الأرض الفارغة” … الوجه القانوني للعنصرية الاستعمارية

الأرض الفارغة” … الوجه القانوني للعنصرية الاستعمارية
تحميل المادة

في العاشر من شباط/فبراير 2025، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متحدثًا إلى الصحافة ومعلنًا لأول مرة نيته امتلاك غزة وتحويلها إلى “مشروع عقاري” ضخم. جاء ذلك بعد أن تحدث مطولًا عن أن القطاع تحول إلى كومة من الركام، وأن حياة الفلسطينيين فيه باتت مستحيلة بسبب الدمار والحرب. كان ترامب يتناول ما يجري في غزة وكأنه ظاهرة طبيعية استيقظ العالم فجأة على واقعها، لا كنتيجة مباشرة لسياسة تطهير عرقي كولونيالية أصيلة نفذها بدقة الرجل الجالس بجواره في المؤتمر الصحفي ذاته.

لم يكن المشروع الكولونيالي منذ بداياته سوى عملية تطور عضوية لامتداد النفوذ الأوروبي خارج القارة، ونتيجة لخطاب أيديولوجي ثم قانوني بالغ التعقيد، عُرف بقانون “الأرض الفارغة” Terra Nullius. هذا المفهوم اللاتيني، الذي يترجم إلى “الأرض الفارغة” أو “الأرض بلا مالك”، شكّل حجر الأساس في سياسة التوسع الأوروبي، إذ استولى المحتل على أراضٍ مأهولة بالسكان الأصليين عبر إنكار ثقافتهم وسيادتهم ووجودهم.

من القانون الروماني إلى الإبادة الحديثة

ظهر مفهوم Terra Nullius لأول مرة في القانون الروماني للدلالة على الأراضي غير المملوكة أو المهجورة التي يمكن الاستحواذ عليها. لكن تطوره الحقيقي بدأ في القرن السادس عشر مع فلاسفة مثل فرانسيسكو دي فيتوريا، وهوغو غروتيوس، وجون لوك. الأخير، في الرسالتين في الحكم المدني، ربط بين الملكية والعمل، ما مهد لتصوير أراضي الشعوب الأصلية بوصفها غير مستغلة.

في القرن التاسع عشر بدأ استخدام المصطلح قانونيًا في الوثائق الحكومية والأدبيات الاستعمارية لتبرير الاحتلال الأوروبي. فمثلًا، في عام 1835 أعلنت بريطانيا أن أستراليا أرض فارغة لأن سكانها لم يمتلكوا نظمًا سياسية أو قانونية “معترفًا بها”. مكّنت هذه الحجة المستعمر من الاستيلاء على الأراضي دون دفع تعويضات أو عقد معاهدات مع السكان الأصليين. ولم يُلغَ هذا الادعاء إلا عام 1992 حين حكمت المحكمة العليا الأسترالية في قضية مابو ضد كوينزلاند بأحقية الشعوب الأصلية في أراضيها.

وفي أفريقيا استُخدم المفهوم في مؤتمر برلين (1884–1885)، حيث اقتسمت الدول الأوروبية القارة وفق مبدأ “أرض بلا سيادة واضحة”، ما سمح لها باحتلالها تحت شعار “الحضارة والتنمية”.

تقوم فكرة الأرض الفارغة على تصور عنصري يرتب الحضارات وفق تدرج يضع الغرب في القمة، والشعوب الأصلية في أسفل السلم. وكما يشير باتريك وولف، فإن الاستعمار الاستيطاني لا يهدف فقط إلى السيطرة، بل إلى “إزالة الأصلاني” تمامًا.

هذا الخطاب تجاهل السيادة الثقافية والدينية للسكان الأصليين، واعتبر أن غياب النظم الغربية في الزراعة أو الإدارة يعني غياب الأهلية. وكما حلّل إدوارد سعيد في الاستشراق، فقد بنى الغرب صورة “الآخر” بوصفه بدائيًا عاجزًا عن إدارة نفسه، وبالتالي وجب إخضاعه.

أما أرتورو إسكوبار فأضاف بعدًا بيئيًا، حين رأى أن مفاهيم التنمية الغربية نزعت العلاقة الروحية والبيئية بين الشعوب الأصلية وأرضها. في حين أوضح والتر منيولو أن الاستعمار أعاد صياغة الزمان والمكان، إذ يبدأ “التاريخ الحقيقي” مع دخول المستعمر، بينما يُمحى ما قبله.

الأرض لنشر المسيحية

أوضح تطبيق لقانون الأرض الفارغة مغلفًا بغطاء “الدعوة الإلهية المقدسة” تمثل في حروب الاسترداد الإسبانية، التي امتدت لاحقًا لتتحول إلى حركة احتلال استيطاني قضت على الملايين باسم “الهداية الدينية” والتطهير.

كان هناك تحالف بين السلطة الدينية والقرار السياسي. فبينما وصف كريستوفر كولومبوس السكان الأصليين بأنهم “عراة، بلا دين، كالأطفال”، منح البابا ألكسندر السادس، في مرسومه الشهير (Inter Caetera)، الشرعية الدينية للغزاة بشرط نشر الإيمان المسيحي.

تفشى هذا الخطاب العنصري في خطابات القادة العسكريين مثل فرانسيسكو بيزارو وخوان دي أونياتي، اللذين أصرا على أن السكان الأصليين “لا يعرفون كيف يديرون الأرض”. أما الفيلسوف خوان خينيه دي سيبولفيدا، فاعتبرهم “أدنى من الإسبان” لا يختلفون عن النساء أو الأطفال، وبالتالي لا يحق لهم السيادة.

وقد مثّل مرسوم التعليمات لعام 1513 ذروة هذا الخطاب، إذ نصّ على أن رفض السكان الأصليين الخضوع للتاج الإسباني يُعد مبررًا قانونيًا لغزوهم وتحميلهم المسؤولية عما يصيبهم لاحقًا. يذكّرنا هذا الخطاب بخطاب الحكومة الإسرائيلية ومن يدافع عنها عبر الإعلام العالمي، حين يكررون أن الفلسطينيين يستحقون ما يحدث لهم لأنهم انتخبوا حماس. إنها الحجة ذاتها؛ فبدلًا من “البدائيين العراة” في التراث الاستعماري المسيحي، تستخدم إسرائيل حجة “المسلمين المتطرفين” الذين يريدون الموت لها. في كلتا الحالتين يتم التغاضي تمامًا عن الحقوق المادية والمعنوية للشعوب المستعمرة وردّ فعلها الطبيعي برفض الاستبداد والظلم، لأن هذه الشعوب – بالنسبة للمستعمر – غير قادرة على استيعاب مفاهيم “معقدة” كالحقوق والحريات.

محو الإنسان لتأسيس المستعمرة

مع بدايات الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830، تبنّت السلطات خطابًا يجرّد الأرض من تاريخها وسكانها. أعلن الجنرال توماس بيجو – أحد أبرز رموز الحكم العسكري – صراحة: “يجب أن نحرث الأرض التي يعيش عليها العرب بالمحراث الحديدي والمدفعي، فلا يعود لهم فيها أثر”. كلمات تُلخص سياسة “الاقتلاع الكامل” التي مارستها فرنسا.

أما البارون دو دامريمون فقد قدّم تبريرًا أكثر “حضارية” حين وصف الجزائر بأنها صحراء ممتدة تحتاج إلى رجال متمدنين. وفي السياق نفسه، اعتبر الفيلسوف أوغست كونت أن الاستعمار وسيلة لنقل التقدم إلى أماكن “تعيش خارج التاريخ”، في تجسيد واضح للمنطق الأوروبي الذي يرى الغرب معيارًا للزمن والحضارة.

كرّس رئيس الوزراء جول فيري هذا الطرح أمام البرلمان الفرنسي عام 1885 بقوله: “للدول المتحضرة واجب تجاه الشعوب المتخلفة: أن ترشدها وتدخلها في الحضارة”. بينما أعلن ديغول في بداية مسيرته السياسية أن الجزائر جزء من فرنسا، لأنها كانت بلا سيادة حين دخلها المستعمر.

كل هذه التصريحات لم تكن فردية أو عشوائية، بل شكّلت البنية الخطابية لسياسة استيطانية طويلة الأمد سعت إلى محو الهوية الجزائرية لصالح خلق امتداد جغرافي وثقافي لفرنسا.

إسرائيل وفلسطين: “أرض بلا شعب” كامتداد حديث لـ Terra Nullius

لم يكن المشروع الصهيوني استثناءً من منطق “الأرض الفارغة”، بل أعاد إنتاجه بصيغة حديثة تخدم أهدافه الاستيطانية في فلسطين. رُوّجت الدعاية الصهيونية لفكرة أن فلسطين “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” منذ أواخر القرن التاسع عشر، وهي فرضية تختزل سكان البلاد الأصليين وتُنكر وجودهم السياسي والتاريخي.

هذه المقولة، كما يوضح الباحث الفلسطيني نور مصالحة، لم تكن مجرد شعار، بل جزءًا من أيديولوجيا استعمارية تحاكي منطق Terra Nullius الكلاسيكي، حيث تُصوَّر الأرض كأنها غير مأهولة بشكل “شرعي”، وبالتالي يمكن استيطانها دون مساءلة أخلاقية أو قانونية.

خلال نكبة 1948، استخدمت إسرائيل قوانين مثل “قانون أملاك الغائبين” للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين المهجّرين، عبر وصفهم بأنهم “غائبون”، وبالتالي لا يملكون حقًا قانونيًا في ممتلكاتهم. هذا التشريع، بحسب وليد الخالدي، أعاد إنتاج فكرة الأرض الفارغة قانونيًا، إذ تصبح الأرض – وإن كانت مأهولة ومملوكة – متاحة للدولة الجديدة لمجرد تغيّر السيطرة السياسية.

كما تُظهر أبحاث باتريك وولف، فإن الصهيونية تشترك مع الاستعمار الاستيطاني في جوهره، حيث تكرّس الإقصاء الدائم للسكان الأصليين لصالح إحلال جماعة جديدة. وهو ما يجعل الأرض لا “تُحرَّر” فحسب، بل يُعاد تعريفها وتاريخها من جديد.

في هذا السياق، لم تُطبق إسرائيل سياسة “الأرض الفارغة” كخطاب فقط، بل كممارسة ممنهجة عبر:

          •        محو القرى الفلسطينية وطمس معالمها الجغرافية.

          •        زرع الغابات فوق أنقاض القرى المهجرة.

          •        إعادة تسمية المناطق بأسماء توراتية.

          •        استحداث مواقع وأثريات مختلقة لطبع الأراضي بطابع “التراث اليهودي”.

من الأمثلة الفاضحة على هذه الممارسات القبور الوهمية والمدافن الفارغة التي تزرعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة. حيث تُنشأ قبورًا فارغة وتوضع عليها شواهد بأسماء عبرية. وتنتشر هذه القبور بالآلاف، خاصة في محيط البلدة القديمة والمسجد الأقصى، ضمن محاولات لعزل المعالم الإسلامية والمسيحية برموز مصطنعة لا تستند إلى أساس تاريخي موثّق. وذلك كله في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى السيطرة على الأراضي الوقفية وأملاك الفلسطينيين في القدس، فضلًا عن تزوير تاريخ المدينة وتغيير هويتها البصرية والثقافية، سعيًا لفرض الرواية اليهودية المزعومة على حساب الرواية الإسلامية والعربية الممتدة عبر القرون.

غزة ومشروع ترامب: إعادة تدوير لخطة صهيونية قديمة

في العام 1948 بدأ السعي الصهيوني الممنهج لتفريغ فلسطين من سكانها وذلك بتطبيق خطة دالت Plan Dalet التي وضعتها الوكالة اليهودية وحركة هاغانا بقيادة ديفيد بن جوريون، والتي هدفت إلى السيطرة على مناطق واسعة داخل فلسطين المحتلة مع التركيز على التطهير العرقي الممنهج للقرى والأرياف الفلسطينية. نتج عن هذه الخطة حينها تشريد نصف سكان فلسطين وتدمير ما يفوق على 500 قرية فلسطينية.

تبع ذلك في العام 1956 أثناء العدوان الثلاثي عمليات اعتقال وترهيب لمئات الفلسطينيين في رفح وخانيونس بهدف دفع السكان للنزوح شرقًا، كما وضعت الحكومة الصهيونية لجنة متخصصة لنقل السكان خارج غزة إلى بلدان مثل العراق وأمريكا اللاتينية أو سيناء.

أما أثناء احتلال غزة في حرب ١٩٦٧ ضد مصر، طُرد نحو ٧٥ ألف فلسطيني من القطاع ومنع حوالي ٢٥ ألفًا من العودة. أي أنه اقتُطع 25% من سكان القطاع. تبع ذلك وضع استراتيجيات لتقسيم السيطرة على القطاع وإنشاء مستوطنات، وطرد أسر بدوية إلى شبه جزيرة سيناء، ضمن سلسلة من عمليات التهجير المنظمة.

استمرت هذه المحاولات بظهور خطة حكومة غولدا مئير عام 1969 لتشجيع ٦٠ ألف فلسطيني على الانتقال إلى باراغواي عبر دفع مبالغ تعويضية وتحفير للهجرة. ولكن هذه المجهودات باءت بالفشل عمليًا، إذ رحل عدد صغير فقط من الأهالي بعد وعود كاذبة بالحصول على أراضٍ وجنسية برغوانية. ولم تتوقف هذه الرغبة المستميتة خلال العقود التالية ولكن الكثير منها ظل طي المستندات والمحاضر ولم ير النور على أرض الواقع.

عندما أصدرت حكومة أرييل شارون قرار فك الارتباط عام 2005 عندما انسحبت القوات الإسرائيلية خارج القطاع وأفرغته من المستوطنين، بدأ نوع جديد من البروباغاندا الصهيونية في التشكل حول القطاع. كانت أطروحتها المركزية أن إسرائيل قدمت للفلسطينيين قطعة ليقيموا عليها دولة "كتجربة" ولكن ما فعله الفلسطينيون هو أنهم استغلوا هذه "الحرية" لبناء السلاح ومهاجمة الدولة الصهيونية. هذه السردية التي تجاهلت القانون الدولي، الذي يعترف بالقطاع كمنطقة محتلة قانونيًا استخدمت كذريعة للهجمات الإسرائيلية المتكررة على القطاع والسياسات التجويعية والقمعية المستمرة بحق سكانه. طوال العقدين التاليين لقرار فك الارتباط ظلت خطط طرد الغزيين حاضرة ضمن المؤسسات والنخب السياسية كأهداف غير معلنة. إذ كان المرجو أن يؤدي الحصار المطبق والمذابح الدورية إلى دفع السكان للهجرة "الطوعية" شيئًا فشيئًا حتى تنخفض الأعداد إلى ما هو مقبول ديموغرافيًا في تقديرات الكيان الصهيوني.

ثم جاءت اللحظة التي كرر فيها بنيامين نتنياهو تمامًا سياسة مثله الأعلى ديفيد بن غوريون في استغلال أي نوع من المقاومة الفلسطينية للسياسات الاستعمارية، ذريعة لقتل وتشريد الفلسطينيين على مستويات تصل للتطهير العرقي الممنهج والمعدّ مسبقًا. بدأ الأمر بفرض حصار تام على القطاع وقطع مصادر الطاقة والغذاء تمامًا كما كانت خطة بن غوريون ضد القرى الفلسطينية في 1948. تبع ذلك ارتكاب المذابح والفظاعات لبثّ الرعب في نفوس السكان ودفعهم لترك الأراضي. لذلك فإن مشاهد عودة السكان لشمال غزة في يناير 2025 بعد ما تعرض له أهل المنطقة وأراضيها من دمار ومن وحشية، مثل صدمة لصاحب القرار الصهيوني الذي اتبع تعليمات الآباء المؤسسين دون أن يحصل على نفس النتائج.

عندها ومع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأت سياسة جديدة بالتشكل تهدف إلى تغيير الخطاب حول التطهير العرقي، وإعادة تقديمه في صورة العمل الإنساني الذي يهدف إلى الاستيلاء على أرض محروقة وتحويلها إلى مشروع اقتصادي يحاكي الصورة "الحضارية" الغربية. ففي يناير 2025، اقترح ترامب نقل ملايين الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو الأردن، قائلًا: "نريد أن ننظف كل المنطقة" و"نفضل بناء مساكن لهم في مكان جديد يعيشون فيه بسلام". كرر المقترح في 27، 30، 31 يناير. وفي 4 فبراير 2025، طرح فكرة استيلاء الولايات المتحدة على غزة، ونقل أهلها إلى دول أخرى مع وعد بإعادة إعمار القطاع، وقيل إن إعادة البناء ربما تستغرق من 10 إلى 15 سنة. وكما هو واضح، فإن هذه الخطة الجديدة هي إعادة صياغة لمقولات الجنرالات الفرنسيين والمستعمرين الإسبان ولكن بلغة القرن الحادي والعشرين.

نتيجة لرد الفعل الإقليمي على تصريحات مصر والأردن ودول عربية أخرى، والتي رفضت أي نقل قسري، واعتبرته اعتداءً على الحقوق الفلسطينية ومحاولة لتفريغ الأرض من أصحابها، وما أظهرته الدول الغربية الأخرى من معارضة مماثلة ولصعوبة تحقيق هدف الطهير العرقي السريع والكامل، أعلنت الصحف الإسرائيلية في أغسطس 2025 أن الحكومة الإسرائيلية تفكر في احتلال القطاع مجددًا، رغم معارضة قيادات عسكرية. يحدث هذا كله وسط انهيار إنساني كامل واستمرار التجويع والقتل الممنهج.

ما لا يلتفت إليه كثيرون من المراقبين والمحللين هو أن بنيامين نتنياهو وحكومته يستخدمون الوقت الذي يشترونه خلال هذه الحرب بدورات المفاوضات المتلاحقة والحروب الجانبية مع أطراف أخرى، يستخدم هذا الوقت كجزء من خطة كلية للتطهير العرقي في غزة حيث تستخدم كل آليات الاستعمار مجتمعة ضد مجموع بشري محاصر.

استخدم الاحتلال التجويع منذ بداية الحرب كما فعل المستعمرون في أمريكا الشمالية مثلًا بالقضاء على قطعان البايسون البرية التي يعتمد عليها السكان الأصليون، كغذاء لتسهيل امتداد السيطرة على الأراضي. جرف الاحتلال الإسرائيلي كل الأراضي الزراعية وقتل الثروة الحيوانية والقضاء على كل سبل الحصول على الغذاء إلا من خلال ما يدخل من خارج القطاع، ثم تحكم في ذلك المنفذ تحكمًا كاملًا.

يعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تهيئة الظروف لنشر الأمراض والظروف الصحية التي تزيد من الوفيات غير الرسمية، والتي لا تدرج ضمن ضحايا الحرب لأنها ليست نتيجة قصف أو هجوم مباشر. استراتيجيات مماثلة استخدمها الاحتلال البريطاني في أمريكا الشمالية وأستراليا، والإسباني في أمريكا اللاتينية، والفرنسي في الجزائر.

منذ أيار/ مايو العام الحالي استحدث الاحتلال ميكانيكية جديدة لقتل أعداد كبيرة من السكان دون اللجوء لأسلحة مكلفة اقتصاديًا من خلال تجميع السكان في نقاط توزيع ما يسمى "منظمة غزة الإنسانية"، ثم إطلاق النار بشكل عشوائي يؤدي إلى مقتل ما متوسطه 50 غزيّ يوميًا دون الحاجة لطلعات جوية وقصف بذخائر ثقيلة.

لقد بيّن هذا العرض المركز والمختصر لمفهوم الأرض الفارغة كيف يمثل المشروع الصهيوني امتدادًا للمشروع الاستعماري الغربي الذي وجد في الحركة الصهيونية غطاءً مواتيًا لحماية مصالحه في المنطقة، دون الحاجة لتبرير استدامة الاستعمار بعد وضع مواثيق الأمم المتحدة وقوانين حقوق الشعوب في تحقيق مصيرها. إن رواية المظلومية اليهودية ومنح اليهود فلسطين كتعويض عن فظاعات الحرب العالمية الثانية كان استثمارًا عسكريًا واقتصاديًا بين الصهيونية والحكومات الغربية على حساب الشعب الفلسطيني، والذي كان كغيره من الشعوب الأصيلة هدفًا لبروباغنا استعمارية تنزع عنه صفة الإنسانية وتسِمه بالمجموع البشري "المستغنى عنه".


المراجع

1.        Banner, Stuart. How the Indians Lost Their Land: Law and Power on the Frontier. Harvard University Press, 2007.

2.      Benton, Lauren. A Search for Sovereignty: Law and Geography in European Empires, 1400–1900. Cambridge University Press.

3.      Escobar, Arturo. Encountering Development: The Making and Unmaking of the Third World. Princeton University Press, 1995.

4.     Fitzmaurice, Andrew. Sovereignty, Property and Empire, 1500–2000. Cambridge University Press.

5.      Khalidi, Walid. All That Remains: The Palestinian Villages Occupied and Depopulated by Israel in 1948. Institute for Palestine Studies, 1992.

6.      Masalha, Nur. The Bible and Zionism: Invented Traditions, Archaeology and Post-Colonialism in Palestine-Israel. Zed Books, 2007.

7.      Mabo v Queensland (No 2) (1992) 175 CLR 1 –  المحكمة العليا الأسترالية.

8.      Mills, Charles W. The Racial Contract. Cornell University Press.

9.      Mignolo, Walter D. “Delinking: The Rhetoric of Modernity, the Logic of Coloniality and the Grammar of Decoloniality.” Cultural Studies, vol. 21, no. 2–3, 2007, pp. 449–514.

10.   Said, Edward. Orientalism. Pantheon Books, 1978.

11.     Wolfe, Patrick. “Settler Colonialism and the Elimination of the Native.” Journal of Genocide Research, vol. 8, no. 4, 2006, pp. 387–409.

12.   القبور الوهمية: مدافن إسرائيلية بلا موتى

13.   Plan Dalet – Wikipedia

14.   Gaza Strip – Wikipedia

15.   Palestine Nexus – Israeli Attempts to Depopulate Gaza

16.   1969 Paraguay Plan – Wikipedia

17.   Israeli Disengagement from Gaza – Wikipedia

18.   CNN – Trump proposal on Gaza

19.   NDTV – Trump Gaza relocation idea

20. Al Jazeera – Palestinians condemn Trump proposal

21.   Reuters – Gazans reject Trump’s displacement plan

22. Time – Netanyahu backs Trump’s Gaza plan

23. Reuters – Israeli cabinet may order complete Gaza takeover