المكابياد.. مهرجان رياضي يهودي لخدمة المشروع الصهيوني
لم تكن الرياضة أبدًا مفصولةً عما يجري في أي دولة من أحداث على مختلف الأصعدة، سواء كانت سياسيةً أم اقتصاديةً أم اجتماعيةً، بل إن عزل الرياضة عن المجالات آنفة الذكر يعد أمرًا نادر الحدوث، وفي غالب الأحيان نشاهد تداخلًا كبيرًا بين الرياضة والسياسة، بحيث يستعصي الفصل بينهما.
والأمر ذاته ينسحب على الرياضة والحركة الصهيونية التي عملت على استغلال الرياضة منذ نهاية القرن التاسع عشر لخدمة مشروعها القائم على احتلال فلسطين، وإقامة وطن قومي لليهود فيها، فكانت الرياضة وسيلةً للتربية القومية والفكرية، وأداةً لصهر يهود الشتات في بوتقة واحدة، في ظلّ اختلافاتهم الثقافية والتاريخية واللغوية، ولعبت دورًا هامًا في صهينة الشبيبة اليهودية، وإعدادها لتكون قادرةً على حمل السلاح، من أجل تحقيق أحلام الصهيونية في فلسطين، لاسيما أنهم أيقنوا أنه لا وطن واحدًا دون ثقافة واحدة، وقد كانت الرياضة جزءًا مقوِّمًا لهذه الثقافة، التي كانت خاضعةً لأيديولوجية صهيونية عنصرية. [1]
الرياضة سلاحًا قوميًا
بدأت النقاشات حول إنشاء حركة رياضية يهودية قومية في المؤتمر الصهيوني الرابع عام 1900، وكان التعاون بين الحركة الرياضية والحركة الصهيونية في العقد الأول من القرن العشرين مستندًا إلى شعار: "الفكر القومي اليهودي والإرادة غير المتزعزعة للأمة اليهودية". فحاولت القيادة الرياضية الصهيونية طرح هذا الشعار بشكل دائم في المؤتمرات الصهيونية، وظهر هذا التعاون جليًا حينما أقيمت المهرجانات الرياضية قبل عقد المؤتمرات الصهيونية السادس والتاسع والعاشر، وهو ما أُعجِب به ثيودور هرتزل[2] إذ قال عنه خلال انعقاد المؤتمر السادس عام 1903: "إن قيمة هذه المهرجانات تفوق مائة خطاب". [3]
ومع أواخر القرن التاسع عشر أسست الحركة الصهيونية أندية "المكابي" الرياضية في أوروبا، وفي بداية القرن الماضي بدأت بتأسيسها في فلسطين، قبل أن ينتقل مركزها الرئيس إلى فلسطين في عام 1925. [4]
وفي عام 1921 أُسست منظمة "المكابي" العالمية "MWO" وضمت كل أندية "المكابي" المنتشرة في أوروبا وفلسطين، وأُعلن عن أهدافها في المؤتمر الذي عقد قبل بضعة أيام من انعقاد المؤتمر الصهيوني الثاني عشر في كارلسباد بتشيكوسلوفاكيا (6-18 آب/ أغسطس 1923)، ويرى جوزيف يكوتيلي[5] أن أهمية هذا المؤتمر لم تكن في جوهر مقرراته، ولا في نقاشاته الأيديولوجية، وإنما بتفهمه للواقع السياسي في ذلك الوقت (لاسيما الفترة التي تلت وعد بلفور والاحتلال البريطاني لفلسطين). وتجلّت النزعة الصهيونية في أهداف منظمة المكابي، وهي تغذية أعضائها بالروح الصهيونية، وإعدادهم من خلال الرياضة من أجل الدفاع عن حياة اليهود وممتلكاتهم أينما كانوا، والتوجيه العسكري لهم. [6]
وفي العقد الثاني من القرن العشرين عُقدت اتفاقية بين المنظمة الصهيونية والحركة الرياضية اليهودية في ألمانيا تنصّ على أن الأندية الرياضية سوف تتلقى المعونة المادية من الحركة الصهيونية مقابل نشر الفكر الصهيوني، وكان زئيف فلاديمير جابوتنسكي (أحد مؤسسي منظمة "الهاغاناه" الفاشية) يرى في هذه المنظمة نصيرًا للتدريب البدني والإطاعة، فالرياضة بمفهومه كانت وسيلةً من أجل إعداد الشباب لحمل السلاح. [7]
خدعة جديدة
كان الصهاينة يعملون وبشكل حثيث على إيجاد أفضل الطرق من أجل إدخال المزيد من المهاجرين اليهود إلى فلسطين، وكما بيّن الباحث عيسى السفري فإن "الصهاينة استنبطوا منذ عام 1924 حِيَلًا جديدةً لإدخال المزيد من المهاجرين اليهود إلى فلسطين، فلجؤوا إلى التهريب والخديعة، وتظاهروا بالرضوخ للقيود التي ينص عليها قانون الهجرة، وكانت إحدى هذه الطرق "المكابياد" وهو مهرجان رياضي يشبه الألعاب الأولمبية، دعت له القيادات الصهيونية عام 1929، تشارك فيه الشبيبة الصهيونية من كافة أنحاء العالم، حيث يبقى جزء كبير منهم بلا عودة".[8]
كان قادة الحركة الرياضية الصهيونية يتباكوْن على أنهم لم يستطيعوا تمثيل فلسطين في الألعاب الأولمبية، وتحقيق حلمهم بأن يروا العلم "الأزرق والأبيض" يرفرف عاليًا بجوار أعلام الدول المشاركة في الألعاب الأولمبية، هذا الحلم الذي كان يعدّ بالنسبة لهم مؤشرًا على إعادة إحياء دولتهم، وكان رفضهم القاطع للمشاركة ضمن وفود الدول المختلفة، وإصرارهم على تمثيل فلسطين صهيونية وكأنها كانت خاليةً من الفلسطينيين، دافعًا قويًا ليتبنوا فكرة إقامة مهرجان رياضي صهيوني مستقل. ففي عام 1925 أقام الاتحاد العالمي "للمكابي" مهرجانًا رياضيًا على شرف المؤتمر الصهيوني الرابع عشر في فيينا، والذي كان بمثابة إعداد لمهرجان رياضي على نسق الألعاب الأولمبية خطط له في المستقبل القريب. وفي العام نفسه، وخلال زيارة فريق "فينا هكواح" الصهيوني إلى فلسطين تم تحديد موعد هذا المهرجان في ربيع عام 1927، ولكن المنظمة الصهيونية رفضت إقامته والسبب هو أنها كما يدعي حاييم وايزمان[9]خشيت إثارة غضب الإدارة البريطانية في فلسطين، كما أن الاحتجاج من قبل القيادة الوطنية الفلسطينية في ذلك الوقت ضد الهجرة والتجمعات الصهيونية لعب دورًا في عرقلة إقامة هذا المهرجان. [10]
لكن مساعي الصهاينة لم تتوقف فأقام المؤتمر السنوي لاتحاد "المكابي" العالمي في تشيكوسلوفاكيا مهرجانًا رياضيًا ألهب حماس المشاركين فيه، ما دعا رئيس الاتحاد إلى تقديم اقتراح لإقامة المهرجان الأولمبي اليهودي في فلسطين في مدينة تل أبيب عام 1932، والذي سُمّي فيما بعد بالمكابياد.
وكان التعاون بين الحركة الرياضية اليهودية والحركة الصهيونية في العقد الأول من القرن العشرين مستندًا إلى شعار: "الفكر القومي اليهودي والإرادة غير المتزعزعة للأمة اليهودية". وأقيمت المهرجانات الرياضية قبل عقد المؤتمرات الصهيونية السادس والتاسع والعاشر، وهو ما أعجب به ثيودور هرتزل إذ قال عنه خلال انعقاد المؤتمر السادس عام 1903: "إن قيمة هذه المهرجانات تفوق مائة خطاب".
يقول جوزيف يكوتيلى، عن هذا المؤتمر: "لم يكن بوسع اليهود المشاركة في الألعاب الأولمبية في أمستردام عام 1932 لأن اللجنة الأولمبية تعترف بحقوق المشاركين ضمن حدودهم فقط، لكن مساعينا المستمرة للسماح لنا بالمشاركة في هذه الألعاب دفعتنا لتنظيم أولمبياد يهودي يساعدنا على المشاركة في المنافسات العالمية ويهيئ لنا الطريق من أجل تطوير الرياضة بين شبابنا ". [11]
ادّعى القادة الرياضيون الصهاينة أن للمهرجان قيمةً اقتصاديةً بالإضافة إلى القيمة القومية، فالمشاركون والسائحون سوف ينفقون المال خلال وجودهم في فلسطين، والقيمة القومية تكمن في المفهوم الصهيوني في جلب أكبر عدد من الشباب إلى فلسطين "أرض اسرائيل" (كما كانوا وما زالوا يطلقون عليها في أدبياتهم) من أجل استنشاق هواء الأرض المحببة، ثم العودة إلى بلدانهم التي يعيشون فيها ليعملوا على إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين.[12]
أولمبياد يهودي
شهد العام 1929 ثورة البراق،[13] ما أجبر سلطات الاحتلال البريطاني على الحد من سيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، لكنه أدّى إلى زيادة تركيز الحركة الصهيونية على المكابياد بوصفه وسيلةً فعالةً لزيادة الهجرة اليهودية بطرق غير شرعية، من خلال إدخال الزائرين والمشاركين إلى فلسطين وإبقائهم فيها بعد انتهاء المهرجان.[14]
في العقد الثاني من القرن العشرين عُقدت اتفاقية بين المنظمة الصهيونية والحركة الرياضية اليهودية في ألمانيا تنص على أن الأندية الرياضية سوف تتلقى المعونة المادية من الحركة الصهيونية مقابل نشر الفكر الصهيوني
كان الدعم البريطاني عاملًا هامًا في إنجاح المهرجان فقد أَرسلت إدارته وفدًا إلى لندن لتلقي النصائح والدروس من القادة الصهاينة، مثل وايزمان وسوكولوف، حول كيفية إيجاد المنافذ الخاصة التي يستطيعون من خلالها الوصول إلى مكاتب المستعمرات ووزارة الخارجية، حيث كانت مهمة الوفد هي تأمين جوازات سفر جماعية وتأشيرات دخول جماعية من أجل تقليل تكاليف الرحلة للمشاركين والزائرين، والأهم من ذلك هو جلب أكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين، وذلك من خلال التلاعب بقيود الهجرة التي وضعتها الإدارة البريطانية، التي وعدت بتسهيل الإجراءات وإعطاء المزيد من تأشيرات الدخول للمشاركين والزائرين لهذا المهرجان.[15]
مع نهاية العام 1931 عُيّن آرثر ووشوب مندوبًا ساميًا على فلسطين، وهو الذي لم يخفِ تعاطفه مع الحركة الصهيونية، وقد نمت بينه وبين أرسلو سوروف (عضو قيادي في الوكالة الصهيونية) صداقة حميمة، وخلال لقائهما نجح سوروف في إقناع المندوب السامي برعاية المهرجان، بعدما أخبره بأنه لا يوجد اتجاه أو هدف سياسي منه، بل إن "المكابي" يسعى إلى دعوة الأندية العربية والإنجليزية من أجل المشاركة في المهرجان، وأدّت موافقة المندوب السامي على رعاية المهرجان، إلى تسهيل دائرة الهجرة في فلسطين المعاملات للمشاركين والزائرين اليهود. ويصف أحد القياديين الرياضيين الصهاينة دعوة الأندية العربية للمشاركة في المهرجان بأنها: "مناورة مدروسة لتهدئة الشكوك من الجانب الإنجليزي حول المهرجان، إذ كانت الحركة الصهيونية بحاجة إلى الدعم البريطاني".[16]
المهرجان والدعاية الصهيونية
أبلغ الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم –والذي كان يسيطر عليه اليهود- نظيره الدولي بأن كرة القدم ستدرج في مهرجان المكابياد، حسب القواعد الدولية، وأبلغه أنه لا يمانع في أن يسمح لكل الأندية اليهودية المعنية بالمنافسة. [17]
كما حاولت الحركة الصهيونية جذب الفرق غير اليهودية من أوروبا وبعض الدول العربية للمشاركة في المهرجان، وحثّت الحكومات الأوروبية على السماح لفرق "المكابي" والزائرين بالذهاب إلى فلسطين.
فيما أدانت المؤسسات والأندية الاجتماعية الرياضية العربية هذا المهرجان لوعيها التام بمدى خطورته، كما حذرت الصحف الرياضيين العرب من المشاركة فيه، لاسيما أعضاء جمعية الشبان المسيحية في القدس، واصفةً المهرجان بـ "المؤامرة الصهيونية" التي تقام لأسباب دعائية.
افتتح المهرجان في 29 آذار/ مارس 1932 بمسيرة كشفية رفعت الأعلام الصهيونية وهي متوجهة إلى الملعب الرياضي في تل أبيب، والمزيّن، هو الآخر، بالأعلام الصهيونية والبريطانية، وغنّت المسيرة أناشيد بالعبرية، مع كلمات أريد منها شحن الحضور بالروح الصهيونية. وقد بلغ عدد المشاركين في المهرجان 3500 - 4000 رياضي من 17 دولة، وادّعى المنظمون أن نجاحه شكل دعايةً ونصرًا للأفكار الصهيونية بشكل عام، وللرياضة اليهودية بشكل خاص.
زعمَ الصهيونية أن حوالي 1591 سائحًا استطاعوا البقاء في فلسطين في أول ثلاثة أشهر من عام 1932، ولكن تقرير اللجنة الملكية "Royal commission Report" أفاد بأن 17900 مسافر بقي في فلسطين مابين 1932-1933. كما اعترفت الوكالة اليهودية أنه وبعد سنوات من تقييد الهجرة فإن نقطة التحول بدأت عندما هاجر الآلاف من اليهود إلى فلسطين سائحين تحت ذريعة المكابياد عام 1932. [18]
مهرجان 1935
كانت دورة الألعاب الأولمبية الحادية عشرة ستقام في العاصمة الألمانية برلين عام 1936، وأرسلت اللجنة الأولمبية الألمانية دعوة إلى فلسطين من أجل المشاركة، وعلى الرغم من وصل أدولف هيتلر إلى سدة الحكم وموقف النازية من اليهود فإن القيادة الصهيونية رأت أنه من مصلحتها المشاركة في الدورة وتمثيل فلسطين، فهي سترسل رياضيين ليرفعوا العلم "الأبيض والأزرق" وتجعل حضورها دليلًا على وجود ممثلي "أرض إسرائيل"، لكن، وبعد صدور قوانين نورينبيرغ (تجريد أي مواطن غير آري من الجنسية الألمانية)، قرر الصهاينة عدم المشاركة في الدورة، ورأوا أن المكابياد الذي كانوا قد خططوا لتنظيمه في ربيع عام 1935 تكمن فيه أهمية أكبر لتحقيق أهدافهم. [19]
فيما شنت الصحافة العربية حملةً إعلاميةً ضد المهرجان وركّزت على أمرين: الأول افتتاحية المهرجان التي قُدّمت خلالها عروض مشابهة للعروض العسكرية، والثاني الهجرة غير المشروعة.
وقبل انطلاق المهرجان مَنعت سلطات الاحتلال البريطاني موكب الكشافة بسبب الاحتجاجات العربية أولًا، وثانيًا بسبب الاتفاق الذي جرى بين منظمة "المكابي" ومنظمتي "الهابوعيل" و"البيتار" من أجل مشاركتهما في الموكب الكشفي، ما أثار مخاوف سلطات الاحتلال البريطاني من حدوث اضطرابات ومواجهات بين العرب واليهود، وبين هاتين المنظمتين بعضهما البعض بسبب خلافات بينهما.
تشير الموسوعة اليهودية "Encyclopedia Judaica" إلى أن أكثر من 1700 رياضي من 27 دولة بقوا في فلسطين بسبب العداء للسامية الذي اجتاح أوروبا بعد صعود النازية إلى السلطة في ألمانيا، وكان ذلك إثر مهرجان المكابياد سنة 1935. بينما أشار تقرير القنصلية الأمريكية الصادر في حزيران/ يونيو 1935 إلى أن 16900 زائر دخلوا فلسطين خلال شهر آذار/ مارس من ذلك العام. وفي تقرير آخر أشارت القنصلية إلى أن العامل الرئيس للهجرة غير المشروعة كان زيارة "المكابيين" لفلسطين، وقدم هذا التقرير "معاناة" اليهود في الدول الأخرى، تبريرًا لهذه الهجرة. [20]
استنبط الصهاينة منذ عام 1924 حِيَلًا جديدةً لإدخال المزيد من المهاجرين اليهود إلى فلسطين، كان من بينها "المكابياد" وهو مهرجان رياضي يشبه الألعاب الأولمبية، دعت له القيادات الصهيونية عام 1929، تشارك فيه الشبيبة الصهيونية من كافة أنحاء العالم، حيث يبقى جزء كبير منهم بلا عودة
يقول للوير أحد قادة "المكابي" إن هذا المهرجان أنقذ الكثير من اليهود من حالة اليأس التي كانوا يعانون منها، وسيشكل حافزًا من أجل أن يقاتل يهود فلسطين ويهود الشتات جنبًا إلى جنب من أجل إعادة بناء الدولة اليهودية. وكتبت هنرييتا سزولد العضوة البارزة في القيادة الصهيونية في صحيفة "بالستين بيوليتن" موجهةً حديثها إلى الضيوف والمشاركين في المهرجان: "إن شعاراتكم وأهدافكم وإنجازاتكم التي حققتموها تدل على أنكم اكتشفتم في إسرائيل حقيقةً ملهمةً، أنتم تعبّرون بتوكيد خاص عن الحقيقة التي نحن كلنا نقبلها، وهي أن العودة إلى هذه الأرض هي الفرصة للعودة لحياة إنسانية طبيعية". أما جوزيف يكوتيلي فيقول: "بعد عدة سنوات.. إن الاعتراف بأرض إسرائيل من قبل الاتحادات الدولية كان نتيجة لمهرجان المكابياد".[21]
في العشرين من آذار/ مارس 1935 وقبل افتتاح المهرجان بعدة أيام برز في الصفحة الأولى لصحيفة "فلسطين" مقالٌ حمل عنوان "10 آلاف يهودي رياضي.. بأيّ حق تسمح لهم الحكومة بالقدوم؟" جاء فيه: "والذي نعلمه أن هؤلاء الشباب الرياضيين لا يملكون أموالًا تخولهم حق الدخول إلى فلسطين كسياح، والوكالة اليهودية لم تمنحهم شهادات هجرة إلى فلسطين، فكيف سمحت الحكومة بإدخالهم؟ وهل اتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان عودتهم إلى بلادهم؟ إن دورة المكابياه (المكابياد) الأولى علمتنا أن معظم من اشتركوا فيها قد أتوا إلى فلسطين واختبؤوا في المستعمرات اليهودية، فلماذا تريد الحكومة تكرار ذلك الحدث؟ قد تزعم الحكومة أنها سمحت لهم بالدخول بحجة تشجيع السياحة إلى فلسطين ولكن هذا الزعم باطل لأن المقصود من تشجيع السياحة هو أن يكون السياح من الممولين الذين يصرفون نقودًا في البلاد تساعد على تحسين الحالة الاقتصادية، أما هؤلاء الشباب الذين يأكلون مجانًا من مطاعم الجمعيات الصهيونية فلا يعدّون سياحًا، وفوق ذلك فإن معظمهم لا ينتمون إلى جمعيات المكابي كما تصرح بذلك الصحف اليهودية نفسها". [22]
أشار تقرير القنصلية الأمريكية الصادر في حزيران\ يونيو 1935، بعد مهرجان المكابياد الثاني على أرض فلسطين، إلى أن 16900 زائر دخلوا فلسطين خلال شهر آذار\ مارس من ذلك العام. وفي تقرير آخر أشارت القنصلية إلى أن العامل الرئيسي للهجرة غير المشروعة كان زيارة "المكابيين"
خاتمة
استخدمت الحركة الصهيونية الرياضة لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها في احتلال فلسطين، وإقامة وطن قومي لليهود فيها، وكسب اعتراف العالم بكيانهم، وهو ما ميّز نشاطها الرياضي عن أيّ نشاط رياضي في بلد آخر.
فجرى تأسيس المنظمات والأندية الرياضية الصهيونية في أوروبا، من أجل تجنيد وتعبئة الشباب اليهودي بالأفكار الصهيونية، وبثّ الروح القومية اليهودية فيهم، وتدريبهم عسكريًا، ومن ثم نقلهم إلى فلسطين، بهدف المساهمة في تهويد فلسطين وتحويلها إلى وطن قومي لليهود، فالرياضة كانت مجرد غطاء تختبئ خلفه الحركة الصهيونية من أجل التغطية على الهجرة غير الشرعية لليهود إلى فلسطين، والتستر خلفها من أجل تنفيذ أعمالها الإجرامية.
كما تجدر الإشارة إلى أنه ونتيجةً لتصاعد الحركة الوطنية الفلسطينية واستنكارها لمهرجانات المكابياد والهجرة غير الشرعية، أجبرت سلطات الاحتلال البريطاني على إلغاء المهرجان الثالث، والذي كان مقررًا في ربيع العام 1938، ليقام بعد ذلك بـ12 عامًا، أي بعد قيام كيان الاحتلال بعامين في 1950، ولا تزال سلطات الاحتلال تعقد هذا المهرجان بشكل منتظم.
"هذا المهرجان أنقذ الكثير من اليهود من حالة اليأس التي كانوا يعانون منها، وسيشكل حافزًا من أجل أن يقاتل يهود فلسطين ويهود الشتات جنبًا إلى جنب من أجل إعادة بناء الدولة اليهودية" (للوير أحد قادة "المكابي")
[1] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام النكبة، "history of Palestine sports"، https://cutt.us/Ha3x1 .
[2] - مؤسس الحركة الصهيونية.
[3] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين.
[4] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، (رام الله، دار الشروق للنشر والتوزيع، 2013) ص 34.
[5] - أحد أبرز قادة المكابي، والذي كان صاحب فكرة تأسيس الاتحاد "الفلسطيني لكرة القدم" و"اللجنة الأولمبية الفلسطينية" بهدف أن يمثل اليهود فلسطين في المحافل الدولية، لإبرازها على أنها دولة يهودية، فلم يكن في وقتها بإمكان اليهود أن يشاركوا في المنافسات الدولية إلا باسم فلسطين.
[6] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين.
[7] - المصدر السابق.
[8] - عيسى السفري، فلسطين بين الانتداب والصهيونية، (يافا، مكتبة فلسطين الجديدة، 1937) ص 215-216.
[9] - رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، وأول رئيس لإسرائيل.
[10] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 41-42.
[11] - المصدر السابق، ص42.
[12] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين.
[13] - أول انتفاضة فلسطينية على محاولة تهويد القدس في عهد الانتداب البريطاني، اندلعت عندما نظم اليهود مظاهرة ضخمة عند حائط البراق في 14 آب\ أغسطس 1929 بمناسبة ما سموه "ذكرى تدمير هيكل سليمان"، مدّعين أنه مكان خاص باليهود وحدهم.
[14] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين.
[15] - المصدر السابق.
[16] المصدر السابق.
[17] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 43.
[18] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين.
[19] - المصدر السابق.
[20] - المصدر السابق.
[21] - المصدر السابق.
[22] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 43.