ببليوغرافيا فلسطين.. نصوص النكبة (1)
تقديم..
تنتقل إطار في مشروعها لاستعراض ما كتب عن القضية الفلسطينية طوال تاريخها وفي كافة حقولها، من استعراض بعض النصوص الأولى على حلقتين تضمّنتا 14 كتابًا، إلى "نصوص النكبة"، ولا نعني بنصوص النكبة، كلّ ما تناول النكبة بالدرس والتحليل، وإنما نعني النصوص التي تناولت النكبة بالدرس والتحليل في وقت النكبة، سواء بين يديها أو أثناءها أو بعدها في العقد الذي تلاها، والهدف من ذلك، بالإضافة إلى محاولة المرور على أدبيات القضية الفلسطينية عمومًا، مراجعة الكيفية التي قرأ بها العرب نكبتَهم، والإطلالة على ذلك التاريخ بعيون أهل زمانه، وربط حاضر القضية الفلسطينية بمساراتها من البداية حتى اللحظة.
تعرض هذه الحلقة سبعة كتب: "قضية فلسطين العربية"، أصدرته "الهيئة العربية العليا"، قبل النكبة بعام، وهو مفيد في التعرف إلى طبيعة الجهود السياسية والدعائية العربية، والفلسطينية منها على وجه الخصوص، بالإضافة إلى التحقيب التاريخي الذي تضمّنه لنضال الفلسطينيين حتّى ساعته، كما صدر الكتاب الثاني، كذلك، قبل النكبة بعامّ، وميزته أنّه ممثّل لقراءة عربية قادمة من تونس التي لا تحاذي فلسطين، مما يفيد في الكشف عن طبيعة الاهتمام بالقضية الفلسطينية في حينه من عموم العرب، والكتاب تجميع لسلسلة محاضرات للعالم محمد الفاضل ابن عاشور، وقد صدر بعنوان "فلسطين الوطن القومي للعرب".
أمّا الكتاب الثالث فهو "معنى النكبة" للمفكّر والمؤرّخ السوري قسطنطين زريق، وهو من الكتب بالغة الأهمية في التاريخ العربي، لأثره في التأسيس للفكر القومي الحديث، ودوره في إلهام المجموعة المؤسسة لـ "حركة القوميين العرب"، التي انبثقت عنها لاحقًا "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".
يندرج الكتاب الرابع كذلك في مجموع المراجعات العربية للنكبة، ويأخذ أهميته من كون مؤلفه طبيبًا لبنانيًّا، وهو جورج حنّا، والذي قدّم في كتابه هذا "طريق الخلاص تحليل وضعي لمحنة فلسطين والقضايا العربية"، نقدًا للحكومات والأنظمة العربية إذ حمّلها المسؤولية الأولى عن النكبة، كما قدّم مقترحات مؤسّسة على رؤية علمانية لنهوض المفكّرين العرب بالمسؤولية، وللتأسيس الحزبي العربي.
أمّا الكاتب الخامس "عبرة فلسطين"، لموسى العلمي، فأهميته، بالإضافة إلى كونه قراءة فلسطينية، من مناضل مقدسي، تتمثّل في التحليل السياسي للنكبة، وفي التقييم العكسري للهزيمة، ثمّ في جملة الأفكار السياسية المطروحة فيه حول الحرية والمساواة، والوحدة العربية، ووحدة بلاد الهلال الخصيب، وتجديد الحكم العربي في أنماط دستورية.
ويأتي الكتاب السادس كذلك، من بين المراجعات الفلسطينية للنكبة، وهو كتاب قدري طوقان "بعد النكبة"، والذي اهتمّ بالعلم محورًا لتقييمه للأوضاع العربية السائدة في حينه، مقارنةً بالحركة الصهيونية، وقد تجدر الإشارة إلى أنّ المؤلف قد صار في خمسينيات القرن الماضي عضوًا في البرلمان الأردني، ثم وزيرًا للخارجية في عامي 1964/ 1965.
وأخيرًا، فإنّ الكتاب السابع في هذه الحلقة، "كارثة فلسطين العظمى"، للشاعر والموسيقي والسياسي السوري فخري البارودي، كان بحقّ خطّة عمل ممتازة لمواجهة الاستعمار الصهيوني، تضمنت عددًا من الأفكار والمقترحات، من أهمّها مقاطعة الكيان الاستعماري الصهيوني.
· التحرير
اسم الكتاب: قضية فلسطين العربية
تأليف: الهيئة العربية العليا
اللغة: العربية
الناشر: مطبعة السعادة
مكان النشر: مصر
سنة النشر: 1947
عدد الصفحات: 74
صدر هذا الكتاب عن الهيئة العربية العليا[1]، وهو جزء من نشاط تعريفي بالقضية الفلسطينية وتطوراتها، هدفه التأثير على الرأي العام العربي والدولي، ومثَّل متنه الخطوط العريضة للخطاب الرسمي الفلسطيني في مرحلة ما قبل حرب عام 1948، وعبَّر عن رؤية قيادة الحركة الوطنية لمظلمة الفلسطينيين التاريخية وأهدافهم الوطنية، وقد نُشر الكتاب عشية عرض قضية فلسطين على هيئة الأمم المتحدة، وربما كان الهدف منه شرح الموقف الفلسطيني للدول الأعضاء في الهيئة الدولية بقصد التأثير عليها بما فيه صالح الفلسطينيين.
تضمن الكتاب تسعة وخمسين عنوانًا فرعيًّا، سرد فيها تاريخ القضية الفلسطينية وتطوراتها منذ أواخر الحقبة العثمانية حتى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأشار إلى انخراط الفلسطينيين في الحركة العربية الاستقلالية عن الدولة العثمانية، ورصد دخول فلسطين مرحلة الاحتلال البريطاني، وركَّز على إظهار التحولات الكبرى في مكانة العرب واليهود في فلسطين خلال ثلاثة عقود من السيطرة البريطانية على فلسطين، وشرح التآمر البريطاني على فلسطين، وسعي لندن الحثيث لتحقيق وعد بلفور، وتنكّرها لكل الوعود التي قطعتها على نفسها للعرب، وفنَّد الادعاءات الصهيونية بحق الصهاينة في فلسطين، ودحض أهمية المشروع الصهيوني لتطوير فلسطين وتقدمها.
أولاً: مراحل تطور النضال العربي في ظل الاحتلال البريطاني
أكَّد الكتاب في أكثر من موضع الهدف الرئيس للفلسطينيين وحركتهم الوطنية، والمتمثل في استقلال فلسطين، وتَتَبع المراحل التي مرَّ بها نضالهم الوطني، مع التركيز على الشق السياسي منه، وابتدأ الحديث عن اندلاع الاضطرابات في فلسطين، كما في اضطرابات القدس عام 1920، واضطرابات يافا عام 1921، وما تلاها من أحداث في السنوات اللاحقة، خصوصًا الإضراب الكبير عام 1936. وأفرد الكتاب هامشًا معتبرًا للحديث عن النشاط الدبلوماسي الذي مارسه الفلسطينيون في سبيل انتزاع حقوقهم، وتناول نشاط الوفود الفلسطينية التي زارت لندن، منذ الوفد الفلسطيني الأول عام 1921 الذي بقي فيها عامًا كاملاً يشرح للساسة البريطانيين المطالب العربية، والوفد الثاني الذي زار لندن في أعقاب استلام المستر رامزي ماكدونالد رئاسة الوزراء، والوفد الثالث الذي وصل لندن في أعقاب صدور تقرير لجنة شو عام 1930، والوفد الرابع الذي زارها إثر انتهاء الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1939، وعرَّج الكتاب على الجهد العربي في سبيل فلسطين، مثل عقد مؤتمر بلودان في سوريا عام 1937 الذي استنكر فيه المشاركون فكرة تقسيم فلسطين.
لفت الكتاب نظر القرَّاء إلى أن السياسة العربية في فلسطين كانت تقوم على منح البريطانيين فرصةً تلو الأخرى علَّهم يطبقون ما وعدوا به العرب، ودلَّل على ذلك بمشاركة الفلسطينيين في الثورة العربية ضد الحكم العثماني، وتجاوبهم مع اللجان التي كانت تبعثها بريطانيا في أعقاب الاضطرابات، ومهادنتهم للندن أثناء الحرب العالمية الثانية، بل ومشاركة بعض الفلسطينيين في الجيش البريطاني، أملاً في أن "تقدّر لهم موقفهم هذا وتبرّ بوعدها على الوجه المرضي السليم".
ثانيًا: سياسة بريطانيا في فلسطين
تتبع الكتاب السياسة البريطانية في فلسطين، وأشار إلى أنَّها قامت على عدد من الركائز:
- تقوية الوجود اليهودي في فلسطين
أظهر الكتاب بجلاء سعي البريطانيين إلى تقوية الوجود الصهيوني في فلسطين تمهيدًا لتحقيق وعد بلفور، عبر تسهيل الهجرة، ومنح الامتيازات الاقتصادية لليهود، واستغلال الظروف لتدعيم قوتهم العسكرية كما جرى أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية، وغضّ الطرف عن ممارساتهم غير القانونية كما في الهجرة غير الشرعية، وعدم الجدّية في مكافحة إرهابهم الذي استهدف العرب والبريطانيين.
- إرسال اللجان
أَولى الكتاب اهتمامًا بتقارير اللجان التي زارت فلسطين إثر الاضطرابات والثورات، فأشار إلى تقرير اللجنة العسكرية التي شُكّلت لدراسة اضطرابات القدس عام 1920، ولجنة هايكرافت التي تشكلت لدراسة اضطرابات يافا عام 1921، واقتبس نصوصًا من تقرير لجنة شو التي تشكّلت بعد ثورة البراق عام 1929، وتقرير الخبير الاقتصادي جون سمبسون عام 1930، وتقرير اللجنة الملكية إثر الإضراب الكبير عام 1936، وتقرير لجنة وود هيد عام 1938، وتقرير اللجنة البريطانية الأمريكية عام 1946.
- إصدار البيانات الرسمية
استعرض الكتاب سياسة بريطانيا في إصدار التصريحات بشأن فلسطين والتي عبَّرت عن تَفهُّم بريطانيا لبعض المطالب العربية فيما عُرف في الأدبيات العربية بالكتاب الأبيض، وذكر ما حوته من نقاط، كما في الكتاب الأبيض عام 1922، والكتاب الأبيض عام 1930، والكتاب الأبيض عام 1939، والكتاب الأبيض عام 1946.
- سياسة القمع والاضطهاد
تضمَّن الكتاب تفاصيل عن سياسة بريطانيا في قمع الفلسطينيين، مع التركيز على وحشيتها في مواجهة الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، حيث ارتقى ستة آلاف شهيد، واعتقل خمسون ألفًا، ونسف البريطانيون البيوت والمخازن والمحال التجارية، وأعدموا مئةً وثمانيةً وأربعين فلسطينيًا.
- مفاوضة الدول العربية
يستعرض الكتاب بشكل مقتضب المفاوضات التي أجرتها بريطانيا مع دول جامعة الدول العربية بشأن فلسطين، حيث قدّمت بريطانيا مشروعًا تقسيميًا اتحاديًا يبقي الباب مفتوحًا أمام الهجرة الصهيونية مع استمرار الانتداب، فرفضه العرب، وقدّموا مشروعًا يقوم على استقلال فلسطين وإلغاء الانتداب على أن يشترك العرب واليهود ممن حصلوا على الجنسية الفلسطينية بطريقة شرعية في بناء هذا الاستقلال مع وقف الهجرة الصهيونية إلى فلسطين ووقف بيع الأراضي لليهود، فلم توافق بريطانيا.
ثالثًا: السياسية الصهيونية في فلسطين
أكَّد الكتاب أن هدف الحركة الصهيونية هو السيطرة الكاملة على فلسطين، وأشار أن الصهاينة ركَّزوا طوال فترة الحكم البريطاني على استمرار الهجرة، وامتلاك الأراضي الزراعية، وزيادة التسليح والتدريب على القتال، وتحقيق السيطرة الاقتصادية على فلسطين.
اسم الكتاب: فلسطين الوطن القومي للعرب
تأليف: محمد الفاضل بن عاشور
اللغة: العربية
الناشر: الجمعية الخلدونية بتونس
مكان النشر: تونس
سنة النشر:1947
عدد الصفحات: 47
هذا الكتاب عبارة عن أربع محاضرات حول القضية الفلسطينية للشيخ محمد الفاضل بن عاشور (1909-1970)، وهو أحد أهم علماء الشريعة في تونس في القرن العشرين، تتبع فيها تطورات القضية منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين حتى النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين.
نظَّم هذه المحاضرات معهد البحوث الإسلامية، وقد جاءت في إطار تفاعل الوسط الثقافي والأكاديمي العربي مع تطورات القضية الفلسطينية مع اقتراب اندلاع حرب عام 1948. تم تفريغ المحاضرات وإصدارها في كتاب بعنوان " فلسطين الوطن القومي للعرب"، وأصبح الكتاب جزءًا من الأدبيات المناصرة للقضية الفلسطينية، والمطالبة باستقلال فلسطين.
بدأ الكتاب باستعراض جذور المشروع الصهيوني في فلسطين، وأشار إلى مركزية اضطهاد اليهود في أوروبا في نشوء فكرة الوطن القومي اليهودي، وأرَّخ لبداية العمل من أجل هذه الفكرة منذ أواخر القرن التاسع عشر ومع إصدار كتاب هرتزل "دولة اليهود"، وأكَّد بأنَّ الفكرة لم تكن ملتصقةً بالسياسة الإنجليزية حتى أوائل القرن العشرين، حيث كان وعد بلفور عام 1917 أول تجسيد لمبدأ الارتباط بينهما.
ووفق الكتاب، فقد جاء وعد بلفور تعبيرًا عن حاجة إنجليزية، إذ كانت إنجلترا تسعى للتعجيل بهزيمة ألمانيا، وكان العنصر اليهودي الألماني قادرًا على إحداث ثورة داخلية في ألمانيا تساهم في هزيمتها في الحرب، كما أنَّ الإنجليز أرادوا احتلال فلسطين لتكون منفذًا بحريًا للنفط العراقي، أمَّا اليهود فرغبوا في أن يحتل الإنجليز فلسطين دون غيرهم لأنهم الأقدر على المساهمة في تحقيق أحلاهم في السيطرة على فلسطين.
يسرد الكتاب بعض خفايا الصراع الفرنسي- الإنجليزي- الأمريكي على المنطقة عشية انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وكيف استقر الأمر في العراق وفلسطين للإنجليز.
المحاضرة الأولى: الانتداب البريطاني منشأ المشكلة الصهيونية
يقدّم الكتاب نقاشًا قانونيًا سياسيًا للقضية الفلسطينية وتطوراتها منذ احتلال بريطانيا لفلسطين، وإصدار الكتاب الأبيض عام 1920، وتدفق الهجرة الصهيونية إلى فلسطين في أعقابه، وإعطاء المهاجرين الجدد حق المواطنة، ويؤكّد على أن بريطانيا هي التي أوجدت القضية الفلسطينية، وأنّ مظاهر السيادة العربية على فلسطين كانت ممثلة في العرش الفيصلي، وأن الحقوق التي ترتبت لليهود في فلسطين هي تابعة للانتداب الأجنبي ولا توجب حقًا للسيادة القومية، والالتزامات التي يتمتعون بها في فلسطين إنِّما هي من طرف الإنجليز دون غيرهم، فإذا رُفع الانتداب رُفع ما ترتب عليه. وبرأي الكتاب، فإن هذا هو السرّ في تزعّم سوريا للدفاع عن فلسطين على اعتبار أن فلسطين هي جزء من الأرض السورية، واستقلال سوريا لا يتحقق إلا باستقلال جميع أراضيها، ومن هذا المنطلق تنبَّأ الكتاب بأنه سيكون لسوريا موقف عملي في الدفاع عن فلسطين.
المحاضرة الثانية: الثورة الفلسطينية الكبرى
يوثّق الكتاب لبداية ثورة الفلسطينيين بحدوث صدام عنيف مع اليهود أواخر عام 1920، وازدياد حدته عام 1921، الأمر الذي دفع الإنجليز لإرسال لجنة للتحقيق، لكنه وإثر استمرار الهجرة، استمرّ التوتر وتصاعد، فاندلعت ثورة البراق عام 1929، والتي أرسلت لها بريطانيا لجنة شو، ثم أُعدَّ تقرير سمبسون، وصدر في إثرهما الكتاب الأبيض عام 1930، الذي أخذ بعين الاعتبار مسألة الهجرة، ثم صدر الكتاب الأسود بعيد الضغوطات الصهيونية على البريطانيين، ثمَّ إنّ الأمور تطورت إلى محاولات من قبل أهل فلسطين لاستنهاض العالم الإسلامي، فعُقد المؤتمر الإسلامي الأول، وجرت تحركات على المستوى الرسمي، منها تحرك دولة العراق في عصبة الأمم عام 1933، ثم إنّ الثورة السورية رفعت معنويات الفلسطينيين، فساهمت في إشعال الإضراب الكبير عام 1936.
ويسرد الكتاب تداعيات الإضراب والحراك الشعبي والسياسي الذي واكبه في العالمين العربي والإسلامي، مثل مؤتمر بلودان في سوريا عام 1937، وهو أول مؤتمر عام نصرة لفلسطين يعقد خارجها، والمؤتمر البرلماني في مصر عام 1938، المؤتمر النسائي في القاهرة عام 1938، ومؤتمر بومبي في الهند الذي حضره ألف عالم مسلم هندي.
المحاضرة الثالثة: القضية الفلسطينية بعد الكتاب الأبيض عام 1939
يرى الكتاب بأن بريطانيا شعرت بالخطر جرّاء الحراك العربي والإسلامي المساند للقضية الفلسطينية، وبسبب ضغط الثورة الفلسطينية الكبرى، وقرب اندلاع الحرب العالمية الثانية، لذا سعت إلى التفاوض مع الدول العربية بشأن فلسطين، وأسفر عن ذلك عقد مؤتمر الطاولة المستديرة عام 1939، وصدور الكتاب الأبيض عام 1939، والذي أحدث نقطة تحوّل في السياسية الصهيونية في فلسطين، حيث اتجه الصهاينة للتخلي عن الاعتماد على بريطانيا، نظرًا للخوف من أنها لن تراعي المصالح الصهيونية مستقبلاً، وأدّى إلى تركيز الصهاينة على إثارة الرأي العام العالمي للتعاطف مع قضيتهم، وكان ظهور النازية وسلوكها تجاه اليهود عاملاً مساعدًا في هذا التوجه، وكما سعوا إلى زيادة التأثير على صناعة القرار داخل الولايات المتحدة، وإنشاء منظمات صهيونية إرهابية في فلسطين تعمل ضد العرب وضد بريطانيا.
المحاضرة الرابعة: لجان البحث الدولية في فلسطين وبرامجها
يتناول الكتاب موضوع فلسطين في الشأنين العربي والدولي، ويسرد المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية منذ إعلان عصبة الأمم الانتداب على فلسطين، وكيف أن بريطانيا سعت إلى التفرّد في الحكم في فلسطين، لكن الجهود العربية دفعت باتجاه إعادة القضية لمربع التدويل، ويثني الكتاب على سياسة عبد العزيز بن سعود تجاه القضية الفلسطينية، ويشير إلى أنَّها تمكَّنت بـ "حكمتها وبعد نظرها" من دفع رئيس الولايات المتحدة روزفلت إلى تفهم المطالب العربية في فلسطين، ويستبشر الكتاب خيرًا بتأسيس جامعة الدول العربية باعتبارها ستساهم في اقتراب حسم القضية الفلسطينية لمصلحة العرب، وما أدل على ذلك ، برأيه، من "تعيين القائد طه الهاشمي، متفقدًا عامًا للجيوش العربية وإسماعيل صفوت باشا قائدًا عامًا للجيوش النظامية وتعيين البطل فوزي القاوقجي للجيوش غير النظامية".
ملاحظة ختامية
نمَّ هذا الكتاب وأمثاله عن عمق الانتماء العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية، وعن مكانة فلسطين في وجدان النخب الفكرية والدينية وعقولها، وعن معرفة تفصيلية جيدة بالقضية وتطوراتها، في المقابل، عبَّر عن رؤية عاطفية لواقع القضية الفلسطينية خصوصًا فيما يتعلق بالموقف الرسمي العربي وقدرته على الانتصار لفلسطين وتحقيق أماني العرب والمسلمين.
اسم الكتاب: معنى النكبة
تأليف: قسطنطين زريق
اللغة: العربية
الناشر: دار العلم للملايين
مكان النشر: بيروت
سنة النشر: 1948
عدد الصفحات: 93
مقدمة
نُشر هذا الكتاب في آب/ أغسطس عام 1948، إثر انتهاء الهدنة الأولى وعودة القتال في فلسطين، لمؤلفه قسطنطين زريق (1909-2000)، وهو مفكر قومي، من مواليد دمشق، يحمل درجة الدكتوراه في الفلسفة من الولايات المتحدة عام 1930، وقد عدَّ كثيرون" زريق" أول من نحت مصطلح النكبة توصيفاً لحرب عام 1948 ونتائجها، وقد أثار كتابه "معنى النكبة" انتباه المعنيين بالقضية الفلسطينية وتطوراتها من المشتغلين بحقول السياسة والفكر والثقافة.
والكتاب من أوائل تنظيرات مفكري التيار القومي حول النكبة وسبل تجاوزها، ومن أوائل الأدبيات التي قدَّمت محاولةً لفهم ما جرى في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ فلسطين والأمة العربية، وهو من بواكير الكتب التي نادت، بعد النكبة، بضرورة العمل من أجل تحقيق الانتصار على المشروع الصهيوني عبر "تنمية روح الكفاح، وتعبئة الموارد، وتعميم الجهاد"، و"استئصال جذور الضعف وبواعث التفرقة"، وإزالة "البلبلة السائدة في جَوِّنا الحاضر"، و"تبيان طريق الخلاص ودفع الفكر والنفس إليها".
جاء الكتاب في ثمانية عناوين، وملحق تضمن مقالين للكاتب نُشرا سابقًا. أظهر الكتاب في البداية فداحة النكبة، ووصفها بـ "الهزة العنيفة"، و"الخطر الأعظم"، و"الأزمة الخانقة"، معتبرًا أنَّها لم تتسبب في انهيار مادي للأمة العربية فقط وإنما انهيار معنوي، وافترض أن ما جرى في فلسطين هو معركة في حرب طويلة، ودعا إلى العمل بعيد المدى ومواجهة الواقع كما هو "وتعيين الغرض المطلوب، ورسم الخطة المحكمة لبلوغه، وتحقيق ذلك يومًا بعد يوم".
واجب المفكر والمعالجة القريبة للنكبة وتداعياتها
طرح الكتاب واجب المفكر في المرحلة القادمة، وافترض أنَّ عليه قيادة الرأي العام، وإظهار الواقع على حقيقته، والتفريق بين الأسباب والنتائج، والأصول والفروع، وبيَّن أن المعالجة القريبة للواقع الجديد الذي أفرزته النكبة، تقوم على تقوية الإحساس بالخطر عند العرب، وشحذ إرادة الكفاح لديهم، ودفعهم لاعتبار الخطر الصهيوني أشدّ الأخطار، وقضية فلسطين أهم القضايا، والتعبئة المادية في ميادين العمل المختلفة، بحيث يتم تجنيد "قوى الأمة الحربية بكاملها، وتوجيهها إلى ميدان الصراع"، وتحقيق أكبر قدر من الوحدة بين الدول العربية عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، وإشراك القوى الشعبية في النضال، وأخيرًا، استعداد العرب للتضحية ببعض مصالحهم، ولكن بوعي.
الحلّ في الكيان القومي العربي المتحد
أما المعالجة البعيدة التي تؤدّي إلى تحقيق "الحل الأساسي" فتتطلب، وفق الكتاب، حربًا طويلةً، وتبديل أساليب التفكير والعمل والحياة، وتحقيق كيان عربي قومي متحد، يقوم على دولة اتحادية توحد سياسات العرب الخارجية والاقتصادية والدفاعية، خصوصًا وأن الاتحاد أصبح بعد ظهور الخطر الصهيوني "شرطًا للبقاء ومستلزمًا للحياة نفسها"، وأما جامعة الدول العربية فلا تقوى لتكون منطلقًا للوحدة كونها رابطةً ضعيفةً.
واشترط الكتاب لتحقيق الاتحاد حدوث تطور اقتصادي اجتماعي فكري تقدّمي، بحيث يقوم العرب بعدد من الخطوات منها اقتباس الآلة الحديثة، واستخدامها في استثمار الموارد، وفصل الدولة عن التنظيم الديني بشكل مطلق، و"تدريب العقل وتنظيمه بالإقبال على العلوم الوضعية والتجريبية"، واكتساب خير ما حققته الحضارات من قيم عقلية وروحية. وحتى يتم تحقيق الانقلاب الشامل المأمول لابدّ من تشجيع الجهد "الوطني في استغلال موارد البلاد، ونشر العلم والثقافة بشتى الوسائل، وتوسيع مدى الحريات السياسية والاجتماعية والفكرية، وإصلاح سبل الإدارة"، ولابدّ من وجود "صَنَعة مخلصين قادرين، وقادة مبدعين"، يحققون في أنفسهم معنى التقدّم أولاً.
ما جرى ليس جُبنًا فلسطينيًا والعلة في القيادة العربية
تصدّى الكتاب لادعاء البعض جبن الفلسطينيين وضعفهم، وأكّد أن هذه تهمة يردّها تاريخ المقاومة في فلسطين طوال ثلاثين سنة، وما أظهره الفلسطينيون من جرأة في قتال العدو، وما أحرزوه من فوز "حيثما تم لهم قسط من القيادة والتنظيم"، وأن العلة لم تكن بالشعب العربي وإنما بقادته الذين لم يدربوه ولم يسلحوه.
مبادئ الجهاد العربي في فلسطين
افترض الكتاب بأن من أهم المبادئ التي قام عليها جهاد العرب في فلسطين هو حق كل شعب بالأرض التي يعيش عليها، وحقه في أن يؤسس عليها كيانه السياسي، لكن القرارات الدولية التي تناولت فلسطين أغفلت هذا الحق، بما فيها وعد بلفور وقرار التقسيم، ومن هنا يبدو الكفاح ضدّ إقامة دولة يهودية في فلسطين هو كفاح من أجل "مثل أعلى إنساني، كفاح بين الحق والقوة، بين المبدأ والمصلحة"، وفنَّد الكتاب الادعاءات الصهيونية بحق الصهاينة في فلسطين، وأكدَّ على أن الصهيونية ليست فقط المستعمرات المنتشرة في فلسطين، ولكنَّها أيضًا تعبير عن شبكة عالمية، تشكل خطرًا على "الكيان العربي بذاته، بمجموعه، وبأسس وجوده".
اسم الكتاب: طريق الخلاص تحليل وضعي لمحنة فلسطين والقضايا العربية
تأليف: جورج حنا
اللغة: العربية
الناشر: دار الأحد
مكان النشر: بيروت
سنة النشر: 1948
عدد الصفحات:81
مقدمة
صدر هذا الكتاب في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1948، لمؤلفه جورج حنا (1893-1969)، وهو كاتب وسياسي لبناني، حائز على شهادة الطب عام 1916. احتوى الكتاب على توطئة وأربعة فصول وملحقيْن تضمنا مقالين كان نشرهما قبل اندلاع حرب عام 1948، وقد رُصد ريع الكتاب لصالح اللاجئين الفلسطينيين.
وصف المؤلف في بداية كتابه ما جرى عام 1948 بـ "الفاجعة الفلسطينية" أو "فاجعة العرب في فلسطين"، وبيَّن أنَّه درْسٌ للعرب لمواجهة مشاكلهم العامة على اختلافها، وكارثة فلسطين، بالنسبة للمؤلف، هي جزء من كل، وليست منفصلةً عما يحدث في الوطن العربي، وهي ليست المعركة الفاصلة، وأسبابها ليست بالتي تزول في مدة بسيطة، فقد تراكمت مع الزمن، وكان للاستعمار دور محوري فيها، لذا يحتاج تجاوزها إلى جهد كبير ومتواصل.
على من تقع مسؤولية الفاجعة الفلسطينية؟
رفض المؤلف تحميل اليهود والأمريكان والإنجليز والروس المسؤولية عما جرى في فلسطين، وافترض أن التركيز على هؤلاء إنما يأتي في إطار وضع العرب الأعذار لأنفسهم ليستروا به القصور، ورأى أن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على "الحكومات ورجالات الدول العربية"، الذين عانوا من الاتكالية والأنانية وهوس الزعامة، ولم يكونوا أهلاً لتسلم القيادة والتوجيه، لذا يجب استبدالهم، كما أن جزءًا من المسؤولية يتحمله العامة، الذين أثبتوا لا مبالاتهم، والذين لا يملؤون الأرض "ضجيجًا وصخبًا" استنكارًا لما حدث، ويغرقون بالتواكل، ويمنحون "أسيادهم" فرصة جديدة لتصحيح الخطأ.
أسباب فاجعة فلسطين
سرد المؤلف في كتابه عددًا من الأسباب التي أدت إلى فاجعة فلسطين منها: الارتجال، وتباين الأهداف والنوايا، والاستهانة بقوة العدو، والاستكانة إلى التفاؤل، وإخفاء الحقائق، والتقاعس عن تهيئة "الإمدادات والأعتدة، والإسعافات الصحية والطبية"، والخضوع للسياسات الغربية في الميدان. وعدَّ قبول العرب للهدنة الأولى في حزيران عام 1948 خيانةً، كونها إقرارًا بالتقسيم، ومع ذلك فإن هنالك أسبابًا غير مباشرة هي الأساس فيما جرى، والتي لخّصها في الجهل، وتغلغل الحسّ الديني في الحياة، وعدم الاستقرار الداخلي في الدول العربية، واستهتار الحكومات والشعوب بالأنظمة والمثل العليا، وفقدان الثقة بين الشعب وأوليائه، وانعدام التعاون المخلص بين الحكومات العربية، وتأخر المرأة العربية.
طريق الخلاص
أكَّد المؤلف أن العدو يهدف إلى سحق العرب في جميع أقطارهم، ودعا إلى معالجة العرب لقضية فلسطين مجتمعين، لأن العلاج منفردين يؤدّي إلى فشل محتوم، كما أنَّه اعتبر أن النكبة فرصة للعرب "لتعميم البحث عن الكوارث التي يفجع بها العالم العربي، وعن طريق الخلاص منها"، وطالب بتجنيد الطاقات، والابتعاد عن سياسة الارتجال والاستهتار، وأشار إلى أن وحدة الكيانات العربية في كيان واحد ليست شرطًا أساسيًا لتجاوز النكبة، رغم أنَّه لا يعارضها.
المفكرون وطريق الخلاص
دعا المؤلف العرب أيضًا إلى استلام زمام المبادرة والتقدّم لمواجهة الكارثة، وافترض أن الشعب بحاجة إلى قيادة نيِّرة ومخلصة، وبما أن الديمقراطيات العربية مزيفة وتكرِّس النمط القديم في الحكم والسيطرة، فعلى رجال الفكر تصدّر الموقف، وعليهم يعوّل في الخلاص، ولكن من واجبهم التخلّي عن عزلتهم، وعدم ترك الأمور لرجال السياسية، والتقدّم خطوات نحو اتخاذ أفكارهم قاعدةً للعمل، واقتحام "المعترك العملي السياسي، وانخراطهم في أحزابها"، وترشيد العمل الحزبي بحيث يكون على أساس "العلم والوعي والواقع"، وإيجاد "مدرسة أخلاقية اجتماعية" و"تكتل حزبي إنشائي"، فالحزب هو بمثابة الطبيب للمريض، والأحزاب يجب أن تعتمد على الشباب، ويجب أن تكون "علمانية بحتة لا يكون فيها للطائفية حرمة ولا للحس الديني اعتبار.. أحزاب لا يستهويها القديم ولا تغريها أمجاد الماضي"، وحتى تنجح التجربة الحزبية في التغيير لابد من أن تنهج " نهجًا فلسفيًا خاصًا"، ولابد من أن التخلص من شر الأحزاب الشخصية، وإذا أريد للنضال الحزبي أن يثمر فلابد من وجود وعي اجتماعي يشمل جميع فئات الشعب، ولابد للأحزاب من تعزيز قيمة المواطن الفرد، والإقلاع عن التقليد.
اسم الكتاب: عبرة فلسطين
تأليف: موسى العلمي
اللغة: العربية
الناشر: دار الكشَّاف للنشر الطباعة والتوزيع
مكان النشر: بيروت
سنة النشر: 1949
عدد الصفحات: 95
صدر هذا الكتاب في آذار/ مارس عام 1949، أي في المراحل الأخيرة من النكبة، ومؤلفه موسى العلمي (1897-1984)، من مواليد القدس، ونال شهادة البكالوريوس في القانون عام 1922، وعمل في دائرة النيابات العامة في فلسطين، وقد شارك في نضال الفلسطينيين سياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا أيام الاحتلال البريطاني لفلسطين.
يتكون الكتاب من مقدمة، وإجمال، واثني عشر عنوانًا، بالإضافة إلى خاتمة، وقد امتاز بكونه من أوائل الكتب التي نشرها فلسطينيون، بهدف تقييم تجربة حرب عام 1948، والتحذير من خطر المشروع الصهيوني على المحيط العربي، ودفع الشبهات عن الفلسطينيين ومقاومتهم، وبثّ الأمل في نفوس العرب، والدعوة إلى تحقيق الوحدة العربية المنشودة، كما أنَّه من أوائل الكتب التي وضعت تقييمًا أوّليًا للأداء العسكري الفلسطيني والعربي في حرب عام 1948.
وصف العلمي ما جرى عام 1948 في مقدمة الكتاب بـ "الكارثة القومية الشديدة"، ولفت نظر القارئ إلى أنَّها كانت أول تجربة للعرب بعد الاستقلال، وما كانت أمرًا محتومًا، لكن العرب، لم يحسنوا العمل، فحدثت المأساة، ورغم أن وزرها يقع في المقاوم الأول على الإنجليز، ثم الأمريكان والروس، فإن هذا الكتاب جاء من أجل أن "تُعرَّف أخطاؤنا الكبرى، ومواطن الضعف فينا، التي حرمتنا النصر وأمكنت منا الكارثة".
كشف العلمي في بداية الكتاب عن موطن الضعف الأساسي في أحداث النكبة حتى الخامس عشر من أيار/ مايو عام 1948، إذ تمثَّل، وفق رأيه، في السياسة الدفاعية العربية، فقد حارب العرب بمنطق الثورات السابقة، وحارب اليهود بمنطق الحرب الشاملة، أما بعد الخامس عشر من أيار/ مايو، فحارب العرب بتفكك وفقدان للقيادة الموحدة، وارتجال، وتباين في الأهداف، كما أن العرب لم يحسنوا في الميدان السياسي أيضًا. ورأى العلمي الحلّ في تحقيق الوحدة مع التجديد في الحكم، والعناية بالشعب وإنهاضه، واعطائه حقوقه، وإقامة نظام تربوي قوي وشامل، واستغلال الموارد بشكل جيد.
راجع العلمي في العنوان الأول الأداء العسكري الفلسطيني حتى الخامس عشر من أيار/ مايو عام 1948، وخَلُص إلى أن الفلسطينيين لم يحسنوا الدفاع عن فلسطين، وأنّ الأداء كان ضعيفًا، رغم بعض الوقفات الجهادية الرائعة في سلمة وأبو كبير والقدس والقسطل وبيت صفافا والرملة والطنطورة وغيرها، ودافع في هذا المضمار عن الفلسطينيين الذين رحلوا عن ديارهم، وأشار إلى أنهم لم يرحلوا عن جبن ولكن لأنهم "فقدوا كلّ ثقة بنظام الدفاع القائم، بعد ان رأوا ضعفه وعيوبه وثغراته"، وبعد أن "قيل لهم بأن الجيوش العربية آتية، وستردّ الأمر إلى قراره، وتعيد كل شيء إلى نصابه، فاطمأنوا إلى ذلك، وتعلّقت آمالهم به".
كما راجع في العنوان الثاني الأداء العسكري العربي بعد الخامس عشر من أيار/ مايو عام 1948، وخلص إلى النتائج ذاتها، وأوضح أنه كان هنالك ضعف مماثل في الميدان السياسي.
أمَّا العنوان الثالث فتحدّث فيه عن الأسباب الرئيسة التي أدّت إلى الكارثة، حيث أجملها في: عدم وجود وحدة وانسجام بين العرب، وطبيعة نظام الحكم في الدول العربية، وحالة الشعوب العربية، وافترض في العنوان الرابع أن هنالك خطرًا يهوديًا ماثلاً أمام العرب، قائمًا على مخطّط مسبق لن يقتصر على فلسطين فقط، فمشروعهم الاستيطاني، وفق قناعات العلمي، يشمل شرق الأردن وأقسام واسعة من سوريا ولبنان ومصر، وأن الخطوة القادمة ستكون استكمالاً للسيطرة على فلسطين، وأكد أن الاستعمار الصهيوني "يتناول الأساس والكيان لكونه استعمارا قوميًا، فلا يكتفي اليهود بمجرد السيطرة السياسية والاقتصادية والقواعد العسكرية، وإنما هم يبغون الاستيطان، واستصفاء البلاد كلها لأنفسهم لتكون "وطنًا" لهم دون أهلها، امتلاكًا وسيطرةً وسكنًا".
ووصف العلمي اليهود الاستعماريين بأبشع الصفات حيث تمتلئ صدورهم حقدًا وغلظةً وضغينةً وخبثًا ودهاءً وقسوةً، كما أنهم أناس امتلكوا وسائل العلم الحديث، ولديهم قدرة على التنظيم، واليهودية العالمية بالنسبة للعلمي هي إحدى القوى العالمية الكبرى.
ركَّز في العنوان الخامس على استخلاص العبرة مما جرى، والتأكيد على أن العرب قادرون إذا عزموا، وهنالك إمكانية لهزيمة المشروع الصهيوني، خصوصًا وأنهم "أكثر من اليهود عددًا، وأشجع محاربًا، وأغزر مواردًا"، وأما العنوان السادس فأشار إلى ضرورة الوحدة لتجاوز النكبة وآثارها، وأعلن أن تجربة جامعة الدول العربية أثبتت فشلها في تحقيق الوحدة، وطرح العنوان السابع فكرة اتحاد الهلال الخصيب مقدّمة لوحدة أشمل، فالوحدة الصغرى إذا تحققت تكون نواةً للوحدة الكبرى، وإن تعذَّر تحقيق وحدة الهلال الخصيب في دولة واحدة، فلا أقل من وحدة في المصالح القومية مثل السياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد والثقافة والعمل والاجتماع، بحيث يكون هذا الاتحاد على غرار الاتحادين السويسري والأمريكي.
رأى العلمي أنَّه لا سبيل لتحقيق الوحدة بين الدول العربية، إلا عبر وجود جماعات مؤمنة بالوحدة، تتواصل فيما بينها، وتحاول تكوين رأي عام داعم للفكرة يضغط باتجاه تطبيق الفكرة ويجعلها شرطًا في تأييد النواب والوزراء، أو أن يقوم واحد ينادي بالفكرة وينافح عنها، وحاول العلمي تبديد بعض الشبهات حول إمكانية تحقيق وحدة كهذه، ونفى أن تكون "المسافات الشاسعة" بين أقطار الهلال عائقًا أمامها، ولا التفاوت في "المستوى الحضاري" ولا وجود الصحراء، كما أن تعدّد الطوائف والمذاهب لن يكون عائقًا نظرًا لأن معظم "المذاهب يرجع إلى دين واحد هو دين الكثرة"، كما أن انتشار التعليم والتربية القومية يضيّقان الفروق بين الناس.
واشترط العلمي، في العنوان الثامن، لتجاوز النكبة، تحقيق" التجديد في الحكم" والمقصد تجديد "لبابه وجوهره وأهدافه"، وبأن يحوي دستورًا حقيقيًا، وأن يقام على أساس علمي في "نظمه وإدارته وجهازه"، وأن يصار فيه إلى استغلال الكفاءات، وأن تصاغ السياسة الخارجية على أساس قومي رشيد، كما دعا في العنوان التاسع إلى منح الشعب حقوقه من حرية ومساواة وحق في العمل والتأمين الاجتماعي والخدمات الاجتماعية وحقوق المرأة، في المقابل طالب الشعب بالقيام بأداء واجباته، وفي مقدّمتها معرفته لحقوقه، واستعداده للتضحية في سبيلها، وأن يحبّ وطنه حبًا حقيقيًا، وأوضح في العنوانين العاشر والحادي عشر أن هنالك ضرورةً لوجود نظام تربوي قوي، وتنظيم اقتصادي متماسك وفعال تطبق قيمه في جميع مؤسسات الدولة، ونبَّه في العنوان الثاني عشر إلى أن اليهود والإنجليز سيسعون إلى مقاومة إمكانيات التغيير، ولابد للعرب من أخذ الحيطة والحذر.
اسم الكتاب: بعد النكبة
تأليف: قدري طوقان
اللغة: العربية
الناشر: دار العلم للملايين
مكان النشر: بيروت
سنة النشر: 1950
عدد الصفحات: 93
نُشر هذا الكتاب في الشهر الأول من عام 1950، ومؤلفه قدري طوقان (1910-1971)، وهو كاتب فلسطيني، من مواليد مدينة نابلس. نال درجة البكالوريوس في العلوم عام 1929، وكان عضوًا في البرلمان الأردني بين عامي (1950- 1954)، ووزيرًا للخارجية الأردنية بين عامي (1964-1965)، وله عدد من الإصدارات.
حوى الكتاب افتتاحية وسبعة عناوين. تحدث المؤلف في الافتتاحية عن موضوع الكتاب، والفكرة الرئيسة من تأليفه، وأشار إلى أن الأمنية الأساسية التي أراد تحقيقها هي أن "يخرج القارئ العربي من هذا الكتاب وقد أدرك أن لا خلاص للعرب إلا بالعلم وأساليبه ولا كيان لهم إلا إذا سايروا الحضارة في ركبها وسلَّموا زمام أمورهم لعقليات علمية تقدّر أهمية العلم والتنظيم والرقم".
نفى المؤلف فكرة عدم صلاحية العرب للحياة، وأكّد في عنوان الكتاب الأول أن العرب لديهم قابلية للتقدّم والارتقاء، ولكن تخلّفهم اليوم ما هو إلا من آثار الاستعماريْن التركي والأوروبي، وأن بإمكان العرب أن يجتازوا العقبات والصعاب التي تواجه نهضتهم، ووصف النكبة في العنوان الثاني بأنَّها الكارثة التي حلَّت بالأمة العربية في فلسطين، وأصابتهم في شرفهم وكرامتهم، وأوشكت أن تقضي على كيانهم، وإذا لم يتداركوا أمرهم بالحكمة والتنظيم والعمل فستؤدّي إلى زوالهم، واعترض الكاتب على تشبّث الساسة العرب بالشكليات والقشور، وافترض أنَّهم مصابون بالغرور، وأن كارثة فلسطين أدّت إلى أصابتهم بالشعور بالنقص.
ورأى المؤلف أن العدو استخدم أسلحة العلم والتنظيم، في حين قاومهم العرب بأسلحة الجهل والفوضى والغرور، ونسي العرب أن "الحديد لا يفلُّه إلا الحديد"، " والعلم لا يقابل إلا بالعلم، والتنظيم لا يقاوم إلا بالتنظيم"، وجهل العرب بالطريقة العلمية في التعامل مع التحديات كان أكبر سبب في حدوث النكبة وانتصار اليهود، وكان من أسباب الهزيمة أيضاً أن العرب لم يدركوا أثر الرقم والأسلوب العلمي في الحياة والعمران، وركنوا إلى الارتجال.
ودعا المؤلف في العنوان الثالث جموع المفكرين والمسؤولين لدراسة الموقف بعد كارثة فلسطين، ووضع برامج جديدة تواجه الحالة المنبثقة عن النكبة تشمل "تغييرات أساسية في المناهج وأساليب التعليم" والدفع باتجاه إحداث تغيير في أساليب التفكير والحياة، واعتبر بأن المدرسة هي المكان الرئيس الذي يمكن للتربية أن تحقق فيها أهدافها المرجوة، وأن التربية أساسية في علاج الكارثة التي ألمت بالعرب، ولابد من وجود " فلسفة خاصة" مسؤولة عن البرامج التربوية التي تهدف إلى إعداد "جيل جديد تقدّمي نشط، رسالته الكفاح والنضال في سبيل الخلاص"، ورأى أيضًا أن أداة التنفيذ هي المعلم في المدرسة، وعلى الدولة الاهتمام به وبترقيته، وطالب بإحداث تغييرات في المناهج وأساليب التدريس، والاهتمام خصيصًا بمادتي الجغرافية والتاريخ، الضروريتين لفهم العالم الذي يعيش فيه العرب، وأن يعطوا اهتمامًا متزايدًا للتاريخ الاقتصادي والتاريخ الفكري، ووضَعَ المؤلف مقترحاتٍ لعناوين لدراسة التاريخ في مراحله المختلفة.
واستكمل المؤلف في العنوان الرابع سرد أسباب حدوث النكبة، فذكر ابتعاد أساليب العرب في الحياة عن العلم، وعدم اعتمادهم على "البحث والدرس والرقم في أعمالهم وتعيين اتجاهاتهم وأهدافهم" فكانت "الفوضى في الأعمال، وكان الارتجال في السياسة والحركات"، لذا لابد أن يدخل "العلم في السياسية وأن يتشبّع الذين يشتغلون بها بروحه"، على أن يحاط العلم بسياج من الخُلق والروح، وعلى العرب تنمية القدرات الزراعية والصناعية في بلادهم.
وأعاد في العنوان الخامس التأكيد على أن "لا حياة للعرب إلا بالعلم، ولا نجاح لهم إلا إذا اتبعوا طريقته وساروا سيرته"، ورأى في العنوان السادس أن كارثة فلسطين أزالت الغشاوة عن عيون العرب، وإن فيما يعانونه من آلام بداية للتغيير وهي نقطة تحول وفرصة للنهوض، وهي بداية "للمعرفة والفهم"، خصوصًا بعد أن أدرك العرب أن الأساليب الماضية كانت سببًا في حدوث النكبة، وأن للعلم أهميةً كبرى في حصول النهضة، وفي "كسب الحرب والسلم على السواء"، وأن للعرب إمكانيات اقتصادية هائلة خصوصًا النفط، عليهم الاستفادة منها.
واقترح المؤلف في العنوان السابع أن تكون نقطة البداية في تجاوز النكبة وآثارها هي الإعداد العلمي والإعداد المعنوي والنفسي، وهي مقدّمات ضرورية لتحقيق "الاستقلال والحياة الكريمة في هذا العالم".
اسم الكتاب: كارثة فلسطين العظمى
تأليف: فخري البارودي
اللغة: العربية
الناشر: مطابع ابن زيدون
مكان النشر: دمشق
سنة النشر: 1950
عدد الصفحات: 64
نُشر هذا الكتاب بُعيْد نكبة عام 1948، وعلى وقع تداعياتها المؤلمة، ومؤلفه فخري البارودي (1887 – 1966)، شاعر وموسيقي وسياسي سوري، ومن مواليد دمشق، حارب مع العثمانيين في فلسطين في الحرب العالمية الأولى، ووقع أسيرًا بيد الإنجليز، وأصبح نائبًا في البرلمان السوري، وكان من المشتغلين بالقضية الفلسطينية، والمناصرين لكفاح أهلها.
تكوّن الكتاب من أحد عشر عنوانًا، وقد وجَّهه كاتبه إلى الشباب العربي في محاولة لاستنهاضهم ودفعهم للقيام بالواجب، فعلى عاتقهم "يقع أمر خلاص بلاد فلسطين المقدَّسة وحماية بقية بلاد العرب"، وقد تردّدت هذه الفكرة في أكثر من موقع في الكتاب.
النكبة وأسبابها وأطماع الصهيونية
تحدَّث العنوان الأول عن كارثة فلسطين، وأكّد أنَّها أعظم نكبات العرب، وهي أكثر كارثيةً من ضياع الأندلس، كما أنَّه لا يمكن أن يقاس قيام الدولة اليهودية بأي حركة استعمارية حديثة، واستعرض أسباب الكارثة، فبدأ بالحديث عن أن المشروع الصهيوني قام على استخدام العقل والركون للحقائق، في المقابل كان العرب يحكِّمون العاطفة "حيث يجب أن يحكم العقل" ويعتمدون على الأوهام "حيث لا يجوز الاعتماد إلا على ما ثبت من الحقائق"، والصهيونية، وفق مؤلف الكتاب قامت على العلم، وهي حركة عالمية مؤيَّدة من المال اليهودي، ورأسمالية استعمارية، لن تتوقف أطماعها عند ما اغتصبته من فلسطين، بل ستتقدم لقضم المزيد، "فلا البلاد تتَّسع لملايينهم، ولا مواردها الطبيعية من الوفرة والغنى لتسدَّ حاجتهم مهما أجُريَ فيها من التحسين، وإنما هم يَصْبُون إلى البلاد الممتدة من الفرات شرقًا حتى النيل غربًا، فذلك مجالهم الحيوي كما يدَّعون، وملك أرض آبائهم وأجدادهم كما يهتفون"، وللتدليل على ذلك لفت المؤلف انتباه القراء إلى أن مشاريعهم الاقتصادية تتسع لتشمل ليس فلسطين وحدها بل ومحيطها أيضًا، وقد أشار إلى تجاوز القدرة التشغيلية لمشروع روتنبرغ للكهرباء فلسطين وأراضيها.
المطلوب من العرب لتحرير فلسطين
وضع المؤلف مجموعةً من الأفكار والمقترحات للوصول إلى مرحلة يكون فيه العرب قادرين على مواجهة الخطر الصهيوني، بل واستئصاله، وهي على النحو التالي:
- البذل والتضحية المحكومة بالعقل والتنظيم
أكَّد المؤلف بأنَّ العرب دخلوا في حرب فلسطين، وهم لا يمتلكون أي معلومة عن حقيقة العدو، واتسم سلوكهم بالفوضى والاضطراب، ولم يبذلوا المطلوب ولو "أن أبناء فلسطين ومن ورائهم العرب بذلوا ولو جزءًا قليلاً مما بذله اليهود، لَمَا حلَّ بهم ما حلَّ من مصائبَ وويلاتٍ وضياعِ أموالٍ وأنفُس"، لذا لابدّ من المواجهة القائمة على العقل والعلم والتنظيم والاستعداد لبذل المال والأنفس.
- معاداة الصهيونية والتنظير لمقاطعة "إسرائيل"
توقع المؤلف بأن يكون موضوع معاداة الصهيونية ومقاومتها محل اتفاق بين العرب، وطالب بأن تُنشَر مفاهيم معاداتها والتصدي لها بين العرب خصوصًا الأجيال الشابة، كما أنَّه دعا للقضاء على كل من يحاول الاتصال بها "مهما عظم شأنه وارتفعت مكانته"، وصنَّف من يقومون بذلك إلى صنفين فهم "إما مأجورين أو بلهاء"، واعتبر أي تعاون بين أي دولة عربية و"إسرائيل" ما هو إلا عار، ونادى الدول العربية لمقاطعة أي دولة تدعو إلى عقد اجتماع مع دولة الاحتلال، وإذا وجدت دولة عربية تفتح أبوابها للصهاينة فلا بد من مقاطعتها واعتبارها عدوةً، ومقاطعة الشباب العربي لها، كما أنَّه جرَّم مشاركة الشباب العرب في مباريات الألعاب الدولية مع شباب "إسرائيل"، ونادى بالوقوف في وجه عصابات التهريب التي تقوم بتهريب البضائع والسلاح وشباب اليهود إلى فلسطين، مع التشديد على المقاطعة الاقتصادية الشاملة لدولة الاحتلال، باعتبارها سلاح الشعب الأول "للمحافظة على كيانه".
- الاهتمام بالدعاية للقضية الفلسطينية
طالب المؤلف بالاهتمام بالدعاية للقضية الفلسطينية في الداخل والخارج، لما لها من تأثير، مع ضرورة الاهتمام بالرأي العام الإنجليزي خصوصًا والرأي العام العالمي عمومًا، وإقامة المكاتب في عواصم الدول الأوروبية، وتأسيس وسائل إعلام حديثة، والاهتمام بالسينما وسيلةً لبث الدعاية.
- تأسيس دوائر خاصة بالقضية الفلسطينية
تأسيس دوائر خاصة بالقضية الفلسطينية على أن يكون على رأسها " شبان قوميون مثقفون مخلصون، يعملون لهذه القضية في الشرق والغرب".
- العمل على المستوى الدولي
دعا المؤلف إلى تجنيد الطاقات على المستوى الدولي لصالح القضية الفلسطينية، تحديدًا في الأمريكيتين وأفريقيا وأستراليا، وطالب باستنفار الجالية العربية فيها.
- إيجاد الاتحاد العربي القومي والتضامن المخلص
لابد من العمل على وحدة العرب في دولة واحدة قادرة على مواجهة الأخطار، فإن لم يستطع العرب فعل ذلك، فلا أقل من اتحاد عربي عام لتوحيد الجهود وتنسيق الخطوات.
- التجنيد العسكري والحلف العسكري
طالب المؤلف بتجنيد الرجال والنساء العرب من سن 16 حتى سن 60، وأن يكون قادة الجيوش العربية من العرب، ودعا لتطوير التصنيع الحربي، وإقامة حلف عسكري بين العرب.
- التربية الخلقية المبنية على الحقيقة والواقع
دعا المؤلف إلى تحقيق الإيمان الراسخ الذي يدفع إلى العمل الجاد والصمود، وتربية الأجيال الناشئة على أن الهدف في الحياة هو القضاء على الخطر الصهيوني، بحيث يكون هذا الهدف رابطًا بين أفراد الشعب العربي.
- تحقيق الإصلاحات داخل المجتمعات العربية على الصعد المختلفة.
- تجنيد كل الطاقات والامكانيات لصالح القضية الفلسطينية.
[1]الهيئة العربية العليا: إطار سياسي تمثيلي انبثق عن فعاليات الحركة الوطنية الفلسطينية برعاية جامعة الدول العربية في حزيران/ يونيو عام 1946، وكان لها عدة مكاتب منها مكتباها في القاهرة والقدس. تضاءل نشاط الهيئة بعد حرب عام 1948، لكنَّها بقيت موجودة حتى وفاة رئيسها الحاج أمين الحسيني عام 1975.