الثورة الفلسطينية الكبرى.. عندما صفع الفلسطينيون بريطانيا على وجهها

الثورة الفلسطينية الكبرى.. عندما صفع الفلسطينيون بريطانيا على وجهها
تحميل المادة

تعدُّ الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) من أبرز الثورات التي فجَّرها الفلسطينيون في وجه الاستعمار البريطاني في القرن العشرين، وهي غنيَّة بأحداثها وشخوصها وخطابها وتداعياتها، وما زال حضورها قويًا في الوعي الجمعي للفلسطينيين، كما أنَّه لا يمكن لأي دارس لتاريخ المقاومة الفلسطينية المسلحة تجاوزها. [1]

مرَّت الثورة بمرحلتين، اشتهرت الأولى بإضرابها الكبير وعملياتها المسلحة، واتسمت الثانية بتنظيمها المسلح وإنجازاتها القتالية المشهودة. وسأطلُّ في هذا المقال على المرحلة الثانية، وأتناول استراتيجية الثوار القتالية كما طبقوها داخل فلسطين[2]، وأبرز رموزهم، وأهم معاركهم، وخطابهم، وتفاعل المحيط العربي مع ثورتهم، وأهم التحديات التي واجهت الثورة.

 

خُفوتُ الثورة وتجدُّدها

انتهى الإضراب الكبير في الثالث عشر من تشرين أول/ أكتوبر عام 1936، وخفَّت حدة الهجمات الفلسطينية مؤقتًا، ثمَّ بدأت بالتصاعد من جديد. حاول الثوار اغتيال المفتش العام لقوة البوليس والسجون في فلسطين "المستر سبايسر" في حزيران/ يونيو عام 1937، ونجحوا في اغتيال حاكم الجليل "المستر أندروز" وحارسه "ماكوين فراي" في السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر من العام ذاته عندما كانا خارجين من الكنيسة الإنجليكانية في الناصرة، في حين نجا مساعده "المستر بيري غوردون"، واغتالوا ضابط المخابرات سيء السمعة حليم بسطة.

قرَّرَ الثوار شن هجوم كبير على مواقع البريطانيين والصهاينة في الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1937، إيذانًا ببدء المرحلة الثانية. ومع توالي الأحداث نضجت الحالة الثورية، وظهرت قيادة عسكرية محلية عليا، وقف على رأسها مجموعة قيادية ذات خبرة قتالية ونفوذ بين المقاتلين، شَمِلَتِ المناطق الجغرافية المختلفة من شمالي فلسطين حتى جنوبيها ومن هؤلاء: أبو إبراهيم الكبير (ت 1979)، وعبد الرحيم الحاج محمد (1892-1939)، وعارف عبد الرازق (1900-1944)، وعبد القادر الحسيني (1908-1948)، وعطية أحمد عوض (1898-1938)، ويوسف سعيد أبو درة (1900-1939)، وقد عمل تحت إمرة كل قائد مجموعة من الفصائل، وكان لكل فصيل قائد، أمَّا عدد المشاركين في الثورة في هذه المرحلة فكانوا ما بين (1500-4000) ثائرٍ متفرغٍ، يساعدهم آلاف المتطوعين.

 

الاستراتيجيات القتالية

اشتعل الجليل ضد البريطانيين، واشتدت الهجمات في منطقتي جنين ونابلس، ووصلت إلى وسط فلسطين وجنوبيها. ركَّز الثوار على استهداف الدوريات والقوافل العسكرية، وطرقِ المواصلات والجسور، وخطِّ أنابيب النفط، ومراكز الشرطة، والمعسكرات، والمستعمرات الصهيونية، وشهد عام 1938 عنفوانًا ثوريًا غير مسبوق، تجسَّد في تنفيذ الثوار لعدد من الاستراتيجيات القتالية الفاعلة، منها الاغتيالات التي استهدفت كبار الضباط البريطانيين، مثل حاكم جنين "المستر و.س.س. موفيت" الذي أطلق عليه ثائرٌ رصاصه القاتل في مكتبه ومن مسافة الصفر في شهر آب/ أغسطس عام 1938، والمساعد الخاص لمفتش البوليس العام "المستر ج.د هندرسون" الذي قُتل في كمين أعدَّه أهل سلواد على طريق نابلس – القدس في الحادي والثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر عام 1938، وكان جالسًا في السيارة نفسِها التي أقلَّت السير "تشارلز تيجارت وبرانسكل" من هيئة أركان الجيش. كما بدأت فصائل الثورة بشن عمليات كبرى بهدف تحرير المدن، في خطوة رمزيَّة جريئة مسَّت هيبة بريطانيا وعلَّمت عليها، فقد هاجمت مراكز السيطرة البريطانية مثل مراكز الشرطة والبريد والمحاكم وغيرها، ورفع عناصرها العلم الفلسطيني عليها، معلنين اندحار الاحتلال ولو مؤقتًا. وغالبًا ما تمكن الثوار من قتل عدد من الضباط والجنود البريطانيين والاستيلاء على كميات من الأسلحة وإطلاق سراح الأسرى، وهذا ما جرى في مدينة الخليل في شهري شباط/ فبراير وأيار/ مايو، وفي مدينة جنين في آذار/ مارس، وفي مدينة بيسان في نيسان/ إبريل، وفي مدينة رام الله في تموز/ يوليو، وفي مدينتي بئر السبع والقدس في أيلول/ سبتمبر، وفي مدينة طبريا في تشرين أول/ أكتوبر.

كان من أهم قيادات التشكيلات المسلحة في الثورة الكبرى:

أبو إبراهيم الكبير (ت 1979)، وعبد الرحيم الحاج محمد (1892-1939)، وعارف عبد الرازق (1900-1944)، وعبد القادر الحسيني (1908-1948)، وعطية أحمد عوض (1898-1938)، ويوسف سعيد أبو درة (1900-1939)

لقد امتازت هذه المرحلة باندلاع معارك طاحنة بين الثوار والبريطانيين، كانت تدوم لساعات طويلة وأحيانًا لأيام، يشارك فيها المئات وأحيانًا آلاف الجنود البريطانيين المزودين بأحدث الأسلحة والمعدات، وكانت تنتهي بتكبُّد العدو خسائر بشريةً وماديةً، فعلى سبيل المثال جرت في عام 1938 عدة معارك كبرى، مثل: معركة اليامون في آذار/ مارس، ومعركة بورين في تموز/ يوليو ، ومعركة شعب ومجد الكروم في آب/ أغسطس، ومعارك جبال القدس في شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر، ومعركة رام الله في تشرين أول/ أكتوبر، ومعركة بني نعيم في كانون أول/ ديسمبر.

اعتمد الثوار ثلاث استراتيجيات أساسية في قتالهم:

-       استهداف البنى التحتية والقوات المعادية، مثل القوافل العسكرية، وطرقِ المواصلات والجسور والمستعمرات الصهيونية.

-       الاغتيالات التي استهدفت كبار الضباط البريطانيين مثل حاكم جنين.

شن عمليات كبرى بهدف تحرير المدن، في خطوة رمزيَّة جريئة مسَّت هيبة بريطانيا

 كان عدد الهجمات الفلسطينية كبيرًا، تؤكد ذلك المصادر البريطانية الرسمية، التي تحدَّثت عن تنفيذ الفلسطينيين عام 1937 ما يزيد عن 368 هجومًا على أهداف بريطانية، و143 هجومًا على أهداف صهيونية، في حين بلغ عدد الهجمات عام 1938 حوالي 3732 هجومًا على أهداف بريطانية، و1237 هجومًا على أهداف صهيونية، أمَّا عام 1939، فانخفض العدد إلى 952 هجومًا، وتقدِّر بعض المصادر أن عدد القتلى البريطانيين أثناء الثورة وصل إلى 240 قتيلاً، ووصل عدد قتلى الصهاينة إلى 415 قتيلاً.

 

خطاب الثوار.. مرجعيَّته ومقولاته

تبنى ثوار فلسطين خطابًا وطنيًا بمرجعية عربية إسلامية، وارتكزت بيانات الثورة على جملة من المقولات الأساسية، تمحورت حول عروبة فلسطين وإسلاميتها، وسعي أهلها لتخليصها من الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني، وقد كانت هذه المقولات محلّ إجماع سواءً على مستوى الخطاب العام الصادر عن مراكز الدعاية للثورة في دمشق وبيروت، أو على مستوى الخطاب المحلي للقيادة الميدانية، والذي تُركز عليه فقرات المقال أدناه. 

ازدانت بيانات الثورة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وعبَّرت عن جملة من قيم المجتمع العليا مثل الشجاعة والصدق والإخلاص، وتناولت بعض القضايا الميدانية، كما أنَّها حَوَت مواقف سياسيةً ومطالب محددةً، فعلى سبيل المثال علَّق بيان عبد الرحيم الحاج محمد، وحسن سلامة، وعارف عبد الرازق، ويوسف سعيد أبو درة، وعبد الرحمن الصالح على بيان وزير المستعمرات البريطاني حول سياسة بريطانيا في فلسطين، واحتوى مطالب واضحةً تقوم على "منع الهجرة اليهودية منعًا باتًّا، والاتفاق على معاهدة تقوم بموجبها حكومة وطنية مستقلة بدلاً من الانتداب"، كما عبَّرت بيانات هؤلاء القادة عن حالة الإجماع على شخصية الحاج أمين الحسيني واعتباره قائدًا للمرحلة بلا منازع، ولم يترددوا في إبداء رأيهم في ممثلي فلسطين في المؤتمرات الدولية، فقد أصدر عارف عبد الرازق بيانًا بالإنجليزية اعترض فيه على تسمية المندوب السامي بعض ممثلي فلسطين، وأكَّد على أن هؤلاء "لا يمثلون إلا أنفسهم أو بالأحرى المندوب السامي الذي عيَّنهم".

تبنى ثوار فلسطين خطابًا وطنيًا بمرجعية عربية إسلامية، وارتكزت بيانات الثورة على جملة من المقولات الأساسية، تمحورت حول عروبة فلسطين وإسلاميتها، وسعي أهلها لتخليصها من الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني، وقد كانت هذه المقولات محل إجماع على مستوى القيادتين السياسية والميدانية

إنَّ توقيعات قادة الثورة وتوصيفاتهم لأنفسهم في ختام كل بيان تعطي القارئ انطباعًا عن أن نفسياتهم اتسمت بالتجرد والزهد والإيمان والانقطاع لخدمة الثورة وأهدافها، فقد كان يسبق توقيع كل قائد عبارات مثل: الفقير إلى الله، والخادم لدينه ووطنه، والمتوكل على الله، والمجاهد الصغير.

كما يلاحظ أن أسماء الفصائل المقاتلة اقتُبست من الشخصيات الخالدة في التاريخ الإسلامي، وفي هذا إشارة أخرى إلى المرجعية الثقافية للثوار، فسميت أغلبها بأسماء بعض رموز الصحابة والتابعين مثل: علي بن أبي طالب، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وحمزة بن عبد المطلب، وعمر بن عبد العزيز، وصلاح الدين الأيوبي، وأسماء قادة سابقين مثل فرحان السعدي، والقسام، والشيخ عطية. كما احتوت الشيفرة بين قيادة الثورة في فلسطين والقيادة العامة في الخارج على الحروف الأولى من أسماء الله الحسنى.

إنَّ توقيعات قادة الثورة وتوصيفاتهم لأنفسهم في ختام كل بيان تعطي القارئ انطباعًا عن أن نفسياتهم اتسمت بالتجرد والزهد والإيمان والانقطاع لخدمة الثورة وأهدافها، فقد كان يسبق توقيع كل قائد عبارات مثل: الفقير إلى الله، والخادم لدينه ووطنه، والمتوكل على الله، والمجاهد الصغير

وأخيرًا أجد أن من الإنصاف لفت الانتباه إلى أن التحاق بعض المثقفين الفلسطينيين بقيادة الثورة منذ النصف الثاني من عام 1938، وعملهم مستشارين لديها، مثل واصف كمال وممدوح السخن وفريد يعيش ومصطفى الطاهر وداود الحسيني، قد ساهم في منح أدبيات الثورة مزيدًا من العمق والرصانة.

 

المشاركة العربية في الثورة

من الصعب على هذا المقال تحديد حجم المشاركة العربية في القتال في المرحلة الثانية من الثورة وطبيعتها، وهذا موضوع بحاجة لبحث ودراسة معمقة، لكن يُحسب لسوريا احتضانها قيادة الثورة في الخارج وتحوُّلُها لمركز رئيسي لإمداد الثورة بالسلاح والمال، واعتبارها ملجأً ومقرًّا لاجتماعات القيادة ولراحة الثوار، وهذا لا يمكن له أن يكون دون مشاركة فاعلة من السوريين. وقد ذكرتْ بعض المصادر مشاركة متطوعين من شرق الأردن في إسناد الثورة، حيث نَفَّذوا هجماتٍ على مواقعَ حكوميةٍ في إربد والسلط والكرك ومأدبا وعمان. وأشارت المصادر إلى التحاق عدد من الشباب البيروتي بالثورة إضافةً إلى طالبيْن  جامعييْن مصرييْن هما أحمد رفعت وصديق أمين، وإلى استشهاد عدد من الشباب العربي منهم علي العبويني وعبد الرحمن النجداوي من شباب شرقي الأردن، كما أعدم الانجليز الشاب الأردني محمد علي سليم من الكرك، وعبد الرحيم يحيى عراب من دمشق. وقد دشَّنت الثورة بداية انخراط المصريين في الشأن الفلسطيني، إذ شهدت مصر تحركاتٍ شعبيةً نصرةً للثورة قادَتْها حركات سياسية وشخصيات برلمانية وعلماء شرع، ولا يُستبعد مشاركة عناصر من دول عربية وإسلامية أخرى في إسناد الثورة ودعمها.   

 

تحديات الثورة  

شكَّلت بريطانيا أكبر تحدٍ للثورة، فقد أقدمت على تعديل قانون الطوارئ، بما يسمح بإنزال أقسى العقوبات بحق الفلسطينيين، فكان مجرد حمل السلاح يوجب عقوبة الإعدام، وأقامت محكمتيْن عسكريتيْنِ في القدس وحيفا، وحشدت في فلسطين آلاف الجنود البريطانيين، وقتلت أكثر من 5 آلاف عربي، وجرحت قرابة الـ 15 ألفًا، وصادرت الأموال، واعتقلت 50 ألفًا توزعوا على أربعة عشر سجنًا، وأعدمت 146 فلسطينيًا، ونسفت خمسة آلاف منزلٍ، وفرضت حظر التجول على المدن والبلدات الفلسطينية مدة طويلة، وفتَّشت البيوت، وأهانت السكان، وبنت سورًا من الأسلاك الشائكة عبر الحدود مع الأردن وسوريا ولبنان، وأقامت خمسين قلعةً محصنةً في المدن والبلدات جمعت داخلها الدوائر الحكومية، وأعدمت عددًا من القادة مثل فرحان السعدي الذي أعدم في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1937، ويوسف أبو درة الذي أعدم في آب/ أغسطس 1939. كما ارتقى عدد من القادة شهداء في المعارك منهم عطية أحمد عوض في آذار/ مارس عام 1938، وعيسى البطاط في أيار/ مايو 1938، ومحمد الصالح أحمد في أيلول/ سبتمبر عام 1938، وعبد الفتاح محمد الحاج مصطفى في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1938، وعبد الرحيم الحاج محمد في آذار/ مارس عام 1939، واضطر عدد آخر للخروج من فلسطين مثل أبو إبراهيم الكبير، وعبد القادر الحسيني، وحسن سلامة، وعارف عبد الرازق.

أقدمت بريطانيا على تعديل قانون الطوارئ، بما يسمح بإنزال أقسى العقوبات بحق الفلسطينيين، فكان مجرد حمل السلاح يوجب عقوبة الإعدام، وقتلت أكثر من 5 آلاف عربي، وجرحت قرابة الـ 15 ألفًا، وصادرت الأموال، واعتقلت 50 ألفًا، وأعدمت 146 فلسطينيًا، ونسفت خمسة آلاف منزلٍ

أمَّا التحدي الثاني فيتعلق بإشكاليات الثورة الداخلية، ولعل أكثر الأمثلة تداولاً الاغتيالات التي تعرض لها خصوم الثورة، وقد اتضح لاحقًا أن قطاعات من المجتمع الفلسطيني لم تقبل بذلك، الأمر الذي أحدث تصدُّعًا في جدار الإجماع حول الثورة، وقد استغلت بريطانيا الأمر ونفخت فيه، ونجحت في نهاية المطاف في تشكيل جسم ميداني فلسطيني مناوئ للثورة، وهذا كله استنزف الثوار وعطَّل عليهم. كما أنَّ توسع استهداف عملاء بريطانيا بالقتل كان له أثره السلبي، وتبيَّن في أكثر من حادثة أن الأخذ بالثأر لمقتل فلسطيني مشتبه بتعاونه مع بريطانيا كان مدخلاً للنيل من قادة الثورة وكوادرها، إلى حد المشاركة في عمليات قتل انتقامية ضدهم. ولا بد من الانتباه إلى وجود إشكاليات أخرى نتجت عن تدخل الثوار في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي للناس لا مجال للتوسع فيها هنا.    

 

إنجازات الثورة الفلسطينية الكبرى

سجَّلت الثورة رفض الشعب الفلسطيني للوجود البريطاني في فلسطين، ونجحت في إبراز شجاعته في تحدي دولة عظمى تمتلك قوة هائلة، رغم أنَّ تعداده لم يتجاوز المليون نسمة، ولم يمتلك سوى عدة آلاف من المقاتلين بأسلحة خفيفة، وتمكَّن الفلسطينيون خلال الثورة من تدفيع بريطانيا ثمنًا غاليًا ماديًّا ومعنويًا، وأجبروها على إبقاء 20 ألف جندي في فلسطين، يضاف لهم قواتٌ من الجيش الملكي، وقواتٌ صهيونية قوامها 14 ألف مقاتلٍ، وقوات البوليس الإضافي، واضطروها لإعفاء المندوب السامي "آرثر واكهوب" من منصبه وتعيين "هارولد مكمايكل" خلفًا له، واستبدال القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين ثلاث مرات أثناء الثورة، إذ عيَّنت الجنرال "ديل" في أيلول عام 1936 بدلاً من الجنرال "بيرز"، ثمَّ عيَّنت مكانه الجنرال "ويفل" في أيلول عام 1937، ثمَّ جاء بعده الجنرال "هيننغ" في نيسان عام 1938، ودفعوها إلى إلغاء التقسيم أواخر عام 1938، وإعلان الكتاب الأبيض أوائل عام 1939، والتفكير جدّيًا في الرحيل عن فلسطين، وبذا كانت الثورة أحد أهم نماذج الرد على الاستعمار البريطاني في العالمين العربي والإسلامي في النصف الأول من القرن العشرين.

كانت الثورة أحد أهم نماذج الرد على الاستعمار البريطاني في العالمين العربي والإسلامي في النصف الأول من القرن العشرين، ويحسب للثورة مساهمتها في ترسيخ الروح الثورية في نفوس الفلسطينيين، وتأسيسها لسلسلة طويلة من الثورات لم تهدأ حتى يومنا هذا

 يحسب للثورة مساهمتها في ترسيخ الروح الثورية في نفوس الفلسطينيين، وتأسيسها لسلسلة طويلة من الثورات لم تهدأ حتى يومنا هذا، وأضافتها للإرث الثوري المحلي والعربي والعالمي تجربةً جديدةً شملت استراتيجيات وتكتيكات جديدةً نابعةً من ثقافة الفلسطينيين وتقاليدهم. وأنّها كانت تدريبًا ميدانيًا لقادة وكوادر سيلعبون دورًا محوريًا في القتال عام 1948.

 

خاتمة

انتهت الثورة الفلسطينية الكبرى في النصف الثاني من عام 1939 والعالم على أعتاب الحرب العالمية الثانية، لكنَّ الفعل الثوري لم يتوقف، وتأبّد نهج ثوار ثورة الـ 1936، حيث شهدت فلسطين بعد هذا التاريخ ثورات وثورات، وما الانتفاضة التي تشهدها الأرض المحتلة هذه الأيام إلا دليلٌ جديدٌ على استمرار الأجيال الفلسطينية في توارث روح التحدي والعناد في مواجهة الاحتلال.  

 



[1] استفاد هذا المقال من عدد من المصادر والمراجع منها: يوميات محمد عزة دروزة (المجلد الثالث)، ويوميات أكرم زعيتر (1935-1939)، ومذكرات بهجت أبو غربية (الجزء الأول)، ومذكرات أبو إبراهيم الكبير، ومذكرات ذو الكفل عبد اللطيف، والموسوعة الفلسطينية، ودراسة غسان كنفاني، ودراسة ماثيو هيوز، ودراسة مصطفى كبها ونمر سرحان الموسوعية عن رجالات الثورة، وأَعْداد من صحف فلسطينية صدرت وقت الثورة، ونقاش مثمر أجريته في وقت سابق مع الصديق بلال شلش.   

[2] سأخصص مقالاً منفصلاً لدور قيادة الثورة في الخارج والتي مثَّلها الحاج أمين الحسيني وأعضاء اللجنة المركزية للجهاد.