ببليوغرافيا فلسطين.. النصوص الأولى (2)

ببليوغرافيا فلسطين.. النصوص الأولى (2)
تحميل المادة

تقديم..

يُقدّم هذا الجزء، من مشروع إطار لعرض ما كتب عن القضية الفلسطينية في مراحلها كلّها، وفي كلّ ما يتصل بها، سبعة كتب أخرى، تعدّ من النصوص الأولى، كُتبت ستة منها في عامي 1936 و1937، في مواكبة للثورة الفلسطينية الكبرى، بينما يقدّم كتاب "الصهيونية: ملخص تاريخها- غايتها وامتدادها حتى سنة 1905"، لـ نجيب نصار، والصادر في حيفا، سنة 1911، صورة عن الوعي الفلسطيني المبكّر بالمشروع الصهيوني، وتعرض بقية الكتب صورة واسعة، من حيث الشكل والمضمون، للقضية الفلسطينية في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو ما يساعد على تصوّر النشاط الفكري والثقافي والسياسي في تلك المرحلة، وأنماط النضال المتعددة، بما في ذلك التفاعل العربي، فقد جاء كتاب "الانتداب الفلسطيني: باطل ومحال"، لـ وديع البستاني، المحامي اللبناني، والصادر في بيروت، ليكون مراجعة قانونية للانتداب البريطاني على فلسطين، وأما كتاب "تفصيل ظلامة فلسطين.. حقاق – أرقام – تقارير – وثائق هامة" لـ حسن صدقي الدجاني، والصادر في القدس، والذي كُتب أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى، فإنّه عرض لنضالات الشعب الفلسطيني منذ بدايات الانتداب وحتى الثورة، في حين تناول كتاب "ثورة فلسطين الكبرى" لـ محمد لبادة النابلسي، والصادر في دمشق، المرحلة الأولى من أحداث الثورة الكبرى، مع التركيز على دور بعض المتطوعين العرب فيها، وذلك بينما كان كتاب "قضية عرب فلسطين"، لـ توفيق كنعان، نصًّا بالإنجليزية موجّهًا للرأي العامي البريطاني، نقله إلى العربية موسى سالم سلامة وصدر في القدس، وأمّا كتاب "ثورة فلسطين عام 1936، الجزء الأول"، والصادر عن جريدة الجامعة الإسلامية بيافا، فبالإضافة إلى عرضه لمراحل النضال الفلسطيني أثناء الانتداب البريطاني، والتحليل السياسي لسياسات الانتداب، مع التركيز على الثورة الكبرى وإرهاصاتها، كان صورةً من أنماط الاشتغال الصحفي في مواكبة هذا النضال ودعمه، كما كتاب "فلسطين الدامية.. سجل خالد تصدره جريدة الجزيرة عن الحركة الوطنية العربية في فلسطين وتطوراتها.." الذي أصدرته جريدة الجزيرة، وطبع في دمشق، فقد تضمن عددًا من المقالات لكتاب عرب وفلسطينيين، بالإضافة إلى قصائد شعرية، وتقارير دولية ومحلية، وصور فوتوغرافية.

التحرير


 

 

عنوان الكتاب: الصهيونية.. ملخص تاريخها- غايتها وامتدادها حتى سنة 1905 وبعض مطالعاتنا فيها

تأليف: نجيب نصار

اللغة: العربية

الناشر: مطبعة الكرمل

مكان النشر: حيفا

سنة النشر: 1911

عدد الصفحات: 64

 

 

غاية الكتاب

هذا الكتاب من أوائل النصوص العربية حول الحركة الصهيونية، وتعود فكرته إلى صدمة المؤلف من ردة الفعل العثمانية الرسمية الباهتة على نشاطات الحركة الصهيونية، وشعوره بضرورة تنبيه العثمانيين لخطر هذه الحركة ومخططاتها، وتعريفهم بالغاية السياسية للحركة الصهيونية، وأن مشروعها ليس له علاقة بالسعي إلى إيجاد "ملجأ مؤمن بعدالة الدولة الدستورية العثمانية لإخوانهم المضطهدين"، خصوصًا وأنها تستطيع إيجاد ملاجئ "تحت حكومات أخرى أعرق منا بالدستورية لو لم تكن غايتهم سياسية"، وتأكيده على أن ما ينفع العثمانيين في هذه المرحلة ليس التعاون مع الحركة الصهيونية، وإنما نشر الأمن والعمل بقواعد المساواة وتطوير التعليم، وتطوير مشاريع البنية التحتية والاقتصادية.

حوى الكتاب أحد عشر عنوانًا فرعيًّا، كتبها نجيب نصار مستعينًا بالمصادر الصهيونية والأوروبية خصوصًا الموسوعتين اليهودية والبريطانية، أمَّا مضمونها فنوضحها وفق الآتي: 

جذور الفكرة الصهيونية

رأى الكاتب أن جذور الفكرة الصهيونية تعود إلى تبني كُتاب غربيين فكرة توطين اليهود في فلسطين منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، منهم المؤرخ اليهودي سلفادور الذي افترض عام 1830، بأنَّ  مؤتمرًا أوروبيًّا يمكن أن يعيد اليهود إلى فلسطين، وهولنكسورث الإنجليزي الذي حضَّ عام 1852على إقامة حكومة يهودية في فلسطين لحماية طريق الهند البرية، وفرنكل الذي دعا عام 1868 إلى إنشاء حكومة يهودية في فلسطين عن طريق شراء فلسطين من تركيا، وقد عضد ذلك ما شاع بين بعض اليهود من أفكار جديدة من قبيل أن "الأمة العبرية مسيح نفسها" ومن واجبها " افتداء نفسها بنفسها" و "من العبث انتظار مجيء شخص واحد يفتديها".

رأى الكاتب أن هذه الكتابات ساهمت في تأسيس جمعيات في روسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لتحقيق هذه الفكرة، وأخذت تتأسس بعض المستعمرات اليهودية في فلسطين، حيث تأسست أول مستعمرة عام 1874، وفي الوقت نفسه تضافر عاملان رئيسيان في الدفع لإنشاء الحركة الصهيونية وهما: ظهور القومية، وانتشار معادة اليهود في أوروبا أو "الأنتيسمتزم".

 منح الكاتب مساحةً جيدةً داخل الكتاب للحديث عن شخصية هرتزل ومساهماته المركزية في المشروع الصهيوني، فأشار في البداية إلى إصداره كتاب "اليودنستات Yudenstaat الوطن اليهودي"، ونقل عن المصادر اليهودية بأن هرتزل ألَّفه لنفسه، وقصد أن يطلع القليل من أصدقائه عليه، ولم يكن يقصد منه إحداث حركة فعلية، لكن الكتاب انتشر بشكل كبير في أوروبا، وطُبع عدة طبعات وترجم لأكثر من لغة بعد طبعته الأولى في فيينا عام 1896، واعتبر الكاتب أن الجهد الأساسي لهرتزل انصب على  تحويل فكرة توطين اليهود في فلسطين من مسألة خيرية وزراعية إلى مسألة اقتصادية سياسية، وقد لاقت أفكار هرتزل معارضةً شديدةً في البداية خصوصًا من الأوساط الدينية اليهودية، في الوقت الذي استقبلها العالم المسحي الغربي بالترحاب، لكن نشاط الحركة الصهيونية أخذ بالاتساع، وعقدت عدة مؤتمرات، وتضاعف عدد منتسبيها حتى بلغ عام 1899 أي بعد عامين من انعقاد مؤتمرها الأول حوالي 250 ألفًا، كما أن هرتزل أوْلى اعتبارًا كبيرًا للبعد الدولي، وتواصل مع أكثر من دولة منها روسيا التي أعربت على لسان وزير داخليتها، عن دعمها للهجرة اليهودية وللمفاوضات الجارية بين الصهاينة والعثمانيين.

نشاط الحركة الصهيونية في فلسطين والتفاعلات داخلها

تحدث الكتاب عن النشاط المالي والمؤسسي الذي رعاه الصهاينة في فلسطين، حيث أنشؤوا بنوكًا مثل  البنك اليهودي الاستعماري عام 1905، وبنوا مدارس في التجمعات الصهيونية، وكان لهم نشاط ثقافي وإعلامي ورياضي، وتناول التيارات المختلفة داخل الصهيونية ومواقفها مثل فرقة الحكومة (جماعة هرتزل)، وفرقة الوسط أو المزراحية (المتدينون  الأرثوذكس)، وجماعة البوال زيون أو الحزب الديمقراطي (اليسار الصهيوني)، والزيون زيونست Zion zionist (موافقين على خيار شرق أفريقيا)، وفرقة التريتورياليين territorialist  (منفتحين على أي خيار غير فلسطين).

العثمانيون والمشروع الصهيوني

أشار نصار إلى مرونة العثمانيين في التعاطي مع المشروع الصهيوني، رغم إقراره بالمعيقات التي وضعها الباب العالي أمام الهجرة اليهودية إلى فلسطين، فقد نقل عن الموسوعة اليهودية قولها إن العثمانيين عرضوا على هرتزل عام 1896 منح امتياز فلسطين لليهود بشرط أن يستعملوا نفوذهم لإيقاف الحركة الناشئة عن المذابح الأرمنية، فلم يقبل ذلك، كما أنَّهم كانوا قاب قوسين أو أدنى لقبول عرض هرتزل بشراء فلسطين، عندما قابل هرتزل السلطان عام 1901، لكن الأول لم يتمكن من توفير المال اللازم، وكان العثمانيون عرضوا أماكن أخرى داخل الدولة العثمانية للاستيطان اليهودي لكن اليهود رفضوا.

 

 

 

 

 

عنوان الكتاب: الانتداب الفلسطيني باطل ومحال 

تأليف: وديع البستاني

اللغة: العربية

الناشر: مطبعة الأمريكانية

مكان النشر: بيروت

سنة النشر: 1936

عدد الصفحات: 208

 

وصف الكتاب والهدف من تأليفه

هذا الكتاب عبارة عن دراسة قانونية سياسية هدفت لإثبات بطلان الانتداب على فلسطين قانونيًّا واستحالة تطبيقه عمليًّا، وقد أعدَّه وديع البستاني، وهو محامٍ لبناني الأصل كان ممثلًا للعرب في اتفاق الأراضي المدورة مع حكومة فلسطين، وعضوًا في الوفد الفلسطيني المفاوض في لندن عام 1923، والكتاب في أصله مذكرة رفعها البستاني للمندوب السامي في حزيران/ يونيو عام 1936، وحصلت اللجنة العربية العليا على نسخة منه في آب/ أغسطس من العام ذاته، وقررت طباعة أربعة آلاف نسخة بالإنجليزية وثلاثة آلاف نسخة بالعربية في إطار جهدها للتعريف بالقضية الفلسطينية عربيًّا وعالميًّا. حوى الكتاب على مقدمة، وفهرس بالوقائع، وفهرس بالحجج والوثائق، كما ضم في متنه عشرة مباحث، وثمانية ملاحق، وقد صدر بعد اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى.

اعتمد الكتاب على نصوصٍ من اتفاقيات دولية صيغت في النصف الأول من القرن العشرين، ونظَّمت الأوضاع السياسية والقانونية في منطقتنا مثل مراسلات السير مكماهون مع الشريف حسين (1916)، ووعد بلفور (1917)، ومعاهدة سيفر (1920)، ونصوص الانتداب على سوريا والعراق وفلسطين والأردن (1922)، واتفاقية لوزان (1923)، ومقررات لجان التحقيق الخاصة بفلسطين، وتقرير اللجنة البرلمانية البريطانية (1929)، وتقرير السير هوب سمبسون (1930)، كما اعتمد أيضًا على بعض المصادر والمراجع الأخرى.

افترض الكاتب بأن الانتداب في فلسطين ينبع من نفس أساس الانتداب في سوريا والعراق ولبنان وهي انتدابات قائمة على الفقرة الرابعة من المادة 22 من عهد عصبة الأمم، وجعْل وعد بلفور في صلب نص انتداب فلسطين يعد تناقضًا معها خصوصًا وأن الوعد يعطي لليهود حقوقًا سياسية في فلسطين ويعترف بصلةٍ تاريخية لهم فيها، ويطمس الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني الذي كان يجب أن يُعترف به بوصفه "أمة مستقلة"، كما اعتُرف بالشعب العراقي والشعب السوري والشعب اللبناني، والتناقض أيضًا في سلوك بريطانيا الذي تجاوز مضامين النصوص والمعاهدات التي وقعت عليها مع العرب.

مباحث الكتاب

أكد المبحث الأول على بطلان الانتداب على فلسطين لتضمينه وعد بلفور، وتعارضه مع المادة 16 من معاهدة لوزان، والفقرة الرابعة من المادة 22 من عهد عصبة الأمم، وطالب بإجراء تعديلات على نص الانتداب على فلسطين، خصوصًا وأن التعديل جائز قانونيًّا، وأثبت المبحث الثاني أن فلسطين كانت جزءًا من العهود البريطانية للعرب، مستندًا إلى نص للمستر ج. م. ن. جفريس بعنوان "خدعة فلسطين"، وعقد المبحث الثالث مقارنة بين نصي الانتداب الفلسطيني والانتداب على العراق، وتحدث عن التغييرات التي أحدثت على نص الانتداب على فلسطين، وعدّ المبحث الرابع فكرة الوطن القومي اليهودي ما هي إلا أداة لتحقيق الحكومة اليهودية في فلسطين، ويعضد هذا القول المسيرة التاريخية الطويلة للأطماع اليهودية- الصهيونية في فلسطين وارتباطها بالمشاريع الاستعمارية للقوى الدولية الكبرى، وبرهن المبحث الخامس على أن نص الانتداب الفلسطيني "هجينٌ من الصنفين الأوسط والأدنى باء وجيم" من أصناف الانتداب، وليس من الصنف الأعلى كما قضت الفقرة الرابعة من المادة 22 من عهد عصبة الأمم، وأكد المبحث السادس على فشل بريطانيا بالقيام بالتزاماتها الانتدابية، خصوصًا وأنها التزامات متناقضة وخارجة "عن حيز الإمكان الفعلي"، وقد رجع الكاتب في ذلك إلى ما ورد في تقرير اللجنة البرلمانية عن الاضطرابات الفلسطينية التي وقعت في آب/ أغسطس 1929 والكتاب الأبيض لعام 1930، وقدَّم هذا المبحث أيضًا قراءة في وعد بلفور وتناقضه مع صك الانتداب، وطرح  المبحث السابع رأي لجنة الانتدابات الدائمة والقاضية بأن الانتداب على فلسطين يحوي "تعقيدًا وتناقضًا في المصالح والحقوق"، خصوصًا وأنه يحوي "واجبًا مزدوجًا" أي واجبي "ترويج إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي، وإدارة فلسطين وفقًا لمصالح السكان"، وأشار المبحث الثامن إلى أن التعقيد والتناقض "خارج عن حد الطوق والإمكان"، مستدلًا على ذلك من تقرير السير هوب سمبسون الذي حوى تفاصيل مهمة عن قضايا الهجرة والأراضي والعمران، ورأى في المبحث التاسع أن النتيجة النهائية للانتداب تفيد بأن الالتزامين في نص الانتداب على فلسطين "ليسا مصوغين صيغة التوازن والتكافؤ" و"غير ممكن تطبيقهما معًا، وغير ممكن التوفيق بينهما"، وطالب بإلغاء الانتداب أو تعديله تعديلًا أساسيًّا بما يحقق إزالة التعقيد، ويضعه في إطار الإمكان، وأكد المبحث العاشر على أن مرد عدم قانونية الانتداب على فلسطين وتعقيده وعدم قابليته للتطبيق يعود إلى ما عُرف بسياسة وعد بلفور التي انتهجتها بريطانيا في فلسطين وهي سياسة في أصلها غير قانونية وتحوي تعقيدات كثيرة وغير قابلة للتطبيق، كما راجع هذا المبحث المراحل التي مرت بها كتابة الصيغة النهائية لوعد بلفور، وناقش فقرات النص، وتداعياته.

 

  

 

 

عنوان الكتاب: تفصيل ظلامة فلسطين.. حقاق – أرقام – تقارير – وثائق هامة

تأليف: حسن صدقي الدجاني

اللغة: العربية

الناشر: المطبعة التجارية

مكان النشر: القدس

سنة النشر: 1936

عدد الصفحات: 112

 

 

مقدمَّة

هذا الكتاب نتاج تفاعل الكاتب مع أحداث الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1936، وهو نصٌ سياسي- تاريخي شرع كاتبه بإعداده بعد بدء الإضراب الكبير في نيسان/ إبريل عام 1936، وانتهى منه في 12 تشرين أول/ أكتوبر عام 1936، ويبدو أن جزءًا كبيرًا من الكتاب، وربما كله، أعدَّه صاحبه أثناء وجوده في معتقل صرفند عام 1936.

حول بدايات مسيرة النضال الوطني

راجع الكتاب مسيرة النضال الوطني ضد وعد بلفور وسياسات بريطانيا في فلسطين وما واكبها من تفاعلات سياسية ومؤسساتية داخلية وخارجية، ولفت نظر القارئ في البداية إلى أن الشعب الفلسطيني لم يعرف بوعد بلفور بشكل رسمي إلا بعد وصول اللجنة الصهيونية إلى فلسطين في نيسان/ إبريل عام 1918، وأنَّه لم يتأخر في الشروع في مقاومة الوعد والسياسات البريطانية الظالمة، حيث قام بتأسيس الجمعيات الإسلامية المسيحية، عادًّا إياها واجهته السياسية، وقد صدَّرت هذه الجمعيات برنامجًا سياسيًا قوامه الانضمام إلى سوريا، كما جاء في مؤتمر في يافا عام 1919، وهو المطلب نفسه الذي قُدّم للجنة الأمريكية في العام ذاته.

وشرع الشعب الفلسطيني، وفق الكاتب، بالتعبير ميدانيًّا عن طموحاته الوطنية، فاندلعت أحداث ثورة يافا عام 1921، وبدأت مسيرة من النضال السياسي كان من أبرز مظاهرها عقد المؤتمرات العامة، والتي بدأت بالمؤتمر الأول في دمشق (المؤتمر السوري العام) عام 1919، ثم تبعها المؤتمر الثاني في دمشق عام 1920، ثم توالت المؤتمرات، كما تضمن النشاط السياسي إقامة اللجان المحلية وإرسال الوفود إلى لندن، ومفاوضة بريطانيا. وتلخصت مطالب عرب فلسطين في تلك المرحلة برفض وعد بلفور، والدعوة لتشكيل حكومة وطنية، ووقف الهجرة، وإصدار قانون يمنع بيع الأراضي.

بريطانيا والصهاينة وتطبيق سياسات وعد بلفور

أشار الكاتب إلى تصاعد الفعاليات الوطنية وصولًا إلى اندلاع عدة ثورات، ولفت النظر إلى ردة فعل بريطانيا السلبية طوال تلك الفترة، فقد رفضت مطالب عرب فلسطين، ولم ترع اهتمامًا لقرارات اللجان الملكية والدولية التي زارت فلسطين، وتماهت بشكل صريح مع أهداف الحركة الصهيونية.

واستعرض الكاتب أهم ما جاء في تقارير لجان التحقيق التي كانت ترسل إلى فلسطين إثر اندلاع الثورات منذ لجنة توماس هايكرافت التي شكِّلت في أعقاب أحداث يافا عام 1921، ولجنة والتر شو  التي جاءت إثر اندلاع ثورة البراق عام 1929، وغيرها من اللجان، وناقش مسألة الهجرة اليهودية إلى فلسطين بالتفصيل وبيَّن كيف أن المندوب السامي كان يقوم بتطبيق سياسة وعد بلفور خصوصًا فيما يتعلق بالسماح لمئات الآلاف من اليهود بالقدوم إلى فلسطين، بهدف جعل اليهود أكثريةً فيها، ووضع المؤلف جدولًا بأعداد المهاجرين في الهجرات الصهيونية بين عامي (1920-1935)، وجدولًا آخر بأعداد المهاجرين غير الشرعيين بين عامي (1926-1935)، وأكَّد على أن أهداف الصهاينة في فلسطين تتمثل في جعل اليهود أكثرية وبناء دولة اليهود.

وتحدث عن مسألة الأراضي، وأعطى تفصيلات حول طريقة تعامل الصهاينة مع الأراضي التي امتلكوها، والقوانين التي تعاملت معها بريطانيا بشأن الأراضي والفلاحين، وذكر بعض الأمثلة على المظالم التي جرت كما في وادي الحوارث ومرج بن عامر، واقتبس بعض التفاصيل بشأن الأراضي من تقرير جون هوب سمبسون 1930، والكتاب الأبيض عام 1930 الذي منحه مساحة أكبر من الاقتباسات لما فيه من اعترافات بالمظلومية العربية في فلسطين، خصوصًا في مسائل الهجرة والأراضي والحكم الذاتي.

بريطانيا أساس الشر

افترض الكاتب بأن تراجع بريطانيا عن الكتاب الأبيض الصادر عام 1930، دفع الفلسطينيين إلى تغيير سياساتهم تجاهها، وأخذوا يعتقدون بأن "النضال يجب أن يوجه في المقام الأول ضد الإنجليز لا ضدّ اليهود" (ص 95)، وقرَّروا في اجتماعهم في يافا عام 1933 عدم التعاون مع الإنجليز، وعدّهم "المسؤولين مباشرة عن نكبة العرب في فلسطين" (ص96)، وعلى إثر ذلك خرجت مظاهرة القدس في 13 تشرين الأول /أكتوبر عام 1933، ومظاهرة يافا بعد 14 يومًا، وتصاعدت الأمور حين جرى اكتشاف 500 برميل مليئة بالسلاح موجودة على متن سفينة راسية في ميناء يافا، وهي واحدة من عدة شحنات سلاح  مهرَّبة للصهاينة بهدف تعزيز قدراتهم العسكرية، وزاد الأزمة حدَّةً  فشل فكرة المجلس التشريعي التي طرحتها بريطانيا وعارضها الصهاينة بشدة، وقد أدت هذه الأحداث وغيرها إلى اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى في نيسان/ إبريل عام 1936، والتي ركَّز برنامجها السياسي، وفق الكاتب، على المطالبة بإلغاء صك الانتداب، وتأسيس حكومة وطنية، وعقد معاهدة صداقة مع بريطانيا.

ملاحظة ختامية

يلاحظ أن العرض الذي قدَّمه الدجاني لمراحل النضال الوطني وتفصيلاتها وصولًا لثورة عام 1936 تجاهل ثورة الشيخ عز الدين القسام وحادثة استشهاده في أحراش يعبد في 20 من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1935 وتأثيرها الكبير في التسريع في تصحيح مسار الحركة الوطنية بحيث تعدّ بريطانيا أساس الشر وتبنّيها خيار الكفاح المسلح في مواجهتها، ولعل هذا التجاهل، غير المنطقي، نابعٌ بالدرجة الأولى من رؤية سياسية تعارض الكفاح المسلح، وتسعى للبقاء في إطار الكفاح السلمي. 

 

 

عنوان الكتاب: ثورة فلسطين الكبرى 

تأليف: محمد لبادة النابلسي

اللغة: العربية

الناشر: مطبعة الفيحاء

مكان النشر: دمشق

سنة النشر: 1936

عدد الصفحات: 96

 

 

كُتب هذا النص في المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، ويبدو أن كاتبه كان من المشاركين فيها، وعلى اطلاع ببعض مجرياتها. وقد حوى الكتاب بالإضافة إلى المتن سبع عشرة صورة لقادة الثورة وبعض كوادر الحركة الوطنية. 

استعرض المؤلف الأسباب التي أدت إلى اندلاعها، فذكر الهجرة اليهودية، واستحواذ اليهود على المراكز العليا في الحكومة، وشحنات الأسلحة التي جلبوها من بلجيكا، وقيامهم بأعمال قتل للعرب، وتصريحات اليهود العنصرية بحق عرب فلسطين.

أحداث الثورة

رأى المؤلف أن الثورة بدأت في 19 نيسان/ إبريل، وذكر أنَّه تلا اندلاعَها تشكيلُ اللجان القومية في المدن والبلدات الفلسطينية، وتشكيل اللجنة العربية العليا بوصفها ممثلةً لهذه اللجان، وتوافَقَ الفلسطينيون على برنامج سياسي للثورة يقوم على ثلاثة مطالب هي: منع الهجرة اليهودية، ووقف بيع الأراضي، وتشكيل حكومة وطنية، ثمَّ دخل الكفاح المسلح على خط المواجهة، وانتشرت المجموعات المسلحة في الجبال، وأخذت باستهداف المراكز العسكرية البريطانية.

وذكر المؤلف أن النخبة السياسية تبنَّت في مرحلة الثورة فكرةً مفادها أن الإنجليز هم سبب المشكلة في فلسطين، كما جاء في خطاب سليمان طوقان رئيس بلدية نابلس الذي ألقاه في الفارعة بحضور جمهور من عرب المساعيد، حيث أكَّد أن الإنجليز هم من نقضوا العهود مع العرب، وأتوا باليهود إلى فلسطين.

نماذج من المشاركة العربية في الثورة 

أفرد الكاتب صفحات من الكتاب للحديث عن فوزي القاوقجي القائد العام للثورة في مرحلتها الأولى، وقد كانت مليئةً بالصياغات الاحتفائية والتبجيلية، وأشار فيها إلى قصة انتقال القاوقجي من العراق إلى فلسطين، وخداعه لمدير الاستخبارات في العراق، ثم أعطى لمحة عن سيرته الذاتية، وتحدث عن أولى المعارك التي خاضها في فلسطين وهي معركة بلعا، وأثبت في المتن بعض صور استبسال الثورة أثناء المواجهة مع الجنود البريطانيين، ومشاهد من معارك جبع، وبيت امرين، وكفر سور، وعقبة زعترة، وتطويق كفر عبوش وقباطية، وذكر كذلك قصة خروج القاوقجي من فلسطين، واستقباله في شرق الأردن في معاقل الثوار السوريين في جبال عجلون "كفر أسد"، ومن صور اهتمام المؤلف المبالغ فيه بالقاوقجي ظهوره في أحد عشر صورة فوتوغرافية في الكتاب.

اهتم الكاتب بذكر بعض المتطوعين من العراق وسوريا، وعرض مشاهد من بلائهم في المعارك، وتحدَّث عن الشهيد القائد سعيد بك العاص وجهاده في فلسطين، وعن شيء من سيرته الذاتية قبل اندلاع ثورة عام 1936 خصوصًا تفاصيل مشاركته في الثورة السورية الكبرى، ومعاناته بعد توقفها.

ومن مستجدات الثورة التي ذكرها الكاتب ظهور محاكم الثورة، حيث اضطلع الثوار بحلَّ مشاكل الأهالي من خلال محكمة ثورية برئاسة القاوقجي وعضوية فخري بك عبد الهادي وحمد بك صعب ومحمد الأشمر وثلاثة من مجاهدي فلسطين، وكانت المحكمة أصدرت أوامر بإعدام عدد ممن اتهموا بالتجسس.

كيف قدَّم الكتاب ثوار ثورة عام 1936

قدَّم الكتاب صورة رومانسية للثوار، احتوت على بعض المبالغة، ومن ذلك سرده لطريقة انسحاب القاوقجي وفخري عبد الهادي من تطويق الإنجليز لهم في قباطية، حيث اهتدوا بنجم في السماء أضاء بشكل دائري ثم اتخذ شكلًا عموديًّا لجهة الشرق واعتقد القاوقجي أن هذا السهم يدل على المخرج، فاتجه نحو الشرق ونجا مع جنده، ومنها أيضًا تحليق طيور خضراء فوق الطائرات البريطانية أثناء إغارتها على الثوار في إحدى المعارك.

ملاحظات ختامية

حوى الكتاب بعض الإحصائيات حول خسائر القوات البريطانية وخسائر المجاهدين, كما نشر محتوى بعض البلاغات التي أصدرتها القيادة العامة للثورة، منها البلاغ رقم 12 المتعلق برفض طلب بريطانيا إنشاء مقرات عسكرية في القرى الفلسطينية بحجة التصدي للثوار، والثاني بلاغ 16 الذي أكد على الانسحاب بعد نداء الملوك العرب وطلب اللجنة العربية العليا بوقف الإضراب. لكنَّ من غرائب هذا الكتاب أنَّه لم يشر إلى دور القادة الميدانيين من الفلسطينيين من أصحاب الأداء المتميز في الثورة مثل أبو إبراهيم الكبير وعبد القادر الحسيني وحسن سلامة وغيرهم، واكتفى بذكر فخري عبد الهادي في بعض المشاهد، ونشر صورة للقائد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد.


 

 

عنوان الكتاب: قضية عرب فلسطين

تأليف: توفيق كنعان (بالإنجليزية)، ونقلها للعربية موسى سالم سلامة

اللغة: العربية

الناشر: المطبعة العصرية

مكان النشر: القدس

سنة النشر: 1936

عدد الصفحات: 48

 

 

هدف الكتاب

صدر هذا الكتاب إثر اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وهو في جوهره موجّه للرأي العام البريطاني، ومصادره بريطانية ويهودية وألمانية، وخالِ من "النظريات العربية القومية" وفق ما أكده الكاتب. حوى الكتاب اقتباسات كثيرة عن التقارير البريطانية التي أعدتها لجان التحقيق الملكية والدولية منذ ثورة عام 1920، وتصريحات لساسة بريطانيين وقادة في الحركة الصهيونية تتعلق بفلسطين وتطورات قضيتها.

السياسة البريطانية سبب البلاء في فلسطين

بدأ الكاتب بالتأكيد على أن الثورات العربية الخمس في فلسطين منذ ثورة عام 1920 حتى ثورة عام 1936 ما هي إلا بسبب السياسة المتبعة في فلسطين في ظل الاحتلال البريطاني، ثمّ استعرض وعود الإنجليز للعرب واليهود، بما فيها وعودهم للشريف حسين والتي تضمنت مملكةً للعرب تشمل فلسطين، ووعد بلفور.

وافترض الكاتب أن الإدارة البريطانية في فلسطين أخلَّت بالفقرة 4 من المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم والتي تتحدث عن الانتداب في فلسطين باعتباره من الدرجة (أ) أي أن فلسطين "أمة مستقلة" تقع تحت إرشاد ومساعدة دولة منتدبة، وأشار إلى أن بريطانيا حين طبقت الشق الأول من وعد بلفور أهملت الشق الثاني منه، وكانت لديها محاباة في تعاملها مع اليهود، ومن الأمثلة على ذلك إهمالها لقرارات اللجان والخبراء البريطانيين والدوليين لأنها تؤيد مطالب العرب، وإهمالها كل العرائض ورسائل الاحتجاج العربية في حين كانت مطالب اليهود توضع موضوع التنفيذ، كما أن القوانين الصادرة في فلسطين كانت مضرةً للعرب، مثل قانون الجنسية الذي حرم آلاف الفلسطينيين من العودة إلى فلسطين، والقوانين المتعلقة بالهجرة والتي سمحت بتدفق الهجرة اليهودية رغم أنَّها متجاوزة للطاقة الاستيعابية في فلسطين.

وأشار الكاتب إلى أنَّه بفعل هذه السياسة أصبحت حالة الفلاحين الفلسطينيين مزريةً، وهذا ما أكَّدته التقارير البريطانية الرسمية، إذ أن أكثر من 29% من الأسر العربية لا أراضي لها، وإذا كانت الأسرة تحتاج إلى 130 دونمًا لتحقق العيش الكريم، فإنه إذا قُسم الجاهز من الأرض على عدد الأسر العربية سيكون نصيب كل أسرة 90 دونمًا فقط.

تداعيات الاستيطان الصهيوني السلبية على الاقتصاد في فلسطين

أكد الكاتب أن الاستيطان الصهيوني في فلسطين وما تبعه من نشاطات اقتصادية لم يؤدّ إلى ترقية الاقتصاد، كما يظن البعض، وأن الصناعات اليهودية قائمة بفعل عوامل أخرى لا تتعلق بجودتها وقدرتها على المنافسة محليًّا وإقليميًّا، كما أن السياسة الاقتصادية التي يتبعها اليهود في فلسطين تقوم على استخدام العمال والمزارعين اليهود فقط، ومقاطعة العمل العربي، في وقتٍ تقوم فيه بريطانيا بإعطاء اليهود امتيازاتٍ اقتصاديةً تفوق العرب بكثير، وخلص في النهاية إلى أن العرب لن يستفيدوا من الهجرة الصهيونية.

حلَّل الكاتب طبيعة العلاقة بين العرب والإنجليز، وأشار إلى أن العرب التزموا بوعودهم للإنجليز، لكن السياسة الإنجليزية في فلسطين كانت مخيبة للآمال حتى أن نصارى فلسطين، أصبحوا لا يثقون بالسياسية البريطانية، وقد قال حول هذا النقطة: "ها نحن نصارى فلسطين الذين تثقَّف معظمنا في مدارس بريطانية، والذين يزيد تعلقنا بالشعب البريطاني، على تعلق سائر الفلسطينيين، والذين نُعجب بالعدالة البريطانية، والأخلاق البريطانية، والسياسة البريطانية، قد أصبحنا الآن أولئك الذين يمقتون السياسة البريطانية المنافية للمبادئ المسيحية أشد المقت!" (ص 35)

دافع الكاتب عن الثورة الفلسطينية الكبرى، وأكَّد بأنها ليست، كما أشاع البعض، ثورة أوقد نارها زعماء فلسطين من أفندية ومشايخ من أجل استعادة نفوذهم، وإنما قام بها عرب فلسطين متحدين للدفاع عن أنفسهم أمام المظالم التي لا تطاق، كما فصل في الموقف بين الشعب البريطاني والسياسة البريطانية في فلسطين، فقال في إحدى الفقرات: "نحن لا نمقت الشعب البريطاني، برغم الأحوال الدموية الحاضرة في فلسطين، ولكننا نبغض السياسة المفروضة عليهم والتي تقوم بها رؤوس الحراب حبًّا باليهود، ولم يكن عدم ثقتنا بالسياسة البريطانية ليخلق فينا ميلًا إلى دولة أخرى من دول أوروبا" (ص35-36)

ناقش الكاتب المشروع الصهيوني، وأوضح بالاستعانة بأقوال قادة الحركة الصهيونية، أن الهدف من المشروع الصهيوني، جعل فلسطين "دولةً يهوديةً، ذات شرطة يهودية وقوة عسكرية يهودية، وحظر العمل اليهودي على كل من ليس يهوديًّا، والاستيلاء أخيرًا على الأماكن المقدسة، ومَدّ تخوم المملكة اليهودية إلى شرقي الأردن والعراق" (ص 42)، وعرض مطالب العرب الفلسطينيين والتي تمثلت في وقف الهجرة اليهودية في فلسطين، وإقامة حكومة دستورية برلمانية، ومنع بيع الأراضي، وتحقيق ما جاء في تقرير السير سمبسون حول الفلاح الفلسطيني وضرورة امتلاكه 130 دونمًا ليستطيع العيش، وتنظيم الجنسية الفلسطينية وفق الأنظمة المتبعة في البنجاب وكينيا ومصر.


 

 

عنوان الكتاب: ثورة فلسطين عام 1936، الجزء الأول

تأليف: جريدة الجامعة الإسلامية

اللغة: العربية

الناشر: مطبعة الجامعة الإسلامية  

مكان النشر: يافا

سنة النشر: 1937

عدد الصفحات: 177

 

 

مقدِّمة

جاء إصدار هذا الكتاب في إطار نشاطات الفلسطينيين الإعلامية والسياسية الهادفة لنشر الوعي بالقضية الفلسطينية وتطوراتها، وقد زاد هذا النشاط توقدًا بعد اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى في نيسان/ إبريل عام 1936.

تتبّع الكتاب المسار السياسي للقضية الفلسطينية منذ تحالف الشريف حسين مع بريطانيا، وسلّط الضوء على الأحداث الميدانية، معتمدًا على عدد كبير من الوثائق المتعلقة بتطورات القضية الفلسطينية بما فيها بيانات الأحزاب والهيئات السياسية الفلسطينية والشخصيات الوطنية والمؤسسات، والبرقيات التي تراسلتها، وبيانات السلطات البريطانية، وقد حوى مجموعة من الصور لقادة الحركة الوطنية وكوادرها الميدانية، بالإضافة إلى صور للملوك العرب وغيرهم.

افتُتح الكتاب بالحديث عن الحركة الصهيونية وأغراضها، ومحاولاتها تحقيق حلمها بـجلب اليهود إلى فلسطين وتأسيس مملكة لهم فيها، وذكر أبرز دعاتها ومسانديها، وعرَّج على وعد بلفور وصك الانتداب، ثم تحدث عن بداية حراك أهل فلسطين من أجل توحيد الجهود لمواجهة السياسات البريطانية، حيث عقدوا تسع مؤتمرات بين عامي (1919-1933)، وأعلنوا الإضراب في 13 تشرين أول/ أكتوبر عام 1933، ونظَّموا مظاهرةً كبيرةً في القدس، وتناول الثورات التي وقعت في فلسطين قبل عام 1936، وذكر بعضًا من تفاصيلها خصوصًا ثورة القدس 1920، وثورة يافا 1921، وأحداث القدس 1924، وأحداث يافا عام 1924، وثورة البراق عام 1929، واستعرض فقرات من تقارير لجان التحقيق البريطانية.

إرهاصات ثورة عام 1936

أشار الكتاب إلى أهمية حادثة تهريب الصهاينة للسلاح في التسريع في اندلاع ثورة 1936، فقد اكتُشفت إحدى الشحنات في خريف عام 1935 وكانت عبارة عن 400 برميل مليئة بالسلاح، ولفت النظر إلى الدور الذي لعبه ظهور "عصبة القسام المجاهدة التي كان يقودها الشهيد الخالد الذكر الشيخ عز الدين القسام" (ص25)، في تحفيز "الهمم للجهاد في سبيل إنقاذ الوطن" (ص26)، حتى أصبح التعاون مع الإنجليز، بعد هذه الأحداث، يُعدُّ جريمةً وطنيةً، وأكَّد على أن طرح بريطانيا لفكرة المجلس التشريعي والنقاش الذي دار حولها خفَّف من حدّة التوتر في فلسطين، إلا أنَّه أدّى إلى إحداث حراك وطني، حيث صحب إعلان بريطانيا عنه، عقدَ عدد من الاجتماعات الوطنية في يافا في 11 نيسان/ إبريل عام 1936.

اندلاع أحداث الثورة

وثَّق الكتاب بداية الثورة الفلسطينية الكبرى، وأشار إلى وقوع حادثة سلب قرب نابلس أدت إلى قتل يهودي وجرح يهوديين آخرين في 15 نيسان/ إبريل، فقام اليهود بقتل عربيين في يافا في 17 نيسان/ إبريل، ثم أشيع أن اليهود قتلوا رجلًا وامرأة عربيين حورانيَّين في "تل أبيب" ومثّلوا بهما، وخرجت أخبار بأن اليهود يتعرضون للسيارات العربية، وسخط الناس وحدثت تجمهرات في يافا أدّت إلى تدخل الشرطة التي قتلت اثنين من العرب.

ووفق الكتاب، فقد بدأ الإضراب الكبير في يافا أولًا، وصدرت عدة بيانات تؤيد الإضراب منها بيان وجهاء يافا، ثم جاء بيان حزب الاستقلال إثر مؤتمر نابلس، ثم بيان الحزب العربي، ثمَّ بيان الأحزاب في 22 نيسان/ إبريل الذي دعا إلى استمرار الإضراب، كما أصدر مؤتمر شبابي في يافا بيانًا ينظِّم فيه الحياة اليومية في ظل الإضراب، وطلب تخصيص سبع سيارات يسمح لها وحدها بالسير طول مدة الإضراب، كما جرى تأسيس اللجنة العربية العليا في اجتماع الأحزاب في القدس في 25 نيسان/ إبريل.

واستعرض الكتاب بيان اللجنة الأول والذي حددت فيه مطالب الأمة المتمثِّلة في منع الهجرة اليهودية، ومنع بيع الأراضي لليهود، وتأسيس حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي.

اتساع الإضراب وتصاعد الفعاليات

سرد الكتاب أبرز التطورات الميدانية، وشرح بعضًا من الفعاليات التي قادتها اللجنة العربية العليا، حيث زار وفدها مدينة يافا في 27 نيسان/ إبريل، وقابل الجرحى وأسر الشهداء والبحارة، وأبرقت اللجنة إلى الملوك والرؤساء العرب، وقابل وفدها الملك عبد الله، وأرسلت كتابًا إلى المندوب السامي، وأسست مكتب دعاية في القدس، وزار وفد مشايخ بئر السبع مدينتي يافا والقدس، وعُقد مؤتمر الرملة الذي أعلن فيه أن الرملة واللد مع الإضراب، كما عَقد محامو فلسطين اجتماعًا في يافا في 3 أيار/ مايو، وعُقد مؤتمر الطالبات في القدس بحضور "600 طالبة" في اليوم ذاته، وعُقدَ مؤتمر اللجان القومية في مدينة القدس في 7 أيار/ مايو، وقرَّر الامتناع عن دفع الضرائب منذ 15 أيار/ مايو، وامتناع القرى عن دفع الغرامات، وعُقد مؤتمر في رام الله حضره ممثلون عن 75 قرية، وعقد مؤتمر آخر في أبو غوش في 16 أيار/ مايو بحضور مندوبين عن 60 قرية، وتقرر عقد مؤتمر البلديات في مدينة رام الله في 23 أيار/ مايو، ومما يثير الانتباه إنشاء لجنة تدعى اللجنة القومية للمبعدين إلى الحفير، وهي لجنة ممثلة للمعتقلين في سجن عوجا الحفير في صحراء النقب، وقد نشطت هذه اللجنة في إصدار البيانات وتصدير المواقف ومراسلة القوى والمؤسسات.

إجراءات بريطانيا صارمة

 استعرض الكتاب الإجراءات التي اتخذتها بريطانيا لوقف الإضراب، فقد طلب المندوب السامي من وزير المستعمرات إمداداتٍ عسكريةً بعد أقل من شهر من الإعلان عن الإضراب، وجرى إيقاف 600 شخص، وأعلن المندوب السامي في 8 أيار/ مايو عن تأليف لجنة ملكية للبت بأسباب ما جرى، وأمر البواخر بتفريغ حمولتها على شواطئ تل أبيب في 19 أيار/ مايو بعد إضراب ميناء يافا، وبدأ البريطانيون بتنفيذ سياسات الإبعاد في 23 أيار/ مايو، واستمروا في اعتقال الناس، فقد وصل عدد المعتقلين حتى 10 حزيران/ يونيو حوالي 1313 عربيًّا، وأصدروا قوانين جديدة قاسية جدًّا في 15 حزيران/ يونيو، وأقدموا على عمليات هدم واسعة في يافا في 19 حزيران/ يونيو، وجرت عملية هدم ثانية في يافا في 27 حزيران/ يونيو.

اندلاع الثورة المسلحة 

وثَّق الكتاب لبداية أعمال الثورة المسلحة باعتقال بريطانيا لسليم بك عبد الرحمن، وقد جرى، على إثر ذلك تبادل لإطلاق النار بين الأهالي والجنود بين قريتي بلعا وذنابة في 23 أيار/ مايو، ثم حدثت اشتباكات في وادي التفاح في نابلس في 24 أيار/ مايو، ثم انتشرت الثورة المسلحة في القرى، ووفق الكتاب فإن الشرارة الثورية المسلحة انطلقت من قضاء نابلس.

وضع الكتاب تصورًا إجماليًّا لمشاركة كل قضاء من أقضية فلسطين بالثورة المسلحة، وبدأ بقضاء نابلس ثم بقضاء صفد، ثم أقضية جنين وطولكرم والخليل، ووضع قائمةً بأسماء القرى العربية التي شاركت في الثورة.


 

عنوان الكتاب: فلسطين الدامية.. سجل خالد تصدره جريدة الجزيرة عن الحركة الوطنية العربية في فلسطين وتطوراتها..

تأليف: مجموعة كتاب

اللغة: العربية

الناشر: جريدة الجزيرة/ مطبعة الاعتدال

مكان النشر: دمشق

سنة النشر: 1937

عدد الصفحات: 163

 

 

جاء هذا الكتاب في سياق التفاعل الإعلامي والثقافي والسياسي الفلسطيني مع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وقد صدر بعيد انتهاء مرحلتها الأولى، وتضمن خمس عشرة مقالًا لفلسطينيين وعرب تناولوا فيها القضية الفلسطينية وتطوراتها، بالإضافة إلى اثنتي عشرة قصيدة شعرية لشعراء عرب وفلسطينيين، وثلاثة تقارير دولية ومحلية، كماحوى خمسًا وخمسين صورة فوتوغرافية أظهرت بعضًا من قادة الحركة الوطنية، والقادة الميدانيين للثورة، ومجريات الأحداث أثناء الثورة، وعنف بريطانيا وإجراءاتها الوحشية بحق الفلسطينيين.

بدأ الكتاب بافتتاحيتين للحاج أمين الحسيني والزعيم السوري عبد الرحمن الشهبندر، ثم بمقالة مفصَّلة لراغب النشاشيبي رصد فيها جذور الثورة الفلسطينية الكبرى، ومقدماتها، وأحداثها.

 مقدمات ميدانية قادت إلى حدوث الثورة

حمَّل النشاشيبي اليهود المسؤولية عن تصاعد التوتر في فلسطين وصولًا إلى الإعلان عن الإضراب الكبير، وكشف عن قيامهم باحتجاجاتٍ على فكرة المجلس التشريعي، رافقها قتلهم حسن أبو راس وسليم المصري على طريق ملبس- كفر سابا، وقيامهم بأعمال عربدة ضد العرب في شوارع "تل أبيب"، وتبع ذلك إشاعة في يافا عن مقتل ثلاثة من العمال الحورانيين وامرأة عربية، وكان استمرار الهجرة وتدفق السلاح لليهود وسكوت بريطانيا عن ذلك قد زاد من الاحتقان في صفوف الفلسطينيين، وأدت هذه الأحداث مجتمعةً إلى إعلان الإضراب العام في كل فلسطين في 21 نيسان/ إبريل عام 1936، وحدوث اشتباكات بين العرب واليهود.

تطور الأحداث

وثَّق النشاشيبي بداية ظهور المجموعات الفلسطينية المسلحة في الثورة، فقد أشار إلى أن أولى هذه المجموعات كانت مؤلفةً من أربعة أشخاص عملوا بداية نيسان/ إبريل على طريق القدس- نابلس، وأوقفوا السيارات وسلبوها، وظهرت جماعة أخرى من ثلاثة أشخاص في الغور، ثم ظهرت عصابة ثالثة في أواسط نيسان/ إبريل بين قرية عنبتا وسجن نور شمس، أوقفت 15 سيارة وسلبت من اليهود 180 جنيهًا، وطلبت من العرب التبرع بالمال حتى تتمكن المجموعة من شراء السلاح والثأر لشيخها القسام، ومع دخول أيار/ مايو امتلأ جبل نابلس بالعصابات المسلحة، وبدأ الهجوم على البريطانيين في 25 أيار/ مايو، ودارت معركة عنيفة وقع فيها قتلى وجرحى، وقد حدثت نقلة نوعية للثورة مع انضمام فوزي القاوقجي وسعيد العاص ومحمد الأشمر إليها، وجرت أعنف المعارك في جبل نابلس وصفد والخليل وعكا، واستخدمت بريطانيا وسائل عنيفة لقمع الثورة، ففرضت الأحكام العرفية ومنعت التجوال واعتقلت المواطنين وهدمت البيوت، ونفت القادة والميدانيين والمؤثرين.

ثم تحدث النشاشيبي عن تأليف اللجنة العربية العليا، والتي ركَّزت مطالبها في وقف الهجرة وتأليف حكومة وطنية أسوةً بمصر وسوريا، وذكر إعلان أهل فلسطين الامتناع عن دفع الضرائب، واستمرار الإضراب 180 يومًا حيث توقف بعد وساطات من الملوك العرب.

بريطانيا مبعث الداء

أما مقالة سامي السراج، فافتتحها بقوله بأن الثورة الفلسطينية أعادت الأمور إلى نصابها، وأكدت أن الإنجليز هم شر البلاء فهم "مكمن الصديد ومبعث الداء، إنهم أصل واليهود أذناب، إنهم الأعداء واليهود أوباش" (ص34)، كما استعرضت منشأ القضية الفلسطينية وتطوراتها، ابتداءً بعهد الإنجليز للشريف حسين وبوعد بلفور والتناقض الجذري بين العهد والوعد، ثم بالطريقة التي تعاطى بها الإنجليز واليهود مع الوعد، وبيَّنت كيف أن الثورات الخمس التي قام بها الفلسطينيون منذ عام 1921، وتقارير لجان التحقيق لم تدفع بريطانيا لتغيير سياساتها الظالمة. في المقابل رأى عبد الله النجار (كاتب سوري)، في مقالته، أن ثورة 1936 في أساسها ثورة للمطالبة بالاستقلال، وهي امتداد للحركة العروبية الاستقلالية، التي عمَّت الأقطار العربية، وأكّد أن فلسطين لا تقبل بالانتداب ولا بالصهيونية.

وركَّزت مقالة سليمان طوقان على الحركة الصهيونية، وبيَّنت أن أطماعها لن تقتصر على فلسطين بل ستتعداها إلى جميع الجزيرة العربية، وأكدت أن المسألة في فلسطين مسألة كيان، والجهد كله مبذول لدرء الأخطار عن فلسطين، وهذا ما يفسر، في رأي طوقان، "القحط" في مجالات الإبداع الأدبي والعلمي في فلسطين، فضلًا عن أن حكومة الانتداب عازمة على ضرب الروح الإبداعية لدى أهل فلسطين.

وتناولت مقالة عبد الله مخلص، تداعيات تشكيل حكومة وطنية في سوريا لأعضائها صلات وثيقة بفلسطين وقضيتها، وقدَّمت تفاصيل حول خلاصات ما وصلت له اللجنة الأمريكية التي زارت فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

فوائد الثورة 

تضمن الكتاب مقالةً لأكرم زعيتر عدَّد فيها فوائد ثورة 1936، وجاء فيه أن الثورة أكدت إيمان الأمة بنفسها وبقدرتها على الكفاح، واستخدمت منهجًا جديدًا في الكفاح أجبر بريطانيا على إحضار ثلاثين ألف جندي لوقف الثورة، وكبدت بريطانيا خسائر فادحةً، وعزَّزت الوعي الوطني في فلسطين، ووجهت الكفاح لعنوانه الصحيح وهو بريطانيا، وأزالت هيبة المستعمرين زوالًا نهائيًّا، وأنعشت الفكرة العربية القومية، وروَّضت "الأمة نفسها على البذل والتضحية"، ونظرًا لأن هدف التحرير لم يتحقق فلا بد من الاستمرار في الصبر والتضحية.

وفي الكتاب مقالة للكاتب الفرنسي ليمون ليون، بعنوان القضية العربية والحركة الصهيونية استعاد فيها مكانة فلسطين في الصراع الدولي منذ الحرب العالمية الأولى، وعرَّج على الوجود الصهيوني في فلسطين، وناقش مسألتي الهجرة وبيع الأراضي بالاستعانة بالإحصائيات الرسمية، وأشار إلى دور إيطالي في التحريض على قيام ثورة البراق عام 1929، مع اعترافه بأهمية تصاعد الهجرة في ازدياد غضب العرب.

الثورة والتضامن العربي الإسلامي

 وتضمن الكتاب مقالة للأديب مصطفى صادق الرافعي بعنوان "أيها المسلمون أغيثوا فلسطين"، وفيه دعوة للتبرع لأهل فلسطين، وربط ذلك بعز الإسلام ومجده، وأكَّد أن محنة فلسطين تعبِّر عن محنة الإسلام. وفي الكتاب بيان مطول باسم "القضاة الشرعيين في فلسطين"، رفعوه إلى المندوب السامي، وفيه تفصيل لموقفهم الرافض للسياسات البريطانية في فلسطين، وللمشروع الصهيوني.

وختمت المقالات بمقالة لعبد الرحمن الساعاتي بعنوان "لبيك يا فلسطين"، دعا فيها مصر وشعبها إلى نصرة فلسطين، كما تضمن الكتاب بيانات نشرتها جمعية الهداية الإسلامية في سوريا، منها فتوى شرعية بارتداد من يؤيد الصهيونية ويناصر المستعمرين، ونداء للمسلمين لإغاثة فلسطين، وقصائد لعدد من الشعراء الفلسطينيين والعرب منهم وديع البستاني، وبشارة الخوري، وعمر أبو ريشة، وهاني الجلاد، وحسن صدقي الدجاني، وعجاج نويهض الحوت، ووديع تلحوق، ومحمد الفراتي، ومحمد سليم رشدان، ومحمد الأتاسي، وماجد حسن، وناجي الطنطاوي.