المرأة في صحافة الثورة (1): المرأة سياسيةً ومقاتلةً بين سطور جريدة فتح

المرأة في صحافة الثورة (1): المرأة سياسيةً ومقاتلةً بين سطور جريدة فتح
تحميل المادة

[1]كانت المشاركة النضالية للنساء المنضويات تحت إطار فتح متنوعةً، فشاركن في أجهزة الرصد، وفيها عمل بعضهنّ على أجهزة اللاسلكي ضمن الكتيبة الطلابية في بيروت، كما شارك بعضهن في عمليات عسكرية كبيرة. تقول أم جهاد الوزير في مذكراتها: "بعد الذهاب إلى دمشق التقيت بلوسيا حجازي، الموظفة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. وعندما التقينا وتحدثنا عن الحركة، كان لديها استعداد كبير للانضمام إلى حركة فتح. كما التقيتُ مع الأخت وجدان عاصي، والتي كانت تشغل موقع مديرة مدرسة في وكالة الغوث حينها، واجتمعنا في بيتي، وبعد نقاشات معمّقة، قُمنا بتشكيل أوّل خلية نسوية في حركة فتح مكوّنة من الأخوات: لوسيا حجازي، ووجدان عاصي، وابتسام الترك، وحسنة بكداش.. أقسمن يمين الولاء للحركة أمام أبو جهاد، وكُلفتُ بأمانة سرّ التنظيم النسائي الأوّل الذي امتدّ من دمشق حتى حلب، واستطعن أن يستقطبن العديد من الأخوات للتنظيم النسائي، ومنهن: مريم الأطرش، والتي التحقت فور مغادرتها لبنان بسبب الضغوط التي لحقت بعائلتها بعد اعتقال شقيقها. وأضيفت سهام أبو النور، وعدوية الدجاني، وغيرهن"[2].

في عام 1968 عُقد المؤتمر العام الثاني للحركة لتقييم الأوضاع الداخلية، وطالبت النساء وقتها بالمشاركة، وطُرحت أسماء كل من انتصار الوزير ووجدان عاصي ولوسيا حجازي، إلا أن طلبهن قوبل بالرفض بعد التصويت عليه. ولكن، بعد تلك الفترة، شهدت المراكز التنظيمية للمرأة تطوّرًا على صعيد المخيمات ومعسكرات التدريب، إذ أُسسّ مخيمٌ في نادي الفتيات في اليرموك، وتدربت الفتيات على حمل السلاح في معسكرِ الزبداني في سورية، وقبله في معسكر حموريا. وتقول أمّ جهاد في مذكّراتها إنهن توجّهن إلى الأردن إبان حرب الكرامة عام 1968 للمشاركة في تقديم العون للمقاتلين، وإسعاف الجرحى.

وبعد ذلك شكّل فاروق القدومي ما اتفق على تسميته "مكتب المرأة الحركي"، وكان التشكيلُ الأول للمكتب بعضوية كل من: انتصار الوزير، ولوسيا حجازي، ووجدان عاصي، وحسنة بكداش، ونبيلة النمر، ومريم الأطرش، وفاطمة العبد الله. طُلب من معتمد الإقليم سعد الغندور أن يجتمع باللجنة، وأن تَنتخب اللجنة أمينة سرّ، ونائبةً، ومقررةً. وقد أفرزت الانتخابات انتصار الوزير أمينةً لسر المكتب، ولوسيا حجازي نائبةً، ومريم الأطرش مقررةً.

 

 

 

 

 معسكرات التدريب في حموريا، 1968

 

جريدة فتح تغطي دور المرأة في رفض مشاريع التسوية

في خبر أوردته الصحيفة عن نشاط اتحاد المرأة الفلسطينية، ومواقفه من المشاريع والحلول "الاستسلامية" التي "تحاك ضد الشعب وقضيته". -والمقصود هنا بالحلول الاستسلامية "مشروعا روجرز، ورودس"-؛ يهيب المؤتمر بالجماهير العربية وجيشوها الوقوف في وجه كل من يمرر هذه الحلول السياسية. في تلك الفترة كانت الصحيفة ناطقةً باسم فتح، معبّرةً عن آرائها ومواقفها السياسية في العناوين العريضة للصحيفة، والحدث هنا للنساء، والصياغة لصحيفة متوائمة مع الظرف السياسي القائم، والفرصة المتاحة، يعبَّرُ عنها بمواقفها اتجاه مشاريع التسوية، والعنوان العريض يعبّر عن ذلك: "اتحاد المرأة يقف بحزم ضدّ كل مشاريع ومؤامرات الاستسلام"، وهي لغة سياسية حازمة تُعبّر عنها الصحيفة التي هي لسان حال الحركة، والنساءُ فاعلاتٌ سياسياتٌ فيها. أما العنوان الثاني وتتمته فهو اقتباس لإحدى الجمل التي جاءت في خطاب النساء المشاركات.

 

فتح، 27/7/1970

 

كما تورد صحيفة فتح خبرًا حول نشاط اتحاد المرأة الفلسطينية الذي ترأسته عصام عبد الهادي، يتضمن دعوته الاتحادات والهيئات والمنظمات والجمعيات النسائية في الأردن، للوقوف إلى جانب الثورة الفلسطينية، ومجابهة التحديات إلى جانبها، والبدء في دورة للميليشيا خاصة بالنساء لتلقي التدريبات[3].

فتح، 26/6/1970

وكذلك أفردت الصحيفة خبرًا لتغطية مهرجان للنساء الفلسطينيات أقامه اتحاد المرأة الفلسطينية في مدينة الزرقاء الأردنية، رفضًا لمشاريع التسوية والمؤامرات التي تحاك ضد حركة المقاومة الفلسطينية، وحركة التحرر الوطني في المنطقة العربية.

 

فتح، 2/8/1970

ومن ثمّ غطت الصحيفة فعاليّات اتحاد المرأة الفلسطينية في لبنان فجاء خبر: "المرأة الفلسطينية في لبنان تشجب مشروع روجرز وتدعو لإحباطه"، بالعنوان العريض. والعنوان الثاني: "التنظيمات الثورية في بعبلك تضع كل طاقاتها تحت تصرف الثورة". وهي فحوى البرقية التي أرسلتها النساء في الاتحاد إلى اللجنة المركزية، وهن يستنكرن مشاريع التسوية ويقلن إنهن يضعهن كل طاقاتهن لاستكمال الثورة.

فتح، 10/8/1970

 

 

 

وفي شهر تموز/ يوليو 1970، أوردت الصفيحة خبرًا مفاده اعتصام مئة سيدة فلسطينية في مقر الصليب الأحمر بالقدس للاطمئنان على ذويهنّ من المعتلقين، مستحضرات قوانين جنيف الدولية لحقوق المعتقلين[4].

فتح، 24/7/1970

وقد جاء خبر في الصحيفة عن تظاهرة نسائية في خانيونس في شباط/ فبراير 1972، توجّهت إلى مقر الحاكم العسكري في خان يونس وبدأ جنود الاحتلال بإطلاق النار على المشاركات. وفي الخبر طاقة لغوية مؤطّرة لقاموس الثورة وفعل الثوار، فالخبر يقول: "في خانيونس انطلقت تظاهرة كبيرة ضمت أعداد كبيرة من بنات شعبنا.... عمدوا إلى إطلاق الرصاص على أخواتنا". محمولاتُ هذا الخبر تريد تثبيت معاني عظمة الثورة من خلال كلماته، ومن ذلك أن كلمة "كبيرة" تكررت في الخبر مرتين: "التظاهرة كبيرة" و"أعداد النساء كبيرة"، ووصف الخبر للمشاركات بـ "بنات شعبنا" و"أخواتنا" نسبةً للثورة، وهي صفة مخاطبة النساء في فتح، "الأخت..".

 

جريدة فتح تتناول قضايا المرأة الفكرية والفلسفية

ترِد في صفحة قضايا الثورة بجريدة فتح، مقالة عنوانها الإشاري "لا تحرر بدون المرأة"، وعنوانها الرئيس: "حرب الشعب لا يمكن أن تتم بمعزل عن نصف الشعب"، تتصدّرها مقولة للفيلسوفة الفرنسية سيمون ديبوفوار. والعلاقةُ بين الرجل والمرأة تحوّلت إلى معضلة في الفلسفة الغربية منتقلةً إلينا على هذه الصورة. وفي هذه المقالة محاولة لتفكيك هذه المقولة، وقد جاء في بعضها: "‏كيف يمكن حلّ هذه المعادلة؟ طبعًا، لا تُحَل هذه المعادلات حلًا سلبيًا كما يمكن أن يتبادر إلى أذهان البعض. ويكون الحل الإيجابي هنا، فرديًا: بمساهمة الرجل في القيام بالأعمال المنزلية، واجتماعيًا بإنشاء المؤسسات القادرة على القيام بقسط وافر من العمل الذي يتوجب القيام به داخل المنزل، وأن يقوم المجتمع بالمهام المنزلية والتثقيفية للأسرة كدور الحضانات ومراكز الأمومة والطفولة ورياض الأطفال والمدارس والمطابخ العامة، حتى تتخلص المرأة من العبودية المنزلية القديمة والتبعية للرجل. إنّ من نتائج النزوح انطلاقَ الثورة الفلسطينية، وأثرها في المجتمع قد زعزع القيم الأيديولوجية القديمة، وبرزت قيم جديدة، لنَقُل إن مفاهيم العلاقات بين الرجل والمرأة قد تغيرت أو قد أصبحت موضع نقاش... لقد هزّت الثورة الفلسطينية المجتمع الفلسطيني من جذوره وقلبت المفاهيم التي كانت سائدةً لسنوات قليلة، ففكرة حرب الشعب مثلا لا يمكن أن تتم بعزل قطاع بأكمله حيث دخلت الثورة الفلسطينية كل بيت. وأثبتت الدراسات والتجارب أن بإمكان المرأة أن يكون لها دور رئيس في ظروف مماثلة"[5].

 

فتح، 24/5/1971

 

‏وفي مقال تحليل نشر في صفحة "ثورة حتى النصر" بتاريخ 24/5/1972، جاء فيه: "... لا تنسى دور النساء الفلسطينيات اللواتي قاتلن في غزة وعمان والضفة الغربية واللواتي خطفن الطائرات، وألقين قنابل، واعتُقلن وشاركننا في كل المهمات الثورية. غير أن الثورة من جهة أخرى إذا كانت حرب تحرير شعبية أو وطنية لا تعتمد على البطولات الفردية والمشاركات والعفوية، بل على المشاركة المنظمة الدؤوبة من آلاف النساء في كل المهمات الثورية. المرأة الفلسطينية طاقة لم تدخل صفوف الثورة بشكل قوي بعد وهذا من عوامل ضعف الثورة".

ونجد مقالةً تشرح الظروف الموضوعية لمشاركة المرأة اجتماعيًا وبيئيًا، ونسبة العمر والتعليم والمهن، وغيرها من العوامل التي تؤثر على مشاركة المرأة من عدمها.

‏"لقد عرفتِ المرأة ولأول مرة أن تحررها من قيود المجتمع القديمة لا يمكن أن يتم إلا من خلال الانخراط في التنظيم الثوري، وأن قضية التحرر الفردية للمرأة لا يمكن النظر إليها إلا من منظار المعنى الحقيقي والكلي الذي تكافح من أجله، أي أنه لا يمكن إجراء الفصل بين قضيتي تحررها هذه وبين قضية التحرر الشامل... الحرية لا يمكن أن تُجزَّأَ، كما أن تحرر المرأة الفلسطينية لا يمكن أن يكون تحرّرًا جزئيًا، رغم أن الخطوات التي خطتها تثير الإعجاب بالنسبة إلى واقعها السيء... من خلال إدراكها أن المشاركة الحقيقية في الثورة لا يمكن أن تتم إلا من خلال العمل التنظيمي، فقد أقبلت على التوعية السياسية والاجتماعية والنشاطات التنظيمية بحماس وطاقة.

‏ثم عملت بتصميم بين الصفوف الناجحة في كافة المخيمات التشغيلية وتحويلها إلى قوة إنتاجية من خلال مراكز الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ومراكز التأهيل التابعة لحركة فتح، تؤسس معسكرات التدريب، وكان لها دورها أيضًا في كافة مؤسسات الحركة من أعلى من والصحافة وعلاقات خارجية ورعاية أسر الشهداء".

ومن المقالات التي ناقشت قضايا المرأة وأرخت له مقالة نشرت في صفحة "قضية الثورة" في جريدة فتح في تشرين الثاني/ نوفمبر 1971، بعنوان "نضال المرأة الفلسطينية عبر الثورات المتعاقبة"، وهي دراسة مستندة إلى كتاب لم يصدر بعد للكاتبة اللبنانية ليلى عسيران.

وفي المقالة حديث عن بدايات ‏تأسيس الاتحاد النسائي الفلسطيني، واللجنان النسائية التي تهدف إلى مناهضة الانتداب البريطاني، والوقوف بحزم في وجه الاستيطان الصهيوني. ودور النساء في الإشراف على تنظيم المظاهرات والإضرابات وأشكال الرفض والاحتجاج الأخرى، ولقد كان للمرأة في إضرابات الثورة دور في منع الجنود البريطانيين من ملاحقة المتظاهرين الوطنيين في الشوارع والأزقة، وذلك بإلقاء ما توفر لديها من أصص الزهور الثقيلة والأدوات الحادة والحجارة والزيت المغلي، مما أدى إلى إرباك العدو وإنزال خسائر بالأرواح. وأشارت المقالة إلى المسيرة الكبرى التي اشتركت فيها المئات من السيدات وتوجهن إلى المندوب السامي وطالبن بإلغاء وعد بلفور ووقف الهجرة الإسرائيلية إلى فلسطين، كما طالبن بالكف عن تعذيب المعتقلين الوطنيين في السجن.

فتح، 24/11/1971

 

في شباط/ فبراير من عام 1972 أرسلت سيدات فلسطينيات مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة فالدهايم، وقد سبق إيرادَ نص الرسالة في الصحيفة، التأكيد على دور المرأة في المقاومة إبان الانتداب؛ وقد ورد في النص: "إن المرأة الفلسطينية التي شاركت في معارك شعبنا منذ الثلاثينيات فحملت السلاح وقامت بالتظاهر أيام الإنكليز، وأيام الاستعمار البريطاني، هي ذات المرأة التي حاربت مع الميليشيا ضد الرجعية... وساهمت في القتال في الأغوار وإلقاء القنابل في غزة ومدن الضفة". وقد جاء نص رسالة السيدات: "نحن نساء العرب في مدينة القدس المحتلة نعلم بكل إخلاص بأنك ستبذل كل ما في قلبك للعمل من أجل إحلال العدالة قبل السلام في فلسطين والشرق الأوسط، ونرجو أن نستلفت انتباهك إلى عدد من الحقائق البسيطة والواضحة السائدة في القدس والمناطق المحتلة". وفيها تؤكد النساء على عدد من النقاط، وهي:

‏أولًا: أن الشعب الفلسطيني يرفض جميع أشكال الاحتلال مهما كان نوعها، ولا يقبل بسياسة الأمر الواقع في المناطق المحتلة وكل ما تشمله، وإجراءات هذه السياسة من تغييرات واسعة لتغيير معالم القدس بصورة عامة والبلدة القديمة بشكل خاص، وكذلك الضغوط الظالمة التي تفرضها سلطات الاحتلال على السكان العرب من قبيل تدمير شبكات مجاري المياه وقطع التيار الكهربائي ومياه الشرب، بقصد الضغط على هؤلاء السكان وإجبارهم على إخلاء منازلهم لإحلال الصهاينة محلهم، وأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أصدرا العديد من القرارات التي تشدد على السلطات الإسرائيلية لتوقف هذه الإجراءات، لكنها لا تحترم الهيئة الدولية...

‏ثانيًا: تفعل السلطات الإسرائيلية أقصى جهودها لاستغلال العرب الأبرياء لتحقيق أهدافها الخاصة، فهي تعمل بصورة خاصة على استخدام العمال بأجور عالية في الظاهر، لكنها في الواقع لا تترك لهم أي شيء يذكر بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. وما تفعله سلطات الاحتلال في حقيقة الأمر هي أنها تأخذ بيدها اليمين ما تدفعه بيدها الشمال، وتزعم أمام الرأي العام العالمي بواسطة أجهزة الدعاية بأنها ترفع مستوى المعيشة في المناطق المحتلة.

‏ثالثًا: تزعم سلطة الاحتلال الصهيوني... أنها تعمل على رفع مستوى التعليم في المدارس العربية لكن الواقع يشهد أن أبناء العرب في سِنّ الدراسة يتوجهون نحو العمل في المصانع والإنشاءات... في مناهج التعليم التي كانت سائدة قبل حزيران عام 1967، بهدف ممارسة عملية غسل دماغ على الطلاب العرب ووضع العراقيل أمام المدارس العربية الأهلية بتحديد عددها ونشاطاتها لكي ترضخ للإجراءات الصهيونية.

‏رابعًا: تمارس السلطة الصهيونية ضغطًا شديدًا على العرب في جميع مناحي حياتهم، مع إظهار الجو العام وكأنه دورة اعتيادية للحياة الطبيعية في بث الدعايات الكاذبة عن التعايش بين العربي والصهيوني، علمًا بأن كل من يحاول رفع صوته يدخل السجون بتهمة أنه إرهابي. وهكذا فإن المواطن العربي صاحب الحق الشرعي يعتبر أجنبيًا غريبًا في بلده. ويشعر العرب في كل يوم يمر عليهم بأن السلطات الصهيونية مصمِّمة على احتلال الأرض وليس إحلال السلام، وهدفها تحقيق الحلم القديم بإنشاء ما تسمى "إسرائيل الكبرى" كما تنادي بذلك أكثرية الأحزاب الصهيونية وفي مقدمتها حزب "غاهال".

‏خامسًا: من المعروف أن أي مجتمع من المجتمعات يستهدف بطبيعته الاستقرار والأمن والنظام، لكن العرب في المناطق المحتلة يفتقدون جميع هذه المقومات، خاصةً أن الشرطة الصهيونية تغمض عينيها عن تسلل اللصوصية... والفحش إلى المناطق العربية وتدعي أنه لا وقت لديهم لمحاربة هذه الشرور في المناطق العربية.

‏سادسًا: أن الوقائع التي لسنا بصدد سردها كثيرة لكنها تعكس وضعًا سائدًا في المناطق المحتلة وخاصةً في مدينة القدس، ومهما سعت السلطات الإسرائيلية لإقناع العالم بأنها تسهل شؤون الحياة للعرب إلى أن العرب أفرادًا وجماعاتٍ يرفضون كل ما تقدمه هذه السلطة... عقيدتهم الثابتة بأنه ما يفرض بالقوة لا يمكن إلا أن يفضي إلى التعاون أو الاستسلام للأمر الواقع".

وأخيرًا، توقع السيدات أسفل الرسالة بـ "النساء العربيات بالقدس، كانون الثاني 1972.

"نص مذكرة سيدات القدس إلى فالدهايم"، جريدة فتح، 16/2/1972

 

تغطية جريدة فتح للعمليات العسكرية التي نفذتها النساء

"في يوم 26‏/12‏/1971 حكمت محكمة عسكرية صهيونية في غزة على الشابة "العربية المناضلة" راجية شحادة من سكان مخيم المغازي والبالغة من العمر 22 عامًا بالسجن مدة 16 عامًا. اتُهمت الشابة بإلقاء قنابل يدوية على مقر قيادة العدو الإسرائيلي في دير البلح، مما أدّى إلى إصابة ثلاثة جنود، وقالت "لندن" في إذاعتها المسائية إن الفتاة قد هتفت في المحكمة قائلة: لقد انتقمت لزوجي الفدائي الذي استشهد برصاص الصهاينة".

هذا نص الخبر، محمولاته في لغته الصحافية تتواءم مع مضامين الجريدة، فالمرأة هي الشعب، والمرأة كذلك في فلسطين لا تبكي زوجها إذا استُشهد بل تنتقم له.

 

فتح، 1/1/1972

 

نشرت الجريدة خبرًا في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1971 بعنوان "العدو يعتقل ثلاثةً من فتح". وفي متن الخبر: "إن العدو الصهيوني يوم الجمعة الماضي، في الجليل الأعلى، قد اكتشف خليةً فدائيةً فلسطينيةً تتزعمها امرأة كانت تعتزم القيام بأعمال عسكرية ضدّ قوات الاحتلال، وقال الناطق بلسان شرطة العدو في الجليل الأعلى إنهم أشخاص ينتمون إلى حركة التحرير الوطني فتح، وإنهم كانوا يقومون بجمع معلومات عن أماكن مختلفة في فلسطين المحتلة للقيام بأعمال العسكرية، وإن هذه الخلية كانت تعمل منذ عام 1969 في التخطيط لعمليات المقاومة، ومن بين المعتقلين طالب هندسة في الـ26 هو أحمد عبد الغني من الناصرة ويدرس في المعهد التكنولوجي في حيفا، والسيدتان؛ سعاد أبو غازي مصطفى سعد رئيسة الخلية التي تبلغ الأربعين، وفتحية سعيد عبد الخالق من جنين وهي قريبة عبد الغني وتبلغ من العمر الحادية والثلاثين". وهذا يدل أن فتح اعتمدت -بعد عام 1967- على النساء ليس في تنفيذ العمليات العسكرية فحسب، وإنما وصل الحال بهنّ إلى ترؤس الخلايا فيها.

نُشرت صورةٌ في الصفحة الأولى من جريدة فتح إبان عملية مطار اللد تُظهر منفذي العملية، وفي الصفحة الثانية مانشيت بعنوان "قصة الأبطال الأربعة" رسالة إلى كل الثوار: "في يوم 24 أيار/ مايو 1972 قبل أن يتوجه الأبطال الأربعة إلى أوروبا لتنفيذ العملية البطولية بالسيطرة على طائرة "سبينا" في مطار اللد، كتبوا وصيتهم على شكل رسالة موجهة إلى أبناء الثورة الفلسطينية، بخط الشهيد البطل الملازم أول علي طه قائد المجموعة، وكانت ديما عيسى، إحدى منفذات العملية".

وقد أفردت الصحيفة عمودًا كاملًا يعرّف بقائد العملية علي طه. وفي الصفحة التي تليها رسائل ترد على وصيته، ومنها من زوجته التي تقول: "زوجي الحبيب.. زوجي البطل.. إذ يتذكر المرء بطولتك ساعة فإنه لمن أجمل الذكريات... لقد ورثنا عنك طيبة الخلق والإنسانية التي قلما وُجدت وقلما رأينا مثلها.. أقطع وعدًا صادقًا في تكملة المشوار وسأكون عند حسن ظنك". ورسالة أخرى من أخيه، وثالثة من شقيقته ومما جاء فيها: "لقد أحببتَ الأرض أكثر منا وتركتنا، طبعًا هذا ما كنت تؤمن به ولكن أقول لك أحبك بعمق حبي للأرض لأنك التصقت به... كنت تعرف ما تريد ونفذت ما أردت.. لن ننسى الوصية... وصية أبطالنا. سنكمل المسيرة لأن ما غرسته فينا سيثمر..". 

الأمّ والأخت لا يستغرق الحزن رسالتهما، ولا يعتبن ولا يلمن، إنهن يودعن ويقطعن وعدًا باستكمال المسيرة بكل فخر. وهنا رسالة توجهها الصحيفة بنشر هذه الرسائل لكل الأخوات والأمهات الفلسطينيات، والمعرّضات على وجه الخصوص لفقد ابن أو زوج أو شقيق، أن هذه سبيل المقاومة، وكل عائلة فلسطينية ستقدم التضحيات، وفي هذه الرسائل التي تجعل الثورة نشرها من أجندتها، تعبئة وحشد وحماسة على الحركة.

وبالطبع؛ فإننا نعلم أن امرأتين شاركتا في هذه العملية الكبيرة وهما ديما عيسى وتيريز هلسة، وصورتهما على الغلاف، كما نشاهد.



[1] صدرت صحيفة فتح بعد توقف صحيفة الثورة الفلسطينية، لتكون ناطقةً بلسان حركة فتح، وكانت -كما يُرى تحت شعار صفحتها الأولى التي صدرت في عامها الأول -1970 "تصدر عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح". ثم في عام 1971 أصبحت "الجريدة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية. . " وكانت تصدر في 16 صفحة، تنقسم إلى: صفحة الغلاف الأولى التي تضم شعار الجريدة، وصورة تُعتمد نسبةً للأحداث الجارية، ومانشيت عريض أعلى الصفحة وأسفلها، وهو عنوان عريض يؤطر الحدث الكبير، أو الحدث الذي تريد الحركة إبرازه في ذلك الوقت، ومثال عليه: عملية مطار اللد، ذكرى انطلاقة حركة فتح، مقتل وصفي التل. والصفحة الثانية هي صحيفة القراء، تنشر فيها آراؤهم ومدوناتهم التي لها علاقة بأحداث المقاومة والمقاومين وأحوال البلاد بتوقيع أصحابها، وفي أسفل الصفحة ردود خاصة على بعض هذه الرسائل. الصفحة الثالثة بعنوان "رأينا" وتحتوي تحليلات سياسية للأحداث. والرابعة والخامسة والسادسة تأتي تحت عنوان "ثورة حتى النصر" وتحتوي على تقارير وأخبار لمراسلي الصحيفة. من الصفحة الثامنة وحتى الحادية عشرة بعنوان "قضايا الثورة"، وفيها تحليلات عن الأحداث والتطورات وارتباطها في المنطقة إقليميًا وعالميًا. والصفحة الثانية عشرة تكون بعنوان "العالم جبهة قتال" وفيها مقابلات مع شخصيات فكرية أو سياسية أو فلسفية تربط مقولاتهم بالثورة، على سبيل المثال: لقاء مع ريجيس دوبريه، ودوبريه مهتم بالبحث في قضايا السجن والثورة وشخصياتٍ ثورية كغيفارا. والصفحة الثالثة عشرة بعنوان "دراسات عن العدو"، والرابعة عشرة مخصصة لـ "أدب وفن" وفيها نصوص أدبية نثرية وشعرية، و"الصفحة الأخيرة"، وغالبًا ما تحتوي على أبيات من الشعر أو خاطرة، ورسوم دالة.

 وخطاب الصحيفة في مرحلة صدورها يحرض على المقاومة ودعم المقاتلين، من خلال المقالات والأخبار أو مراسلات الكتاب والهواة، وبطاقات ورسائل ترسل إليها والردود عليها، وهي في مجملها تتناول العمليات العسكرية، وأحوال المعتقلين، ومقاربات ثورية في البلدان المختلفة، كما أن خطابها تأكيد على مبادئ الثورة وثوابتها. وقد واكبت الصحيفة مراحل مهمة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، كتغطيتها مرحلة حوادث أيلول في الأردن، والتي أخذت حيزًا كبيرًا في الصحيفة.

وحركة فتح بتأكيدها على أنها "الصحيفة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية"، فهي بالتأكيد تعدّ نفسها حاضنة الثورة الفلسطينية في الشرائح كلها، ومما يدل على ذلك إفرادها مقالات فكرية تناقش مسألة موقعية المرأة من الثورة، وأن قضية تحررها لا يقتصر فقط على البنى والتقاليد المجتمعية، وإنما أيضًا مرتبط بتحرر الوطن، داعيةً إياها إلى الاشتباك سواء كانت متعلمة أم لم تكن.

[2] انتصار الوزير، رفقة عمر (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2022)، ص 113-114.

[3] "اتحاد المرأة ينظم دورات للميليشيا، فتح، 26/6/1970. عُقد المؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في القدس بين 15-20/7/1965 تحت شعار: "نحو توحيد جهود الهيئات النسائية الفلسطينية من أجل تحرير الوطن المغتصب"، وقد تشكلت اللجنة التحضيرية من الأخوات: زليخة الشهابي وسميرة أبو غزالة وسعاد الكيلاني وفايزة عبد المجيد وسلمى الخضرا الجيوسي ووديعة خرطبيل ورشيدة المصري والحاجة عندليب العمد. وانتُخبت الهيئة التنفيذية الأولى للمؤتمر وتضمنت: عصام عبد الهادي رئيسةً للاتحاد، وفريدة ارشيد نائبةَ الرئيسة، وسميحة خليل أمينةَ سر، وليديا الأعرج أمينةَ صندوق، وأمينة الحسيني مسؤولة علاقات خارجية، ونهيل عيضة مسؤولة علاقات داخلية، ينظر الموسوعة الفلسطينية، "المؤتمر النسائي الأول"، في: https://bit.ly/2nn5hH7K ، شوهد في: 15/9/2022.

[4] "اعتصام السيدات في القدس"، فتح، 24/7/1970.

[5] "حرب الشعب لا يمكن أن تتم بمعزل عن نصف الشعب"، فتح، 24/5/1971.