اتفاق أوسلو في وعي أسرى الثورة الفلسطينية (١٩٦٧_١٩٨٥)

على سبيل التقديم....
بعد انقضاء أكثر من ثلاثين عامًا على توقيع اتفاق أوسلو، ما زال يشّكل الاتفاق حالة جدل بين مؤيد ومعارض، وبالعودة إلى الماضي يتبادل إلى الأذهان سؤالًا حول رأي من رافقوا الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وأطلقوا معه الرصاصة الأولى في الأول من كانون الأول/ يناير عام ١٩٦٥، معلنين انطلاقة حركة فتح ومؤكدين أن الكفاح المسلح نهج تحرير الأرض ودحر العدو الإسرائيلي، فعبر العديد الحدود بسلاحهم ورصاصهم واعتقلوا في السجون الإسرائيلية.
في هذا المقال نحاول فهم موقف رفاق (أبو عمار) من اتفاق أوسلو، بعد مشاركتهم في عمليات نضالية مختلفة وعديدة بين عامي ١٩٦٧ و١٩٨٥ العام الذي تحرر غالبيتهم فيه عبر صفقة تبادل بين الجبهة الشعبية-القيادة العامة والجانب الإسرائيلي، تعرف باسم عملية الجليل أو اتفاقية جبريل، ولفهم هذا الموقف أجرت الباحثة مقابلات نوعية مع عدد من أسرى محرري هذه الصفقة في الفترة بين عامي ٢٠٢٣-٢٠٢٥.
لمحة تاريخية عن اتفاق أوسلو
اتسمت العلاقات الإسرائيلية والفلسطينية بالصراع لوقت طويل، لم تعترف إسرائيل خلاله بمنظمة التحرير الفلسطينية، بالمقابل كانت منظمة التحرير تعتبر الكيان الإسرائيلي غير شرعيًا، ما دفع الطرفين للبحث عن حلول سلميّة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (١٩٨٧_١٩٩٣)[1] .
في عام ١٩٩١ وضع حجر أساس اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بعد سلسلة من جولات مفاوضات سريّة في العاصمة النرويجية (أوسلو)، استمرت حتى ١٣ أيلول/ سبتمبر ١٩٩٣، بحضور الرئيس الأميركي (بيل كلينتون)، ورئيس الوزراء الإسرائيلي (إسحق رابين)، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية (ياسر عرفات)، ونص الاتفاق على الاعتراف المتبادل بشرعية منظمة التحرير من جهة، وحق إسرائيل في الوجود من جهة أخرى، وإنشاء سلطة فلسطينية مؤقتة تحكم الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة خمس سنوات مع الانسحاب الإسرائيلي تدريجيًا منها، في ما أجل الحديث عن القضايا الجوهرية المتعلقة بالقدس والمستوطنات والحدود والمياه الإقليمية لمفاوضات الحل النهائي[2].
في عام ١٩٩٥ وقع اتفاق طابا (أوسلو ٢)، ونص على تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: أ تابعة لسيطرة السلطة الفلسطينية بالكامل، ب: منطقة مشتركة بين الطرفين، ج: تابعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي بالكامل، وقد مهّد الاتفاق الطريق نحو قيام السلطة الفلسطينية عام ١٩٩٤، واعتبر أول اعتراف متبادل ورسمي بين الطرفين، وأسس قاعدة تفاوضية بينهما استمرت حتى اليوم[3].
من هم أسرى الثورة الفلسطينية المعاصرة
ربط بعض المؤرخين بداية الثورة الفلسطينية المعاصرة بانطلاق حركة فتح في الأول من يناير عام ١٩٦٥، وخاصة بعد عملية تفجير نفق عيلبون الذي يرفد المستعمرات الإسرائيلية في صحراء النقب بالمياه القادمة من نهر الأردن، وآخرين ربطوها بمعركة الكرامة عام ١٩٦٨ التي شارك فيها ثوار حركة فتح، ومع انطلاق الثورة توالت العمليات النضالية التي نفذتها حركتي فتح والجبهة الشعبية ضد الكيان الإسرائيلي في أواخر الستينيات وما بعدها، مثل: سلسلة عمليات خطف الطائرات مثل طائرة العال رقم ٤٢٦ و٢٥٣، وطائرة سابينا رقم ٥٧١ التي نفذتها منظمة أيلول الأسود، وعملية ميونخ وغيرها من العمليات، والتي كان الأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي أحد أبرز نتائجها، إضافة إلى أسر العديد من المنتمين لمعسكرات حركة فتح خارج فلسطين والذين كلّفهم أبو عمار وأبو جهاد (خليل الوزير) بعبور نهر الأردن وتنفيذ عمليات في الداخل المحتل وتأسيس قواعد عسكرية فيها.[4]
يطلق مصطلح أسرى الثورة الفلسطينية المعاصرة على مجموع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية منذ انطلاق الثورة ولغاية اليوم، ولكن يعتبر أسرى مرحلة الكفاح المسلح الممتدة بين عامي ١٩٦٥ - ١٩٨٥، هم الفئة التي رافقت قيادات حركتي فتح والجبيهة الشعبية آنذاك، وأقسمت قسم الثورة على أن لا تترك السلاح حتى تحرير كل شبر من الأراضي الفلسطينية، تدربت هذه الفئة في معسكرات الثورة الموزعة في الأردن والعراق ولبنان وسورية ومصر، مثل معسكر الهامة في سورية، ومعسكر الرشيد في العراق، وغيرها من القواعد التدريبية على استخدام أسلحة بسيطة مثل: الدكتريوف، الكلاشنكوف، الهاون، وأعدتهم جسديًا وتعبويًا، ثم أمرتهم بقطع الحدود والعبور إلى فلسطين والاشتباك مع الجنود الإسرائيليين واغتنام أسلحتهم، نذكر من هذه العمليات عملية الساحل التي نفذتها الشهيدة دلال المغربي بتخطيط من الراحل خليل الوزير (أبو جهاد) عام ١٩٧٨، برفقة عشرة فدائيين عبروا من لبنان إلى الساحل الفلسطيني وقتلوا ثلاثين قتيلًا إسرائيليًا قبل استشهادهم وأسر اثنين منهم في سجون العدو[5].
اتفاق أوسلو في وعي أسرى الثورة الفلسطينية (١٩٦٧_١٩٨٥)
بعد مضي أكثر من ثلاثين عامًا على اتفاق أوسلو، تساءلنا عن رأي أسرى الرعيل الأول من الثورة الفلسطينية، الذين رافقوا الرئيس الراحل ياسر عرفات "أبو عمار" خلال مسيرته قبل توقيع اتفاق أوسلو، وتحرروا من سجون الاحتلال في عملية الجليل عام ١٩٨٥ أو انتهت فترة محكوميتهم قبلها أو بعدها، ممن واكبوا الاتفاق بعد تحررهم أو خلال وجودهم داخل السجون، كيف استقبلوا خبر التوقيع؟ وهل تم استشارتهم بفكرة الاتفاق؟ وما تقيمهم لمجمل العملية السلمية المتمثلة بالسلطة الفلسطينية؟ وللإجابة على هذه الأسئلة تمكنت الباحثة من عمل مقابلات نوعية مع عدد من الأسرى المحررين خلال عملها في وحدة ذاكرة الأسرى في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بين عامي ٢٠٢٣ و٢٠٢٥، نقتبس حرفيًا ما قالوه خلال هذه المقابلات وبلهجتهم العامية، في محاولة لفهم تصورهم عن اتفاق أوسلو.
يقول الأسير المحررة عبد الحميد القدسي، الذي انضم إلى صفوف الثورة الفلسطينية عام ١٩٦٢، وشغل مقام ضابط الارتباط بين منطقتي الضفة الغربية والشرقية، واعتقل في سجون الاحتلال بتهمة الانتماء إلى حركة فتح عام ١٩٦٧، ثم حكم عليه سبعة أعوام وتحرر عام ١٩٧٤ وأبعدت إلى الأردن ليعود إلى فلسطين بعد اتفاق أوسلو عام ١٩٩٤، ولازم "أبو عمار" حتى وفاته: "أنا واكبت أبو عمار، وصلنا لتونس وكان الاتفاق مع بورقيبة البقاء فيها عشر سنين، وإحنا بقينا ١٢ سنة، وصار ضغط علينا أكثر من اللازم للخروج من تونس، ونقلنا إلى السودان وجنوب ليبيا وصرنا نبعد عن أرض الصراع، وأبو عمار بده يرجع إلى أرض الصراع بدل المنفى له ولقواته وهذا سبب موافقته على أوسلو، فاستبقهم ورجع إلى فلسطين، إلى أن اكتشف أعدائنا إنه موافقته على أوسلو لسبب ما في نفسه، ووقتها صرح تصريحه المشهور "شهيدًا شهيدًا شهيدًا" وأنا بعرف أبو عمار اختار أن يكون شهيدًا، وأنا رجعت معه لأني مؤمن إني بدي أفرجي أولادي يافا وأخذتهم وعرفتهم عليها". وعند سؤاله عن رأيه في المشروع السلمي وعمل السلطة الفلسطينية التي أصبح جزءًا منها بعد حريته قال: "ما بعد أوسلو يعتبر استمرار لحالة الصراع مع المحتل"[6].
الأسير المحرر محمود طويط، اعتقل في سجون الاحتلال في ٢٧ أيلول/ سبتمبر ١٩٧٤ وتدرب في معسكرات حركة فتح في سورية، وأوكلت إليه مهمة الاشتباك مع جنود الاحتلال خلال عبور الحدود إلى فلسطين، ثمّ تحرر في عملية الجليل عام ١٩٨٥ وعاد إلى الأردن، يقول: "أنا جذري ثوري وإيماني المطلق بالتحرير الكامل والجذري والشمولي في كل شيء، ولا أؤمن بأي مرحلة من المراحل إلا كسياسة عابرة"[7].
الأسيرة المحررة عائشة عودة؛ اعتقلت الأول من آذار/ مارس ١٩٦٩ وحكمت مدى الحياة، ثم تحررت في صفقة النورس عام ١٩٧٩ وأبعدت إلى الأردن حتى عادت إلى فلسطين بعد اتفاق أوسلو في عام ١٩٩٦، تقول: "في وقت توقيع اتفاق أوسلو كنت معه وضده؛ بمعنى كانت العودة مهمة ولا يناقش فيها، والاعتراض كان على الأطراف السياسية، وعلى تقسيم الأراضي إلى أ،ب،ج، عدم استيعابي كيف تقبل قيادة أوسلو إنه الطريق ما بين قرية وقرية وبين مدينة ومدينة تحت سيطرة الاحتلال، كيف ممكن تقبلوا باعتقال أفراد اشتغلوا ضد إسرائيل! لكن بالمقابل لا يمكن لي رفض عودتي لفلسطين"[8].
الأسير المحرر يحيى أبو سمرة، اعتقلته قوات الاحتلال في ٢٩ شباط/ فبراير ١٩٦٨ وتحرر عام ١٩٧٣، ثم أعيد اعتقاله في عام ١٩٧٤ وحكمه الاحتلال ١٤ عامًا قضاها كلّها، يقول: "أنا كنت من المقتنعين أن أوسلو لن يحقق لنا شيئًا، ولكن في نفس اللحظة مقتنع أنه كبداية شيء جيد جدًا، أول حاجة حصير قوتنا في الداخل، ثاني حاجة دخل مع السلطة الفلسطينية مش أقل من ٢٥٠٠٠ ألف مواطن إلى قطاع غزة والضفة، وفي ٤٥٠٠٠ عائلة منتفعة من العمل في أجهزة مؤسسات السلطة، في بعض الناس أصوات بتنادي إنه إنهاء السلطة، خلص يا أبو مازن سيبك من السلطة بدناش إياها وفك هالقصة وإنهي أوسلو، طيب هذول الناس ال ٤٥٠٠٠ عائلة اللي بتاكل من السلطة في ظل وضع زي هذا مين بده يطعمهم، مين بده يصرف عليهم مين بده يربيهم! بعدين الشباب اللي تجندوا في السلطة كلهم أصبحوا عندهم عائلات طيب لمّا تقول لي روّح ملكاش عندي راتب ولا إلك حاجة كيف بده يعيش يعني؟ يعني إيش حالنا لو تم حل السلطة وفش بديل للناس؟ فأوسلو بكل سيئاتها أفضل من الموجود، فللأسف إحنا موافقين على أوسلو لكن اليهود ولا بند في أوسلو بيخدمهم ما بدهم أوسلو والدليل إنهم رفضوا تنفيذ أي حاجة وما زالوا حتى الآن أي شيء ظايل من أوسلو بدهم يمحوه همّ وحماس مشتركين في الموضوع، ما بدهم أي شيء اسمه أوسلو ولا أي شيء، رغم إن إخواننا في حماس كلهم أو نصهم أو ربعهم بيقبضوا من أوسلو ومعهم جواز سفر من أوسلو وبنوا بيوتهم من أوسلو ورغم ذلك بكذبوا عحالهم وبضحكوا عحالهم وبقولوا بدناش أوسلو"[9].
يقول الأسير المحرر نصوح المهداوي الذي انضم لجيش التحرير الفلسطيني في عام ١٩٦٥ وتدرب في معسكراتها، ثم أمره الرئيس الراحل ياسر عرفات بدخول الأرض المحتلة وإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة طولكرم لتنطلق منها عمليات عسكرية لاحقة ضد الجنود الإسرائيليين، واعتقل في ١٣ كانون الأول/ ديسمبر ١٩٦٧ وتحرر في عملية الجليل عام ١٩٨٥: "أوسلو أخذت المنحى السياسي، وعرفات حكى كلمة وهاجموها، بيقول لو صحلي أريحا أقيم عليها دولة فلسطينية بقيم عليها دولة فلسطينية، هاي تصريحاته الثابتة، بس الحق مش على عرفات ألحق على الجحوش إللي معه"[10].
أما الأسير المحرر عبد العزيز طه، الذي اعتقل في ٢٦حزيران/ يونيو ١٩٦٨ يقول: "لمّا وافق أبو عمار على أوسلو أو وافق على محادثات أوسلو، إلي هي بعد دخول أمريكا للعراق، أمريكا على أساس تكسب لعبة كاذبة قالت إحنا بدنا نسكتهم ونلهيهم نعمل مؤتمر مدريد للسلام مع إسرائيل، وكان في المؤتمر وفد من منظمة التحرير الفلسطينية كان يقوده الله يرحمه حيدر عبد الشافي وصائب عريقات وحنان عشراوي، والظروف كلها كانت بتحكم أبو عمار، يعني كان أبو عمار مخرّج القوات الفلسطينية من بيروت سنة ١٩٨٢، ليش ما قبلوهم يكونوا في المدن أو صحراء المغرب أو صحراء ليبيا أو تونس أو العراق، حتى يموتوا في الصحراء وتنتهي مسرحية فلسطين، لكن كان قرار أبو جهاد إللي هو تفجير الانتفاضة الفلسطينية الأولى سنة ١٩٨٧، هذه الانتفاضة الأولى هي إللي جابت مدريد، ورحنا على مدريد ومن مدريد اشتغلوا اليهود من تحت لتحت، وصاروا يقنعوا بعض المفاوضين إنه يدخلوا مفاوضات جانبية، وأبو عمار في هذه اللحظة لفظته مصر كنظام سياسي مش كفرد، وحكوله أوسلو مخرج ليش ما تروحلها، اذا ما بدك ملكاش عيشة عنا، وهذا إللي حصل، فأبو عمار دخل في هذا النفق ليس من حب وليس بكرامة وهو ما بده هيك يصير، دخل بوجود برفقة من الأمريكان والعرب لمّا وقع أوسلو على أساس إنه في دولة فلسطينية بعد خمس سنوات وبترجعلك الضفة الغربية وغزة بالكامل وبينهم ممر وميناء ومطار، وأبو عمّار لمّا شد عليه الخناق كان يقول بده شبر واحد يرفع عليه علم فلسطين، ولكن اليهود كانت تدرك ماذا تعطي، وقال إسحق شامير بنفاوضهم ١٠٠ سنة ولا نعطيهم دولة مستقلة، وأبو عمار لأنه شعر بالغدر والخيانة فجر انتفاضة الألفين فكانت النتيجة حصاره في المقاطعة ومن ثم إعدامه، وبعدها إلى أبو مازن وأبو مازن رجل مؤسسات، والآن السلطة بتحاول بكل إمكانياتها تلزم اليهود بشيء لكن العالم كله صار مع اليهود"[11].
الأسيرة المحررة لطفية الحواري، التي اعتقلت في أواخر تموز ١٩٦٨ تقول: "كانت مرحلة أوسلو غير مدروسة كما يجب، ولو كان في ناس عندهم مفاهيم ثورية ونضج أكثر كان ما طلعوا على أوسلو، كان في مقترحات أكثر إيجابية بقدروا يشتغلوا عليها"[12]٠
الأسير المحرر ساجي سلامة، الذي كان اعتقاله في ٢٠ كانون الأول/ ديسمبر ١٩٦٧، يقول: " في البداية انتقدت أوسلو انتقادًا شديدًا واعتبرته تنازل، لكن الحقيقة لمّا قامت السلطة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية تغيرت عندي الحسابات، وهذا سبب خلافات داخلية بيني وبين الخط الرئيسي للجهة الديمقراطية كوني منهم، وتسبب بالفراق بيني وبينهم ومنذ ذلك التاريخ وأنا مستقل، عندما نشأت السلطة الفلسطينية كإطار مؤقت على طريق تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، وصلت لقناعة إنه إذا في إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية في المستقبل فهي على قاعدة هذا الموجود، وإذا كان هذا الموجود لا يعبر عن طموح الشعب الفلسطيني باعتباره شيئًا منقوصًا أو هدفًا منقوصًا، فعلينا تطوير الموجود ودفعه باتجاه استكمال برنامجها، يوجد ثغرات ونواقص في أوسلو خاصة في موضوع الاستيطان، فقصته ظلت مفتوحة مغطاة بقشرة صغيرة اسمها أن تلتزم الأطراف بعدم إجراء أي إجراء أحادي الجانب، وهذا يمنع الإسرائيليين من ممارسة الاستيطان، لكنهم كسروا هذا الشيء لأنه لا يوجد تحديد واضح في موضوع الاستيطان وخدعونا في هاي النقطة، أوسلو وفرت لنا موطئ قدم وعلى أساسه تم تحقيق العديد من الإنجازات في بلورة الهوية الوطنية والكيانية الفلسطينية رغم ثغراتها، لأنه بدونها كان الشعب الفلسطيني مشتت، من هزيمة الثورة الفلسطينية في بيروت وتشتتنا في أنحاء العالم، ولو ما وقعت أوسلو لكررنا تشتت الثمانية وأربعين وأصبحنا جموع بلا قيادة ولا كيان، أوسلو لم يفرط بالدولة ولا بالقدس ولكن بقيت قضايا مؤجلة للمرحلة النهائية، وبحكم ميزان القوى استطاعت إسرائيل أن تتنكر لأوسلو والعالم العربي لم يقف معنا للتصدي لها، وإذا بدي أحكي عن مكاسب ومخاسر أنا بعتقد أننا كسبنا وما زال بالإمكان أن نواصل إلى أن نحقق أهدافنا في الاستقلال والتخلص من الاحتلال"[13].
الأسير المحرر سليم الزريعي، اعتقل في ٢٧حزيران/ يونيو ١٩٧٠ يقول: "أنا أكثر شخص استفدت من أوسلو على صعيدي الشخصي لأنها حررتني من السجون الإسرائيلية لأنه لم تشملني أية صفقة تبادل سابقة، ورغم ذلك لم نستوعب خبر التوقيع ونحن أسرى في السجون، أنا من الأشخاص لو قيل لي مصطلح حكم ذاتي في فترة السبعينيات أو الثمانينيات لقتلته، أنا لا أعلم حيثيات ودوافع الاتفاق أو بواعثه التي دعت إخواننا للانخراط في هذا المسار، لكن فيما بعد كان في محاولات لتصفية الثورة الفلسطينية ولم يبق إلا شعبنا في الضفة وغزة والثمانية وأربعين في مواجهة الاحتلال، وكان هناك خشية من انتهاء الثورة، البعض لحق أبو عمار وقال نريد أن ندخل أرضنا المحتلة ونقاوم من داخلها، لأننا أبعدنا إلى اليمن والعراق وتونس والجزائر ولم يبقَ على خطوط التماس أحد، وكان محاولات تصفية في النظام العربي وانخراط فيه، وكانت أمريكا تضع كل ثقلها في هذا المجال، لي الكثير من الملاحظات عليها ولكن نص مليون فلسطيني أعادتهم أوسلو للوطن، ولكني لا أستوعب أوسلو حتى الآن ولست مقتنعًا بها ولكن هذا ما جرى"[14].
أما الأسير المحرر خضر قنداح، الذي اعتقل في ٢٢ نيسان/ أبريل ١٩٧٤ وتحرر في عملية الجليل، يقول: "أنا ضد اتفاق أوسلو، لأن أمريكا وإسرائيل استطاعتا وضع عرفات في بطنهما أو منظمة التحرير الفلسطينية وجابوهم للبلاد وضحكوا على عرفات وعملوا مناطق أ،ب،ج وفي النهاية لا يوجد لا أ ولا ب ولا ج، ولمّا أدرك عرفات أن الأمريكان والإسرائيليين لن يلتزموا ببنود الاتفاق راح للاستفادة الثانية، في هذا الوقت صار العمل العسكري واجتاحت إسرائيل الضفة الغربية مرة ثانية ودمروا كل مقرات الحكم العسكري وحاصروا عرفات ومن ثمّ قتلوه، يعني انتهاء أوسلو التي لا تسمن ولا تغني من جوع، غيري قد يعتبرها إنجاز بسبب قدومهم من الخارج لا أكثر من ذلك"[15].
الخلاصة
المتمعن في روايات الأسرى المحررين في هذا المقال من الأسرى المحررين، ممن اعتقلوا في بدايات الثورة الفلسطينية وتابعوا توقيع اتفاق أوسلو بعد حريتهم أو خلال وجودهم خلف قضبان الاحتلال، يرى تخبط هذه الفئة في تشكيل رأيها حول اتفاق أوسلو، تارةً يجمعون أن عودتهم من الأبعاد إلى فلسطين يعد أعظم إنجاز لأوسلو، ولم شتات الثوار من البلاد داخل فلسطين بمثابة إنقاذ لها، وتارةً أخرى يرون أنّ الاتفاق برمته بقي حبرًا على ورق ولم يلزم الطرف الإسرائيلي ببنوده، وأنّ قتل أبو عمار وبداية الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠ دون معارضته كان إعلانًا لموت اتفاق أوسلو والدخول في مرحلة جديدة.
[1] نوفل، ممدوح، قصة اتفاق أوسلو، ١٩٩٥، الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن.
[2] اتفاق أوسلو: الطريق الصعب للسلام الفلسطيني _ الإسرائيلي، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسيحية، ٢٠٢١، رام الله.
[3] الخطيب، غسان، الاتفاق الانتقالي الفلسطيني _ الإسرائيلي بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد٦، العدد٢٤، ١٩٩٥.
[4] وكالة وفا، انطلاقة الثورة الفلسطينية، ٢٠٠٩، تم الزيارة في ٣٠ حزيران/ يوليو ٢٠٢٥.
[5] المغربي، محاسن خضر، كفاح نساء فلسطين، ٢٠٢٢، الأردن.
[6] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسير المحرر عبد الحميد القدسي ج٣ ٢٠٢٣، https://goo.su/qncU9
[7] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسير المحرر محمود طويط ج٤ ٢٠٢٣، https://goo.su/wVLPw
[8] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسير المحررة عائشة عودة ج٢ ٢٠٢٣، https://goo.su/fsldH6y
[9] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسير المحرر يحيى أبو سمرة ٢٠٢٤، https://goo.su/2IhFcT
[10] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسير المحرر نصوح مهداوي ٢٠٢٤، https://goo.su/oIhw
[11] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسير المحرر عبد العزيز طه، ٢٠٢٣، https://goo.su/DssPV1I
[12] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسيرة المحررة لطفية الحواري ٢٠٢٤، https://2u.pw/dpGRg
[13] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسير المحرر ساجي سلامة ج٢ ٢٠٢٤، https://2u.pw/mNdbG
[14] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسير المحرر سليم الزريعي ج٢، ٢٠٢٤، https://2u.pw/bSwOQ
[15] موقع ذاكرة فلسطين، تفريغ مقابلة الأسير المحرر خضر قنداح، ٢٠٢٤، https://2u.pw/iIBWi