة المستويين (Levellers) خلال الحرب الأهلية الإنجليزية. اشتهر بدفاعه عن الحرية الدينية، المساواة الاجتماعية، والحقوق المدنية، معتبراً أن الإصلاح السلمي والحوار الفكري هما السبيل لتحقيق العدالة. تميزت كتاباته، مثل "إعلان" (A Manifestation)  و"قوّة الحب" (The Power of Love)، بأسلوب هادئ ومنطقي، مما جعله أحد الأصوات البارزة التي ساهمت في تشكيل الفكر الديمقراطي الحديث. (التحرير).

[18]. الأنتميونيون هم أتباع حركة دينية مسيحية ظهرت في القرن السادس عشر والسابع عشر في أوروبا وإنجلترا، خاصة في فترة الإصلاح البروتستانتي. يُعرفون برفضهم لفكرة أن المؤمنين ملزمون باتباع القوانين الأخلاقية التقليدية أو الشريعة الدينية، باعتبار أن الإيمان وحده كافٍ للخلاص. (التحرير).

[19]. المعمدانيون طائفة مسيحية بروتستانتية نشأت في إنجلترا خلال القرن السابع عشر في إطار حركات الإصلاح الديني. يؤمنون بأن المعمودية يجب أن تُمنح للبالغين فقط بناءً على إيمان واعٍ، وتجري عن طريق التغطيس الكامل في الماء. يتمسكون بأن الكتاب المقدس هو السلطة العليا للإيمان، ويدافعون عن فصل الكنيسة عن الدولة والحرية الدينية الكاملة. تُدار كنائسهم بنحو مستقل محليًا دون سلطة مركزية، ويؤمنون بـالمساواة بين المؤمنين وحق كل فرد في قراءة الكتاب المقدس وتفسيره. لعب المعمدانيون دورًا مهمًا في نشر قيم الحرية الدينية والعدالة الاجتماعية في أوروبا وأمريكا، مما جعلهم أحد أكبر الطوائف المسيحية البروتستانتية في العالم اليوم. (التحرير).

[20]. جون ميلتون (1608–1674) كان شاعرًا ومفكرًا إنجليزيًا بارزًا، يُعد أحد أعظم الشعراء في الأدب الإنجليزي. اشتهر بملحمته الشعرية "الفردوس المفقود" (Paradise Lost)، التي تناولت سقوط الإنسان من الجنة، مجسدةً قضايا الإيمان، الحرية، والخلاص. كان مدافعًا قويًا عن حرية التعبير والصحافة، ويتجلى ذلك في كتيبه الشهير "Areopagitica"، الذي عارض فيه الرقابة على المطبوعات. انخرط في السياسة خلال الحرب الأهلية الإنجليزية، مؤيدًا جمهورية أوليفر كرومويل ومعارضًا للاستبداد الملكي. رغم فقدانه بصره لاحقًا، واصل الكتابة، تاركًا إرثًا فكريًا وأدبيًا عظيمًا أثرى الثقافة العالمية. (التحرير).

[21]. "أريوباجيتيكا" (1644) هو كتيب شهير كتبه جون ميلتون في دفاع قوي عن حرية التعبير وحرية الصحافة، ورفض الرقابة المسبقة على المطبوعات التي فرضها البرلمان الإنجليزي عام 1643. استوحى ميلتون عنوانه من "مجلس الأريوباغوس الأثيني"، رمز النقاش الحر والعدالة. جادل ميلتون بأن الرقابة تقتل الفكر والإبداع، وأن الحقيقة لا يمكن أن تزدهر إلا من خلال المواجهة المفتوحة للأفكار المتعارضة. عُدّ الكتاب من أعظم النصوص الداعية إلى حرية الرأي والتعبير، وظل مرجعًا أساسيًا في النقاشات حول حقوق الإنسان وحرية الصحافة عبر التاريخ. (التحرير)

[22]. شبّه الكاتب وزير الخارجية الأمريكي في إدارة جو بايدن؛ أنتوني بلينكن بـأوليفر كرومويل لأن كليهما يُجسدان تناقضًا بين الخطاب المثالي والممارسة الواقعية للسلطة. قدّم كرومويل نفسه بوصفه مدافعًا عن الحرية والديمقراطية أثناء الحرب الأهلية الإنجليزية، لكنه انتهى ليكون حاكمًا استبداديًّا قمع المعارضة وفرض رقابة صارمة. بالمثل، يُنظر إلى بلينكن بوصفه رمزًا للسياسة الخارجية الأمريكية التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما تتهم ممارساته أحيانًا بدعم أنظمة استبدادية أو التغطية على انتهاكات إنسانية لتحقيق مصالح سياسية، كدعم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزّة وتغطيتها دبلوماسيًّا ودعائيًّا على مستوى العالم وداخل الولايات المتحدة. التشبيه يُبرز كيف يمكن للقوة المُطلقة، حتى وإن كانت ترتدي عباءة الإصلاح، أن تُمارس أشكالًا من القمع إذا لم تكن مقيدة بالمبادئ التي تدّعي الدفاع عنها. (التحرير).

[23]. شير إلى أنه لن ينتظر ضعف كرومويل أو سقوطه السياسي، بل سيواجهه وهو في أوج نفوذه. (التحرير).

[24]. جيرارد وينستانلي (1609–1676) كان كاتبًا ومصلحًا اجتماعيًا إنجليزيًا وأحد أبرز قادة حركة الحفارين (Diggers) خلال الحرب الأهلية الإنجليزية. دعا إلى الملكية الجماعية للأراضي، والمساواة الاجتماعية، والعدالة الاقتصادية، منتقدًا الفوارق الطبقية والفساد في النظام الإقطاعي. في كتابه "قانون الحرية في نموذج مُفصل" (The Law of Freedom in a Platform)، طرح رؤيته لمجتمع عادل قائم على الملكية المشتركة والعمل الجماعي، ويتمتع الجميع فيه بحقوق متساوية في الموارد. كانت أفكاره سابقة لعصرها، ومثّلت نواة للفكر الاشتراكي الحديث، مما جعله رمزًا للنضال ضد الظلم الاجتماعي والاقتصادي. (التحرير).

[25]. حركة الحفارين (Diggers) كانت حركة اجتماعية وسياسية إنجليزية نشأت خلال الحرب الأهلية الإنجليزية (1642–1651) بقيادة جيرارد وينستانلي. دعت الحركة إلى إلغاء الملكية الخاصة للأراضي وعدّها ملكًا مشتركًا للجميع، وتزرع بنحو جماعيّ لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية. رأى الحفارون أن الفقر وعدم المساواة ناتجان عن احتكار الأراضي من قِبل الأثرياء والنخبة، وأن الأرض حق طبيعي لكل إنسان. أسسوا مجتمعات زراعية صغيرة على أراضٍ عامة مهجورة، ممارسين العمل الجماعي والتوزيع العادل للموارد. رغم قمعهم بسرعة من قِبل السلطات والنخبة المالكة للأراضي، إلا أن أفكارهم تركت إرثًا فكريًا ملهمًا للحركات الاشتراكية والعدالة الاجتماعية في العصور اللاحقة. (التحرير).

[26]. الباحثون (Seekers) كانت حركة دينية بروتستانتية نشأت في إنجلترا خلال القرن السابع عشر، خاصة أثناء الحرب الأهلية الإنجليزية، في رد فعل على الفساد الديني والسلطة المطلقة للكنيسة الأنجليكانية والبيوريتانية. رفض أتباعها أي سلطة كنسية مؤسسية أو طقوس دينية مفروضة، معتقدين أن الوحي الإلهي يمكن أن يُكشف مباشرة للأفراد من خلال الروح القدس، دون وسيط كنسي. كانوا يشككون في شرعية أي كنيسة منظمة، ورأوا أن الحقيقة الروحية لا تزال قيد الاكتشاف. تميزت حركتهم بالمرونة الفكرية والانفتاح على النقاشات الدينية، مما جعلها نواة لحركات دينية لاحقة، مثل الكويكرز (Quakers)، وأثرت في تطور الحرية الدينية وحقوق الضمير. (التحرير).

[27]. سكان المستنقعات المسلحون كانوا مجموعات من المزارعين والفلاحين الفقراء الذين عاشوا في مناطق المستنقعات الإنجليزية (Fens) خلال القرن السابع عشر، وثاروا ضد محاولات النخب الإقطاعية والمستثمرين الأثرياء لتجفيف أراضي المستنقعات وتحويلها إلى مزارع خاصة مربحة. رأى هؤلاء السكان أن المستنقعات مصدر رزقهم وحقهم الطبيعي للصيد والزراعة والرعي. قاوموا عمليات التجفيف عبر التخريب المباشر للأعمال الهندسية والمواجهة المسلحة أحيانًا. كانوا جزءًا من حركات أوسع تطالب بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وعكست حركتهم نضال الطبقات الفقيرة ضد استغلال النخب واحتكار الموارد الطبيعية، لتصبح رمزًا للمقاومة الشعبية ضد الظلم الاجتماعي. (التحرير).

[28]. توماس بين (1737–1809) كان كاتبًا وفيلسوفًا سياسيًا إنجليزيًا، يُعد أحد أبرز مفكري عصر التنوير والداعمين الأوائل لأفكار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. لعب دورًا حاسمًا في الثورة الأمريكية من خلال كتيبه الشهير "الفكر السليم" (Common Sense) الذي حث فيه المستعمرين على الاستقلال عن بريطانيا. كما دافع في كتابه "حقوق الإنسان" (Rights of Man) عن المبادئ الجمهورية والمساواة الاجتماعية، وهاجم الاستبداد الملكي. في "عصر العقل" (The Age of Reason)، دعا إلى التفكير العقلاني ونبذ التعصب الديني. رغم تعرضه للاضطهاد في كل من بريطانيا وفرنسا بسبب آرائه، ترك بين إرثًا فكريًا هائلًا ساهم في تشكيل أسس الديمقراطية الحديثة والحقوق المدنية. (التحرير).

[29]. برج لندن هو قلعة تاريخية شهيرة تقع على الضفة الشمالية لنهر التايمز في لندن، المملكة المتحدة، بناه ويليام الفاتح عام 1078 لبكون حصنًا لحماية المدينة وترسيخ سلطته. لعب البرج أدوارًا متعددة عبر التاريخ كـقصر ملكي، وسجن سياسي، ومستودع أسلحة، ودار سك النقود، ومكان لإعدام الشخصيات البارزة. اشتهر بصفته سجنًا للمعتقلين السياسيين والمعارضين، فقد احتُجز فيه شخصيات بارزة مثل آن بولين وتوماس مور. (التحرير).

 

[30]. قلعة جبل أوريغيل (Mont Orgueil Castle) هي قلعة تاريخية تقع على جزيرة جيرسي، إحدى جزر القنال الإنجليزي التابعة للتاج البريطاني. بُنيت في القرن الثالث عشر لتكون حصنًا دفاعيًّا ضد التهديدات الفرنسية، وظلت تلعب دورًا استراتيجيًا لعقود طويلة. تتميز القلعة بموقعها المرتفع المطلّ على البحر، ممّا وفر لها دفاعات طبيعية قوية. خلال القرن السابع عشر، استُخدمت سجنًا سياسيًّا، إذ سُجن فيها شخصيات بارزة مثل جون ليلبورن. تعكس هندستها المعمارية مزيجًا من الطرز العسكرية النورمانية والإنجليزية، وهي اليوم معلم سياحي بارز يعكس تاريخ الجزيرة المضطرب ودورها الاستراتيجي في الصراعات بين إنجلترا وفرنسا. (التحرير).

[31]. قلعة دوفر، المعروفة بـ "مفتاح إنجلترا"، هي واحدة من أقدم وأكبر القلاع في بريطانيا، تقع في مدينة دوفر على المنحدرات البيضاء الشهيرة المطلة على القنال الإنجليزي. بُنيت في عهد الملك هنري الثاني في القرن الثاني عشر لتكون حصًا دفاعيًّا استراتيجيًّا لحماية إنجلترا من الغزو الأوروبي. لعبت القلعة أدوارًا حاسمة عبر التاريخ؛ فقد استخدمت موقعًا دفاعيًّا، ومركز قيادة عسكري، وسجنًا سياسيًّا، فقد احتُجز فيها معارضون سياسيون وأسرى حرب، خاصة خلال الحرب الأهلية الإنجليزية والصراعات النابليونية. تتميز بهندستها العسكرية المتقدمة، بما في ذلك الأنفاق السرية تحت الأرض، والأبراج الضخمة، والأسوار المحصنة. خلال الحرب العالمية الثانية استُخدمت مركز عمليات حربي رئيس. اليوم، تُعد القلعة معلمًا تاريخيًا وسياحيًا بارزًا، يعكس قرونًا من التاريخ العسكري والسياسي الإنجليزي. (التحرير).

[32]. الكويكرز (Quakers)، أو جمعية الأصدقاء الدينية، طائفة مسيحية نشأت في إنجلترا في منتصف القرن السابع عشر على يد جورج فوكس في رد فعل على الفساد في الكنيسة الأنجليكانية وصرامة البيوريتانيين. يؤمن الكويكرز بأن كل إنسان يمتلك "نورًا داخليًا" يربطه مباشرة بالله، مما ينفي الحاجة إلى وسطاء دينيين كالكهنة أو الطقوس الدينية المعقدة. يشددون على البساطة، والصدق، والسلام، والمساواة، ورفض العنف، مما جعلهم روادًا في حركات إلغاء العبودية وحقوق المرأة والإصلاح الاجتماعي. تعرضوا للاضطهاد في إنجلترا، فهاجر الكثير منهم إلى أمريكا الشمالية حيث أسسوا مستعمرة بنسلفانيا ملاذًا آمنًا. ترك الكويكرز. (التحرير).

[33]. هاري مارتن (1602–1680) كان سياسيًا إنجليزيًا بارزًا وأحد البرلمانيين الراديكاليين خلال الحرب الأهلية الإنجليزية. عُرف بمواقفه الجريئة ضد الملكية المطلقة وبدعمه القوي لفكرة الجمهورية. كان من بين الموقعين على حكم إعدام الملك تشارلز الأول عام 1649، مما جعله شخصية محورية في التحول السياسي آنذاك. اشتهر بأسلوبه الساخر وخطاباته اللاذعة داخل البرلمان، كما كان داعمًا لمبادئ الشفافية والمساءلة الحكومية. رغم نفوذه السياسي، تعرض مارتن للسجن والنفي بعد استعادة النظام الملكي عام 1660.  (التحرير).

[34]. كريستوفر هيل (1912–2003) كان مؤرخًا بريطانيًا بارزًا، اشتهر بدراساته حول الحرب الأهلية الإنجليزية وتأثيرها الاجتماعي والسياسي. ركّز في أعماله على دور الحركات الشعبية والراديكالية مثل المستويين (Levellers) والحفارين (Diggers)، مع تسليط الضوء على الصراع الطبقي والديني في تلك الفترة. من أبرز كتبه "العالم انقلب رأسًا على عقب" (The World Turned Upside Down)، والذي استعرض فيه الأفكار الثورية التي ظهرت خلال القرن السابع عشر. رأى هيل أن الحرب الأهلية كانت ثورة برجوازية مهدت لنشوء الرأسمالية الحديثة، وجعلت كتاباته التاريخ أكثر شمولًا من خلال تضمين أصوات المهمشين. يُعد أحد أهمّ المؤرخين البريطانيين في القرن العشرين، وأثّرت رؤاه في فهم التاريخ الإنجليزي الحديث. (التحرير).

[35]. ناثانيال هاوثورن (1804–1864) كان روائيًا وكاتب قصص قصيرة أمريكيًا يُعد من أهمّ أدباء الأدب الأمريكي في القرن التاسع عشر. اشتهر برواياته التي تناولت الطبيعة البشرية، والصراع بين الخير والشر، وتأثير الخطيئة والذنب على النفس البشرية، متأثرًا بالخلفية البيوريتانية للمجتمع الأمريكي. من أشهر أعماله "الحرف القرمزي" (The Scarlet Letter)، التي تُعد دراسة عميقة للخطيئة والعار والفداء في مجتمع متزمت. عده الكاتب من المتزمتين المتشددين بسبب تأثير البيوريتانية الواضح عليه. (التحرير).

[36] . النيوبوريتانيون مصطلح يشير إلى حركات أو أفراد معاصرين يتبنون القيم الأساسية للحركة البيوريتانية التاريخية، مثل التشدد الأخلاقي، الرقابة الاجتماعية، والانضباط الديني الصارم، لكن ضمن سياقات حديثة. يركزون على التوبة الفردية والإصلاح الاجتماعي، ويدعون إلى فرض معايير أخلاقية صارمة على المجتمع والثقافة والإعلام. يظهر تأثيرهم بشكل خاص في بعض الحركات الدينية الأصولية والسياسية، خاصة في الولايات المتحدة، حيث يسعون إلى سن تشريعات أخلاقية تعكس رؤيتهم الدينية والاجتماعية. يُستخدم المصطلح أحيانًا بشكل نقدي لوصف النزعة الرقابية المتشددة التي تقيد الحريات الفردية تحت ستار حماية القيم الأخلاقية والدينية. (التحرير).

[37]. جيري فالويل (1933–2007) كان واعظًا إنجيليًا أمريكيًا وزعيمًا دينيًا بارزًا، لعب دورًا محوريًا في تسييس اليمين المسيحي المحافظ في الولايات المتحدة. أسس "التحالف الأخلاقي" (Moral Majority) عام 1979، الذي دعا إلى إحياء القيم المسيحية التقليدية ومناهضة الإجهاض وحقوق المثليين والعلمانية المتزايدة في المجتمع الأمريكي. كما أسس جامعة ليبرتي، التي أصبحت واحدة من أكبر الجامعات الإنجيلية. كان فالويل داعمًا قويًا لـ "إسرائيل" ومؤثرًا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خاصة في دعم رونالد ريغان. رغم تأثيره الكبير، أثارت آراؤه حول القضايا الاجتماعية والحقوق المدنية جدلًا واسعًا، وظل رمزًا للنزعة المحافظة الدينية في السياسة الأمريكية. (التحرير).

[38]. بات روبرتسون (1930–2023) كان واعظًا تلفزيونيًا أمريكيًا بارزًا، ورجل دين إنجيلي، وناشطًا سياسيًا، يُعد أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في اليمين المسيحي الأمريكي. أسس شبكة البث المسيحية (CBN) التي بثت برنامجه الشهير "نادي الـ 700"، وأسس أيضًا جامعة ريجنت (Regent University) والتحالف المسيحي (Christian Coalition). لعب دورًا محوريًا في دمج الدين بالسياسة الأمريكية، إذ دعا إلى فرض القيم المسيحية المحافظة في السياسات العامة، خاصة فيما يتعلق بـالإجهاض، وحقوق المثليين، والتعليم الديني. كان مؤيدًا قويًا لـ "إسرائيل"، وأثار العديد من تصريحاته حول القضايا الاجتماعية والكوارث الطبيعية جدلًا واسعًا. ترك إرثًا معقدًا بوصفه أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا وإثارة للجدل في السياسة والدين الأمريكي المعاصر. (التحرير).

[39]. لعل الكاتب وصف المكتبة بأنها فضيحة دولية بسبب حالتها المتردية. (التحرير).

[40]. جون لوك (1632–1704) كان فيلسوفًا إنجليزيًا يُعد أحد أهم مفكري عصر التنوير، وأبًا لـالليبرالية الكلاسيكية. ركّزت فلسفته على الحرية الفردية، الحقوق الطبيعية (الحياة، الحرية، الملكية)، وفصل السلطات. (التحرير).

[41]. فرق SWAT، اختصار لـ "Special Weapons and Tactics"، هي وحدات شرطية متخصصة نشأت في الولايات المتحدة في أواخر الستينيات لمواجهة التهديدات عالية الخطورة مثل الإرهاب، واحتجاز الرهائن، والمواجهات المسلحة، وإنهاء أعمال الشغب. تتميز بتدريبات مكثفة واستخدام أسلحة متطورة ومعدات تكتيكية عالية التقنية، وتُعد خط الدفاع الأخير في المواقف التي تتجاوز قدرات الشرطة التقليدية. تُعرف بسرعة استجابتها ودقتها في التعامل مع الأزمات، لكن انتشارها المتزايد واستخدامها أحيانًا في مواقف غير مبررة أثارا جدلًا حول عسكرة الشرطة واستخدام القوة المفرطة، مما جعلها رمزًا لكفاءة العمليات الأمنية وأحيانًا مصدرًا للانتقادات المجتمعية. (التحرير).