الرياضة في زمن الصهيونية.. النادي في خدمة العصابة
مقدمة
لم تكن الرياضة يومًا منفصلةً عن المشروع الصهيوني، فكانت أداةً للتربية القومية والفكرية، ووسيلةً لصهر يهود الشتات في بوتقة واحدة، في ظل اختلافاتهم الثقافية والتاريخية واللغوية، حيث لم يكن العامل الديني فعّالاً بالقدر نفسه مع فئاتهم المختلفة ولا قادرًا وحده على توحيد يهود العالم، وإنشاء دولة يهودية متجانسة في فلسطين، فعملت الحركة الصهيونية على إحياء القومية اليهودية، بوسائل مختلفة من بينها الرياضة، كما الأدب والمسرح واللغة.
يقول ماكس بودنهايمر[1]: "إن النشاط الرياضي المنظم له أهمية كبيرة في صيانة اليهودية، وفي تقوية الوعي الوطني اليهودي".[2]
الرياضة وسيلةً لتحقيق أهداف الصهيونية
استخدمت الصهيونية الرياضة وسيلةً من أجل تحقيق أطماعها في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر، وكنا قد تحدثنا في مادة سابقة "تصفيات كأس العالم 1934 و1938.. عن سرقة اسم فلسطين وكُرَتِها"[3]، كيف وظّفت الصهيونية الرياضةَ من أجل سرقة اسم فلسطين، وإبرازها بهوية صهيونية في المحافل الدولية.
وكان للأندية الصهيونية في أوروبا وفلسطين دورٌ هامٌ في صهينة الشبيبة اليهودية، وإعدادها من أجل حمل السلاح والتحرك نحو اغتصاب فلسطين، وبناء الوطن القومي لليهود.
يوضح ألن تايلور في كتابه "العقل الصهيوني" أن الحركة الصهيونية التي أسسها ثيودور هرتزل عام 1887 تبنت تفسيرات صهيونيةً مختلفةً: ثقافيةً، ودينيةً، واجتماعيةً، وسياسيةً، ورياضيةً.. فالرياضة بوصفها عنصرًا ثقافيًا وشكلًا من أشكال الوعي الاجتماعي كان لها تفسيرها الخاص في العقل الصهيوني، "فهي وسيلة من أجل إعادة بناء الحس القومي وخلق رياضة يهودية، تعمل على تحويل المشاعر والمفاهيم الدينية إلى قومية صهيونية". كما عدّ المفكرون الصهاينة الرياضة وسيلةً لبناء الوطن القومي، واستعادة اللغة، والأدب، والتاريخ. وبنظرهم فإن الهدف من إقامة دولة "إسرائيل" لا يتحقق دون إعداد بدني وروحي ومعنوي للأجيال التي كان يتوجب عليها تحقيق هذا الهدف. وسعت الصهيونية إلى إبراز أن التفوق اليهودي لا يقتصر على المجال العلمي والفني فقط، وإنما يتعدّاه إلى المجال الرياضي، كما أيقنوا أنه لا وطن واحدًا دون ثقافة واحدة، فكانت الرياضة جزءًا مقوّمًا لهذه الثقافة والأيديولوجية الصهيونية. [4]
لقد استخدموا الرياضة لخدمة مصالحهم، وسيلةً من أجل تحقيق أهداف الصهيونية، وهو ما ميزها عن أي نشاط رياضي في بلد آخر، فهي تشبه عملية استغلال النازية الألمانية للرياضة من أجل إعداد الشبيبة الألمانية للقتال وشحنها بروح الشوفينية والتفوق العرقي. [5]
جذور الحركة الرياضية الصهيونية
برزت فكرة استثمار الرياضة لتحقيق الأهداف الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1898 عندما طرح ماكس نوردو[6] فكرة العضل اليهودي، مؤكدًا على ضرورة أن ينتهي عهد اليهودي المترهل، وأن يبدأ عهد اليهودي ذي العضلات.[7] وكان ذلك بهدف تغيير صورة الضعف والخنوع التي عُرِف بها اليهود، وإيجاد جيل يهودي جديد يشبه بصفاته البدنية جيل (الدولة اليهودية).
برزت فكرة استثمار الرياضة لتحقيق الأهداف الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1898 عندما طرح ماكس نوردو فكرة "العضل اليهودي"، مؤكدًا على ضرورة أن ينتهي عهد اليهودي المترهل، وأن يبدأ عهد اليهودي ذي العضلات. بهدف تغيير صورة الضعف والخنوع التي عرف بها اليهود، وإيجاد جيل يهودي جديد يشبه بصفاته البدنية جيل (الدولة اليهودية).
إذ سعت الصهيونية لرفع اليهودية إلى مستوىً أعلى من خلال فكرة البعث القومي المرتبط بإرادة القوة، فعملت على بعث المثل العليا، وتربية الأجيال الجديدة بدنيًا، وتشكيل روح يهودية تستند إلى تطوير المهارات العسكرية، بهدف إعادة العضل الصهيوني الضائع.
كما أشار مؤسس الحركة الصهيونية، ثيودور هرتزل، إلى هدف الرياضة في تحقيق التوسع الصهيوني عندما كتب في مذكراته: "يجب أن ندرب الأولاد لأن يصبحوا جنودًا، يجب أن نُعلّم كل واحد منهم أن يكون حرًا، قويًا، وجاهزًا لكي يخدم متطوعًا عند الحاجة إليه".[8]
كما وجدت نظرية البقاء للأقوى مكانةً خاصة في الفكر الصهيوني، الذي عمل على استغلال كل القوى من أجل إقامة الوطن القومي لليهود، فالصهاينة بحاجة للتصارع مع العرب في فلسطين من أجل البقاء، وفي اعتقادهم فإن التدريب البدني يهيئ الأمم الصغيرة للصمود أمام القوى المعادية.
الأندية اليهودية ونشاطاتها في فلسطين
في أواخر القرن التاسع عشر أسست الحركة الصهيونية أندية "المكابي" الرياضية في أوروبا، وفي بداية القرن الماضي بدأت بتأسيسها في فلسطين، قبل أن ينتقل مركزها الرئيس إلى فلسطين في عام 1925، بالإضافة لتأسيس أندية "الهابوعيل" و "البيتار" في عشرينيات القرن الماضي أيضًا.
فتأسس أول نادي للمكابي عام 1906 في مستوطنة "ريشون ليتسيون" قرب يافا ثم مكابي "رحبوت" 1909، تلاه "الهاشموناي" 1911 و"بتح تكفا" 1912، وبعد الحرب العالمية الثانية تأسس "مكابي حيفا" في عام 1919، ولاحقًا انتشرت أندية "الهابوعيل" في حيفا 1924 والقدس 1925، وتل أبيب 1927، ثم أندية "البيتار" في القدس وتل أبيب عام 1936.
واستمر تأسيس الأندية الصهيونية في فلسطين حتى النكبة عام 1948، كما اتخذت هذه الأندية الرياضية غطاءً لهجرة اليهود غير الشرعية إلى فلسطين، وتنفيذهم لعمليات عسكرية إرهابية في الأربعينيات، وهي التي عملت منذ تأسيسها لتحقيق الأهداف الصهيونية، من خلال تدريب الشبيبة على حمل السلاح وتهريبه، والوقوف في صف واحد مع القيادة الصهيونية من أجل إقامة الوطن القومي لليهود، والتنسيق بين اليهود في فلسطين واليهود في العالم. في كتابه "أرض الميعاد" يشير الكاتب عبد الوهاب المسيري إلى أن الوكالة اليهودية عملت منذ العشرينيات على تأسيس شبكة تجسس؛ لها فروع في الدول العربية، كانت تعمل تحت ستار بعض المؤسسات الخيرية وأندية المكابي هناك.[9]
اتخذت الصهيونية الأندية الرياضية التي أسستها في فلسطين المحتلة غطاءً لهجرة اليهود غير الشرعية إلى فلسطين، وتنفيذهم لعمليات عسكرية إرهابية في الأربعينيات. كما عملت الوكالة اليهودية على تأسيس شبكة تجسس لها فروع في الدول العربية كانت تعمل تحت ستار بعض المؤسسات الخيرية وأندية "المكابي" هناك
تتكون التركيبة الرياضية للأندية الرياضية في "إسرائيل" من عددٍ من الاتحادات، أبرزُها: "المكابي" الذي يعدّ أوّلها تأسيسًا، و"هبوعيل" الذي يمكن احتسابه على التيار المركزي الأشكنازي المؤسس لـ "إسرائيل"، و"بيتار"، الذي يمثّل الجماهير اليمينية في كيان الاحتلال، وفيما يلي استعراضٌ لتاريخِ هذه الاتحادات وأدوارها المتجاوزة للبعد الرياضي:
"المكابي"
أشارت الموسوعة الصهيونية إلى دور "المكابي" فقالت: "كان للمكابي نشاطٌ على الساحة الثقافية فناضل من أجل الاعتراف باللغة العبرية ونشرها، وفي مجال النشاط العمالي والدفاع عن النفس،" وقد استطاع "المكابي" تجنيد 600 من أعضائه ضمن 5000 متطوع يهودي لمساندة الجيش الإنجليزي تحت اسم "الفيلق اليهودي" عام 1918 لمحاربة الدولة العثمانية. يقول أحد أعضاء "المكابي الرياضية" في فلسطين عن هذه التجمعات الرياضية في المستعمرات قبل الحرب العالمية الأولى إنه، وإلى جانب تعلم العبرية والتاريخ والأدب، فإنها كانت في طليعة الدفاع ضدّ الجيران المعادين (قاصدًا العرب).[10]
وأكد الباحث عيسى السفري أن الحركة الصهيونية كانت تعطي الأولوية في الهجرة لعناصر الشباب القادرين على حمل السلاح، ليشكّل منهم فرقًا يهوديةً رياضيةً وكشفيةً أطلق عليهم اسم "المكابيين"، موضحًا أن الأعضاء المنتمين إلى هذه الفرق جميعهم من الشبان والشابات الذين يملؤهم الحماس للوطن اليهودي، وخصوصًا الشباب الإصلاحيين أتباع جابوتنسكي وترمبلدور، يتعلمون الفنون العسكرية تحت ستار الألعاب الرياضية ". [11]
أهم اتحادات الرياضة في "إسرائيل":
المكابي: شكّلت الحركة الصهيونية فرقًا يهوديةً رياضيةً وكشفيةً أُطلق عليهم اسم "المكابيين"، وكان الأعضاء المنتمون إلى هذه الفرق جميعهم من الشبان والشابات الذين يملأهم الحماس للوطن اليهودي، وخصوصًا الشباب الإصلاحيين اتباع جابوتنسكي وترمبلدور، يتعلمون الفنون العسكرية تحت ستار الألعاب الرياضية .
"الهابوعيل"
في عام 1924 حدث أول انشقاق في صفوف الحركة الرياضية الصهيونية بعد خروج "عماليي" حيفا من اتحاد "المكابي" العالمي لأسباب سياسية، فشكّلوا نادي "الهابوعيل"، والذي تحوّل في عام 1926 إلى منظمة "الهابوعيل" الرياضية، وكانت تابعةً لنقابة العمال اليهودية "الهستدروت"، ثم انضمت إلى الاتحاد العالمي للرياضة العمالية (SASI)وكان الهدف الرئيسي لهذه المنظمة هو العمل بين "الجماهير" على حد تعبير الموسوعة الصهيونية، أكثر من إيجاد أبطال رياضيين.[12]
فعملت على تسخير قدراتها من أجل تنظيم التنافس الرياضي على أساس التوجيه القومي اليهودي، وتأهيل فلسطين للوصول إلى المستويات الدولية، من أجل تمثيل اليهود على الساحة الدولية لكي تبرز فلسطين أمام العالم يهوديةً، خاليةً من العرب.
يقول ديفيد بن غوريون، وهو أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال، عن منظمة "الهابوعيل" إنها "قلعة للطبقة العاملة، وعليها يتوجب مساعدة اليهود الجدد".[13]
كما كان لمنظمة "الهابوعيل" مساهمة فعّالة في تهريب السلاح من دول العالم إلى فلسطين، بالإضافة لمساهمتها في إنشاء المستعمرات الصهيونية، ومشاركتها في العمل مع عصابات "الهاغاناة" من أجل اغتصاب فلسطين بطرق وحشية.
تشير الموسوعة الصهيونية إلى أن "الهابوعيل" حاول استخدام اللقاءات الرياضية الدولية للتعريف بفلسطين أكثر من المكابي الذي كان يسعى دائمًا لتحقيق الفوز في المواجهات.[14]
أهم اتحادات الرياضة في "إسرائيل":
"الهابوعيل": كان لمنظمة "الهابوعيل" مساهمة فعالة في تهريب السلاح من دول العالم إلى فلسطين، بالإضافة لمساهمتها في إنشاء المستعمرات الصهيونية، ومشاركتها في العمل مع عصابات "الهاغاناة" من أجل اغتصاب فلسطين بطرق وحشية.
"البيتار"
منظمة صهيونية أسسها القيادي الصهيوني المتطرف زئيف فلاديمير جابوتنسكي، بهدف التغطية على أعمال التدريب العسكري تحت غطاء الأندية، بعدما تظاهرت سلطات الاحتلال البريطاني بتشديد الرقابة على النشاطات الصهيونية، فرأى جابوتنسكي أن الوحدات العسكرية يجب أن تؤلَّف تحت ستار الرياضة والنوادي للشبان في أنحاء مختلفة من العالم، على أن يكون هؤلاء الشبان في كل لحظة مستعدين لتأليف وحدة عسكرية كاملة التدريب والترتيب.
وتأسست منظمة "البيتار" في مدينة ريجا اللاتفية عام 1923، وكرست أنشتطها من أجل قيام دولة "إسرائيل" ونظمت أول هجرة لأعضائها إلى فلسطين عام 1925 من خلال التثقيف القومي، والدفاع، والتدريب على السلاح، والهجرة المشروعة وغير المشروعة. وتبنى جابوتنسكي فكرة "الفيلقة" أي الوحدات الرئيسية في الجيش، وفكرة الطلائع والدفاع، التي تجسدت في حياة وموت الزعيم الصهيوني ترمبلدور. وانضم أعضاء البيتار إلى منظمة "الهستدروت" العمالية وعصابات "الهاغاناة" و"أرغون" الفاشيتين. حيث عملوا ضمن مجموعات عسكرية سميت مجموعات التعبئة في القرى والمستعمرات الصهيونية.[15]
أهم اتحادات الرياضة في "إسرائيل":
"البيتار":رأى جابوتنسكي أن الوحدات العسكرية يجب أن تؤلَّف تحت ستار الرياضة والنوادي للشبان في أنحاء مختلفة من العالم، على أن يكون هؤلاء الشبان في كل لحظة مستعدين لتأليف وحدة عسكرية كاملة التدريب والترتيب.
خاتمة
ويبقى أن نؤكد على أن استخدام الحركة الصهيونية للرياضة في فلسطين لم يكن ليحقق أي تقدّم دون دعم سلطات الاحتلال البريطاني، التي كانت تقدّم الدعم السياسي والثقافي والرياضي لليهود، في مقابل تهميش الفلسطينيين.
فقُدّم الدعم الإنجليزي لكل العروض والاحتفالات الرياضية الصهيونية، وغابت الرقابة عن النشاطات السياسية للأندية الصهيونية، التي كانت تستخدم الرياضية غطاءً لنشاطاتها السياسية، كما نقل البريطانيون خبراتهم الرياضية للصهاينة، وساعدوهم في تنظيم عمل الأندية، وعرفوهم الطرق الصحيحة لبناء الاتحادات الرياضية، وتنظيم البطولات التنافسية، وتشكيل المنتخبات، حتى أنه كان لبعض الضباط والمسؤولين البريطانيين مراكز شرف في الاتحادات اليهودية.
[1] - مفكر يهودي ألماني، وأول رئيس للمنظمة الصهيونية في ألمانيا.
[2] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام النكبة، "history of Palestine sports"، https://cutt.us/Ha3x1 .
[4] - عصام خليفة، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، (رام الله، دار الشروق للنشر والتوزيع، 2013) ص 32-33.
[5] - المصدر السابق، ص 33.
[6] - مفكر يهودي، وأحد مساعدي مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل.
[7] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين.
[8] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 32.
[9] - المصدر السابق، ص 34 و35.
[10] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين.
[11] - عيسى السفري، فلسطين بين الانتداب والصهيونية، (يافا، مكتبة فلسطين الجديدة، 1937) ص 21-22
[12] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين.
[13] - المصدر السابق.
[14] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 37
[15] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين