الأسيرات الفلسطينيات .. الأنوثة والقوة في مواجهة القمع

الأسيرات الفلسطينيات .. الأنوثة والقوة في مواجهة القمع
تحميل المادة

في ظِل تسارع الأحداث على الأرض الفلسطينية، فإنّ ساحة الأسرى الأمنيين لدى الاحتلال من الساحات التي تبقى مشتعلةً دائمًا؛ فقبل عدة أيام قُمع الأسرى في عدد من السجون مثل النقب، وعوفر بحجة احتفالهم بعملية النبي يعقوب التي نفّذها الشهيد المقدسي خيري علقم، وفي السياق ذاته قُمعت الأسيرات في سجن الدامون-حيفا أيضًا.

ليست هذه المرّة الأولى التي تُقمع فيها الأسيرات الفلسطينيات، فتاريخ القمع يطول سرده قبل صفقة وفاء الأحرار 2011 وبعدها، وقبل دمج معتقلات الأسيرات وبعده، وقبل فصل الأسيرات الأمنيات عن الجنائيات وبعده.

غالبًا ما يكون قمع إدارة السجن للأسيرات لأسباب "نضالية وطنية" كخلاف بين الأسيرات وإدارة السجن؛ أو تهجم سجان على أسيرة، أو رفض للوقوف على العدد، حيث يحصي السجانون الأسيرات مرتين يوميًا؛ وتُلزم الأسيرة بالوقوف طوال فترة العدد احترامًا!! وأحيانًا تهدِّد أسيرة سجانةً بالقتل مثلًا؛ وقد جرى في هذه الحالة قمع الزنزانة التي تقيم فيها الأسيرة مع رفيقاتها فقط، بدون عزل القسم أو معاقبته في محاولة لبث الفتنة بين الأسيرات، وأحيانًا يأتي قمع الأسيرات إذا قمن بإجراءات تصعيد ضد سياسات الاعتقال تزامنًا مع سجون الأسرى.

كانت أقوى حالات قمع الأسيرات في السنوات الأخيرة في الأعوام 2017، و2021، و2023؛ حيث تخلل القمعَ: قطع الكهرباء عن كامل القسم، واقتحام الغرف، والاعتداء على الأسيرات بالضرب والسحل، وسحب كافة الأدوات الكهربائية كبلاطة الطبخ، والمذياع، وسخان الماء، والتلفاز، وإغلاق الغرف عليهن لأيام. يتزامن مع القمع محاكمة للأسيرات، واتخاذ خطوات عقابية كعزل بعضهن، والحرمان من زيارات الأهل، والحرمان من الشراء من الكنتينا، وفرض غرامات مالية باهظة.

 سجن الدامون

قمع 2017

كان السبب المباشر للقمع حينها رفض أسيرة الوقوف على العدد، وقد كررت ذلك رغم عزل الأسيرة وإعادتها للقسم ثلاث مرات، وخلال إعادتها للمرة الرابعة قامت أسيرة بدفع سجانة؛ فاقتحم السجانون القسم وسحلوا وضربوا كل الأسيرات مع عزل عدد منهن، وصادرت إدارة السجن كامل طعام الأسيرات، و"الكنتينا" الخاصة بهنّ، وصناديق مياه الشرب لعدة أيام، مع إغلاق القسم عليهن في العيد.

 

قمع 2020[1]

قررت إدارة سجن الدامون عزل أسيرة تعاني من حالة نفسية صعبة، فوقفت الأسيرات ضد هذا القرار ومنعن الإدارة من عزلها، فدخلت قوات القمع على الأسيرات لأخذ الأسيرة إلى العزل بالقوّة، فشكلت الأسيرات درعًا بشريًا حولها لحمايتها، ولمنع أخذها، فأصيبت بعض الأسيرات بفعل ضربهن بالهراوات لإبعادهن عن الأسيرة المستهدفة بالعزل، ولكن قوات القمع فشلت، وانسحبت دون أخذ الأسيرة إلى العزل. ثم فرضت إدارة السجن عقوبات قاسيةً على الأسيرات؛ منها: قطع التيار الكهربائي، وسحب الكهربائيات: بلاطة الطبخ، وسخان الماء، والتلفزيون، والمذياع، كما جرى إغلاق الزنازين، ومنع الخروج للفورة مدة 4 أيام، ومنع الاستحمام، حيث إن قسم الاستحمام موجود بغرفة خارجية وليس داخل الزنازين، كما هددت إدارة السجن بعزل ممثلة الأسيرات حينها بيان فرعون، ونائبتها شروق دويات، فوقفت الأسيرات معًا، يدًا بيد لمواجهة هذه العقوبات، وبدأ التخطيط والتحضير لبدء خطوات احتجاجية على العقوبات التي فرضتها الإدارة، وصعّدت الحركة الأسيرة الضغط على إدارة السجن لفك الإغلاق ورفع العقوبات، كما جرى المطالبة بمكالمة هاتفية للأسيرات مع الأسرى في سجون الاحتلال، وانتهى الحدث برضوخ إدارة المعتقل لهذه الضغوطات.

 

قمع 2023

جرى القمع الأخير إثر عثور السجانين خلال عملية تفتيش للزنازين على شفرة مكتوب عليها "إما النصر وإما الشهادة"، واتهمت الإدارة الأسيرةَ ياسمين شعبان بالقضية، وعزلتها فورًا، وإمعانًا في تعقيد الأمور جرى عزل الأسيرة خارج السجن، وردًا على ذلك حاولت أسيرة إحراق زنزانة؛ فأغلقت إدارةُ السجن القسم، وعزلت مجموعةً من الأسيرات لفترة امتدّت ما بين 5 و7 أيام، وعاقبتهن بالحرمان من زيارة الأهل لمدة شهر، كما حرمت القسم كلّه من الهاتف العمومي لمدة شهر أيضًا. ومن الجدير بالذكر أن التفتيش جاء على خلفية الاحتفال بعملية خيري علقم في القدس المحتلة.

 

مناوشات خارج القمع

القمع الشديد حالة لا تتكرر كثيرًا، ولكن الخلافات اليومية والمواقف بين الأسيرات وإدارة السجن كثيرة، فمثلًا كانت إدارة السجن تتعمد عند دمج سجن الشارون مع الدامون إثارة الفتنة بين الأسيرات، من خلال نقل الكلام، أو استهداف غرفة محددة بالتفتيش المتكرر. كما تعمد كثيرًا إلى تجزئة الفورة بين الزنازين، وذلك بإغلاق عدد منها، وفتح البقية، بحيث يمنع تجمع الأسيرات معًا.

في حالات الإغلاق المتناوب كان الوضع يضطر الأسيرات للتواصل معًا من خلال نوافذ الغرف المطلة على ساحة الفورة لتوحيد المواقف، أو اتخاذ القرارات من خلال الرسائل الشفهية، وفي مرات قليلة استخدمت الرسائل المكتوبة لتوضح الحالة باختصار. وفي النقاش توضع الخيارات بشكل مباشر، ويجري التصويت بين الأسيرات المخوّلات باتخاذ القرار، حتى لو وزعن على عدة زنازين فإنه يجري جمع آرائهن في وقت قصير، رغم وجود أجهزة تنصت تدرك الأسيرات وجودها بالتجربة وليس فقط بانعدام الثقة بإدارة السجن. أما في حالات توفر الوقت والقدرة على التواصل، فإن الأسيرات يجتمعن لاتخاذ الموقف معًا، بالاجتماع مرةً، أو عد مرات في إحدى الزنازين.

بيئة الأسيرات تصبغها الشورى، والانتخاب، واستمزاج الآراء، حتى وإن لم تكن الحياة الاعتقالية مثالية، وعند اتخاذ الأسيرات قرار التصعيد، فإنهن يتحضرن بما يلزم من أدوات كارتداء ما يحمي من الملابس، وحذاء الرياضة، وحمل الماء، وحفظ الدفاتر والأوراق. ففي أحد الاعتصامات المتفق عليها مسبقًا، ونظرًا لاحتمالية إغلاق الزنازين وإبقاء الأسيرات خارجها، جرى توصية الأسيرات بإنهاء تجهيز غداء ذلك اليوم، والوضوء. 

سجن الشارون

 

المُنتظِرات

لو أردنا إجمال حياة الأسيرات داخل المعتقل فالروتين هو الثابت الذي يضبط الحياة أو شبه الحياة، الروتين الذي يجعل كل من يسري عليه وكأنه آلة مبرمجة، إجراءات ثابتة تُكرر يوميًا في رتابة، وبأوقات محددة تفرضها إدارة السجن، فهُناك العدد الذي يجري خلاله عَد الأسيرات داخل الغرف، ويتكرر أربع مرات خلال اليوم في أوقات ثابتة تبدأ أولها عند الساعة الخامسة والنصف صباحًا؛ والفحص أو ما يُسمى (السوراغيم)، والذي يتكرر مرتين في اليوم، ويجري خلاله دق الأبراش، والشبابيك، وتفقد الزنزانة بشكل كامل باستخدام مطرقة خوفًا من وجود أنفاق أو محاولة هروب؛ بالإضافة إلى الفورة (فتح الزنازين، وإمكانية التنقل بينها، والخروج لساحة القسم) التي لم يكن يتجاوز مجموعها الأربع ساعات ونصف موزعةً على ثلاث فترات خلال اليوم؛ أما وجبات الطعام فكانت ثلاث وجبات يجري إحضارها أيضًا بأوقات ثابتة (8 صباحًا، و11 ظهرًا، و4 عصرًا) لتتمكن الأسيرات بعدها من إعداد الطعام، هذا يضاف إلى جولات السجانات المستمرة في الليل، وخلال فترات إغلاق الزنازين، أي خارج أوقات الفورات.

في استعراض حياة الأسيرات نتحدث عن رحلة الانتظار، عن رحلة الأمل التي تقطع درب الانتظار الطويل، عن شراع الأمل الذي تبحر به الأسيرات في انتظار زيارة الأهل التي قد تكون مرةً في الشهر لأسيرات الضفة الغربية، ومرتين في الشهر لأسيرات القدس والداخل، وقد تكون صفر زيارة لأسيرات غزة، أو لمن تعاقب بالحرمان من رؤية الأهل. يضاف إلى رحلات الانتظار؛ انتظار الرسائل عبر البريد، وانتظار الصور، وانتظار زيارات المحامين، وانتظار الأخبار وبرامج الأسرى ورسائل الأهل عبر الأثير الإذاعي اليومي لإذاعة فلسطين وإذاعة الأسرى أو الأسبوعي لإذاعتي أجيال والقرآن الكريم، ومن ثم انتظار المحكمة، وانتظار الحرية، التي قد تكون بكفن يقطع كل الأشواق وآمال الانتظار المُر للحرية.

وبين استقبال أسيرة، وتوديع أخرى، وبين القمع والتفاوض، وبين الحقوق المنتزعة واستقرار الروتين اليومي لحياة الأسيرات؛ يوجد سياق إداري يضبط العلاقة بين الأسيرات وإدارة السجن أو ما يسمى داخل السجون بـ" القانون الداخلي"، ولسنا نبالغ إن قلنا إنّ سياق السجون يتطلب من الأسرى قدرًا من التواصل مع الإدارة، بعدما فرضت الحركة الأسيرة على مصلحة السجون عدم تجاوزهم في تسيير حياتهم الاعتقالية، وهي حالة تسري على العلاقة بين الأسيرات وإدارة السجن، فعملية التواصل مع الإدارة لا تكون إلا من خِلال مسؤولة القسم ونائبتها، واللواتي تنتخبهنّ الأسيرات دوريًا؛ ومن ثمّ يُمنع التواصل الفردي بين الأسيرات وإدارة السجن أو الحديث مع السجانين داخل القسم، فحلقة الوصل الوحيدة بينهم والأسيرات هي المسؤولة والنائبة فقط، كما يُمنع خروج الأسيرة إلى العيادة أو الذهاب لمكتب مدير السجن لأمر ما مثلاً إلا برفقة المسؤولة أو النائبة، ويمنع إجراء أي حديث خلال الخروج إلى بوسطة المحكمة أو المستشفى، كما يُعمم على الأسيرات ضمن قوانين داخلية أن ترفض التعاطي مع السجانين دون وجود المسؤولة عن القسم، منعًا لتجنيد الأسيرات لصالح مخابرات السجن، ومنعًا من تعدد قنوات التواصل، وهذا الضبط في حياة الأسيرات أصبح أكثر وضوحًا بعد دمج أسيرات الشارون مع أسيرات الدامون أواخر 2018.

 

علاقة الأسيرات بالأسرى في السجون

فيما يتعلق بعلاقة الأسيرات بالأسرى فالأسيرات يتفاعلن مع كل القضايا النضالية والمطلبية في السجون، ويجري أحيانًا تنسيق الخطوات التصعيدية معهنّ من خلال رسائل الأهالي الإذاعية، أو عن طريق المحامين والمنظمات الحقوقية، والذين يوصلون أيضًا التفاهمات التي يرغب الأسرى بإيصالها للأسيرات، بعد الوصول إليها إثر خطوات تصعيدية نفّذها الأسرى.

وفي حالة غير مسبوقة في تاريخ الحركة الأسيرة، وتاريخ الأسيرات الفلسطينية؛ انتخبت في عام 2019 الأسيرة "لمى خاطر" عضوًا في الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس، وذلك يمنح الأسير المنتخب هامشًا أفضل للتحرك، والعمل، وصياغة التصورات المتعلقة بقضية الأسر. أما على صعيد الصلاحيات فكانت هناك إمكانية للتواصل مع بقية أعضاء الهيئة، وتبادل الرسائل معهم، والاطلاع على سياسات الهيئة العامة داخل الأَسر، وتوزيع المهام والأعباء. وقد انعكس هذا على أوضاع الأسيرات حيث ساعد وجود خاطر في الهيئة على التوصل إلى حالة التوافق ضمن واقع الأسيرات، وصيغت قواعد التوافق مع بقية ممثلات الفصائل داخل السجن، كما جرى إقرار بعض القوانين الناظمة لعدد من الشؤون التنظيمية داخل السجن، مثل آلية انتخاب هيئة التمثيل للأسيرات، وإقرار المجلس الاستشاري المشكّل من جميع الفصائل، وغير ذلك، وهي أمور جرت باطلاع الهيئة القيادية العليا لأسرى الحركة ومتابعتها.[2]

 

الفتيل

سجن الأسيرات فتيل تشتعل بسببه جميع سجون الأسرى، وتُدرك إدارة مصلحة السجون هذه المسألة، فأي فعل يحصل داخل سجن الأسيرات يصل صداه إلى سجون الأسرى، ويثوّر معاني الشهامة والدفاع والحَميّة في نفوسهم، فهو صمام إن فُتِح لا تُعلم النتائج والنهايات المترتبة على فتحه! والشاهد على ذلك ما حصل في عام 2021 فحين جرى قمع سجن الدامون والاعتداء على الأسيرات، انتفض الأسرى واشتعلت السجون غضبًا ودفاعًا، ونفّذ الأسير يوسف المبحوح عملية طعن لأحد السجانين في سجن نفحة، فداء للأسيرات.

وعلى خلاف سجون الأسرى؛ لا يوجد فرز تنظيمي توزع على أساسه الأسيرات داخل السجن، حيث توزع الأسيرات على الزنازين وفقًا لوجود مكان لها، وقد وُزعت الأسيرات السابقات عند دمج السجنين (الشارون، والدامون) وفقًا لتفاهمات بين الأسيرات، وهذا لا يعني عدم وجود أسيرات من خلفيات تنظيمية مختلفة، أو أسيرات اعتقلن على قضايا أمنية، فالأسيرات الأمنيات التابعات لتنظيم ما، غالبًا ما يرعاهن التنظيم، فتتبع توجيهاته ورؤاه دون الحاجة إلى الفرز التنظيمي.

هذا يفرض على التنظيمات أن تأخذ بعين الاعتبار وضع الأسيرات بالحسبان عند الاضطرار لاتخاذ أي قرارات كتصعيد أو خطوات معينة، لأن مصلحة السجون عندما تريد فإنها تعاقب بعض الأسيرات على أساس الانتماء السياسي وفقًا للجهة التي تدير التصعيد داخل سجون الرجال، ومن ذلك ما حصل عام 2019 حين عوقب أسرى حماس بمنع الزيارات، عوقبت أسيرات حماس بسجن الدامون بمنع الزيارة، ولولا الخطوات التصعيدية التي اتخذتها الأسيرات بمختلف تياراتهن، والاعتصام بالساحة رفضًا لقرار المنع، وللمطالبة بتعويض من فاتتهن الزيارة، وعدم سحب ما يحدث في سجون الأسرى على النساء؛ لولا ذلك لبقي القرار ساريًا عليهن طوال الفترة التي منع فيها الأسرى من الزيارة. وفي بعض الأحيان، فإن التدخلات التنظيمية التي تمارس أحيانًا أو تمرر من قبل بعض التنظيمات تفسد حياة الأسيرات، فحياة الأسيرات لا يلزم معها ممارسة أي عمل تنظيمي داخل السجن لا بالاستقطاب ولا بالخصومة.

الأسير يوسف المبحوح

 

الأنثى والمواجهة

قد يظن القارئ أن المرأة عند دخول السجن قد تبقى كما هي، بالغة الرقة، والضعف، وينسى ما تُكسبه تجربة الاعتقال في لحظات الاعتقال الأولى، وما يتبع ذلك من حاجة للتماسك، ولملمة شتات النفس، وتصبّر على عدم إظهار الخوف أو الألم، يتجاوز الأمر محاولة التصبر إلى الجَلد، ورباطة الجأش، وامتلاك القوة لإظهار رد فعل عنيف على مواقف فردية قبل الوصول إلى المواجهة الواسعة عند الدخول في حياة الاعتقال مع بقية الأسيرات، فهي قد تضطر لمواجهة قوات "النحشون" في "بوسطة" النقل، وتضطر للتعامل مع السجانين عند نقلها لزيارة الأهل أو المحامي، أو تفتيش تمارسه السجانات ضدها. في كل الأوقات تبقى الأسيرة في حالة استنفار، لتحافظ على سترها، وتحافظ على حقوقها، وتمنع الاعتداء عليها بالضرب أو التعنيف ما استطاعت، حتى لو بالصراخ، أو الرفض كحالة الأسيرة إستبرق التميمي التي رفضت التفتيش العاري خلال إخراجها إلى محكمة؛ وتعرضت للضرب المبرح، ولكن هذا الموقف المشرف ردع الجنود عنها، ودفع الأسيرات داخل القسم إلى اتخاذ إجراء رافض للتفتيش العاري، ورافض لوضع الحديد المزدوج على اليدين والقدمين، واتفقت الأسيرات على سياسة بأن مَن تتعرض لأي انتهاك كهذا عليها العودة إلى القسم ورفض الخروج إلى المحكمة.

في أوقات القمع فإن حالةً من التماسك تفرض نفسها، وحالةً من الشجاعة تلقي بظلالها على الجميع، فتتجرد الأسيرة "الأنثى" العزلاء مما يضعفها؛ وتتصرف بغريزة التضحية والفداء، كأُم، أو كأخت تدفع عن جزء من روحها الضرب أو العزل، بل قد تتجاوز ذلك إلى رد الصفعة أو القيام بدفع السجانة أو استخدام أيّ شيء يحيط بها لو وُجِد.

لكنها في مساءات الاعتقال الطويلة والباردة تلوذ إلى ضعفها، وتعرج به إلى السماء، ينحدر الدمع، وترتفع الدعوات، وفي تفاصيل الحياة في السجن تعود الأنثى بداخلها لتشرق ولكن على أخواتها الأسيرات، وفي الزنزانة، وفي حروفها المطرزة على الورق رسائلَ للأهل، وفي رقة التجمل لاستقبال الأهل في الزيارة حين تستقبلهم بصوت مفعم بالأمل والحيوية، متجاهلةً تلك القسوة التي احتاجتها في مواقف محددة وبقدر محدود، وبما يمن الله به عليها في حينه.

الأنثى تغيب في الأسيرة كمغيب الشمس لكنها تشرق مع إطلالات شمس الحرية الأولى، تشرق حبًا، وأملًا، وتفاؤلًا، لزميلات الأسر، وللأهل المرتقِبين، وللحياة التي تنتظر امتطاء صهوتها من جديد.

 

ختامًا

تبقى السجون على صفيح ساخن، بأرواح حُرّة لا تعتاد الأسر، وبقلوب مُعلّقة بحِبال أمل الحريّة، بأنفاس أبيّة لا زالت تعرف كيف تعزف لحن الثورة في ثغرها، وتعرف سُبُل المقاومة، فمن أراد المُقاومة لا يُعدَم الوسيلة!

أطلقَ الله جناحهم، وكسرَ قيدهم، وردّهم لأهلهم وأحبابهم.



[1] بيان فرعون، أسيرة سابقة، ممثلة الأسيرات، شاهدة على القمع.

[2] لمى خاطر، أسيرة سابقة، عضو هيئة قيادية.