أرشيف إسماعيل شموط: توثيق فوتوغرافي للثورة الفلسطينية المعاصرة

أرشيف إسماعيل شموط: توثيق فوتوغرافي للثورة الفلسطينية المعاصرة

على سبيل التقديم...

في الجزء الثاني من مقالة التوثيق الفوتوغرافي للثورة الفلسطينية المعاصرة من خلال أرشيف إسماعيل شموط، وفيها بحث عن الأنماط الفوتوغرافية في الثورة الفلسطينية المعاصرة، من خلال الاشتغال على أرشيف إسماعيل شموط الفوتوغرافي. يتناول الجزء الثاني آثار الاعتداءات الإسرائيلية من خلال أرشيف إسماعيل شموط في نماذج من الصور التي تظهر آثار الاعتداءات الإسرائيلية على مناطق التواجد الفلسطيني، سواء كانوا مدنيين عزل أم من المقاومة، ومعظمها كانت ناتجة عن القصف الجوي والبري.

آثار عن الاعتداءات الإسرائيلية: العيش مع الركام 

 يظهر في النمط الثاني آثار الاعتداءات الإسرائيلية على مناطق التواجد الفلسطيني، سواء كانوا مدنيين عزل أم من المقاومة، ومعظمها كانت ناتجة عن القصف الجوي والبري. جزءًا كبير من هذه الصور كانت من التقاط إسماعيل شموط، وما تبقى فهي عن مصورة، أو قد جمعها من مصادر مختلفة. التقط بعضها شموط بعد وقوع الحدث بقليل، مثل معركة الكرامة[1]، والغارات التي شنها الجيش الإسرائيلي على بعض المخيمات في لبنان، إذ تركز على مشاهد الدمار والخراب التي خلفتها الغارات والهجمات الإسرائيلية على القرى والمخيمات الفلسطينية، وتظهر المنازل المدمرة ومظاهر الحياة اليومية وسط الأنقاضٍ والركام، كما توثق الظروف الصعبة التي عاشها الفلسطينيون وسط هذا الخراب، فيظهر السكان وهم يحاولون الاستمرار في حياتهم رغم المأساة، ما يعكس مزيجًا من الصمود والمقاومة. تصور هذه المشاهد بشكل يوثق حجم الدمار ويظهر تأثير الاعتداءات على الحياة اليومية للفلسطينيين، مركزةً على الأفراد الذين يحاولون إعادة بناء حياتها وسط الخراب. صور الدمار لم تكن فقط توثيقًا للحظات عابرة، بل أصبحت أداة تساهم في بناء السردية الفلسطينية، واستخدامها على نطاق واسع في المحافل الدولية، في المعارض والمؤتمرات، التي تدعو إلى تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، كذلك في المنشورات السياسية والثقافية التي تصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية. ومن الصعب الفصل بين صورة الدمار التي ظهرت في أرشيف إسماعيل شموط، وطبيعة الممارسة المهنية التي قام بها شموط في الميادين، واستخداماتها القابلة للتداول، وتوظيفها السياسي والاجتماعي والثقافي، ولا سيما في البعد الأيديولوجي الموجه لخدمة مصالح سياسية وتعبوية، وذلك حسب السياقات لكل مرحلة واجهتها التنظيمات الفلسطينية. وهنا سنعرض بعض الصور التي تمثل آثار الدمار، منها، إثر اعتداءات إسرائيلية متكررة على المخيمات الفلسطينية في لبنان بمطلع عام 1970، وسورية والأردن، وأخرى يصعب تحديد مكانها وتاريخها، إلا أن جميعها من إثر الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.


صورة (17)

صورة لدمار مدرسة تابعة للأونروا في منطقة برج حمود ببيروت



صورة لدمار مدرسة تابعة للأونروا إثر الاعتداءات الإسرائيلة في منطقة برج حمود ببيروت. مصورها وتاريخها مجهولان، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 8*6، ضمن المجموعة 14، ورقمها 141، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين



صورة (18)

صورة لآثار القصف الإٍسرائيلي في معركة السموع
 

صورة لآثار القصف الإٍسرائيلي في معركة السموع التي نشبت بين الجيش الإسرائيلي والجيش الأردني في تشرين الثاني/ نوفمبر 1966. مصورها وتاريخها مجهولان، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 8*6، ضمن المجموعة 14، ورقمها 7، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


 صورة (19)

صورة لفدائيين فلسطينيين أمام مباني مهدمة في بلدة الكرامة بعد المعركة

صورة لفدائيين فلسطينيين أمام مباني مهدمة في بلدة الكرامة بعد المعركة التي نشبت فيها عام 1968، من تصوير إسماعيل شموط، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 3.5*3.5، ضمن المجموعة 24، ورقمها 31، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (20)

صورة لأثر الاعتداءات الإسرائيلية على إحدى المناطق في لبنان

صورة لأثر الاعتداءات الإسرائيلية على إحدى المناطق في لبنان. مصورها وتاريخها مجهولان، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 8*6، ضمن المجموعة 14B، ورقمها 120، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (21)

صورة لأثر محاولة اغتيال بسام أبو شريف في مكتب الجبهة الشعبية عام 1972 

صورة لأثر محاولة اغتيال بسام أبو شريف في مكتب الجبهة الشعبية في بيروت عام 1972. مصورها غير معروف، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 8*6، ضمن المجموعة 14B، ورقمها 133، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (22)

صورة لنازحين فلسطينيين في المعلب البلدي في بيروت إثر القصف الإسرائيلي على المخيمات في لبنان

صورة لنازحين فلسطينيين في المعلب البلدي في بيروت إثر القصف الإسرائيلي على المخيمات في لبنان عام 1972. مصورها غير معروف، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 8*6، ضمن المجموعة 14B، ورقمها 151، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


  صورة (23)

صورة لأثر الاعتداءات الإسرائيلية على أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان

صورة لأثر الاعتداءات الإسرائيلية على أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان عام 1972. مصورها غير معروف، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 8*6، ضمن المجموعة 14B، ورقمها 101، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (24)

صورة لأثر الاعتداءات الإسرائيلية على أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان 

صورة لأثر الاعتداءات الإسرائيلية على أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان،  مصورها وتاريخها مجهولان، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 3.5*6، ضمن المجموعة 14B، ورقمها 82، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


المناسبات الوطنية والرسمية الفلسطينية

يمثل هذا النمط توثيقًا فوتوغرافيًا للأحداث الوطنية والرسمية الفلسطينية، ويتضمن مظاهر التفاعلات السياسية والثقافية للعنصر الفلسطيني خلال فترات مختلفة من الثورة الفلسطينية المعاصرة. هذه الصور، رغم أنها لم تُصور بالكامل بواسطة شموط نفسه، إلا أنها تعد موردًا لفهم كيفية تمثيل الرسمية والعلائقية في التاريخ الفلسطيني، فتنوعت لتشمل مجموعة من الأحداث الذي كان موضوعها فلسطيني، مثل: المعارض الفن الشعبي/ الثقافي على المستويين الدولي والمحلي؛ البعثات الدبلوماسية؛ الندوات والمؤتمرات؛ اجتماعات محلية؛ احتفالات ثورية – إحياء ذكرى معارك/ ونكبات ومجازر – الشهداء[2]؛ احتفالات تخرج لكتائب عسكرية/ أو أشبال وزهرات وغيرها.  

تعكس صور المعارض الدولية الجهود المبذولة لمشاركة السرد الفلسطيني مع العالم، مسلطة الضوء على صمود الهوية الفلسطينية رغم محاولات طمس من قبل الاحتلال الصهيوني. يوفر الأرشيف نافذة على كيفية استخدام هذه المعارض للسرد البصري للدعوة إلى التضامن والوعي الدولي، مما يسمح للفلسطينيين بإثبات وجودهم الثقافي على الساحة العالمية، كما يتضمن هذا النمط البعثات الدبلوماسية والجهود السياسية المعقدة للقيادة الفلسطينية في بناء العلاقات والتحالفات الدولية، حيث تعمل على توثيقٍ بصري للنضال الدبلوماسي الفلسطيني. بينما تمثل صور إحياء ذكرى المعارك والشهداء..الخ، سجلًا بصريًا للمقاومة المستمرة والذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني، ترمز صور هذه التجمعات ليس فقط إلى التحدي السياسي، ولكن أيضًا إلى الحفاظ على الجسد الفلسطيني الجمعي بشكله المادي على أقل مستوى. ويمكن القول إن هذا النمط يعمل على تعزيز السردية الوطنية - الفلسطينية، إذ يوثق اللحظات التي تجمع الأفراد الفلسطينيون حول رموزهم/ طقوسهم الوطنية. ومما لا شك في مستوى ما، أن هذه الصور معظمها نشأت لغايات إعلامية – صحافية، بأشكال الإعلام المختلفة. ونعرض ما يلي بعض الصور عن هذا النمط، وشملت مناسبات على الصعيد المحلي- الفلسطيني في لبنان، والعربي في: الكويت وسورية والجزائر، والعالمي في: إسبانيا وألمانيا الشرقية والصين.


صورة (25)

صورة لياسر عرفات وأنيس صايغ في مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت 

صورة لياسر عرفات وأنيس صايغ في مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت عام 1971، بمناسبة صدور أول عدد من مجلة شؤون فلسطينية. رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 6*6، ضمن المجموعة 39، ورقمها 01، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (26)

صورة لشفيق الحوت وإسماعيل شموط في مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير 

صورة لشفيق الحوت وإسماعيل شموط في مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحريرالفلسطينية في بيروت عام 1971، بمناسبة صدور أول عدد من مجلة شؤون فلسطينية. رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 6*6، ضمن المجموعة 39، ورقمها 35، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (27)

صورة لحفل مدرسي بمناسبة  فلسطينية في إحدى مدارس الفتيات بالكويت

صورة لحفل مدرسي بمناسبة فلسطينية في إحدى مدارس الفتيات في منطقة السالمية بالكويت، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. مصورها وتاريخها مجهولان، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 9*6، ضمن المجموعة B15، ورقمها 82، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (28)

صورة لطابور طلابي في إحدى مدارس الفتيات بالكويت

صورة لطابور طلابي في إحدى مدارس الفتيات في الكويت، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، يظهر فيها العلم الفلسطيني، ومن المرجح بهدف مناسبة ما أو ذكرى تخص القضية الفلسطينية. مصورها وتاريخها مجهولان، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 9*6، ضمن المجموعة B15، ورقمها 133.20، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


 صورة (29)

صورة لمعرض الفن الشعبي الفلسطيني في مدريد

صورة لمعرض الفن الشعبي الفلسطيني، من تنظيم منظمة التحرير الفلسطينية في المتحف الأثري الوطني بمدريد، بحضور الملكة صوفيا ومسؤولين من الحكومة الإسبانية وأحمد صدقي الدجاني، وبعض من رؤساء بعثات دبلوماسية من دول مختلفة. مصورها مجهول، رُقمنت عن أصل "سالب"، بوحدة قياس 7*6، ضمن المجموعة D23، ورقمها 02، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (30)

صورة لمعرض الفن الشعبي الفلسطيني في مدريد

صورة لمعرض الفن الشعبي الفلسطيني، من تنظيم منظمة التحرير الفلسطينية في المتحف الأثري الوطني بمدريد، بحضور الملكة صوفيا ومسؤولين من الحكومة الإسبانية وأحمد صدقي الدجاني، وبعض من رؤساء بعثات دبلوماسية من دول مختلفة. مصورها مجهول، رُقمنت عن أصل "سالب"، بوحدة قياس 7*6، ضمن المجموعة D23، ورقمها 03، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


 صورة (31)

صورة لعرض مسرحي لزهرات حركة فتح في الجزائر بمناسبة ذكرى معركة الكرامة

صورة لعرض مسرحي لزهرات حركة فتح بالجزائر بعنوان: برج السلام، بمناسبة ذكرى معركة الكرامة، بحضور ياسر عرفات وبعض الشخصيات الجزائرية. مصورها وتاريخها مجهولان، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 9*6، ضمن المجموعة 15، ورقمها 55، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (32)

صورة لوفد رسمي في أحد المخميات الفلسطينية في بيروت 

صورة لزيارة وفد من إحدى دول الاتحاد السوفياتي إلى أحد المخيمات الفلسطينية في بيروت عام 1973. المصور غير معروف، رُقمنت عن أصل "سالب"، بوحدة قياس 6*6، ضمن المجموعة C13، ورقمها 96، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


 صورة (33)

اللجنة الفلسطينية المشاركة في معرض دمشق الدولي

صورة للجنة الفلسطينية المشاركة في معرض دمشق الدولي عام 1975، مصورها غير معروف، رُقمنت عن أصل "سالب"، بوحدة قياس 6*9، ضمن المجموعة 23، ورقمها 97، من أرشيف إسماعيل شموط. 

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


صورة (34)

الجناح الفلسطيني في معرض دمشق الدولي

جانب من الجناح الفلسطيني في معرض دمشق الدولي عام 1975، مصورها غير معروف، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 9*6، ضمن المجموعة 23، ورقمها 72، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


  صورة (35)

جانب من المعرض الفن الشعبي الفلسطيني في بكين – 1973

صورة لجانب من المعرض الفن الشعبي الفلسطيني في بكين عام 1973، من إعداد إسماعيل شموط وتمام الأكحل. مصورها غير معروف، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 9*6، ضمن المجموعة B23، ورقمها 30، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


 صورة (36)
جانب من المعرض الفن الشعبي الفلسطيني في بكين – 1973

صورة لجانب من المعرض الفن الشعبي الفلسطيني في بكين عام 1973، من إعداد إسماعيل شموط وتمام الأكحل. مصورها غير معروف، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 9*6، ضمن المجموعة B23، ورقمها 29، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


 صورة (37)

جانب من معرض إسماعيل شموط وتمام الأكجل في برلين - 1976 

صورة لجانب من معرض فني - فلسطيني لإسماعيل شموط وتمام الأكحل في برلين الشرقية، ضمن فعاليات "التضمان مع الشعب الفلسطيني" في متحف بيرغامون عام 1976. مصورها غير معروف، رُقمنت عن أصل "سالب"، وحدة قياس 6*6، ضمن المجموعة B23، ورقمها 128، من أرشيف إسماعيل شموط.

المصدر: أرشيف ذاكرة فلسطين


ملامح أولية حول الفوتوغرافيا الفلسطينية من العينية المشغولة: مخرج نقدي

في ما سبق، كان عرضًا وصفيًا لعينة من أرشيف إسماعيل الفوتوغرافي المنجز منه[3]، تم موضعتها كمواد عينية في ثلاثة أنماطٍ، ظهرت من خلالها الخط الناظم الذي يقدم ملمحًا عن التوثيق الفوتوغرافي في سياق الثورة الفلسطينية بشكلٍ ضمني[4]. كما تشكل هذه الورقة المرحلة الأولى من مشروع بحثي كبير يهدف إلى تقصي أرشيف شموط بشكله الكلي عنده الانتهاء من رقمنته وأرشفة مواده بشكلٍ منهجي، إذ تكشف الخطوط الناظمة للصورة الفوتوغرافية في الثورة الفلسطينية المعاصرة، وعلاقتها بمبنى المخيال الفلسطيني. إلا أن في هذه المقالة، تشكل نقطة انطلاق نقوم من خلالها فحص ملامح الفوتوغرافيا الفلسطينية في أرشيف شموط.

ترتبط الأنماط السابقة للصور الفوتوغرافية ببعضها البعض، من خلال علاقات فرعية تعمل على أساس المكون الفلسطيني. فالنمط الأول: معسكرات الثورة الفلسطينية، والثاني: الدمار وآثار الاعتداء الإسرائيلي، والثالث: المناسبات الاجتماعية – السياسية – الثقافية المتعلقة بالقضية الفلسطينية. يجمع هذه الأنماط بمستوى أول، هو: العنصر الفلسطيني، يتمظهر في محاولات إثبات الذات الفلسطينية بشكلٍ جمعي. فصورة المعسكرات تمثل روح المقاومة والاستعداد الدائم لمواجهة قوى الاحتلال الصهيوني واستعادة الأرض التاريخية.

 أما عن صور الدمار/ الركام والاعتداءات وبشكلٍ مجرد عن بعدها الوظيفي في تسجيل وتوثيق جرائم الاحتلال الصهيوني، فهي تمثل المأساة الدائمة التي تشكل العنصر الفلسطيني، وذلك تمأسس تاريخيًا منذ حدث النكبة، كحدث مؤسس لحالة الطوارئ الدائمة التي أساسها الفقدان [5]. كذلك يتمثل في النمط الثالث: المناسبات الرسمية والمحلية التي تخص العنصر الفلسطيني بذاته، فهي تشير إلى تفاعلات اجتماعية مبنية بهدف تداول العنصر الفلسطيني. بمعنى آخر، أن العنصر الفلسطيني هو الرابط المشترك لهذه الأنماط الثلاثة.

تعد الصورة الفوتوغرافية لحظة زمنية - مرئية دقيقة من العالم الملموس، فهي تشكل أجزاء من الثانية من التاريخ المادي، تتجسد مرئيًا في منتج مادي ذات قياسات معينة، وتتخذ فيما بعد وظيفتها التفاعلية كمنتوج ثقافي قابل لتداول داخل نسقٍ ما[6]. فالصورة الفوتوغرافية، في بعدها الثقافي، مساحة للتأمل والتفاعل، فهي ليست مجرد وسيلة لنقل حدثٍ ما، أو تسجيله، بل هي نص بصري مؤطر يحمل في طياته معانٍ وتفاسير متداخلة ترتبط بالسياق الذي أنتجت فيه. ومن خلال تحليل عينة من أرشيف إسماعيل شموط الفوتوغرافي، يمكن التوصل إلى فهم أعمق حول ماهية الصورة الفلسطينية في سياق الثورة الفلسطينية المعاصرة، حيث أنها تتجاوز المستوى المادي للحدث المسجل ليصل إلى دلالات تحيلنا إلى مفاهيم المقاومة، والهوية، المآساة.

 وبفعل الشق التاريخي الذي عاشه الشعب الفلسطيني[7]، فإن هويته تموضعت بين التحوير والتحولات في الشروط الاجتماعية – التاريخية، فالمادة التاريخية – البصرية عن هذا الشعب تمثل إعادة إنتاج الهوية الفلسطينية وفقًا لترسيمات معينة، قلما تم تجاوزها، وهي مؤسسة على فعل استمرارية الاستعمار الصهيوني الإحلالي، فتنتج أشكالًا جديدة من الهوية شريطة انتهاء الحالة الاستعمارية، ليكون ما هو فلسطيني خارج الترسيمات السابقة التي أنتجها الاستعمار. وهذا على مستوى التفكيك الثقافي للمنتج البصري – الفلسطيني، دون الخوض في اقحامات الهوية الفلسطينية وتشكيلها[8]، وبعنصر الصورة الفوتوغرافية في هذا السياق، تظهر التمثلاث الذهينة التي تبيّن البنى الداخلية للمكوّن الفلسطيني، وهي تمثلات تحكم الواقع المعاش للفرد والجماعة، وكيف يرى العالم من حوله، وكيف يعرّف ذاته[9].

وبذلك تنسدل لنا دلالات مرئية عن ماهية هذه البنى وفقًا لشروطها التاريخية وتمحورتها البنوية، التي تشكل النسق الثقافي البصري لما هو فلسطينيّ، إذ أن في ثناياها تخضع لمنظومة استعمارية تعمل بضمنية على ترسيخ هذه البنى بفعل استمراريتها. في حين تتشكل الدلالات من بعد تفكيكها وإعادة موضعتها داخل البناء الاجتماعية؛ وتقدم  شيئًا ما من ملامح الضمير الجمعي الفلسطيني[10]، فالوظيفة من الصورة لا تعمل على أساس الرسالة التي تريد أن تنقلها بحد ذاتها، بل تكمن بشكلٍ رئيس على تلك الانفعالات التي تتركها[11].

وما ينبثق من دلالات ورموز عن الصورة الفوتوغرافية الفلسطينية في العينة الأرشيفية؛ بطبيعتها المنتجة كمعطى مسبق خارج إنتاجات الفرد "إسماعل شموط"، فتحيل إلى مدخل معرفيّ عن "الوعي الجماعي"[12] - الفلسطيني، وذلك وفقًا للنسق الذي يعيد إنتاج نفسه داخل تلك ترسيمات، بوسيطٍ بصري أو غيره[13]. ويخرج من الكيان اللامادي المتولد من المجتمع، مجموعة من الأفكار والأحاسيس والصور والقيم، وهي عناصر الوعي الجماعي؛ والمجتمع ما هو إلا نتاج ذلك، أي "المجتمع انبثاق عن الوعي الجماعي"[14].

ويمكن القول إن الصورة الفوتوغرافية - الفلسطينية بمستواها اللامادي وفقًا للترسيمات السابقة، وعلاقتها مع الهوية، تمثل "خطاب مشكّل كمتتالية غير قابلة للتقطيع"[15]، تسير على نسق الإعلان والحضور للكيان الفلسطيني. وما خرجنا به  بعد العمل على عينة من أرشيف إسماعيل شموط المنجز، من تحليلٍ وتصنيف، هو مستوى أول من كشف الغبار حول ما ينبثق من دلالات ورموز وتأولات في مفاهيم عديدة، مثل: الوعي الجمعي البصري لما هو فلسطيني بحد ذاته، والذي تمثل لنا بثلاثة أنماط تشير إلى: المقاومة، المآساة، الهوية الفلسطينية/ بشكلها المادي.

وفي نهاية المطاف، لم تهدف هذه الورقة إلى الخوض بشكل معمق في التحليل البصري الاجتماعي لهذه العينة، وإنما حاولت تأسيس ملامح ما يقدمه أرشيف إسماعيل شموط الفوتوغرافي بوصفه مادة تاريخية مرئية، وأن نؤسس لمدخل حول الامكانات الذي يقدمها هذا الأرشيف، والتعامل مع هذه المواد البصرية في حقل الدراسات الفلسطينية، نظرًا لحجمها الكبير، ووفقًا للسلطة الرمزية التي تكتسبها، كونها تتبع بشكلٍ أو بآخر، إلى نتاج كيان سياسي – عسكري. وما تضمن في هذه الورقة هو وصف لعينة من أرشيف شموط الفوتوغرافي، دون الخوض في تحليلها المعمق وكشف بنيتها الاجتماعية وفقًا لنسقٍ ما.


[1] مرجع سابق، بشار شموط، 2020: 86

[2] غالبًا من القادة العسكريين والسياسيين

[3]ضمن المشروع الأرشيفي "ذاكرة فلسطين".  المنجز: المواد التي تمت أرشفتها بشكلٍ منهجي.

[4] يقصد هنا عن مبادئ التوثيق الواعي لذاته، الذي يعتمد على أسس منهجية وعلمية لهذه العملية، فإسماعيل في تصويره وجمع هذه الصور لم يكن ينوي التوثيق أو ما شابه، فأهدافه غير واضحة، ولا سيما دوره المهني في وحدة التصوير الفوتوغرافي في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي أتاح هذه الأرشيف الضخم بالتشكل. وكما أسلفنا بالسابق فلهذه الصور لها استخدامات عديدة ..الخ. أما عن التوثيق المقصود فهو أن نتعامل معه كمنتج مادي – بصري غير منزوع السياق بالتأكيد.

[5] إسماعيل ناشف، "التعبير عن النكبة: مقاربة نظرية"، بيروت: مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 116، 2018: 195

[6] ينظر: رولان بارت، الغرفة المضيئة (تأملات في التوتوغرافيا)، ترجمة هالة نمر (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2010)، 32.

[7] المقصود، على أقل تقدير، من فعل النكبة إلى الشتات بشقيه الثقافي والمادي/ الجغرافي.

[8] المقصود أن هناك هوية فلسطينية خارج تلك الترسيمات المنتجة من قبل الاستعمار، وتقترب إلى أن تكون شبه مستقل، إلا أن المقصد في هذا السياق كيف يتمثل المنتج البصري الفلسطيني في المخيال والتعبير عن الذاته. للمزيد حول هذه المسألة، ينظر: مرجع سابق، إسماعيل ناشف، 2018

[9] عبد الرحيم كمال، "سيمولوجيا الصورة الفوتوغرافية: بارث نموذجًا"، المغرب: مجلة علامات، العدد 16، 2001، 96عبداله

[10] حسن عبد  الرحمن البرميل. "الضمير الجمعي الفلسطيني"، مجلة جامعة القدس المفتوحة للبحوث الإنسانية والاجتماعية، العدد 28، 2012، ص 298

[11] فالنتينا غراسي، مدخل إلى علم اجتماع المخيال: نحو فهم الحياة اليومية، ترجمة محمد عبد النور وسعود المولى (بيروت/ الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2018) ص 58

[12] المرجع نفسه، ص 50

[13] مرجع سابق، إسماعيل ناشف، 2018: ص 192

[14] مرجع سابق، فالنيتيا غراسي، 2018: ص 50

[15] مرجع سابق: عبد الرحيم كمال: 2001: ص 98