الإعلام الأمني المقاوم: جبهات الحراسة والتوعية

الإعلام الأمني المقاوم: جبهات الحراسة والتوعية
تحميل المادة

في العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بثّت القناة العبرية i24، تقريرًا مصورًا عن الجهد العملياتي والأمني للمقاومة في مواجهة عمليات سرقة المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة، مؤكدةً أن جزءًا من هذا الجهد ونجاحه مرتبطٌ بالنشر المتزامن مع الأحداث لقناة "امسك عميل" على تطبيق التليغرام، وما تقدمه من تحديثات على مدار الساعة لعمليات إعدام السارقين وفضحهم من المدنيين الذين يسرقون المساعدات.

كانت هذه هي المرة الأولى التي تلفت فيها قناة امسك عميل الإعلام بشكلٍ عام، لكن قناة أخرى في الميدان نفسه، -هي الحارس الأمني- كانت قد جذبت الخيوط منذ وقتٍ مبكر بُعيد طوفان الأقصى، وأضحت مع مرور الوقت مصدرًا إعلاميًا ناقلًا لكل ما يرد على لسان ضباط أمن المقاومة.

ومع الوقت، واستمرار الإبادة والحرب العسكرية والنفسية والتكنولوجية والإعلامية،  تزايدت القنوات التي تتخذ من الوعي والتحذير والإرشاد مادة لها، موجهةً إلى الفلسطينيين في قطاع غزة، أو في الضفة الغربية، وراصدة مساعي التسلل الأمني والاستخباراتي الذي يجريه الاحتلال، أو السلطة الفلسطينية، أو المستويات الأمنية الإقليمية الأخرى، سواءً أكان هذا الجُهد منصبًا على الحاضنة الشعبية ووعيها، أو متسللًا عبر وسائل التواصل الاجتماعية وشبكة الإنترنت.

في السطور الآتية، نتحرى بداية الإعلام الأمني للمقاومة، ونُضيءُ على جهد ثلاثة من أبرز قنوات التوعية الأمنية الفلسطينية، التي برزت بعد طوفان الأقصى، نتتبع نشأتها، وطبيعة محتواها ورسائلها، ومدى التنوع في الخطاب البصري والمكتوب لها، وأبرز التحديات التي تواجهها في تعزيز دورها وحماية الجبهة الداخلية الفلسطينية، ثم نستشرف مستقبلها، وقدرتها على التكيف والتطور في ظل تصاعد المواجهة الأمنية والإعلامية مع الاحتلال وأذرعه الداخلية والإقليمية.

المجد..دومًا للمقاتل

وفقًا لتاريخ المقاومة، وتحديدًا حركة المقاومة الإسلامية حماس، فقد برزت الحاجة إلى مواجهة الاختراق الأمني في وقتٍ مبكرٍ جدًا من عمر الحركة، حتى أن كثيرًا من الأدبيات ترصد تقدمًا زمنيًا للعمل الأمني على العمل العسكري والشعبي، وتربط بين نواة الجهاز الأولى ويحيى السنوار، الذي كان له السبق في تأسيس جهاز أمني عام 1986، حمل اسم منظمة الجهاد والدعوة، وهو ما يُعرف بـ "مجد".

بالنسبة للكثيرين ظل وجود "مجد" سريًا لسنوات، وحتى اليوم، ما زالت آلية عمله الكاملة غير واضحة، لكن هدفه كان محددًا وصارمًا منذ البداية، وهو تطوير مستوى من الحصانة الأمنية التي تتيح تفوقًا للمقاومة في مواجهة منظومة الاحتلال وعقليته، انطلاقًا من مبدأين؛ الأول هو أن أي عملٍ فدائي يُقاس بتجاوزه حواجز الأمن النفسية والمادية بالنسبة للمحتل بالدرجة الأولى، ومن ثم يُقاس بخسائره، والثاني؛ هو أن الميزة الذهبية التي يُقدمها الكيان لجمهوره هو حالة من الأمن والأريحية التي لا تتوافر للصهاينة في أي مكانٍ آخر في العالم، وبالتالي يغدو الإخلال بهذه الميزة وبعثرتها نجاحًا للمقاومة.

بهذه المبادئ انطلق العمل الأمني ببدايات عفوية وشعبية، وضمن لجان المقاومة نفسها، وباستراتيجيات تَتَبع وملاحقة وتحقيق ومحاكمة بدائية، لكنها كانت رادعة بدرجة كبيرة على المستوى الاجتماعي، حتى توقيع اتفاق أوسلو وملاحقه الأمنية التي قيدت يد السلطة في ملاحقة العملاء، بصفتهم "متعاونين" مع الاحتلال وجزءًا من منظومته التي يُمنع المساس بها، في مقابل ملاحقة كل من يخطط أو ينفذ عملًا مقاومًا ضد "الإسرائيليين"، وتسليمهم أمنيًا وجسديًا للاحتلال.

ونتيجة للالتزام المقدس من قبل السلطة الفلسطينية بالاتفاقية، فقد ارتفعت موجة اختراق المجتمع الفلسطيني وأصبح تغلغل العملاء فيه أكثر ظهورًا، في مواجهة عملٍ أمني حذر، ازدادت احتياطاته واقتصر على تحقيقات ميدانية مع بعض المشتبه بهم من "رؤوس العمالة" وتنفيذ محاكمات ميدانية وأحكام إعدام بحق بعضهم.

خلال تلك الفترة، تنقل الاحتلال ما بين التجنيد المباشر إلى التجنيد عبر التكنولوجيا ووسائل الاتصال، وبدأ يوسع من أساليب استدراج الفلسطينيين للعمل لصالحه، وكان منفردًا في الميدان، باستثناء القليل من التوعية التي تتردد في المساجد والمجالس بأهمية الحذر والتحرز ومراكمة الوعي الأمني، حتى بداية الألفية الجديدة، حين بدأ العمل الأمني يعود بالتزامن مع انتفاضة الأقصى، ويُعلي صوته ويُعزز وعي قاعدته بنشرات أمنية وتوجيهات حركية خاصة له بشكل دوري.

تزامن ذلك مع تطور في العمل العسكري حوّل الحصانة الأمنية لإلحاحٍ متزامن لا يمكن تجاهله، نتيجة تبدل هيكلية العمل العسكري من نظام الخلايا الصغيرة المتفرقة جغرافيًا وعملياتيًا، والمستقلة نسبيًا، إلى نمطٍ أكثر انضباطًا ومأسسة، خاصةً مع انطلاق موجة التصنيع وتطورها ما بين 2002-2004،  وبرغم اختلاف البيئة القتالية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن تشكيلات المقاومة غدت أكثر تنظيمًا وهرمية، ما ضاعف من أثر أي ضربةٍ أمنية على العمل بأكمله.

بعدها، ضاقت الضفة الغربية بملاحقة الاحتلال وتنسيق السلطة المتنامي، بينما أتاح الانسحاب من غزة (2005) وتشكيل القوة التنفيذية (2006) وخروج الأجهزة الأمنية للسلطة من القطاع (2007) تبلورًا أكبر للعمل الأمني، والإعلام المرتبط به، لا سيما مع تأسيس أجهزة أمنية تابعة لحماس مثل جهاز الأمن الداخلي، ووزارة الداخلية التابعة لها، واقترانها بإعلامٍ حكومي (حمساوي) مساند، في هذه النقطة هُناك دراسة "إسرائيلية" تؤكد أن جهاز المجد تحول عام 2007 إلى جهاز الأمن الداخلي، بينما يُشير موقع أمريكي إلى أن "مجد" جزء من منظومة وزارة الداخلية، وأن أعضاءه توزعوا بين جهاز الأمن الداخلي وبين جهاز المخابرات العامة.

بغض النظر عن القولبة التي أحاطت عمل مجد، إلا أن عمله ظل متواصلًا، بل وأصبح أكثر كفاءة وجماهيرية واتصالًا بالقواعد، من ذلك إطلاق حملات توعية موسمية ومنتظمة، حملت شعار "خليك واعي"، واستُخدمت فيها منصات التواصل الاجتماعية، بالتزامن مع استخدام الاحتلال لها في تجنيد العملاء وإسقاطهم، وخلال سنواتٍ عدة انتقلت المعركة بين ساحات متعددة على الأرض، وعبر وسائل الاتصالات، وفي منصات التواصل الاجتماعية، وانتقلت المقاومة مرارًا من مُربع الفريسة إلى مربع الصياد، واستطاعت استدراج أفراد من جمهور الاحتلال وجيشه لصالح مزيد من الاختراق الأمني لصالحها.

أما بالنسبة لجمهورها، فقد أنشأ الفرع الإعلامي في العمل الأمني، موقع المجد، الذي انطلق منتصف عام 2010، واعتمد مبدأ كشف أساليب العدو في التجنيد، وتقديم النصائح للمجتمع الفلسطيني خاصة المقاومين وأهاليهم، وإطلاق حملات توعية أمنية تتناسب مع طبيعة الحدث، وكان من ذلك حملة "احم ظهرك" عام 2015، التي تزامنت مع انتفاضة السكاكين، وحملة "اكسر الكاميرات" في الفترة نفسها.

في الواقع، يعود جزء كبير مما يُعرف اليوم عن جهاز مجد إلى هذا الموقع، الذي يُعبر بشكل كبير عن آلية عمل الجهاز واهتماماته، وينشر تحديثات أمنية من الميدان العسكري والمجتمعي تحت عنوان "جهاز أمن المقاومة،  إضافة إلى عددٍ من التسريبات "الإسرائيلية" لمحاضر التحقيقات مع أسرى فلسطينيين أكدت وجود الجهاز، وعدد من شهادات من تعرضوا للتحقيق، أما الفجوات الكثيرة بين العمل والتطوير فكثيرًا ما يُتاح للمخيال ردمها، ولو تحت مُسمى التحليل.

هذا المخيال (الإسرائيلي، العربي، الفلسطيني) عن آلية عمل الجهاز،  تطور خلال الحروب المتلاحقة على قطاع غزة، والتي أدى فيها "مجد" دورًا هائلًا في تتبع وكشف العُملاء، وضبط الحاضنة الشعبية ووعيها _بتصفية ميدانية للعملاء-، وتحديث بياناته بخصوص القدرات الاستخباراتية البشرية والتكنولوجية للاحتلال،  ونصب فخاخ لاستدراج الجمهور "الإسرائيلي" واختراق هواتف أفراد الجيش وجمع أكبر قدرٍ من المعلومات منها.

حتى أنه استثمر في مرارة عمليات الاغتيال (الشهيد نور بركة، الشهيد مازن فقها، الشهيد بهاء أبو العطا..وغيرها) التي نفذها الاحتلال بحق المقاومين، وخرج منها بحصيلة ممتازة من استقراء أساليب الاحتلال وأدواته، مكنته من تنفيذ طوفان الأقصى بنجاحٍ استخباراتي وعسكري كبير.

بمثل هذه الاستراتيجية، ربما يبدو مجد أو الجهاز الأمني للمقاومة، بالنسبة للكثيرين مازوخيًا في سعيه المحموم لتأمين حاضنته ومقاومته حتى على حساب "حُسن الظن" ، بل قد يغدو استبصاره لما بعد الخسارة من دروس عبثيًا أمام عِظم الخسارة، لكن طول المعركة مع الاحتلال، ألزمه أن تكون كل عملية اغتيال محاكمة استخباراتية لأمنه، محولًا نتائجها إلى نقلة جديدة في أمن أفراده ومجموعاته الوقائي، ودافعًا للتحدي والتجاوز حتى بإطلاق شبكات اتصالٍ خاصة به، وتحديث مستويات التمويه والتحصين والمتابعة لديه.

الحارس: المجد بحُلةٍ جديدة

إثر اندلاع معركة سيف الأقصى عام 2021، أطلق جهاز أمن المقاومة موقعًا آخر تحت اسم "الحارس"، ليلبي الحاجة المُلحة لإعلامٍ أمني شامل يتجاوز دوائر المقاومين والمقربين منهم، يُقدم إرشادات أمنية للفلسطينيين، ويحُذر من التعامل مع روايات الاحتلال ويُفندها، ويسعى إلى كشف العُملاء وفضحهم إعلاميًا واجتماعيًا.

خلال فترةٍ قصيرة، طغى الحارس على المجد، لا سيما مع استخدامه منصات تواصل ذات شعبية ووصولية عالية، وتقديمه مواد مصورة وفيديوهات متنوعة، قصيرة المدة، مختصرة المعلومة، احترافية الشكل، كما ركز على الحرب السيبرانية وأساليب الاحتلال الحديثة، وربط مضامينه بخبراتٍ عملية في كشف أساليب الاحتلال، من اختراق الحسابات الشخصية، واستراتيجيات التتبع والاختراق، ومحاولة بناء علاقات زائفة عبر الإنترنت، ما أتاح لمضامينه سرعة التأثير في الجمهور.

خلال الفترة ما بين 2021-2023، اقتصر اهتمام الحارس على الحرب السيبرانية مع الاحتلال، وأتاح لجمهوره إمكانية التواصل الموسمي مع القائمين على القنوات والصفحات، ما أدى لاحقًا لكشف عددٍ من العُملاء، والتصدي لحملات اختراقٍ إسرائيلية متكررة، والتي واجهها بحملات توعية، تحمل بلاغات ظاهرة أو مخفية.

في كتابٍ حمل عنوان "الاستراتيجية والعمليات السيبرانية لحماس: الرايات الخضراء والقبعات الخضراء" نشره الباحث سيمون هندلر في نوفمبر 2022، وضع الحارس في نفس سلة المجد، وأشار إلى كليهما بمصطلح الأمن الداخلي، ثم استعاض عنه بمصطلح الأداء السيبراني، مركزًا على المقارنة بينه وبين المستوى السيبراني "الإسرائيلي".

الباحث هندلر أشار إلى أن الأداء السيبراني لحماس لا يُمكن قياسه من خلال مقارنته مع المستوى التكنولوجي الإسرائيلي، وإنما من خلال تأثيره والتزامه الشديد بالتطور، الذي يُعتبر الاهتمام بالمستوى الجماهيري الداخلي ميزة خاصة به، كما وصف العاملين في الأمن السيبراني داخل صفوف حماس، باعتبارهم "قراصنة ذوي قبعات خضراء"، وليس ذلك لأن الأخضر غالبٌ في الصورة الذهنية لحماس، وإنما لأنه مصطلح سائد في مجتمع أمن المعلومات للإشارة للأفراد الجدد في عالم القرصنة الذين يفتقرون للقدرات المتطورة، لكنهم سريعو التعلم جديدو الالتزام، وهو ما ينعكس لاحقًا على أدائهم في صد عمليات التجسس، ومهاجمة أهداف متنوعة من خلال أدوات غير متطورة نسبيًا، وتطوير قدراتهم في التواصل مع جمهورهم وإقناعه والتأثير فيه.

تُعبر هذه الأوصاف بشكلٍ كبير عن "الحارس" الذي ازداد حضوره كثافة بعد طوفان الأقصى، بل وأضحى أكثر تخصصية وأقل شعبوية بالتزامن مع المتُابعة المُلحة من الإعلام المحلي والإقليمي لبياناته، التي تعكس الجهد الحثيث لجميع أذرع المقاومة في تتبع تقنيات الاحتلال وأساليبه، وتنقل أي منتوج لهذا الجهد بوصفه خطوة إلى الأمام في ميدان المواجهة.

وفي قراءة استقرائية لأسلوب النشر والتحديث يظهر تركيز منصة الحارس على نشر التحديثات الأمنية، وكشف قصص العُملاء والمتخابرين، وتقديم نصائح أمنية عسكرية للمقاومين، واستخدام لغة مهنية تخصصية تبدو موجهة لكادر عسكري أكثر منها لمواطن عادي، ربما لذلك قد يكمن بين سطورها رسائل تشفير خاصة بهم، لا سيما مع استخدامها الكثيف للرموز والإشارات، في مقابل غياب الوسوم العامة.

كما ترتبط رسائل المنصة بالواقع الأمني الميداني وتستجيب للأحداث الساخنة أولًا بأول، بينما تقل التصميمات فيها بدرجة كبيرة وحتى عندما تُنشر فإن عوامل الجذب فيها ضئيلة على حساب التركيز على المعلومة، أما ميدانها الجغرافي فهو قطاع غزة بشكلٍ أساسي، لكن إمكانية الاستفادة منها متاحة للمجتمع المقاوم للاحتلال في كل ساحاته.

هذه الأنماط التحريرية والوصفية تمثل ميزة أساسية للمنصة، التي تُقدم تواصلًا غير مباشر للمقاومين وتحديثًا يتناسب مع احتياجات الميدان وإلحاحه، كما تربطهم بالمنظومة دون أن تُخل بالضرورة بسلامتهم، بينما تُعزز من الإحساس المجتمعي بتراكمية الوعي الأمني للمقاومة واستمراريته في مواجهة الاجتثاث، ما يُفرز نوعًا من الطمأنينة وأنواعًا أخرى من الردع والتعزير.

"امسك عميل" "خليك واعي": الأمن بلغة الجمهور

بُعيد ظهور الحارس، وتخصص لغته وتوجهها إلى المستويات الأمنية والعسكرية، وبالتزامن مع ارتفاع موجات الحشد الموسمي ضد المقاومة، ظهرت مجموعة من المنصات الناطقة بلغة أمنية ولكن بلكنة شعبوية، تتُيح للجمهور استيعابها وتناقلها بسهولة ويُسر.

في كثيرٍ من الأحيان كان ظهور المنصات موسميًا مرتبطًا بمواجهة حملة تستهدف الحاضنة الداخلية للمقاومة، لكن الحرب على قطاع غزة، وتزامنها مع جهدٍ استخباراتي (إسرائيلي، فلسطيني، إقليمي) أدى إلى استمرارية وتوسع المنصات، إضافة إلى تنوع أشكالها ورسائلها.

من بينها كانت منصة "امسك عميل" التي برزت في الحرب الحالية بدورها الصريح والواضح بكشف المتواطئين مع الإبادة والمتعاونين مع الاحتلال، بدءًا من لصوص المنازل والممتلكات، ولصوص المساعدات، والشخصيات الفاعلة والمدعومة للحشد ضد المقاومة، وحتى قصص التخابر وكشف العملاء، كما فتحت المجال للجمهور للإبلاغ عن المشبوهين وتقديم ما يرونه ضروريًا لإسناد المقاومين وحماية ظهرهم.

ولزيادة تأثير رسائلها استخدمت المنصة التصميمات الجرافيكية، والنصوص المباشرة، والدعوات التفاعلية، كما تواجدت الوسوم دائمًا في منشوراتها، ومن أبرزها #عميل_تحت_المجهر، أما إطارها الزمني فهي من أكثر المنصات تحديثًا ولا ترتبط ببُعد زمني معين، لكنها كحال معظم الصفحات الفلسطينية ترتفع وتيرة النشر فيها في أوقات التصعيد العسكري.

ومن مميزات المنصة؛ ما تتيحه لجمهورها من مساحة التعليق والتفاعل إضافة لسرية التواصل والتبليغ، وبساطة محتواها المباشر والقصير وسهل الفهم، وفهمها لمنظومة القيم الاجتماعية الفلسطينية التي تجمع الشرف بالعائلة فالوطن، ما يُعطي رسائلها ودعواتها للتبليغ عن العُملاء تأثيرًا مضاعفًا، كما أن تحديثها المستمر يجعلها حاضرة في أذهان الجمهور وأشبه برقيب اجتماعي عليهم.

ورغم شعبية المنصة الكبيرة، والتفاعل الكثيف على منشوراتها، إلا أن خطابها لا يحظى دومًا بإجماع الجمهور، الذي يجد فيه مبالغة في ترسيخ الحذر الاجتماعي الدائم وخلق بيئة شك عام، ("ممكن جارك، صاحبك، قرايبك عميل!")، إضافة إلى تعمدها كشف "ملفات" عائلية واجتماعية تطال الدوائر المحيطة بالعملاء، وهو ما يؤثر على النسيج المجتمعي العام، خاصة في ظل غياب المحاكمات العلنية للمتهمين، واستخدامها لتعابير حادة ولاذعة تتسبب أحيانًا في انتقادات للقائمين عليها.

وفي المسافة الفاصلة ما بين "امسك عميل" و"الحارس"، تقع "خليك واعي" منصة أخرى، لكن بخطابٍ توعوي وقائي تثقيفي، تُركز على نشر ثقافة الأمن الشخصي ضد محاولات الإسقاط الأمني والاختراقات الإلكترونية والاجتماعية، وتقدم نصائح عملية للحذر من أساليب الاحتلال وكشف عملائه، كما تتطرق أحيانًا للخصوصية والأمن الرقمي.

وبينما تغيب عن منشوراتها الدراما والحماس الذي يُميز منصة "امسك عميل"، إذ ترفع مستوى اللغة إلى مراتب تربوية ودعوية، إلا أنها تتشارك معها في استخدامها الكثيف للوسوم، ودعوتها الجمهور للتفاعل والتعميم، وبمثل هذه المزاوجة فمن الطبيعي أن يتسع نطاق رسالتها ليتجاوز سكان القطاع إلى سكان الضفة الغربية وحتى فلسطيني الداخل المحتل، كما تحضر لغتها بنمطٍ يُناسب الشبان والمراهقين والناشطين الاجتماعيين والباحثين والمقاومين على حدٍ سواء، خاصة وأن مضمونها يقترب من مستوى المصداقية الذي تحرص عليه منصة "الحارس" ومواضيعها معمقة وجادة مثل التجنيد الإلكتروني والأمن الشخصي ومواجهة محاولات الاختراق.

رغم ذلك لا تتمتع بنفس مستويات الشعبية لكلٍ من "الحارس وامسك عميل"، ربما لانخفاض مستويات الإثارة والأدرينالين في محتواها، كما تغيب الأمثلة الواقعية والميدانية عن محتواها الخاص، وكثيرًا ما يكون منقولًا عن المنصتين السابقتين، ما يتيح لكثيرٍ من الفئات الاستغناء عنها.

من المهم الإشارة هُنا إلا أنه في مقابل الدور المهم لهذه المنصات، هُناك جهدٌ استخباراتي مضاد لإحباط تأثيرها وإفشالها، هذا الجُهد له أشكال متنوعة، ما بين محاولات الاختراق والتعطيل، وحملات التشويه، ونشر المعلومات المضللة التي تستهدف زعزعة الثقة في محتواها، ومحاولات التواصل مع الجمهور المتفاعل وتجنيده، وتقييد الوصول إليها في بعض الدول، وحظرها على بعض متاجر التطبيقات، وهذه الجهود لها تأثيراتها على استمرار التواصل والتفاعل مع الجمهور وعلى نجاح المنصة على المدى البعيد، وهو ما يستلزم اتخاذ وتطوير تدابير للتعامل معها.

بشكل عام، ليس الإعلام الأمني المقاوم مقتصرًا على المنصات الثلاث، وإن كان يمكن تمثيله في منصة الحارس، إلا أنه لا يغيب عن امسك عميل أو خليك واعي، أو غيرها من المنصات التي تحرص على تنويع خطابها وتطويره لصالح المقاومة ومجتمعها، في بعض الأحيان قد يكون التنويع مفيدًا، وفي أحيانٍ أخرى قد يكون مشتتًا، لا سيما إن تناقلت المنصات الأخبار نفسها عن بعضها بدون تحريرٍ مسبق، ربما لهذا من المُلح وضع استراتيجية شاملة تُحدد بشكلٍ صارم جمهور كل منصة، وخطابها، وأطرها الزمنية والجغرافية، لتحقيق أكبر تكاملٍ ممكن بينها.

كما من المهم تطوير محتوى كل منصة، وتوسيع نطاقها الجُغرافي وجمهورها التفاعلي، والاهتمام بردود أفعاله، وما يستلزم ذلك من رفع مستوى المصداقية، واستخدام لغة خطاب جامعة، وتقديم المعلومة على الفضيحة، وإطلاق حملات متزامنة منسقة تكتيكيًا، ودعم المنصات بتواصلات مع صحفيين ونشطاء موثوقين، وإظهار نمط من المتابعة الدقيقة والمحاسبة على النشر، بما يوحي للجمهور بموثوقية المصدر وحرصة على حاضنته.

ختامًا، من المُهم دائمًا تقييم خطاب المنصات المختلفة مهما كان اتجاهها ورسائلها من منظورٍ مقاوم، وعليه فإن أي جهد يصب في صالح هذا المنظور مُثمن وبالغ الأهمية مهما بدا بسيطًا، فالجبال تُبنى من صغير الحصى، غير أن المعركة مع المُحتل تستلزم دومًا على المقاوم والإعلامي والمحلل والمثقف والمواطن تطوير أدواته ومعارفه ووسائله، وترميم عزيمته بما يُساهم في رفد المعركة وتمتين دعائمها، والوصول بنا وبها نحو النهاية المبتغاة.