انتخابات هيئة المكاتب والشركات الهندسية.. نقابة المهندسين مرة أخرى
تتبع هيئة المكاتب والشركات الهندسية نقابةَ المهندسين، وتضم في عضويتها المكاتب المسجلة في الهيئة، والمسدِدة للاشتراكات السنوية والتي يسري مفعول تصنيفها، والمسموح لها بمزاولة مهنة الهندسة بموجب أحكام يقرها النظام. وتُنتخب الهيئة دوريًا كل ثلاث سنوات، حيث تقوم بأعمالها بموجب صلاحيات مجلس النقابة.
يُشترط في أعضاء الهيئة أن يكونوا متفرغين كليًا وحصرًا للعمل الهندسي الاستشاري، وتتكون الهيئة من 11 عضوًا، وتتركز مهامها على تطوير مهنة الهندسة وتحسين أجوائها وتعزيز مكتسبات العاملين فيها، كما يُعطى كل مكتب في انتخابات الهيئة عدد أصوات مكافئًا لعدد التخصصات التي يُسجّل بها المكتب.
مع كل انتخابات هيئة مكاتب فإن عدد المكاتب التي يحق لها المشاركة في الانتخابات تزداد؛ ففي دورة (2016-2019) كان عدد المكاتب التي يحق لها الاقتراع 601، بينما في دورة (2019-2022) وصل عدد المكاتب صاحبة حق المشاركة 990 مكتبًا، وفي دورة (2022-2025) سُجل 1200 مكتب هندسي يحق له الاقتراع.
وإذا استثنينا دورة (2019-2022) لغياب المنافسة، فإن نسبة مشاركة المكاتب الهندسية في دورة (2016-2019) أعلى من نسبة المشاركة في الدورة الأخيرة (2022-2025)، حيث كانت نسبة مشاركة المكاتب الهندسية في 2016 نحو 76% (456 مكتب من أصل 601)، بينما في 2022 وصلت النسبة 60% (725 من أصل 1200)، أي بنسبة تراجع بلغت 15% كما يُظهر الشكل الآتي:
قد يكون لتراجع المشاركة أسباب وجيهة منها وجود دورة سابقة بلا منافس، ورغبة قطاع عريض بعدم تغيير الوضع القائم، أي الحفاظ على المكتسبات الراهنة، وقد يكون إشارةً إلى يأس وعزوف. وبشكل عام فإن محاولة فهم التغيير يلزم معه وجود دورة قادمة تشهد تنافسًا أو تغيرًا في القانون الانتخابي، أو حصول طفرة ما على العمل الهندسي، أو ربما في -أضعف الاحتمالات- تحرر النقابة من تسلط الجهات الخارجية أو المصالح الفئوية.
انتهت انتخابات الهيئة لدورة (2022-2025) في كانون أول 2022، حيث تنافست قائمتان: الأولى تابعة لحركة فتح، والثانية قائمة تحالفية. حصلت حركة فتح على 9 مقاعد من أصل 11 بما فيها الرئيس ونائبه والاستشاريون الأربعة، فيما حصلت القائمة المنافسة على مقعدين. وبالنظر إلى النتائج حسب المحافظات فإن جنين ورام الله أظهرتا أفضل نتائج لقائمة التحالف، مع فوارق طفيفة في نابلس والخليل، بينما شهدت المحافظات الأخرى نتائج مخيبة للتحالف. ولعل لنسبة التراجع في المشاركة أثرًا على طبيعة النتائج. ورغم أن خوض انتخابات الدورة الأخيرة جاء في ظروف إشكالية خلقتها هيئة دورة (2019-2022)، إلا أنه جرى الحدّ من أثرها، ومحاولة الالتفاف عليها، فلم تخدم قائمة التحالف، خاصةً أن ممارسات دورة 2019 جاءت في سياق يخدم محاولات تقويض النقابة من الداخل، وتفريغ إنجازات مجلس النقابة والنيل من شخص النقيبة. وربما هذا إشارة أخرى لسلبية دور وجود هيئات موازية للنقابة كالمكاتب الحركية لحزب السلطة.
علمًا أن هذه النتيجة هي عكس نتائج دورة (2016-2019) والتي حصلت فيها قائمة التحالف على 9 مقاعد من 11، وحصلت فتح فيها على مقعدين.
بشكل عام لا تحظى انتخابات هيئة المكاتب الهندسية بتغطية واسعة كما تحظى بها انتخابات مجلس النقابة ولجان الفروع، لأسباب منها ما هو مرتبط بالمهندسين، فعدد كبير من حملة شهادة الهندسة لا يعملون في مكاتب هندسية، ومنهم من لا يعمل حصرًا في الهندسة، بالإضافة إلى وجود مكاتب هندسية لا تشارك في انتخابات الهيئة بسبب التصنيف، إضافةً إلى وجود قطاع عريض يعمل في الوظيفة العمومية، وعدد من وظائف القطاعين العام والخاص الصناعي والأكاديمي والتجاري، إلى جانب نسبة أخرى -لا تقل أهمية- مغتربةٍ عن البلاد، ووجودِ عدد كبير من المهندسين غير المسجلين في النقابة، إلى جانب عددٍ من المهندسين المسجلين غير المسددين لاشتراكاتهم السنوية.
السبب الثاني لضعف تغطية انتخابات المكاتب مرتبط بوجود المنافسة من عدمها، وفي الغالب فإن انتخابات هيئة المكاتب تمر بلا منافسة، كدورة 2019 والتي فاز مرشحوها بالتزكية، وهي نتيجة مختلفة تمامًا عن دورة 2016 والتي فازت فيها القائمة المنافسة للحزب الحاكم (قائمة تحالف) بأغلبية المقاعد، خلافًا لنتيجة 2022.
السبب الثالث مرتبط بانكشاف نظام الانتخابات، وانكشاف أصوات الناخبين، حيث يجري الاقتراع وفقًا لكل مكتب، وكل مكتب يتضمن عدد أصوات مَن يحق لهم الانتخاب لديه، بالتالي عند الفرز يتضح تمامًا توجه كل مكتب، وإلى مَن ذهبت أصواته، فإذا عدنا إلى أن البلد تحكمها التوجهات الحزبية، فمن ثمّ فإنّ أي صوت ليس لصالح النظام الحاكم أو "فتح" مثلًا سيكون معروفًا، وإذا علمنا أن المصالح تدار وفقًا لمكافآت على التصويت، وأن الخوف من تعطل المصالح الشخصية يفرض نفسه؛ فإن الحاصل هو غياب المنافسة بالتغييب غير المباشر، أو بسياسات المصالح، حتى لو قرر المهندس عدم التصويت أو المشاركة فسيُفهم في سياق المعارضة.
وُضعت إشكالية نظام الانتخابات المكشوف على الطاولة للتغيير، ولكن مهندسي فتح ومكاتبها الحركية عطلوا تغيير النظام، ولعل هذا النظام لا يخلق مشكلةً لو كان الانتخاب لا يجري على أساس فئوي حزبي فاضح، أي لو كان فعلًا على أساس الخبرة والمهنية والعلم بعيدًا عن لغة "الخاوة" السياسية، علمًا أن هناك إجراءً إضافيًا معتمدًا في مركز عمان لضمان الشفافية وسرية التصويت غير معمول به في فرع القدس.
هيئة المكاتب والشركات الهندسية تخدم قطاعًا مهنيًا واقتصاديًا محددًا، لكن التدخلات السياسية لحزب السلطة أدت إلى شَلله، وهذا ينسحب على كافة النقابات الأخرى المشابهة، فقد ظهر حرص حركة فتح المبالغ فيه على الهيمنة عليها، وهو ما أدّى إلى نتائج كارثية تسهم في إضعاف العمل النقابي في كافة الميادين، وحتى تلك النقابات الصغيرة لم تسلم من هذه النزعة السلطوية المعطِلة والتي لا تبصر إلا مصالح الهيمنة والإقصاء على حساب المهن والمهنيين.