احتجاجات تل أبيب.. عن العسكريّ الكامن في موظف الهايتك

احتجاجات تل أبيب.. عن العسكريّ الكامن في موظف الهايتك
تحميل المادة
  • الكاتب الأصلي: صوفيا غودفريند

  • ترجمة: فرح عصام

تقدّم المادّة[1] التالية سياقًا تاريخيّا لتطور صناعة الهايتك الإسرائيلية في تل أبيب، مع التطرق إلى تعلقاتها بالسياسة والحرب، في محاولةٍ لفهم طبيعة الحراك الحالي.*

* مقدّمة المترجمة

نصّ الترجمة

 من بين الاحتجاجاتِ العديدة التي اندلعت في إسرائيل مُذ أدّت الحكومةُ [الحالية] اليمين الدستورية قبل عدّة أشهر، قليلةٌ هي الاحتجاجات التي كانت مفاجئةً أكثرَ من الحشدِ الذي نظّمه العاملون في مجال "الهايتك". منذ منتصف يناير/ كانون الثاني، بدأ العديدُ من أبناءِ هذه الديموغرافيا -التي ترتبط عادةً بالتأقلم مع القيود السياسية والاقتصاديّة للحياة في إسرائيل- بمغادرة وظائفهم للاحتجاج ضدّ الإصلاحات القضائيّة التي اقترحها التحالف الحكومي، والتي ستمنح سلطةً غير مسبوقة لحكومة المتطرفين من القوميين والمتدينين. مع كل ثلاثاء، ينحدرُ هؤلاء من أماكن عملهم المشتركةِ الواسعة المخفيّة في أعالي السماء ليتجمّعوا خارج "الكِرياه"، حيث مقرّات الجيش وسط تل أبيب، ملوّحين بلافتاتٍ تقول: "أنقذوا أمّة الشركات الناشئة" و"لا ديمقراطية بدون هايتك".

لم يسبق أن سمعنا بمثل هذا النوع من المسيرات والإضرابات المنسَّقَة في قطاع الهايتك داخل إسرائيل. كحالِ أندادهِم في (سيليكون فالي)[2]، يتمتّع العديد من العاملين في قطاع الهايتك في إسرائيل بحياةٍ مرفّهة تدعمها المرتّبات الباهظة والامتيازات التي عزلت حياتهم اليومية عن حقائق الاضطراب السياسي والعنف الإقليمي. ومع ذلك، فقد جذبت احتجاجات "المناصرة للديمقراطية" التي ملأت المدن الإسرائيلية خلال الأسابيع الماضية القريبة دعمَ النخبةِ الأرفع من الطبقة الاجتماعية الاقتصادية، إلى جانب العديد من شرائح الوسط ويسار الوسط، بل وحتى شرائح ساخطة من اليمين.

لكنَّ الاحتجاجات الجماهيرية عمومًا، وتلك التي ينظمها العاملون في قطاع الهايتك بالتحديد، قد فشلت في طرح نقد أعمق للاحتلال الإسرائيلي، وإنكار الحقوق الفلسطينية - وهو إهمال متعمّد يكشف القناع عن حقيقة مزعجة.

يقول قادة صناعة التقنية إنَّ الإصلاحات القضائية لربّما ستؤدّي إلى تأثيراتٍ كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي، عبر ردع المستثمرين والتسبب برحيل العمالة الماهرة خارج المدن الإسرائيلية. لكن، من المستبعد أن تعطّل الآثار السلبية للحكومة الجديدة قطاعات التكنولوجيا في البلاد. الحقيقة أنَّ اقتصاد الهايتك الإسرائيلي لم يصمد –ببساطة- لعقودٍ من الزمن في وجه الحروب المستمرة والتقلبات السياسية، بل إنّه ازدهر بفضلها. لقد سمحت الروابط الوثيقة مع تكنوقراطيّي الجيش، لصناعات إسرائيل التكنولوجية بالانفجار خلال الانتفاضة الثانية، والحروب الستة التي شُنت على قطاع غزّة، والتوغّلات المتزايدةِ في الضفة الغربية المحتلة. بالتبعيّة، تُرينا احتجاجاتُ اليوم الإمكانات غير المطروقة والتقييدات الكامنة في حراك سياسي مناصر للديمقراطية تنظّمهُ صناعةٌ تعتاش على الحروب.

مقر برج أشباه الموصلات في "مغدال هعيمق، إسرائيل"

إن انعزال قطاع التقنية عن السياسات الإسرائيلية ينبع في جزءٍ كبير منه، من فجوة الثراء الضخمة بين العاملين فيه وبقية السكّان. ومع أنهم يشكلون نسبة 10 بالمائة من قوة البلاد العاملة، يتنعّم موظفو التقنية وشركاتها بمتوسط رواتب هو أعلى بمرّتين على الأقل من رواتب أولئك العاملين في قطاعات أخرى. لقد حوّل انفجار الصناعة تل أبيب إلى (وادي السيليكون)، مما ساهم في تحويلها إلى أغلى مدن العالم من ناحية تكلفة المعيشة في العام 2021، حيث واحدٌ من بين كلّ عشرةِ مقيمين هو مليونير. وباتت تدرج تسميتها بـ "الفقاعة"، في إشارة إلى مساحة معزولةٍ عن حكم "إسرائيل" العسكري الشرس المسلّط على الفلسطينيين، ومعزولةٍ كذلك عن ميل البلادِ السياسي إلى حكومة دينية من التفوقيّة اليهوديّة البيضاء.

لهذا السبب، تأتي تغطية الصحف لاحتجاجات العاملين في قطاع الهايتك مصحوبةً بالرّهبة. تبثُّ العناوين دهشةً من أنَّ "قطاع الهايتك قد أفاق للتوّ"، في رسالةٍ أذاعها قادة الحركة الأعرَض المضادة للحكومة. وأشار أمير مزروخ، مراسل التقنية السابق الذي يعمل الآن استشاريًا في الصناعة قائلاً: "لسنوات، لم تتدخّل التقنية بالسياسة؛ لقد كانت فقّاعة بالكامل. فبالرغم من الحروب، استمرّت الأموال بالتدفّق، استمرّت الشركات بالنمو، والحكومة تركت الصناعة وشأنها"، إنها علاقة تخشى الصناعة الآن أنها مهددةٌ بفعل التحالف الحالي.

لكنَّ هذه السردية بعيدةٌ عن الحقيقة؛ فلم يسبق أبدًا للحكومات الإسرائيلية أن "تركت الصناعة وشأنها"، ذلك أنَّ السياسة والحرب والاحتلال كانوا يغذّون نموّ قطاع التكنولوجيا باستمرار.

في عام 1971، بعد أربع سنواتٍ على انتزاع إسرائيل للضفة الغربية من الأردن، امتعضت نشرةٌ حظيت بتداول واسع في أوساط رجال الاقتصاد السياسي الإسرائيليين من "ظهور تكنوقراطيّة من ضباط الجيش الذين دخلوا الاقتصاد مديرين واختصاصيين"، والذين كانوا متحمسين للاستفادة من "المهارات الفنيّة" التي اكتسبوها في وحدات الاستخبارات التي كانت آخذةً بالتوسّع في أرجاء الأراضي الفلسطينية. ومنذ السبعينات فصعودًا، عمل أولئك الفنيّون العسكريّون الذين تحوّلوا إلى مديرين اقتصاديين، عن كثب مع السياسيين، لدفع الحكومة من أجل تبنّي سياسات لصالحهم، بما تضمّنته من مخصصات ماليّةٍ لشركاتِ الهايتك وقوانين فضفاضة للمستثمرين الأجانب وضوابط تصديرٍ مرنة.

بحلول التسعينيات، كانت صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية تنمو بسرعة بفضل استثمارات  التكتّلات ورأس المال المغامر الآتين من (سيليكون فالي). كانت الاضطرابات الجيوسياسية قد طردت المستثمرين الأجانب لعقودٍ من الزمن، لكنّ وعود اتفاقات أوسلو بالسلام سرعان ما جذبت رأس المال الأجنبي. وتدريجيًا، ابتلعت الشركات العالمية الشركات الإسرائيلية الناشئة المتخصصة في التقنيّات المدنية (تكنولوجيا الحياة اليومية)، وتباهى الزعماء السياسيون الإسرائيليون بعهد جديد من التعاون الإقليمي وصنع الربح.

لكن، مع انهيار أسواق التقنية الأميركية في العام 2000، غاص معها قطاع الهايتك الإسرائيلي أيضًا. ومع الرحيل الجماعي للمستثمرين الأجانب والشركات الدولية دخل القطاع في أزمة. ثمّ هوى الاقتصاد الإسرائيلي إلى أسوأ كسادٍ في تاريخه مع اندلاع الانتفاضة الثانية، وتسبّبت الأخبار حول التفجيرات الفلسطينية للحافلات والمقاهي الرائجة بشلّ السياحة الإسرائيلية؛ فنادق تل أبيب الشاطئية التي ظلّت لوقتٍ طويل من فترة التسعينات تعجّ بالمسافرين القادمين للراحة والأعمال فرغت من النزلاء، بينما ارتفعت معدّلات البطالة الإسرائيلية بشكلٍ جنوني.

لكنَّ الصناعة الإسرائيلية الوحيدة التي لم تتعثّر خلال هذا الوقت كانت القطاع الأمني. كانت الحرب مفيدةً للأعمال، وعقب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية، ودنوّ الحرب العالمية على الإرهاب، رأت شركات التقنية الإسرائيلية عصرًا جديدًا من الربح والنمو. أعادَ قادة قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي -وقد كان الكثير منهم فنيّين مدرّبين عسكريًا أو جنرالات متقاعدين- تقديم البلادِ بوصفها "عاصمةً للأمن القومي"، في تحوير لاسم إدارة حكومية أمريكية، وقانون تشريعي جديد أُنشؤوا في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر.

حديقة التكنلوجيا الفائقة في "رعنانا"

"لا تسقط القناع"

مع إعادة بناء قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي لتحقيق التوقعات العالمية للابتكار في مواجهة الإرهاب وتعزيز الأمن القومي، وثَبَ الاقتصاد الإسرائيلي إلى فترةٍ من النموّ غير المسبوق. طافَ المهندسون والمطوّرون المدرَّبون عسكريًّا بين الجيش والقطاع الخاص، مستخدمين مهاراتهم ومعارفهم في إنشاء منتجاتِ مراقبةٍ وأمنٍ مثل الاستشعار عن بعد والمراقبة البيومتريّة وتكنولوجيّات الاختراق السيبراني.

"كان شعار (مُثبت في أرض المعركة) مفتاحًا لهذه التكنولوجيا"، كما يخبرنا الدكتور شير هيفر، منسق الحظر العسكري للجنة المقاطعة القومية ومؤلف كتاب: "خصخصة الأمن الإسرائيلي". وذلك "عبر إثبات أنَّ التقنية الإسرائيلية كانت قد جُرّبت على الفلسطينيين قبل تصديرها لزبائن آخرين"، مشيرًا إلى أنَّ المناطق المحتلة قد أصبحت حقل تجارب لإثبات فاعلية تلك المنتجات. 

وهكذا تعززت سمعة إسرائيل بوصفها أمّةً للشركات الناشئة خلال الانتفاضة الثانية، خمس سنواتٍ متفجّرة عُرفت بالغارات العسكريّة على المدن والمخيمات الفلسطينية والتفجيرات في المدن الإسرائيلية الكبرى داخل الخط الأخضر. وحتى بعد انتهاء الانتفاضة الثانية، استمرّ قطاع الهايتك الإسرائيلي بالنموّ في خضمّ القصف الدموي والمنتظم على قطاع غزّة، وتوسّع البنية التحتية للمستوطنات في أرجاء الضفة الغربية خلال العقد الثاني من الألفية الجديدة. 

بحلول العام 2014، كان المعلّقون يناقشون صراحةً فائدةَ المشهد السياسي المتفجّر للاقتصاد الإسرائيلي. خلال حرب 2014 على قطاع غزّة -هجوم إسرائيلي استمرّ لشهرين وخلّف 2251 شهيدًا فلسطينيًا و73 قتيلاً إسرائيليًا- تنبأ البعض بأن الحكومة الإسرائيلية سترفع ميزانية الدفاع وتضخّ المزيد من الأموال إلى صناعة السلاح الآخذة بالتطوّر تكنولوجيًا. الرئيس السابق لجهاز الموساد داني يوتام، على سبيل المثال، أخبر "هآرتس" بأنَّ الحصار على غزّة سوف "يدعم صادرات السلاح الإسرائيلي"، وبأنَّ العديد من الصناعات "ستستفيدُ من الطلب على أنظمة الدفاع لتجديد مخزوناتها".

للمفارقة، مع مساعدة قطاع الهايتك المزدهر بالقذف في الاقتصاد الإسرائيلي إلى القرن الحادي والعشرين، بات من الأسهل للعاملين في مجال التقنية، تجاهلُ الاحتلال العسكري في حياتهم اليومية. لم تعد تُعرف تل أبيب بمركزيّتها في دوائر التكنولوجيا العسكرية العالمية بل بثقافتها من المرح والابتكار. لذا فَحتّى مع إرساء الصراع لأساسات الاقتصاد الرقمي الإسرائيلي، إلا أنّه أخذ ينحسر أكثر فأكثر من آراءِ العاملين في مجال الهايتك. 

يشير هيفر، من لجنة المقاطعة القومية، إلى أنَّ نخبة إسرائيل السياسية قد ساعدت في تشكيل تصور خاطئ عن قطاع التكنولوجيا بوصفه قطاعًا معزولاً عن السياسة، قائلاً :"لقد نظرت الحكومات الإسرائيلية تقليديًا إلى التكنولوجيا لتحقيق أهداف سياسية"، وعادة ما تؤطّر التكنولوجيا على أنّها "موضوعية وعقلانية" بدلاً من كونها "أداة سياسية" بطبيعتها، ويستطرد: "بدلاً من الاعتراف باختراق الخصوصية والابتزاز، نراهم يُناقشون التقاط المعلومات الاستخبارية، وبدلاً من الاعتراف بأنَّ الأسلحة تُطوَّرُ لارتكاب جرائم الحرب، نراهم يناقشون تطورات الذكاء الاصطناعي والأنظمة البصرية والروبوتات". وقد أثبتت سياسات نفتالي بينيت، المدير التنفيذي في مجال التقنيّة الذي صار رئيس وزراء فيما بعد، هذه النزعة عبر تقديم الآثار الوحشية للاحتلال بوصفها شيئًا يمكن أن ينكمش علميًّا عبر خوارزميات محسّنة وبرامج فائقة التطوّر.

يرى هيفر أنَّ "الصحوة" الحالية لقطاع الهايتك هي استجابةٌ لعهدٍ ينتهي، فبدلاً من السياسيين الذين يتعهدون بإدارة مهنيّةٍ للحكم العسكري الوحشي لإسرائيل، دفع التحالف الجديد بالطموحات الأيديولوجية لصنّاع القانون من الاستعلائيين اليهود إلى بقعة الضوء. وبكلمات هيفر "لا يتوقّع موظفو الهايتك الإسرائيلي من الحكومة الجديدة أن تضع حدًّا للفصل العنصري مع الانتهاكات اليومية للقانون الدولي. بل أن تستمرّ بارتداء القناع، بالادعاء أنّها ديمقراطية ليبرالية، وأن تحظى بعلاقاتٍ عامة جيدة مع قادة العالم الغربي، وهو ما ترفض أن تفعله حكومة اليمين المتطرف".

احتجاجات موظفوا الهايتيك في حيفا ضد "إصلاحات نتنياهو القضائية"

هل سيكون هناك سحب استثمارات؟

مع تهديد الحكومة الجديدة بتعرية السلطة القضائية، قدَّمت مؤسسات مالية كبرى ووزراء مالية سابقون توقّعات لافتةً بشأن المنحدر الاقتصادي المحتمل. إنَّ صعود سياسيين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين دعموا بلا خجل توسّع المستوطنات والاستخدام غير المقيَّد للقوة العسكرية، قد حفّز بعض المستثمرين الأجانب، مثل صندوق الثروة السيادية النرويجي، لإعادة النظر بارتباطاتهم بمستوطنات الضفة الغربية.

لكن هذه الخطوات سطحية، ويبدو مستبعدًا في الوقت الحالي أن تتحول إلى سحب ضخم للاستثمارات. لقد جذب قطاع التقنية الإسرائيلي 42 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية في العامين الأخيرين، هذا برغم الاضطرابات السياسية الداخلية والعنف المتصاعد في الضفة الغربية منذ العام 2022. منتجات التكنولوجيا مسؤولة أيضًا عن أكثر من نصف الصادرات الإسرائيلية، تشكّل منها أنظمة الأمن والرقابة نصيب الأسد. ومما لا شكّ فيه أنّ هذا القطاع قد شهد ارتفاعًا لافتًا في السنوات الأخيرة، حيث زادت نسبة مبيعات الدفاعات الإسرائيلية ومنتجات الأمن بنسبة 30% في 2021 وحدها، يقودها الغزو الروسي لأوكرانيا واتّفاقات أبراهام. وبأكثر من طريقة، كانت مبيعات الشركات الإسرائيلية من أنظمة الأمن والرقابة للأنظمة السلطوية ذات الأرقام المتدنية في حقوق الإنسان، تعبّد الطريق لكي تطبع إسرائيل علاقاتها الدبلوماسية عبر العالم العربي. في العام المنصرم وحده، ظهرت تقارير تشير إلى بيع شركاتٍ إسرائيلية أسلحةً سيبرانية إلى السودان قبل تأسيس العلاقات الدبلوماسية الشهر الماضي، وإلى ميانمار التي يتعيّن عليها الاعتراف بإسرائيل حتى هذه اللحظة.

"يزعم رواد الأعمال والمستثمرون في مجال التقنية بأنَّ الإصلاحات القضائية ستحمل أثرًا مصيريًا على الاقتصاد، وستطرد المستثمرين وتقود الشركات العابرة للدول إلى تغيير أماكنها، لكنّ هذا يبدو أقرب إلى القلق منه إلى التهديد الفعلي"، هذا ما يشير إليه الدكتور إيريز ماغور، عالم الاجتماع في الجامعة العبرية، الذي يدرّس تاريخ القطاعات التكنولوجية في إسرائيل. أما مكمنٌ الخوف الحقيقي لهذا الشركات، فإنّه وفق ماغور، "آتٍ مما قد تراه هذه الشركات يدًا طولى للحكومة التي يمكن لها أن تأخذ عدّة أشكال، مثل الضرائب على الأرباح والتقييدات الكابحة وحتى تأميم الشركات".

لكن هذه المخاوف من الصناعة تبدو واهيةً. ذلك أنّ وزير المالية سموتريتش، وهو مستوطن شعبوي متديّن تتألف قاعدته الانتخابية من الشباب المتعصبين المتدينين والقوميين على حد سواء، ألقى خطاباتٍ لكسب دعم من أجزاء أخرى من المجتمع الإسرائيلي، وقدّم ووعودًا بتطوير اقتصادٍ سوقٍ عصري. وغرّد خلال الأسبوع الماضي في تويتر من أجل طمأنةِ المستثمرين القلقين في قطاع الهايتك بأنَّ ما من شيء يدعو للقلق.

وكما يشير ماغور "أعتقد أن هناك قلقًا أصيلاً بشأن الآثار المصيرية للإصلاحات على ديمقراطية إسرائيل الليبرالية. يأتي هذا متسقًا مع ما رأيناه حول العالم خلال العقد الماضي، حيث لم يخجل موظفو التقنية من التعبير عن مخاوفهم بشأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية بل وحتى الأخلاقية. وعلى سبيل المثال، نظّم موظفو غوغل وأمازون ومايكروسوفت في الولايات المتحدة مسيرات مماثلةً وجرى تداولُ عرائض تحتج على صفقات مشغليهم مع وزارة الدفاع الأميركية، ومع الأنظمة القمعية حول العالم بما فيها الجيش الإسرائيلي".

غير أن موظفي التقنية الذين انضمّوا إلى هذه الحركة، مع ذلك، لا يبدو وأنهم قلقون بشأن ارتباطات صناعتهم مع الحرب، ومثلما هو حال الاحتجاجات الكبرى الأخرى في إسرائيل، فقد ظلت صامتةً على نحو مدهش عن قضايا الاحتلال والفصل العنصري. بهذا المعنى، فإن شعار "لا ديمقراطية بدون هايتك"، هو بالفعل نداء من أجل العودة إلى الوضع الأكثر استقرارًا وربحًا مع الحكومات السابقة: ترتيب يتّسمُ بالتزامات اسمية بالديمقراطية مع إنكار أكثر حقوق الفلسطينيين أساسيةً.

 



[1]  المقالة بلغتها الأم: http://bit.ly/3SQv59i

[2]   وادي السيلكون في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وهي منطقة مشهورة بكثرة شركات التقنية العالية (الهايتك).