العداء نحو الأنروا: تعاون مشترك بين المؤسسة السياسية والمراكز البحثية الإسرائيلية

العداء نحو الأنروا: تعاون مشترك بين المؤسسة السياسية والمراكز البحثية الإسرائيلية
تحميل المادة

   "لن يكون في غزة أنروا بعد الحرب"، إعلان جديد يُضاف إلى ما تخطط له حكومة نتنياهو لليوم التالي بعد الحرب، على حد وصفهم، فسياسة استغلال الفرص لخلق أمر واقع، سياسة معروفة، تنتهجها المؤسسة السياسية الإسرائيلية بمساندة من بعض المؤسسات البحثية التي تجري بحوثًا وتصدر تقاريرَ وفق رؤية المؤسسة الإسرائيلية، وقد وجدت تلك المؤسسات الفرصة في هذه الحرب الغاشمة لتنفيذ الرؤية المشتركة حول إنهاء عمل الأنروا، عبر اتهام اثني عشر من موظفًا تابعًا للأنروا بالضلوع في أحداث السابع من أكتوبر، وادّعاء تحوّل مقراتها إلى معاقل تأوي المقاومين الفلسطينيين، وهي تظن بذلك أنها تغتال الذاكرة الجمعيّة العالميّة التي ترمز لها الأنروا التي تمثّل برمزيِتها التهجير القسري واللجوء وحق العودة الذي يتمسك به الفلسطينيين، وكفلته لهم قرارات الأمم المتحدّة.  كما ارتبط تصاعد العداء نحو مؤسسات الأنروا بتصاعد اليمين الإسرائيلي الذي تبنى سياسة الحلول الأُحادية الجانب للتعامل مع قضايا الحل النهائي، عبر فرض وقائع جديدة على الأرض، مثل ضم القدس الشرقية وإعلان القدس الموحدّة عاصمة لدولة إسرائيل.

    أعلنت الحكومات الإسرائيلية مرارًا رفضها لقضية عودة اللاجئين، وهي بمعاداتها للأنروا ومحاولتها إنهاء عملها، فإنها ترجو، بتلك الخطوة، إنهاء تلك القضية وإغلاق ملف العودة للأبد، إذ تتعرض المؤسسات التابعة للأنروا إلى كثير من التضييقات، لاسيما التعليمية منها، إذ حاولت السلطات الإسرائيلية إغلاق مدارس الأنروا في شرقي القدس مرارًا، لا سيما في فترة تولي ترامب للرئاسة واعترافه بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل؛ ففي التقرير الذي نشرته عير عاميم تشير الى أن البلدية استغلت قرار المحكمة العليا الذي يطالبها بإضافة وِحدّ صفيّة، فبنت مدرسة جديدة في كفر عقب دون دراسة الحاجة الحقيقية لتلك المنطقة، إذ تضيف عير عاميم، أنه بعد دراسة الأمر تبيّن أن هناك مدرسة بالفعل تخدم منطقة كفر عقب ومخيم قلنديا، وأن الهدف الرئيس من بناء تلك المدرسة هو صراع الشرعية مع وكالة الأنروا التابعة للأمم المتحدة، وأن هذه الصفوف مشروطة بتبني المنهاج الإسرائيلي البجروت[1].

كما استغلت المؤسسة السياسية الإسرائيلية التقارير التي تصدرها impact-se وهي المؤسسة الإسرائيلية التي تعنى بدراسة المناهج في الشرق الأوسط لاسيما الفلسطينية منها، وتحليل مضامينها وقياس درجة مقاربتها للرواية الإسرائيلية، كما أصدرت العديد من التقارير التي تحلل فيها المناهج المدرسية في مدارس الوكالة، فتراقب كل ما له علاقة بالهوية الفلسطينية كخريطة فلسطين التاريخية، وذكر المدن الفلسطينية المحتلة، مثل يافا وحيفا وعكا، على اعتبار أنها مدن إسرائيلية، وكل المضامين والمفاهيم التي لها علاقة بالفداء والتضحية والجهاد وأسماء الأبطال والمجاهدين، مدّعية بأنها مضامين تحريضيّة تساهم في غرس العدوانية والعنف لدى الأطفال الذين يكبرون ليكونوا مشاريع إرهاب، وهي بذلك تقتطع تلك الأمثلة من سياقها العام، ولا تذكر أرقامًا توضح نسبة تلك المواضيع إلى مجمل المادة الدراسية. وقد ساهمت تلك الأبحاث في حسم الموقف الأمريكي في عهد ترامب ضدّ الأنروا، لاسيما  بعد القرار الأمريكي نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، والعزم على إنهاء قضية اللاجئين، وحجب التمويل عن الأونروا التي يلتحق في مدارسها أكثر من نصف مليون تلميذ فلسطيني لاجئ، وقد أوقع ذلك الحجب في التمويل مؤسسة الأنروا في أزمة حقيقية وكاد يتسبب في إفلاسها، وقد دفع ذلك الأنروا إلى عمل مراجعات متكررة للمناهج المعتمدة لديها، إذ أعلنت منذ 2013 اتباعها استرتيجيات خاصة فيها لتلافي المواد التي عليها إشكاليات في المناهج الفلسطينية، ومنها أنها تستخدم "آلية المراجعة السريعة" لتحديد المحتوى الإشكالي في الكتب المدرسية المحلية، وتضع علامة عليها، ثم تجد طرقًا بديلة لتدريس تلك الدروس من خلال "النهج الذي يركز على المعلم"[2]. إلا أـن ذلك ظل موضع شك لدى المؤسسة على اعتبار أن الأنروا لم تنشر المحتوى الكامل لـ "المنهاج الدراسي المعدّل" ولا كيفية تنفيذه عمليًّا.

   أما أخطر تقرير أصدرته impact-se  ضدّ الأنروا فكان الذي نشرته على استعجال في شهر نوفمبر، أي بعد شهر واحد من اندلاع العدوان على غزة تحت عنوان "التعليم في الأنروا: الكتب المدرسيّة والإرهاب"، وقد صدر ذلك التقرير في الوقت الذي ذُهل فيه العالم من صور الإجرام الصهيوني الذي تعمّد استهداف مدارس الأنروا التي تحولت لمراكز إيواء للنازحين، فجاء هذا التقرير الذي لم يُصدر في هذا التوقيت من قبيل المصادفة، بل يمكن قراءته على أنه يأتي في سياق تبرير المجازر الإسرائيليّة على مدارس الأنروا، بعد أن ادّعى التقرير أن مؤسسات الأنروا تحوّلت إلى مراكز لبث الإرهاب بدل محاربته.

غطى التقرير ثلاث قضايا، أولها: موظفو الأنروا يحتفلون بمذبحة حماس، ثانيًا: خريجو الأنروا من الكتب المدرسية الى الإرهاب، والأخير: الكتب المدرسية المستخدمة في مدارس الأنروا. كان القسم الأول أشبه بعملية تجسس على الحسابات الشخصية لموظفي الأنروا ومن ضمنهم معلمين في المدارس التابعة للوكالة، حيث سجل التقرير كل ما صدر عن أولئك الموظفين بعد أحداث السابع من أكتوبر سواء كان كتابة أو إعادة نشر أو مجرد إعجاب، وفُسر كل ماصدر عنهم انه تأييد لحماس، مثال ذلك المنشور[3] الذي كتبته أسماء رفيق في صبيحة السابع من أكتوبر، وهي معلمة لغة إنجليزية في إحدى مدارس الأنروا، قالت بأنها تريد العودة الى بيتها وزيارة يافا وبئر السبع وأنها تريد أن تفطر على المناقيش، وهي أكلة فلسطينية، إذ علّق مُعدّ التقرير على هذا المنشور بأنه يعكس الإيجابية والتفاؤل بهذا الهجوم غير المسبوق على آلاف الإسرائيلين كما أدّعى بأن كاتبة المنشور تأمل هزيمة اسرائيل. 

القسم الثاني من التقرير كان تعدادًا لأسماء بعض الشهداء الفلسطينين الذين درسوا في مدارس الوكالة، فذكر التقرير أسماءهم وأسماء المدارس التي درسوا فيها أو مواقعها ونبذه صغيرة عن الأنشطة التي قام بها أولئك المقاومين ضدّ دولة الاحتلال، دون أن تذكر الصلة المباشره بين دراستهم في المدارس التابعة للأنروا ونشاطهم المقاوم.

   القسم الثالث والأخير، تناول المناهج المعتمدة في مدارس الأنروا، وقد درس التقرير تلك المناهج من أربع نواح، قرر أنها أهم السمات التي تتصف بها المناهج الفلسطينية من حيث: معاداتها للسامية وحضها على الجهاد والاستشهاد والعنف حتى في المواد العلمية كالرياضيات والعلوم، وأخيرًا شمولها فكرة محو دولة إسرائيل. تحت عنوان اللاسامية، وضع التقرير عناوين رنانة ومُحرّضة ضدّ المناهج منها: العنوان الأول "الطلاب معرضون للعقوبة إذا لم يربطوا مباشرة بين الصهيونية والقتل"، جاء في سياق درس في كتاب التاريخ للصف العاشر تحدث عن تاريخ نكبة فلسطين في 1948 وما حصل خلال تلك الفترة من أحداث أفضت الى خسارة فلسطين وتهجير العديد من الفلسطينين خارج البلاد وداخلها، وقد وُضع في نهاية الدرس جدول تقيمي لأداء الطلبة يبيّن المقياس الذي سيستخدمة المعلم لقياس مدى استيعاب الطلبة لما ورد في الدرس، من ضمنه سؤال حول مقدرة الطلاب على معرفة أهداف العصابات الإسرائيلية من وراء المجازر التي ارتكبت في 1948، وفي حين أن هذه المؤسسة لاتنكر حدوث تلك المجازر إلا أنها تستنكر على الفلسطينين أن يوردوا ذلك في مناهجهم، وأن يدرسوها وتدّعي بأن الطالب يتعرض للعقوبة في حال أنه لم يستطع الربط بين المجازر والفكر الصهيوني.

     أما العنوان الثاني "اليهود مرتبطون بالتحرش الجنسي" فجاء هذا العنوان كاعتراض على إيراد حادثة حصلت مع سيدة مسلمة في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) في سوق بني قينقاع حين تعرّضت للخداع من قبل صائغ يهودي قام بربط ردائها، فلما قامت انكشف جسدها فضحك منها اليهود وصاحت؛ فهب مسلم لنجدتها فقتل الصائغ الهودي واجتمع عليه اليهود فقتلوه[4]، وكان الدرس الذي تناول الحديث عن بني قينقاع قد أورد هذه الحادثة من ضمن الأسباب التي دفعت النبي - صلى الله عليه وسلم - لغزوة بني قينقاع، بالإضافة إلى أسباب كثيرة أخرى، غير أن التقرير يتحدث وكأن هذه الحادثة هي السبب الوحيد، ويعترض على تدريس الأطفال هذه الصيغة على اعتبار أن تلك الحادثة تصرف فردي ولا تعكس أخلاق اليهود عامةً.

في حين كان الاعتراض في العنوان الثالث "المعلمون يسألون الطلاب: لماذا يرتكب اليهود المجازر" في استخدام الفعل المضارع، على اعتبار أن هذا الفعل يدل على الاستمرارية، وبالتالي فإنها تلتصق باليهود كسمة أو كعادة، ويبدو أن هذا الاعتراض يأتي في غير توقيته في ظل العدوان الغاشم على غزة والذي راح ضحيته آلاف الأطفال والأبرياء العزل! كما أن التقرير أشار الى اختلاف في الصياغة بين كتب المنهاج التي توزع على الطلبة وبين دليل المعلم، ففي حين تركز معظم الكتب الدراسية على مفهوم الصهيونية يرد مصطلح اليهود في دليل المعلم، وهنا ينبه التقرير إلى أن مفهوم الصهيونية الذي يتعلمه الطلبة الفلسطينين يشمل كل اليهود أو يهود إسرائيل على أقل تقدير[5].

صورة 3بإعادة قراءة النصوص التي بُنيت عليها تلك العناوين نجد تباينًا كبيرًا بين فهم النص وسياقه وصياغة تلك العناوين، التي يكمن الهدف الرئيس منها: تأليب الرأي العام والدول المانحة ضدّ مدارس الأنروا، وهي تركز على استخدام مصطلح اليهود في عناوينها وليس الصهيونية؛ لتُظهر أن هناك تحريضًا من الفلسطينيين في مناهجهم مبني على الدين، وموجه ضدّ اليهود بشكل عام في أي دولة كانوا رغم أن المناهج الفلسطينية حريصة على استخدام مفهوم الصهيونية. وقد أشار التقرير إلى اختلاف في الصياغة بين كتب المنهاج التي توزع على الطلبة، وبين دليل المعلم، ففي حين تركز معظم الكتب الدراسية على مفهوم الصهيونية يرد مصطلح اليهود في دليل المعلم، وهنا ينبه التقرير إلى أن مفهوم الصهيونية الذي يتعلمه الطلبة الفلسطينين يشمل كل اليهود أو يهود إسرائيل على أقل تقدير[6].                             

   إن حجم التضليل والسطحية التي يحويها هذا التقرير ليست بحاجة إلى مختص أو خبير في شؤون التعليم، ليكتشف مباشرة حجم الإدعاءات التي حُشدت لتُخرج هذا التقرير المُضلل على عجل، فمنهجية التعميم التي اتبعها التقرير لا يمكن أن تُقبل في أي دراسة جدية، إذ توصّل التقرير إلى نتيجة مفادها دعم العاملين في الأنروا الذين يفوق عددهم الثلاثين ألفًا لأحداث السابع من أكتوبر عبر التجسس على حسابات السوشل ميديا لثلاثة عشر موظفًا فقط، وقد حمل تفسير تلك المنشورات الكثير من التأويلات وتحميل النصوص فوق ما تحتمل، وهي ليست منهجية مقبولة في الدراسات البحثيّة، فمعظم المنشورات كانت تعبّر عن حالة الفرح والاستبشار بالعبور الكبير الذي مثّل حلم عودة أولئك الموظفين الذين هم لاجئين أيضًا، وإذا كان افتراض التقرير بأن عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم لن تكون إلا بهزيمة إسرائيل، فهو افتراض مخالف صريح لقرارات الأمم المتحدة التي تزعم المؤسسة بالتزامها، إذ كفلت قرارات الأمم المتحدة حق اللاجئين بالعودة الى ديارهم، كما أن المؤسسة تناقض نفسها بزعمها أن هدفها هو نشر السلام والتعايش بين الشعوب، فأين التعايش وتقبل الآخر إن لم تكن ترى في نيل الفلسطينين حقوقهم إلا بانهزام إسرائيل.

   أخيرًا، يمكن القول إن إصدار هذا التقرير في هذا التوقيت في ظل استمرار الحرب والقصف المحموم لكل مرافق الحياة في غزة، ومنها المدارس، لهو أمر غير مقبول ومستهجن من قبل مؤسسة بحثية تدّعي بأنها حريصة على ثقافة السلام بين الأطفال عبر مراقبة المناهج المقدمة لهم، والأولى بها في هذه الظروف أن تُعنى بسلامة الأطفال البدنية وخطر الموت يتهددهم في كل لحظة، وبدل أن تندد بالجرائم الصهيونية أو تسكت عنها على الأقل، تراها تخرج لنا بهذا التقرير الملغم الذي صيغت عباراته وعناوينه كلها بطريقة محرّضة على الأنروا ومن فيها بكوادرها وطلابها ونهجها، وكأنها تقول للمجتمع الدولي بأن لا بأس في قتل هؤلاء الأطفال؛ ففي النهاية هم مشاريع إرهاب في المستقبل كمن سبقهم. إن الهوية العالمية التي لطالما حاولت المؤسسة الظهور بها كُشفت عيانًا في هذه الحرب على أنها ليست أكثر من بوق من أبواق الصهيونية هدفها الرئيس هو التجسس على مناهج الشرق الأوسط، وأن الثقة الممنوحة لها دوليًا يجب أن تتغير حالًا.


[1]  Ir amimm,The State of Education in East Jerusalem

Discrimination against the Backdrop of COVID-19, (Septemper 2020). Pp12

[2] Unrwa. demystifying the unrwa approach to curriculum. Jun2020

https://www.unrwa.org/sites/default/files/content/resources/demsytifying_unrwa_approach_to_curriculum2020.pdf

[3] المصدر السابق، ص 44.

[4]  كتاب التربية الإسلامية في المنهاج الفلسطيني، الصف السابع، الفصل الثاني، الطبعة الثانية، ص66

[5]  المصدر السابق، ص102

[6]  المصدر السابق، ص 102.