الأسيرات الفلسطينيات الجامعيات (2001 – 2022)
يعتقل الاحتلال الإسرائيلي يوميًا عشرات الفلسطينيين والفلسطينيات في ممارسات مستمرة منذ احتلال فلسطين، ولكنها تعززت سياسةَ قمعٍ وتحييدٍ منذ النكسة عام 1967، ومنذ تشكلت خلايا المقاومة الأولى، والتي شاركت فيها المرأة الفلسطينية، وبالنتيجة فإن المرأة تعرضت إلى ما تعرض إليه الرجل من الملاحقة، والاستهداف، والاعتقال، والقتل، والتنكيل.
إن حضور المرأة الفلسطينية في تاريخ النضال الفلسطيني لم يكن على وتيرة واحدة، بل كان على شكل هَبّات، واستجابات أو ردود فعل على تطورات وأحداث شهدتها الأراضي الفلسطينية، ورغم الحضور الدائم للمرأة شاهدةً على معاناة الأب والزوج والأخ والابن اعتقالًا وقتلًا ومطاردةً، والاشتراك في تقاسم هذه المعاناة تاليًا؛ إلا أنها لم تكن في بؤرة الاستهداف، بل إنه في بعض المناطق كمحافظة الخليل كان الاحتلال أقلّ تعرّضًا لها اعتداءً عليها خلال الاقتحامات أو أثناء اقتيادها أسيرةً، ممّا صار عليه الحال بعد انخراطها في العمل العسكري خاصة مع اندلاع الانتفاضة الثانية (2000 – 2005).
استُهدفت المرأة الفلسطينية من كافة الفئات العمرية من الثانية عشرة إلى السبعين عامًا، واختلفت نشاطات المرأة المستهدفة من ربة منزل، إلى طالبة مدرسة، وطالبة جامعية سواء بكالوريوس أو ماجستير، وخريجة، ثم عاملة في كافة مناحي الحياة. وتعددت التخصصات التي حملتها الأسيرات من الشريعة الإسلامية إلى اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والطب، والهندسة، والتحاليل الطبية والصيدلة، والفنون.
تلقي هذه المقالة الضوء على طالبات الجامعات الأسيرات في الفترة الممتدة من عام 2001 إلى عام 2022، حيث وَثّقت 106 حالة اعتقال لطالبة جامعية، منهنّ 4 طالبات في مرحلة الماجستير، وفي ضوء الأرقام، تحاول المقالة أن تجيب على عدد من الأسئلة منها: كيف توزعت اعتقالات الطالبات في الجامعات الفلسطينية، وبعض جامعات "الاحتلال"؟ وكيف توزعت اعتقالات الطالبات على مدار 22 عامًا؟ وما دلالة هذا التوزيع وارتباطاته؟ وما القضايا التي انخرطت أو لم تنخرط فيها الطالبات الجامعيات، وما دلالة ذلك؟ ثم كيف توزعت الطالبات الأسيرات جغرافيًا، وما دلالات ذلك إن وجدت؟
أولًا: توزيع طالبات الجامعات الأسيرات على الجامعات
يُظهر الشكل البياني الآتي توزع الطالبات الجامعيات الأسيرات على 11 جامعة في الضفة الغربية، وثلاث جامعات في الداخل المحتل: بئر السبع، والناصرة، والعبرية المفتوحة، كما يُظهر الرسم البياني أن أكبر عدد لطالبات أسيرات اعتقلن خلال دراستهن الجامعية كان من نصيب جامعة بيرزيت بنسبة 35% بواقع 37 أسيرة، ثم جامعة القدس المفتوحة بكافة فروعها بنسبة 16% بواقع 17 أسيرة، ثم النجاح بنسبة 12% بواقع 13 أسيرة، بينما كانت نسبة الفلسطينيات من جامعات الداخل المحتل 6% من مجمل الطالبات الأسيرات.
ثانيًا: توزيع طالبات الجامعات الأسيرات على السنوات 2001 – 2022
شهدت كل سنوات الفترة المرصودة حالات اعتقال لطالبات جامعيات، حيث سُجلت حالة اعتقال واحدة فقط في السنوات: 2001، 2005، 2009، أي بنسبة 1%، ولعل لذلك أسبابًا منها أن عام 2001 كان بداية الانتفاضة الثانية، ولم تكن قد تبلورت بعد مشاركة أطياف أوسع من تلك التي لها علاقة مباشرة بمواجهة الاحتلال، فيما في عام 2005كانت مرحلة ما بعد الانتفاضة، وانتهاء اجتياح المدن الفلسطينية، والتحضير للانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية، واتسم عام 2009 بانشغال المجتمع الفلسطيني بقضايا داخلية أكثر من تلك المرتبطة بمقاومة الاحتلال.
فيما كانت أعلى سنوات سُجلت فيها حالات اعتقال لجامعيات هي: 2017، 2016، 2015 بنسبة 11 و10 و9% على التوالي، ثم 2004، و2020، بنسبة 7% لكل عام، وفي المرتبة الثالثة 2003، و2006، و2012 بنسبة 6% لكل منها، وتنخفض تدريجيًا في بقية السنوات.
ويمكن ملاحظة أن مشاركة الطالبات الجامعيات تتناسب طرديًا مع الحالة السياسية والأمنية، فإذا شهدت المنطقة تصعيدًا؛ لوحظ حضور أكبر للجامعيات، فالأعوام المشار إليها إن لم تكن في ذروة الانتفاضة الثانية؛ فهي سنوات شهدت تحركات ميدانيةً واسعةً لقضايا متعددة منها الأقصى، والقدس، وغزة، وشهدت -بوتيرة أقل- قضايا ارتبطت بالساحة الخارجية كنشاط مع حزب الله، أو تنظيمات كداعش.
كما يمكن ملاحظة أن الفترة التي تشهد ارتفاعًا في مشاركة الجامعيات؛ يعقبها انخفاض حاد أو استقرار في حضورهن، وسيأتي لاحقًا الحديث عن طبيعة انخراط الجامعيات وأسباب اعتقالهن.
قد يبدو عدد مثل اعتقال 12 جامعية في عام 2017 صغيرًا، ولكنه في الصورة العامة كبير إذا ما علمنا أن تقرير هيئة الأسرى يشير إلى وجود 58 أسيرة في السجون في هذا العام، أي أن الجامعيات في عام واحد يُشكلن خُمس الأسيرات، خَمسُ أسيرات منهن اعتقلنَ على خلفية قضايا عسكرية، وثلاث على خلفية قضايا مقاومة شعبية، والبقية ارتبط اعتقالهن بقضايا تنظيمية؛ فنحن نتكلم عن مغزى، ففي أوقات التصعيد تصبح التُهم أكبر وأصعب من حيث النوع، والحُكم.
وفي المقابل فإن الحديث عن حالة اعتقال واحدة في العام ليس قليلًا؛ إذا ما تذكرنا كيف كانت نظرة المجتمع لاعتقال الفتاة، وما كانت تمر فيه الأسيرة فرغم أن كل الاعتقال صعب، ولكنه قبل صفقة التبادل كان أصعب لظروف السجون.
بالإشارة إلى البند الأول حول توزيع الأسيرات على الجامعات؛ فإن طالبات جامعة بيرزيت حضرن في كل سنوات التصعيد، وفي السنوات التي كانت الأحداث فيها أهدأ لم يحضرن، فيما كانت نصف حالات اعتقال طالبات جامعة النجاح في سنوات الانتفاضة الثانية، ولعل هذا مرتبط بطبيعة دور طلبة جامعة النجاح العسكري في فعاليات الانتفاضة، سواءً في قيادة الميدان، أو الاستهداف بالاغتيال والاعتقال.
ثالثًا: القضايا التي انخرطت أو لم تنخرط فيها طالبات الجامعات المُعتَقلات
بناءً على التهم التي حُكمت عليها الأسيرات صُنفت قضاياهنّ إلى: قضايا عسكرية، والتي تتضمن عمليات الطعن، والخلايا العسكرية، وإيواء المطاردين، وأي نشاطات إسناد للمقاوِمين؛ وقضايا تنظيمية، والتي تتضمن النشاطات الطلابية، والانتماء إلى أطر طلابية، والتمويل؛ وقضايا المقاومة الشعبية والتي تشمل الانخراط في المظاهرات، والوقفات التضامنية، وإلقاء الحجارة، والتصدي لاقتحامات الاحتلال؛ وقضايا الملف الإداري وهي القضايا التي تستند إلى "ملف سري" لا يُعلن عنه؛ وقضايا النشاط الإعلامي والتي تشمل التحريض، والكتابة، والإدانة، وما ارتبط بذلك من نشاطات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهناك اعتقالات كانت بلا تهمة وهي الأقل إجمالًا؛ أما الأسيرات اللاتي تم توثيق اعتقالهن ولم يتم ذكر أي بيانات أخرى عنهن، ولم يتوفر بالبحث ما يرشد إليهن، ولم يُذكرن لدى هيئة الأسرى والمحررين، فتمّ تصنيفهنّ تحت بند القضايا غير المعروفة، حيث ترجح الكاتبة أن اعتقالاتهن كانت قصيرةً، ربما لساعات أو أيام معدودة، أما الاحتجاز القصير وهو يشمل الاعتقال من ساعات إلى أسبوع، فهو يتضمن الأسيرات اللاتي اعتقلن للضغط على أحد أفراد العائلة في التحقيق، أو لاستدراجه.
يُلاحظ من الرسم البياني أن حوالي 29% من الأسيرات اعتقلن على خلفية قضايا عسكرية، و34% على خلفية قضايا تنظيمية، بما يشكل 63% من النسبة الإجمالية، ثم تأتي المقاومة الشعبية بنسبة 13%، والتي بدأ ظهور طالبات الجامعات فيها منذ عام 2011، وفي كثير من حالات المقاومة الشعبية كانت التهمة إما تصديًا لاقتحام منزل، أو رفضًا لقرار هدم، أو مشاركةً في مظاهرات التضامن مع الأسرى.
أما الأحكام التي صدرت بحق الطالبات الجامعيات فقد تباينت بين شهر أو عدة شهور، وسنة إلى 7 سنوات وصولًا إلى 16 و20 سنة، و3 مؤبدات إلى 16 مؤبدًا، بالإضافة إلى الإحكام الإدارية. ويُذكر أن من الطالبات صاحبات الأحكام العالية واللاتي لا زلن قيد الاعتقال: شروق دويات، وشاتيلا أبو عيادة، حيث حُكمت كل منهما بـ 16عامًا، بالإضافة إلى موقوفتين إلى الآن: فيروز البو (2021)، وعزيزة سلمان (2022). وسوى أحكام السجن الفعليّ فقد حكم الاحتلال على الأسيرات بأحكام السجن مع وقف التنفيذ، والغرامات المالية، والإفراج بكفالة، والحبس المنزلي.
وقد أُفرج في صفقة وفاء الأحرار (18/10/2011) عن كل من: أحلام التميمي (16 مؤبدًا)، ودعاء الجيوسي (3 مؤبدات)، وصمود كراجة (20 عامًا)، وهنية ناصر (28 شهرًا)، فيما أُفرج عن منال سباعنة (7 سنوات) في صفقة شريط شاليط في (02/10/2009).
وفي الرسم التالي يَظهر توزيع القضايا العسكرية والتنظيمية خلال السنوات منذ 2001، حيث إن تغيّب أحد الصنفين؛ حضر الآخر، كما يُظهر الرسم تأثير الوضع الميداني على انخراط الطالبات الجامعيات.
هل يمكن أن نعود فنتساءل عن دور نظرة المجتمع في إحجام الطالبات وحضور تأثير هذه السطوة في السنوات قبل 2010؟ بالنظر إلى توزع حالات اعتقال الطالبات الجامعيات فإنه لا يظهر ذلك، إذ وفقًا للتناسب الطردي بين التصعيد وانخراط الطالبات فيمكن القول إنه لا يوجد تأثير لنظرة المجتمع وسطوته بقدر تأثير الحدث بوصفه محفزًّا في معزل عن العامل الاجتماعي.
يحضر هنا سؤال اجتماعيٍ مهم، وهو: إلى أي قدرٍ تختار الأسيرات طريقهنّ بمحض القناعة والرغبة، لا هربًا من عاملٍ اجتماعيٍ ضاغط كما تقول الدعاية الإسرائيلية؟ وجوابًا فإنّه لم يُسجل وفقًا للبيانات المتوفرة أي حالة اعتقال لطالبة جامعية تحت تصنيف "حالة اجتماعية" (والمقصود بالحالة الاجتماعية هنا أن تلقي الطالبة بنفسها في الاعتقال تحت أي سلوك للهروب من واقع تعيشه)، وهذا قد يشير إلى طبيعة وعي الطالبات المنخرطات في الأنشطة التنظيمية ضمن أطر الجامعات وما لحق ذلك من أنشطة عسكرية؛ أي أنهن يشاركن في ذلك طواعية وعن قصد، أو أنه يعود إلى عدم نشر الحالات المشابهة، ولكن وفقًا حتى للرصد داخل سجن النساء، فإنه لا توجد إشارة واحدة إلى وجود طالبة جامعية تحت تصنيف "حالة اجتماعية".
رابعًا: توزيع الطالبات الجامعيات الأسيرات جغرافيًا
يُظهر الرسم البياني التالي توزيع طالبات الجامعات الأسيرات على المحافظات في الضفة الغربية، والقدس بما فيها ضواحي القدس، والداخل المحتل، وهي مرتبة تنازليًا، حيث تركزت اعتقالات الجامعيات في رام الله بنسبة 25%، ثم في الخليل بنسبة 23%. وتركّزت الاعتقالات لطالبات يُقمن بالأصل في المدينة التي توجد فيها الجامعة؛ فمثلًا: سجلت بيرزيت 37 حالة اعتقال؛ 27 منها من رام الله وقراها، وربما الأمر يختلف قليلًا في جامعات الشمال من حيث إقامة الطالبات نظرًا لقرب المسافة؛ إلا أن ما ينطبق على بيرزيت في محافظة رام الله؛ ينطبق على جامعتي الخليل والبوليتكنك في محافظة الخليل.
كما يُلاحظ حضور كافة المحافظات، وبالتالي فإننا نتحدث عن مشاركة من القرى والمدن على حد سواء، ربما تغيب أريحا، ولكن يحضر الداخل المحتل حيث تركز توزيع الحالات على المنطقة الجنوبية: المثلث الجنوبي (2)، وبئر السبع (2)، والنقب (1)، وشمالًا فقط الناصرة (1).
وبالنظر إلى رام الله، والخليل، والقدس؛ وهي المناطق الأكثر قربًا من مراكز الأحداث والتصعيد في أحيانٍ كثيرة، فقد جاءت مشاركة الطالبات الجامعيات في العمل الوطني في هذه المحافظات، وما نجم عن ذلك من زيادة في نسبة الاعتقالات، استجابةً منطقيةً ومنسجمةً مع الواقع.
أما فيما يتعلق بتوزيع الطالبات على المدينة، والقرية، والمخيم؛ فالأمر بطبيعة الحال يرتبط ببنية فلسطين والتي تمثل فيها القرى والأرياف الغالبية، وبطبيعة الحال فإن نسب المشاركة ستتوزع بما ينسجم مع هذه الطبيعة الديموغرافية. وقد أظهرت البيانات توزع الطالبات على كافة المناطق دون ظهور تأثير عوامل اجتماعية قد تكون أسهمت أو لم تسهم في تقبل اعتقال الفتيات أو رفضه.
الخلاصة
تظهر الإحصائيات أعلاه حضور الطالبات الجامعيات في كل السنوات التي غطتها الدراسة، ولعل محركات البحث اليوم والاهتمام بالنشر على شبكة "الإنترنت" في السنوات الأخيرة؛ أنصفَ بعضهن بالمواكبة والتغطية، وهو الأمر الذي لم يكن حاضرًا ومتوفرًا بوصفه توجهًا إعلاميًا فيما قبل 2011.
تتعدد أشكال مشاركة الطالبات الجامعيات، وليس هدف البحث الدعوة إلى سلوك المنهج ذاته؛ فهذه المادة ليست مدحًا ولا قدحًا في جهد الطالبات، هي بقعة ضوء ينتظم في جهد رصد وتوثيق يجب ألّا يتوقف لكافة مناحي الحياة.