النُّطَف المُهرَّبة: حياة تتسرب من خلف القضبان

على سبيل التقديم...
زنزانة وسجّان، وحكمٌ يزيد عن عمر الرجل أعمارًا، فهل تتوقف الحياة؟ بالتأكيد لا، هذا ليس في قاموس الأسير الفلسطيني، إنه يعيشها بكل ما استطاع إليه سبيلًا، فمن بين أربع جدران يتعلم ويكتسب المهارات ويحصل على الشهادات بمختلف مستوياتها، ويعتني بصحته ويرفه عن نفسه، حتى أنه يرتبط إذ يختار شريكة حياة يعقد قرانه عليها ويخطط معها لحفل زفافهما لشدة ثقته بأن الحرية قادمة.
وأكثر من ذلك، فمنهم من أصبح أبًا رغم كل القيود والمسافات، وهذا يحدث من خلال تهريب نطف الأسرى الفلسطينيين، أو ما يعرف بـ تهريب الحياة، وهو عملية معقدة للغاية سواء فيما يتعلق بإجراءات التهريب، أو بعمليات التلقيح الصناعي لزوجات الأسرى، أو بالتوافق مع الشروط الشرعية والأعراف المجتمعية. تتم هذه العملية بآلية دقيقة، بدرجة كافية لنفي أي شكوك أو شبهات تتعلق بأنساب الأطفال الذين يُولدون بهذه الطريقة، الذين درج تلقيبهم بـ"سفراء الحرية". الإنجاب عبر تهريب النطف ليس أمرًا سهلًا بقدر الحديث عنه، له ما قبله وما بعده، والكثير من التفاصيل الشرعية والمجتمعية والطبية والقانونية، ثم النفسية والتربوية. كل هذه الأبعاد نتناولها هذه المقالة.
حكاية أول سفيرٍ للحرية
دلال الزبن، صاحبة التجربة الأولى في الإنجاب عبر تهريب نطف الأسرى الفلسطينيين، وافقت بلا تردد على اقتراح زوجها الأسير عمار الزبن الذي فقد بعض أفراد أسرته في سنوات اعتقاله، فأراد أن تكبر أسرته الصغيرة، وأن يكون له أبناء ذكور عساهم يكونوا سندًا لابنتيه وأختيه في غيابه، خاصة أنه من أصحاب الأحكام العالية، فهو محكومٌ بستة وعشرين مؤبدًا و25 عامًا.
ولأنها الحالة الأولى، كان على دلال أن تبدأ من الصفر فيما يتعلق بالجوانب الشرعية والمجتمعية، فلم تكن ثمة فتوى واضحة ولا عُرفًا مجتمعيًا لنشر خبر الحمل، ولهذا السبب تأخر تنفيذ الفكرة. تأكدت الزبن من جواز إجراء العملية شرعًا بسؤال عدد من المفتين، ووجدت قبولًا ودعمًا كبيرين من العائلة، وسألت عن الجانب الطبي، فأدركت أن الزراعة ممكنة.
توجهت إلى الدكتور سالم أبو خيزران مؤسس مركز رزان التخصصي لعلاج العقم وأطفال الأنابيب، وأخبرته برغبتها في الإنجاب عبر نطف مهربة، فكان رده أن العملية حتى إن كانت جائزة شرعًا وممكنة طبيًا، لكن تبقى مسألة قبول المجتمع، لذا طلب منها أن تنشر الفكرة وتخبر الناس بنيّتها. كان ذلك في عام 2005، فأخذت تخبر الأقارب والمعارف، وتشارك في المناسبات الاجتماعية لتتمكن من الوصول لأعداد كبيرة من الناس وتحدّثهم عن العملية المرتقبة، واستمرت فترة "الإشهار" خمس سنوات، تمكنت خلالها من حصد قبول كبير، حتى أن الناس صاروا يسألونها: "لماذا تأخرتِ؟"، وهنا أدركت أنها حققت غايتها.
في عام 2010 خضعت للعملية باستخدام عينة تمكن زوجها من تهريبها، وجُمدت مقسّمة لتتمكن من استخدامها أكثر من مرّة. تحقق الحمل، لكنها أجهضت بعد ثلاثة أشهر، فلم تتأخر في إجراء زراعة ثانية، فشلت أيضًا، وسرعان ما كررت التجربة، فأنجبت مهنّد في آب/ أغسطس من عام 2012.
تقول الزبن في مقابلة أجريت معها: "جاء الحبيب مهند، سفير الحرية الأول، وكأن بشرى سارة حلّت بالوطن العربي كله، الحمد لله رب العالمين على ذلك اليوم الجميل، الفرحة كانت أكبر من الوصف عند عمّار وجميع الأسرى، فابننا كأنه ابن الشعب بأكمله". بعد سنة وشهرين من ولادة مهند، أجرت الزبن عملية أخرى، وفي ذلك الوقت، رأى زوجها في سجنه رؤيا زاره فيها شيخٌ يطمئنه أن عملية زوجته نجحت، وأنهما سيُرزقان بـ"صلاح الدين"، تحققت الرؤيا وأطلق الأبوان على الابن الجديد اسم صلاح الدين.
عندما اعتقل الاحتلال عمار الزبن في كانون الثاني/ يناير من عام 1998، كان عمر ابنته الكبيرة "بشائر" سنة وشهرين، أما "بيسان" فكانت جنينًا في بطن أمها، كبرت هاتان الصغيرتان وصار لكل منهما أسرة وبيت، لذا فإن أخويهما مهند وصلاح الدين صارا بمنزلة "حياة جديدة" لأمهما التي انشغلت بهما بعد زواج ابنتيها. تصف الزبن تجربة الإنجاب، عبر تهريب نطف الحياة، بأنها روحٌ تسري في علاقتها بزوجها، فتقويها وتزيد الحب والاحترام.
وعن غياب الزوج عن المرأة في فترات الحمل والإنجاب ثم تربية الأطفال، توضح: "وجود الزوج في هذه المراحل مهم جدًا لزوجته، لكن ظرفنا مختلف، فكان عمار حاضرًا في قلبي في كل وقت وحين، وبفضل الله تغّلبت على قسوة غيابه، وربّيت أبنائي على حبه والفخر به وعلى الأمل باللقاء والحرية". منذ سنوات، يمنعها الاحتلال وطفليها من زيارة زوجها، لكنها تحدثنا عن أول لقاء لمهند بأبيه: "كان اللقاء جميلًا جدًا، فيه امتزجت دموع الفرح والحزن والفخر".
ولأنها صاحبة التجربة التي فتحت الباب لعشرات الزوجات بعدها للإنجاب، فإن سعادتها تتجدد كلما أنجبت زوجة أسير، كونها أعطت عائلات الأسرى دافعًا قويًا للإقدام على خطوة تهريب نطف الأسرى الفلسطينيين، وساهمت في رسم البسمة على الوجوه، كما تقول. وتضيف: "أشعر أن الله أكرمني بأن أكون سببًا في تكوين أسر وإسعاد الأسرى وزوجاتهم، خاصة النساء، فأعمارهن قد لا تسمح لهن بالإنجاب بعد الإفراج عن أزواجهن، ولأن منهن من اعتقل زوجها بعد أيام أو أسابيع من الزواج".
وتنصح الزبن زوجات الأسرى بخوض التجربة، خاصة أن منهن من يُعتقل زوجها بعد أيام أو أسابيع من الزواج، ويحصل على حكم طويل تنتهي خلاله قدرتها الإنجابية، مبينة: "قد يختلف رأي بعض الأسرى وزوجاتهم، لكن بالنسبة كان الإنجاب أفضل قرار اتخذته بحق نفسي وأسرتي".
التجربة صعبة لكنها تستحق
"أرى زوجي فيه، في حركاته وسلوكه، وجوده عبارة عن أمل بأن والده بيننا بروحه الآن، وقريبًا سيكون بجسده"، هكذا تتحدث إيمان القدرة عن السنة الأولى من عمر ابنها الذي أنجبته بنطفة مهرّبة من زوجها محمد القدرة المُعتقل في سجون الاحتلال منذ 2014، والمحكوم بـ أحد عشر عامًا.
كانت إيمان صاحبة فكرة تهريب النطف، فقابلها محمد بالتردد، لكنه بعد عدّة نقاشات معها ومع الأسرى وافق، وكان الحافز الذي دفعه للقبول رغبة بناته الثلاثة بأن يكون لهن أخًا ذكرًا، فقد كنّ يطرحن على أمهن الكثير من الأسئلة التي تدور حول فكرة واحدة، أن لماذا لبنات أعمامهن إخوة ذكور، بينما ليس لديهن أخ؟
تقول إيمان: "بالإضافة إلى رغبة بناتي بأخ، ثمة سبب آخر مهم، وهو الوقت، أردنا أن نستفيد من الوقت الضائع باعتقال محمد لتمضي حياتنا، أو جزءًا منها على الأقل، بشكل طبيعي كغيرنا". وتضيف: "عائلة زوجي اعترضت في البداية لعدم انتشار الفكرة في المجتمع، إلى أن اقتنعوا، وخضت للعملية، وكانت السعادة العارمة بولادة حفيد جديد لهم من ابنهم الأسير". وتتابع: "خروج النطف من السجن أو تهريب النطف كان صعبًا جدًا لعدم السماح لنا بزيارة محمد، إلى أن تمكن من إرسالها مع أسير أُفرِج عنه وعاد إلى قطاع غزة".
ثلاث محاولاتٍ فاشلة، حتى وُلد "مجاهد" بعد العملية الرابعة، فكانت ولادته من أجمل الأحداث في حياتها، حسب وصفها. توضح: "اعتقل زوجي أثناء حملي بابنتنا الثالثة، لذا أعي جيدًا صعوبة الحمل والإنجاب في غياب الأب، ومع ذلك كنت صاحبة الفكرة، لأن محمد سيخرج من السجن مهما طال اعتقاله، سيحمل مجاهد بيديه، وسنكمل حياتنا مع أبنائنا".
وتبيّن: "المحاولات الثلاث الفاشلة، والكثير من الأدوية قبل العملية، وبعدها، وتعب الحمل والولادة، وتربية مجاهد بمفردي، كلها أمور أنهكتني جسديًا ونفسيًا، ولم يكن بوسع زوجي أن يقدم لي أكثر من مكالمة يومية ليخفف عني، ومع ذلك فإن هذه التجربة جددت في نفسي الأمل، وقوّت علاقتي بزوجي، وأدخلت عليّ سعادةً أتمناها لكل زوجة أسير".
وتشير إلى أن زوجها لم يتضرر من التجربة، إذ كانت الزيارات ممنوعة عنه من قبل الإنجاب، وهذه هي العقوبة التي يفرضها الاحتلال على الأسير الذي يُكشف عن تهريب النطف. وتخاطب القدرة رفيقاتها في القدر: "طالما بإمكانك أن تنجبي في فترة اعتقال زوجِك، فعليكِ استثمار الفرصة، لأن العمر يمضي، واحتمالات الإنجاب تقلّ، استعدي نفسيًا لصعوبات التجربة، وفكّري في جمال نتيجتها، ثم خذي الخطوة".
لماذا الانتظار؟
عطاف أبو كريم، كانت عروسًا لم يمضِ على زواجها سوى شهرين عندما اعتقل الاحتلال زوجها، وكانت حينها حاملًا بابنتهما "ليان"، التي كبرت وصارت تنادي كل رجل بـ "بابا". اتفق الزوجان، وتمكن الأسير أيوب أبو كريم من تهريب النطف لعطاف، لكن النطفة كانت ضعيفة فلم يحدث الحمل، ورغم أن هذا ما كان مُتوقعًا، إلا أنها انهارت نفسيًا، كما تقول.
بعد سنتين، قررت أن تعاود الكرة باستخدام ما جُمد من نفس النطفة الضعيفة، لكنها تمكنت من الحصول على نطفة أخرى، استلمتها بنفسها، وكان النجاح حليف تجربتها هذه المرة، فرُزقت بـ"مجاهد". لم يكن اتخاذ القرار سهلًا، فقد كانت عطاف تدرك صعوبة الرحلة، لكن "لا مجال للانتظار"، فكما تقول: "زوجي محكوم بالسجن 13 عامًا، وهذا الرقم ليس قليلًا، أنا وزوجي نرغب بقوة بطفل آخر، وابنتي تشعر بالوحدة، وعائلتينا متشوقتين أيضًا، فلماذا ننتظر طالما الفرصة متاحة؟".
وتضيف: "خلال أشهر الحمل، لا تستغني المرأة عن رفيق دربها، كنت أفتقده، وأشعر بالحزن، وأنخرط بالبكاء أحيانًا، ثم إذا شعرت بحركة الجنين تنتابني السعادة"، متابعة: "واجهت صعوبات في تربية ليان، فالطفل يحتاج أباه كحاجته لأمه". وتواصل: "الأدوية التي تناولتها قبل إجراء العملية، ثم الأدوية اللازمة لتثبيت الحمل، وضرورة السيطرة على المشاعر وضبط الانفعالات، كلها من أشكال الصعوبات التي كنت أتوقعها لكنني تقبلتها". "كل شيء هان لما رأيت ابني"، بهذه السعادة تتبدد كل الآلام بالنسبة لـ "عطاف".
يبلغ مجاهد الآن أربع سنوات، لم يلتقِ خلالها بوالده، لكنه يعرفه، ويستطيع أن يميّز صورته، ويدرك معنى السجن، ويدعو لأبيه، هكذا ربّته أمّه. تهريب النطف فرصة عظيمة ينبغي أن تستثمرها زوجات الأسرى عساهن يرزقن بأطفال يخففون غياب آبائهم، ويشغلون أوقات أمهاتهم، بحسب عطاف، التي تؤكد أن لمحيط زوجة الأسير دور في إقدامها على هذه الخطوة، إذ أن بعضهن يرغبن بذلك لكنهن يجدن رفضًا عائليًا.
وتتطرق للحديث عن هذا الرفض، وعن بعض الأصوات المشككة في التهريب: "الإنجاب بهذه الطريقة عملية معقّدة، ولا تساهل فيها، سواء في مرحلة تهريب النطفة، أو عند إجراء التلقيح الصناعي، وأنا مثالٌ على دقة هذا العمل، فقد استلمت العينة بنفسي، وابني نسخة مصغّرة عن أبيه".
وتبيّن أن إخبار الناس بالحمل لم يكن معقدًا، بل عرفه الناس كما لو كان زوجها موجودًا، فقد أخبرت الدائرة المحيطة بها، وساعد في انتشار الخبر في منطقة سكنها أن جارها هو الذي انتظرها وعائلتها عند معبر إيريز بعد عودتها من زيارة زوجها في السجن ومعها العينة، لينقلها إلى المركز الطبي بسرعة بسيارته الخاصة دون الحاجة للتنقل بين سيارات الأجرة، بالإضافة إلى أن جارتها الممرضة كانت تقدم لها بعض الخدمات الطبية اللازمة.
وتوضح أن الانتشار المكثف للخبر كان بعد الولادة، إذ تواصل أحد أقاربها مع بعض وسائل إعلام، وعندما عادت إلى بيتها بعد الولادة تفاجأت بالاحتفالات والألعاب النارية والعديد من الصحفيين الذين صوروا الحدث وأجروا اللقاءات مع العائلة. وترى أبو كريم أن هذه السلاسة في تعامل الناس مع إنجابها تعود إلى "كون المجتمع متعلم وواعٍ وداعم للأسرى".
رأي الشرع
من أول ما يبحث عنه الناس لتحديد موقفهم من قضية ما، رأي الشرع فيها، وبالنسبة لـ حكم تهريب النطف، فقد أجازه المفتون، ولكن بشروط، ومن الفتاوى التي تبيحه، فتوى رئيس الهيئة الإسلامية العليا خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري. وجاء في فتواه: "لا مانع شرعًا من إجراء عملية التلقيح الصناعي لزوجات الأسرى، سواء كانت الزوجة مدخول بها أم لا".
ووضع صبري مجموعة من الشروط لإجازة حكم تهريب النطف، وهي وجود وثيقة عقد الزواج بين الزوجين، وموافقة الزوجة على إجراء عملية التلقيح، وأن يكون الحيوان المنوي من الزوج، وأن تكون البويضة الأنثوية من زوجته فقط، وكذلك أن يكون المركز الطبي المسؤول عن إجراء هذه العملية مركزًا معروفًا ومرخصًا لإجراء هذا النوع من العمليات، مع حضور شاهدين اثنين، أحدهما من طرف الزوج والآر من طرف الزوجة، وكذلك حضور أحد المحامين الثقات للتوثيق. وأخيرًا، إعلان كل ذلك عبر وسائل الإعلام، أو أي وسيلة أخرى دفعا للشبهات ولبراءة الذمة.
هكذا تتم الزراعة
رزان أبو خيزران، أخصائية الأمراض النسائية والتوليد في مركز رزان التخصصي لعلاج العقم وأطفال الأنابيب تقول: "طبيًا، فكرة الإنجاب بالنطف المهربة ممكنة، وطالما وصلتنا النطفة سليمة، يمكننا إجراء كل الخطوات اللازمة لزوجة الأسير، كأي سيدة أخرى". وتضيف: "ثمة اختلافات، غير طبية، في هذا النوع من العمليات؛ فالأسرى الذين أبدعوا بالتفكير في النطف المهربة، هم منطقيون إلى جانب إبداعهم، إذ حسبوا الأمر بكل أبعاده، مثل البُعدين الديني والاجتماعي، لذا تتم عمليات الزراعة بشروط معينة". وتوضح أنه لأجل إجراء التلقيح الصناعي يشترط المركز إحضار نسخة من عقد الزواج، وشاهدين اثنين من أقارب الدرجة الأولى للزوجين، ليؤكدا أن العينة للزوج الأسير.
وتُذكّر أبو خيزران بأول عملية التلقيح الصناعي لزوجات الأسرى في فلسطين، والتي أجراها مدير المركز الدكتور سالم أبو خيزران، إذ طلب من الزوجة إخبار الناس بعزمها إجراء العملية، فتأخر إجراؤها نحو تسع سنوات، لضمان تخطى الحاجز الاجتماعي، مؤكدة: "نريد أن نخدم الزوجة، دون أن نسبب لها مشكلة". وبخصوص الجانب الطبي والعينات التي تصل المركز من الأسرى، توضح: "نحن أطباء، لا نتدخل في حفظ العينة أو توصيلها، وإنما يبدأ عملنا بعد وصولها لنا، إذ نفحصها، فإن كانت سليمة، نجمّدها إلى حين إجراء العملية، وأحيانا تُقسم قبل التجميد لاستخدامها في أكثر من عملية"، مبينة أن سلامة العينة تكمن في طريقة حفظها، إذ يجب أن تكون في علبة معقمة وبدرجة حرارة الغرفة.
المرحلة الثانية هي تهيئة الزوجة، إذ تخضع للفحوصات اللازمة للتأكد من جهوزيتها جسديًا لإجراء العملية، ثم تتعاطى أدوية معينة لتحفيز التبويض، يليها سحب البويضات، وفك تجميد العينة، ثم الإخصاب، وأخيرًا الحقن في رحم الأم.
هذه الخطوات لا تختلف بين سيدة وأخرى، لكن في حال كانت الخاضعة للعملية زوجة أسير، فالاختلاف يكون في الأجواء المحيطة بالعمل ونفسية ذوي الأسير، ففي ذات العينين، يمكنك أن ترى السعادة والحزن، والأمل والقلق، بحسب أبو خيزران، التي تفسر ذلك بالقول: "سعادة زوجة الأسير والأمل الذي يراودها، نابعان من احتمال أن تصبح أمًا، تكوّن أسرةً مع زوجها الغائب، زوجة الأسير في أوج سعادتها، بينما القلق يكون من فشل العملية، والحزن لأنها كأي امرأة تريد زوجها بجانبها في هذه اللحظات الصعبة".
وتضيف أن غياب الزوج في سجون الاحتلال، يجعل الفرح مضاعفًا في حال حدوث الحمل، وكذلك الحزن إن فشلت العملية، مؤكدة أن "زوجة الأسير ليست كأي مريضة، ففي أغلب الحالات التي نراها، يقدّم لها المجتمع دعمًا كبيرًا، كأن تأتي الواحدة منهن لإجراء العملية بصحبة عدد كبير من الأقارب والمعارف".
وردًّا على أي مخاوف أو ادعاءات بخصوص عمليات التلقيح الصناعي لزوجات الأسرى، تؤكد أبو خيزران أن "اختلاط الأنساب في هذه العمليات داخل المركز غير وارد، فمن أجل تجميد العينة، يخصص اسم ورقم ومكان لكل منها، وعند إجراء العملية، يتم وضع إسورة باسم المريضة في يدها، مع التأكد الشفهي من اسمها واسم زوجها في كل خطوة، من قبل الطبيبة والممرضات، وقوانين المركز تمنع عمل موظف واحد في فك تجميد العينات، إذ لا بد من وجود شاهد معه داخل مختبر الأجنة، وعند حقن الزوجة، تكون أمامها شاشة ترى من خلالها عملية فك التجميد لتتأكد أن الإجراء تمّ للعينة الخاصة بها.
وتلفت إلى أن تكلفة العملية تبلغ 1500 دولار تقريبًا، بالإضافة إلى نحو 1200 دولار للأدوية التي تحتاجها السيدة خلال شهور الحمل، مبينة أن المركز يجري عملية التلقيح الصناعي لزوجات الأسرى مجانًا، دعمًا للحركة الأسيرة.
العقوباتٌ لم تُثنِهم
وبالانتقال إلى الشقّ القانوني للموضوع، يقول المحامي مدحت ديبة: "القانون الإسرائيلي يجرّم تهريب النطف خارج السجن، وسبق أن تقدمت النيابة العامة بلوائح اتهام أهمها لائحة اتهام بمخالفة أنظمة السجن ضد قاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، عندما حول تهريب نطف وتم ضبطه".
ويضيف: "العقوبة التي قد تُفرض على الأسير في هذه الحالة؛ الحرمان من الزيارات وتقليص (الكانتين) والعزل الانفرادي، وربما تشمل العقوبة الطفل نفسه ووالدته، كما حصل مع ابنة الأسير وليد دقة، حيث أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي قرارًا بعدم تسجيل الطفل في سجل السكان وحرمانه ووالدته من الزيارات".
ويتابع: "قد يلحق الضرر بالمستشفى الذي تمت فيه عملية التلقيح الصناعي لزوجات الأسرى، أو الطبيب الذي أجراها إذا كان من داخل الخط الأخضر ويعلم أن النطفة مهربة، لكن غالبًا ما تلجأ زوجات الأسرى لمستشفيات المناطق الفلسطينية لعدم إمكانية تتبع الأمر من طرف الاحتلال"، مواصلًا: "في حال كشف الاحتلال عملية التهريب فعادة ما يمنع زيارة الجهة التي قامت بالتهريب، كما حصل مع والدة الأسير ناصر أبو حميد".
ويوضح ديبة أن القانون الدولي الإنساني يمنع العقاب الجماعي، والذي من أشكاله منع زيارة الطفل لأبيه بتهمه لا علاقه له بها. ويلفت إلى أنه برغم قرارات منع تسجيل المواليد في سجل السكان، إلا أن بعض العائلات لجأت للقضاء للحصول على قرار قضائي بتسجيل الطفل والسماح له ولوالدته بزيارة والده، كما حصل مع عائلة الأسير أحمد سلامة وابنته "ميلاد".
وبحسب ديبة، فإن التهريب يتم عادة عبر أقارب الدرجة الأولى الذين يُسمح لهم بلقاء الأسرى، أو بإخراج النطف مع الأسرى المفرج عنهم، وطرق أخرى غير مُعلنة. ويؤكد: "مهما بلغت التضييقات والعقبات أمام الأسير وزوجته، فهي لا تمنعهم من المحاولة، بدليل أن أكثر من مائة طفل خرجوا للحرية من بين قضبان السجن".
كيف ابتدع الأسرى الفكرة؟
لنتوسع أكثر في التعرف على تفاصيل تهريب النطف، طرقنا باب الأبحاث والدراسات، لننقل لكم بعضًا من أهم ما ورد في دراستين عن هذه القضية. الناشطة في المقاومة الشعبية عبير قاسم، كانت أجرت دراسة بعنوان "ثورة تهريب النطف من المعتقلات الإسرائيلية"، وفازت بها في المرتبة الثانية في مسابقة "الشاب النموذج" في القاهرة. تقول الخطيب في دراستها إن فكرة تهريب النطف نبعت من رغبة الأسرى باستمرار حياتهم خارج السجون من خلال الإنجاب، فبدؤوا بالتفكير بطريقة تتناسب مع القانون الدولي.
وتضيف أن أول فكرة طرحها الأسرى من أجل الإنجاب، كانت "غرفة المعيشة"، والتي تطبقها الكثير من الدول، إذ توفر للسجناء فرصة للاختلاء بشركائهم، والقانون الإسرائيلي يكفل هذا الحق للسجناء الجنائيين، وهذا لا يشمل الأسرى الفلسطينيين إذ يصنفهم الاحتلال سجناء أمنيين.
وتوضح أن الأسرى تراجعوا عن طرح هذا الطلب، وذلك بعدما توصلوا إلى "عدمية جدواه، فجانب الاحتلال غير مؤتمن على أعراض الأسرى ونسائهم"، ومن هنا بدأ التفكير في تهريب النطف، ودراسته من جميع الجوانب، الاجتماعية والشرعية والطبية. وبحسب الباحثة: "اختلفت طرق تهريب النطف، وتطورت مع مرور الزمن وكسب الخبرة بذلك، (...) أدرك الأسرى الطرق الصحيحة للحفاظ على حياة السائل المنوي لأقصى مدة ممكنة، من خلال تطهير الوسائل الحاضنة للسائل، فأبدعوا في طرق تهريب النطف".
وتبين الخطيب في دراستها أن ثمة آلية مُتَعارف عليها بيت الأسرى لإخراج النطفة، إذ "يتوجب على الأسير إبلاغ (الدوبير)، وهو الشخص المسؤول عن التواصل مع إدارة مصلحة السجون في كل غرفة، ليقوم هذا الشخص بعرقلة خروج الأسير لمقابلة أهله في موعد الزيارة لحين تجهيز النطفة من داخل الغرفة (...). وعلى الأسير إبلاغ شخصين معه بالغرفة أثناء الحصول على النطفة وقبل تسليمها لذويه، ومعظم عمليات التهريب لا يعلم بها سوى الأسير وشخصين آخرين، وعادة (الدوبير) ومسؤول التنظيم للحركة السياسية التي يتبع لها الأسير، ويكونون بذلك الشهود على إخراج النطفة".
وتتطرق الدراسة لبعض طرق تهريب النطف التي كُشف عنها، ومنها أن أسيرًا وضع النطفة في كيس خاص بحفظ الطعام، وقصه حتى يصل حجمه لكبسولة صغيرة، وآخر وضعها في كيس رقائق بطاطا بعد تعقيمه، أعطاه الأسير لابنته الصغيرة عندما سُمح له بمعانقتها بدون الحاجز الزجاجي، أسير ثالث خضع لفحص طبي في المستشفى، فأخذ منها أنبوبًا زجاجيا يستخدم لحفظ عينات الدم لإجراء التحليل، ثم وضع فيه السائل وأعطاه لأسير آخر انتهى حكمه، ومن الأسرى من وضع النطفة في كيس صغير داخل حبة تمر.
وتلفت إلى أن "تزايد عمليات التهريب واكتشاف بعض الحيل التي يتبعها الأسرى، فرضت مصلحة السجون الإسرائيلية وجود ثلاثة عسكريين في غرفة الزيارة عندما يدخلها أطفال الأسير لمعانقته". وتوضح الخطيب في الدراسة أن المجتمع الفلسطيني يشجع الأسرى على تهريب النطف، وأن زيادة عمليات التهريب رفعت الوعي بأهميتها، وضرورتها. وترصد الخطيب طرق "الإشهار" عن حمل زوجة الأسير، وهذه الطرق تختلف من منطقة لأخرى؛ ففي القدس المحتلة يقتصر الإعلان على أفراد العائلة وبعض أهالي الحي، خشية من عقوبات الاحتلال.
وفي قطاع غزة، بعد التأكد من سلامة النطفة المهربة، يدعو والد الأسير أفراد العائلة وكبار رجال الحي ليخبرهم بنجاح تهريب النطفة، وأن العملية تمت بموافقة زوجة ابنه، وفي نفس الدعوة، يبارك له والد زوجة الأسير، وبذلك يبدأ الخبر بالانتشار، ثم يُخبر والد الأسير التنظيم السياسي الذي ينتمي له ابنه الأسير، ثم ينشر الخبر في وسائل الإعلام المحلية.
أما في الضفة الغربية، تفحص النطفة، وبعد التأكد من وجود حياة فيها، يتوجه والد الأسير، ووالد زوجة الأسير، لمسجد الحي أو القرية، ويطلبان من الإمام إعلان الخبر أربع مرات، مع موعد كل أذان، من الظهر حتى العشاء، حيث يقول الإمام بعد الأذان: "يا أهل القرية، نعلمكم أن الأسير فلان ابن فلان، المحكوم لدى سجون الاحتلال بالحكم كذا، الموجود في سجن كذا، نجح في تهريب النطف لزوجته فلانة بنت فلان، ونخبركم بموافقة الزوجة ووالدها ووالد الأسير، وأن زوجة الأسير فلان ستخضع لعملية التلقيح الخارجي للحمل من زوجها"، ثم يبارك للأسير وزوجته وعائلتيهما.
ومما توصلت إليه الدراسة، أن تسجيل أطفال النطف المهربة وحصولهم على الأوراق الثبوتية يتم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما يرفض الاحتلال تسجيل أبناء النطف في القدس المحتلة، وبالتالي لا يحصلون على أوراق ثبوتية، وهذا له تبعاته التي تمتد طيلة حياتهم.
وتوصي الباحثة الجهات المختصة بضرورة تحمل الجهات الوطنية المختصة كل المصاريف التعليمية والصحية لأطفال النطف المهربة، وتتبع قضاياهم ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها في مدينة القدس المحتلة، إضافة إلى تشكيل ائتلاف حقوقي دولي ومحلي يتولى مهمة مقاضاة دولة الاحتلال على تعاملها مع أطفال النطف المهربة في قضيتين، هما منعهم من زيارة آبائهم في السجون، وحرمانهم من الوثائق الثبوتية إن كانوا من القدس.
وتلفت الخطيب إلى ارتفاع تكلفة عمليات التلقيح الصناعي والأدوية اللازمة لنجاحها ولتثبيت الحمل، وأن بعض المراكز الطبية تتحمل جزءًا من هذه التكلفة، لذا توصي بأن يتم التنسيق بين وزارة الصحة والجهات المختصة لضمان توفير كل احتياجات زوجة الأسير في سعيها للإنجاب عبر النطف المهربة.
"هو" صاحب الفكرة
دراسة أخرى نأخذ شيئًا منها لندخل أكثر إلى عالم آباء وأمهات سفراء الحرية، وهي "الأبعاد الاجتماعية والقانونية لإنجاب زوجات الأسرى عبر تهريب النطف: دراسة حالة شمال الضفة الغربية"، للباحثة وسيلة طعمة، وقد قدمتها للحصول على درجة الماجستير في جامعة النجاح، عام 2019.
تتطرق الباحثة طعمة في دراستها إلى الجانب النفسي، وذلك بتناول النظريات الاجتماعية والنفسية المُعَلِّلَة لإنجاب زوجات الأسرى عبر النطف المهربة، إذ وقفت على عدة نظريات لتحليل القضية، فوصلت إلى أن "النظريات الاجتماعية والنفسية جميعها تتكامل معًا، وتعزز موضوع الدراسة لما له من جوانب اجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية إيجابية تعود على النسق الاجتماعي العائلي بالنفع والفائدة، وبدورها تزيد من تكامل الأدوار والتفاعل مع النسق الاجتماعي الكلي المنتظم. وتدعم زوجات الأسرى في حقها الأساسي، ألا وهو الإنجاب وتحقيق دور الأمومة والأبوة لدى الأسير وزوجته، وتخفف من حدة المشكلات الاجتماعية والنفسية التي من الممكن أن تتعرض لها زوجة الأسير لكونها الشريك الأساسي في العملية، وأكثر الأطراف تحديًا".
وبحسب الدراسة فإن "64% من حالات الإنجاب عبر النطف المهربة وفقًا لعينة الدراسة تعود للزوج الأسير؛ بمعنى أن الزوج هو صاحب الفكرة، والراغب بها، والحاثَّ عليها، وبموافقة الزوجة، ومعاونة أهل الزوج والزوجة والأقارب، واستشارة طبية ودينية". وتعود الدراسة لبداية الفكرة، إذ تبين أنها بدأت من الأسير عباس السيد الذي كانت له عينة مجمدة في مركز طبي عام 1997 بغرض العلاج، قبل اعتقاله والحكم عليه بخمسة وثلاثين مؤبدا و100 سنة، وبعدما استفتى زوجته وأخوه مفتي طولكرم، تمت العملية لكنها لم تتكلل بالنجاح.
وبعد نجاح الفكرة وتكرارها، فإن الإقبال عليها تغير من وقت لآخر، فبحسب الدراسة: "هذه العملية تتبع الحقب الزمنية، فإذا كان هناك أمل في الإفراج القريب عن الأسرى في صفقة من صفقات تبادل قادمة يقل انتشارها والعمل بها".
وتثبت الدراسة أن عدة عوامل ساهمت في نجاح الفكرة، وهي "الفتوى الدينية باعتبارها حماية للأسير وزوجته والمجتمع، والمراكز الطبية التي تكفلت بالعملية مجانًا تعاونًا وخدمة لزوجات الأسرى، والدعم السياسي والاتفاق الفصائلي؛ فقد رحبت الفصائل جميعها بالعملية، بالتعاون مع الإعلام ووسائله، ومرونة القوانين الفلسطينية بتسجيل الأطفال، وإصدار شهادة ميلاد، ورقم هوية شخصية ومن الجانب الإسرائيلي أيضًا". والتقت الباحثة بزوجات أسرى محكومين بالسجن المؤبد مدى الحياة، وننقل لكم جزءًا من نتائج لقاءاتها والاستبيان الذي وزعته عليهن.
أظهر الاستبيان أن 32% من الزوجات أجرين زارعة نطفة مهربة من أزواجهن المعتقلين، و19% منهن يرغبن بخوض التجربة، وتبيّن أن 7% منهن يعانين من مرض يعيق الإنجاب، و10% لا علم لهن بمدى سلامتهن جسديا، بينما البقية ليس أمامهن معيقات صحية. تقول الباحثة إن الدراسة أظهرت أن "الزوجة تشعر بكيانها الأنثوي، وتحقق ذاتها وتفتخر بالأمومة وبالطفل القادم بعد الزراعة عبر النطف المهربة، وأنها ترغب في الأمان والأمل، وأنها العملية ساعدتها في التمكن من ذاتها وتعزيز دورها ومكانتها مجتمعيًا وشعورها بالتحدي والقوة".
وتضيف في دراستها أن الاستبيان يُظهر صعوبة تفهم المجتمع لحال المرأة المُنجبة عبر النطف المهربة، وأنَّها ما تزال مقيدة بعادات وتقاليد مجتمعية، بسبب وجهة نظر المجتمع، وسيطرة عاداته وتقاليده، مع وجود قلق وتوتر طيلة فترة الحمل، وقد لا تشعر بتقدير المجتمع واحترامه لها، وتتعرض للنقد في كثير من الأحيان، متابعة: "وفي الجهة المقابلة فإنَّ المجتمع يحتفي بالطفل المنجب عبر النطف المهربة".
من النتائج التي كشفت عنها الدراسة أيضًا فيما يتعلق بدوافع قبول زوجات الأسرى الإنجاب عبر النطف المهربة، أن الدافع الأول وراء رغبتهن في الشعور بالأمان والاستقرار، وعاطفة الأمومة، وثانيًا الخوف من تقدمهن في العمر بينما أزوجاهن مُعتقلون، والدافع الثالث هو زيادة المحبة والصلة وتكوين الأسرة، ويليه ضغط الزوج أهله، ثم الرغبة في وجود طفل ذكر، مع مجموعة أخرى من الدوافع.
السؤال عن الدوافع كشف للباحثة أن من الموانع التي تمنع زوجة الأسير من الإقدام على خوض التجربة، الخوف والقلق من نظرة المجتمع وردة فعله تجاه الطفل، والخوف من عناء تحمل مسؤولية الطفل وحدها، والخوف من الاحتلال على الطفل المُنجب. ومن استنتاجات الباحثة، فإنَّ "بعض الزوجات يرغبن في الإنجاب عبر النطف المهربة، لكن طريقة خروج العينة هي التي تقلل من إقبالهن، لخوفهن من المجتمع، حيث يفضلن خروجها بطريقة علنية وبإشراف الصليب الأحمر".
تأثير إيجابي بنسبة 100%
ووفقًا لنتائج المقابلات الشخصية لزوجات الأسرى اللواتي أنجبن عبر زراعة النطف المهربة، توضح الباحثة أن "الإنجاب أثر في حياة هؤلاء السيدات بشكل إيجابي، فجعلها أكثر أمنًا واستقرارً"، حيث ظهر أن 36% منهن كانت حياتهن مستقرة قبل الإنجاب، وارتفعت هذه النسبة لتبلغ 84% بعده.
ومن بين النتائج المختلفة التي توصلت إليها الدراسة، ثمة أمرين أجمعت عليهن أمهات أطفال النطف اللواتي قابلتهن الباحثة، فهن بنسبة 100% قُلن إن " مشاعرهن كانت ممزوجة بالفرح والحزن والخوف والقلق لحظة الإنجاب"، وكذلك فإنهن جميعًا يشجعنَ زوجات الأسرى الأخريات خوض التجربة.
وتتناول الدراسة أحوال الفتيات البكر المعقود قرانهن على أسرى قبل اعتقالهم، هؤلاء أثبتت الدّراسة أنه يحق لهنّ الإنجاب عبر تهريب النطف الجائز شرعًا، ولكن التحفظ على الأمر يعود للعادات والتقاليد، وذلك من باب سد الذرائع، والخوف من الاتهامات التي تطال المرأة.
وبحسب الدراسة، "توجد ثغرات في التنسيق بين المؤسسات الدينية والمراكز الطبية، وهما عاملان حاسمان في نجاح الفكرة، من حيث ضرورة المشاركة الفاعلة بخصوص الحالات العملية المختلفة التي قد تصادف المؤسسات الطبية مثل حالات الزوجة غير المدخول بها، أو زوجة الأسير المخطوبة، وكذلك استخدام العينة لمرة واحدة وإتلافها بعد ولادة طفل سليم وعدم استخدامها لأكثر من مرة".
ومما يتعلق أيضا بالجانب الديني، استنتجت الباحثة خلال مقابلة زوجات الأسرى استخدام العينة أكثر من مرة في عملية الإنجاب، رغم تعارض ذلك مع الفتوى. وتبين الدراسة أن 79% من عينة الدراسة أجرين العملية وفقًا للفتوى العامة، والنسبة المتبقية، توجهن إلى المفتي، واستشرنه بصفة شخصية.