ببليوغرافيا فلسطين.. نصوص النكبة (2)

ببليوغرافيا فلسطين.. نصوص النكبة (2)
تحميل المادة

تقديم..

تعرض إطار في هذه الحلقة من سلسلة ببليوغرافيا فلسطين، لخمسة كتب أخرى، صدرت عقب النكبة، في محاولة لفهم الكيفية التي نظر بها الفلسطينيون والعرب إلى نكبتهم الكبرى في فلسطين من خلال نصوص مثقفيهم وسياسييهم أثناء النكبة وبعدها مباشرة، كما يفيد هذا الاسترجاع لتلك النصوص المبكرة في محاولة النظر إلى الوقائع نفسها من منظور معاصريها ومعاينيها، وهو الأمر الذي نعتقد أنّه يقدّم فائدةً مهمّة للباحثين، بالإضافة لمن يحاول أن يقرأ القضية الفلسطينية من حيث كونها سيرورةً تاريخيةً لا تنفصل محطّاتها عن بعضها ولا راهنها عن تاريخها. تأتي هذه الحلقة بعدما قدّمت إطار في الحلقة السابقة، سبعة كتب من نصوص النكبة، وذلك بعد حلقتين عرضت فيهما لما أسمته النصوص الأولى، أي تلك التي سبقت النكبة، وحاولنا من خلالها النظر إلى وعي الفلسطينيين والعرب بقضيتهم خلال الانتداب البريطاني على فلسطين.

تأتي أهمية الكتاب الأوّل، لمؤلفه محمود فهمي درويش، "كارثة فلسطين 15 أيار 1948"، من جهة تاريخه المبكر، فقد  صدر في العام 1949، ومن الجهة التي تقف خلفه، وهي جمعية إنقاذ فلسطين في العراق، متضمنًا بعض الخطابات التي بثّها المؤلف في إذاعة بغداد، فهو كاشف عن صورة من صور التعاطي العربي مع نكبة فلسطين، وذلك بالإضافة للتحليل المهمّ الذي قدّمه المؤلف لمجريات الحرب سياسيًا وعسكريًّا، والنقد الذي وجّهه لكل من اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية، وجيش إنقاذ فلسطين، بالإضافة للبرنامج المقترح من جهته لاستعادة فلسطين، وتصوّره لطبيعة القضية الفلسطينية من بعد وقوع الاستعمار الصهيوني على فلسطين، وخطر هذا الاستعمار على الشرق العربي كلّه.

أمّا الكتاب الثاني، فهو للشيخ تقي الدين النبهاني، صدر في العام 1950، أي قبل تأسيسه لحزب التحرير، مما يجعل من الكتاب وثيقةً مهمةً، لكون هذا الكتاب من تراثه المجهول، وغير المعتمد بالضرورة لدى الحزب، وربما المجهول لديه كذلك، فالكتاب الموسوم بـ "إنقاذ فلسطين"، تبنى وجهة نظر قوميةً عروبيةً بمضمون إسلامي، وأعطى الأولوية في رؤيته لتحرير فلسطين، ولم يكن ثمّة توجه فيه نحو ما صار أطروحة حزب التحرير المركزية، التي هي إقامة الخلافة الإسلامية، بل إنّ الكتاب اقترح، تأسيس "الولايات العربية المتحدة"، وإن كانت هذه الفكرة بنحو ما، يمكن عدّها جذرًا للتحول نحو مركزية الخلافة في فكر الشيخ تقي الدين النبهاني، بالإضافة إلى حديثه عن الكتلة الحزبية المنظمة التي وجودها ضرورة لتنظيم الأمة، مما يمكن عدّها فكرةً جنينيةً قبل تأسيسه حزبه. أمّا من حيث قراءته للنكبة، فقد تضمن الكتاب عرضًا للتاريخ السياسي للقضية الفلسطينية، والمشاريع الصهيونية، بالإضافة لنقده لأداء اللجنة العسكرية وجيش الإنقاذ، مضمّنًا كتابه معلومات عن الدولة الصهيونية الوليدة في حينه، حيث صدر الكتاب في العام 1950.

الكتاب الثالث، يحظى بأهمية خاصّة، كونه كشف عن صورة من السجالات المبكرة التي دارت بين الفلسطينيين الذين ظلّوا في ديارهم في الأراضي المحتلة عام 1948، فقد أصدر محمد نمر الهواري، كتابه "سر النكبة" من الناصرة في العام 1955. لا شكّ أن ثمّة بعدًا ذاتيًّا في هذا الكتاب، كون مؤلفه كان منخرطًا في صفوف المعارضة للحاج أمين الحسيني وقيادته للحركة الوطنية، ومنحازًا لمؤسِّس إمارة شرقي الأردن الملك عبد الله الأوّل، وقد أجرى اتصالات بالحركة الصهيونية منذ آب/ أغسطس 1948، بالرغم من أن الحاج أمين الحسيني استعان به للدفاع عن يافا، وهو ما يلقي بظلاله على مقولات الكتاب النقدية، تجاه الحركة الوطنية الفلسطينية، وإن لم يكن هذا الجانب هو موضوع الكتاب الوحيد، إذ تضمّن كتابه نقدًا للسياسات العربية وقتالها في فلسطين، وبما يتفق مع أكثر الرؤى المعروضة في كتب هذه المرحلة، التي اتهمت السياسات العربية ودوافعها الخلافية وعدم جدّيتها في القتال بالمسؤولية عن نكبة فلسطين، وذلك بالإضافة لمعلومات مهمة عن واقع اللاجئين الفلسطينيين في ذلك الوقت.

الكتاب الرابع "النكبة والبناء في الوطن العربي"، صدر في العام 1956، بيد أن مؤلفه أعاد طبعه في جزئين عام 1962، وبما أنّ الجزء الثاني منه تعلّق، بالتطوّرات التي شهدها الوطن العربي في أوائل الستينيات، فقد اقتصر العرض على جزئه الأوّل، والذي تناول تاريخ الحركة الصهيونية، ودور بريطانيا في تسهيل استعمارها لفلسطين، ونقدًا لأداء الفلسطينيين إبان نضالهم فترة الانتداب البريطاني، ثمّ نقدًا للأداء العربي ولاسيما في الجانب القتالي، بيد أنّ له أهميةً خاصّةً، من جهة أنّ مؤلفه، وليد قمحاوي، أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية وأحد أعضاء لجنتها التنفيذية، مما يعني أنّ نقده للأداء الفلسطيني قبل النكبة وأثناءها، يأتي في إطار التسويغ لمشروعية القيادة الجديدة ممثلة في منظمة التحرير. من المهم الإشارة إلى نقده للخطابات الفلسطينية فترة الانتداب البريطاني التي كانت تدعو إلى اعتبار فلسطين جزءًا من سوريا، ذاهبًا إلى أنه لم يكن قد تبلور وعي قومي سوري في حينه، فالروابط داخل المجال السوري الكبير لم تتجاوز الامتدادات العائلية بين جغرافياته، كما أنّه منح أولويةً لمفهوم "البناء" وأسس عليه نقدًا لنضالات الحركة الوطنية أثناء الانتداب البريطاني، التي رأى أنّها أنهكت الفلسطينيين بنهج الثورات. يفيد هذا في التعرّف إلى توجهات مؤسسي منظمة التحرير الأوائل، فضلاً عن معرفة طبيعة السجالات الفلسطينية، قبل النكبة وبعدها.

الكتاب الخامس، والأخير، "أحداث النكبة أو نكبة فلسطين"، صدر في العام 1951، وأعيدت طباعته في العام 1967، وتنبع أهميته من كون مؤلفه محمد نمر الخطيب كتبه في الأصل ليكون تقريرًا عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وفلسطين، بتكليف من الرئيس السوري في حينه شكري القوتلي، ليكون الكتاب وثيقةً مهمّةً عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في شهر آب/ أغسطس عام 1948، بالإضافة إلى كون الكتاب وثيقةً من هذه الناحية، ومن ناحية التوثيق المبكر لبعض المجازر الصهيونية، مثل مجزرة الطنطورة، وبعض وقائع المقاومة الفلسطينية، فإنّه تضمّن أفكارًا لمقاومة الاستعمار الصهيوني من خلال دعم الفلسطينيين واللاجئين منهم بالخصوص، ونقدًا للأداء العربي قبل الحرب وأثناءها وبعدها، وتفنيدًا مهمًّا للدعاية التي اتهمت الفلسطينيين ببيع أرضهم للصهاينة. من اللافت أنّ هذه الدعاية راجت في وقت مبكر بين العرب وما تزال تتردّد حتى اليوم، مما ينبّه إلى ملابساتها السياسية الرامية إلى رفع المسؤولية العربية عن نكبة فلسطين.

وأخيرًا فإنّ هذه الحلقة الثانية من نصوص النكبة، تأتي في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، في مساهمة من إطار، لتعزيز المحتوى العربي، بخصوص النكبة العربية الكبرى، نكبة فلسطين.

التحرير

 

كارثة فلسطين

 

عنوان الكتاب: كارثة فلسطين 15 أيار 1948

تأليف: محمود فهمي درويش

اللغة: العربية

الناشر: جمعية إنقاذ فلسطين

مكان النشر: بغداد

سنة النشر: 1949

عدد الصفحات: 450

 

هذا الكتاب خلاصة مشاهدات المؤلف في فلسطين، عندما زارها موفدًا عن جمعية إنقاذ فلسطين في العراق، وقد صدر بعد أن أقرته اللجنة العسكرية التابعة للجمعية، ووزع مجانًا. جاء الكتاب في سبعة عشر فصلاً، منها تسعة فصول تضمنت نداءات موجهةً للأُمة، بثَّها المؤلف عبر محطة بغداد اللاسلكية بين نيسان/ إبريل وحزيران/ يونيو عام 1948، حثَّ فيها العرب على القتال، وبث الأمل بقرب انتصارهم، وعَرَضَ بعض المعلومات عن مستجدات القتال في فلسطين، وبعض التحليل للتطورات السياسية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وحوى الكتاب وثائق رسميةً تخص فلسطين وقضيتها منها: المذكرات التي جرى تبادلها بين ممثلي هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ونصوص المقترحات التي قدمها وسيط الهيئة برنادوت والوثائق الأخرى المتعلقة بالهدنتين الأولى والثانية، وفي الكتاب سِجِل بالحوادث المتعلقة بفلسطين والتي جرت منذ بداية كانون الثاني/ يناير عام 1948 حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر عام 1948.

وحوى الكتاب أيضًا نشرةً توثق أعمال جمعية إنقاذ فلسطين خلال عام 1948، وقائمةً بأسماء شهداء جيش الإنقاذ من العراقيين وأسماء جرحاه، ومقالةً للمقدم الركن صلاح الدين عبد القادر حول معركة فلسطين، دعا فيها العرب إلى شن هجوم ساحق على الجانب الصهيوني قبل أن يتمكن من إعادة بناء قوته والمبادرة في الهجوم، وتضمن أيضًا سجلاً مصورًا لبعض فظائع الإنجليز واليهود في فلسطين بين عامي (1921-1938).

 

المشروع الصهيوني والحل الجذري للصراع معه

 أوضح المؤلف بأن الخامس عشر من أيار/ مايو عام 1948 شكَّل الكارثة الكبرى لفلسطين، وكل محاولة نظرية بعد هذا التاريخ "لإظهار بطلان ادعاء الصهيونيين لا تجدي عمليًا أي نفع، لأن الصهيونية لم تعد ادعاءً نظريًا يمكن دحضه بنظرية حقوقية أو علمية "بل أصبحت واقعًا له تعبيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن الصهيونية تشكّل خطرًا على الشرق العربي كله، وهي ليست وحيدةً، إذ تربطها علاقات عضوية مع الدول الكبرى، وعداءُ العرب لها ليس منبعه الدين أو العنصرية بل لأنَّها مغتصبة للحق العربي، وتهدّد مستقبل العرب القومي والسياسي، ولأنَّها شرَّدت مليون عربي من فلسطين، وقرَّر بأن الحرب في فلسطين صعبة وطويلة، ولا مجال فيها للتفاهم والصلح ولا "تنتهي إلا بمعركة فاصلة بين اليهود والعرب يُقهر فيها أحد الخصمين ويفسح المجال للآخر" (ص 21).

 

برنامج استعادة فلسطين

قدَّم المؤلف برنامجًا لاستعادة فلسطين، يقوم على الدعوة إلى اتباع الدول العربية سياسةً خارجيةً مستقلةً، وانتباهها إلى الساحة الدولية، وضرورة استغلال الصراع بين الدول الكبرى لصالح القضية الفلسطينية، ومراكمة القوة لأنَّه "لا يُنصَف إلا كل قادر" (ص 38)، واستعمال الوسائل العسكرية استعمالاً كاملاً باعتبارها وسيلةً مستقلة لا أداةً من أداوت السياسة. أمَّا من الناحية الاقتصادية، فلا بد من حصار دولة الاحتلال، وتحقيق برنامج المقاطعة الاقتصادية، وعلى المستوى الشعبي، دعا إلى تأسيس منظمات شعبية في كل بلد عربي تغذي الشعور القومي، و"تلهب الغيرة نحو إنقاذ فلسطين"، وجعل قضية فلسطين أولية لكل عربي، وإنشاء فرق شبابية مدربة ومسلحة "على غرار الجمعيات الإرهابية الصهيونية مستعدة لاستئناف الدخول في المعركة" (ص 23). 

 

خلاصات حول حرب 1948

نفى المؤلف أن الجيوش العربية في حرب عام 1948 كانت أكثر عددًا وعدةً من القوات الصهيونية، وأكَّد أن الخطة التي استخدمتها اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية في التعامل مع المناضلين الفلسطينيين وقوات جيش الإنقاذ "لم تكن مبينةً على درس صحيح، أو تقدير حقيقي لما يتطلبه الموقف" (ص 56)، ومن الأمثلة على ذلك أنَّها حددت للمنطقة الغربية الوسطى 500 مقاتل عربيّ مقابل 100 ألف مقاتل صهيوني، ولم تمدّ المنطقة بأكثر من 400 بندقية وعدة رشاشات (برن) ومدافع هاون محلية الصنع، كما أن اللجنة قصَّرت في تدريب أهالي المدن والقرى، وقصَّرت في قضايا تموين الجنود، وأقامت علاقات متوترةً مع بعض قادة المناطق من الثوار الفلسطينيين، رغم أنهم أبلوا بلاءً حسنًا، أمَّا الجيوش العربية فكان أداؤها ضعيفًا، ومن الأمثلة على ذلك موقف جيش الأردن من احتلال مدينتي اللد والرملة، في المقابل كانت أساليب المقاومة المتبعة في فلسطين منذ وعد بلفور غير  مناسبة لوقف المشروع الصهيوني.

 

جيش الإنقاذ مثال على الأداء السيء في الحرب

رغم أن اللجنة العسكرية العربية أغدقت على جيش الإنقاذ إلا أنَّه لم يحقق إنجازات تذكر على الأرض، وكان أداؤه سيئًا في العديد من المناطق منها يافا، والناصرة والجليل، وكان سلوكه مشينًا مع الأهالي، ومن الأمثلة على ذلك ما جرى في يافا، حيث أساء جيش الإنقاذ إدارة الحامية، كما أنَّ جيش الإنقاذ خسر معظم معاركه التي خاضها في الجليل مثل معارك الجش، وترشيحا، وسعسع.

 

 

إنقاذ فلسطين

عنوان الكتاب: إنقاذ فلسطين

تأليف: تقي الدين النبهاني

اللغة: العربية

الناشر: مطبعة ابن زيدون

مكان النشر: دمشق

سنة النشر: 1950

عدد الصفحات: 213

 

 

عن الكتاب وأهميته والهدف من وضعه

تكوَّن هذا الكتاب من مقدمة وثمانية وعشرين عنوانًا، بالإضافة إلى عدد من الخرائط التوضيحية، وقائمة بالمصادر والمراجع، أمَّا أهميته ففي كونه من أوائل النصوص التي عالجت جذور النكبة وأحداثها ومآلاتها، ويمثَّل نموذجًا مما كان يُطرح في حينه في الساحتين السياسية والثقافية حول الموضوع، وهو في الوقت ذاته صفحة مجهولة من أدبيات الشيخ تقي الدين النبهاني، رحمه الله، تشير بوضوح إلى أنَّه حمل فكرًا عروبيًا ذا مرجعية إسلامية، وكان تحرير فلسطين جزءًا رئيسيًا من اهتماماته، قبل أن يؤسّسحزب التحرير، ويصبح أهم منظريه.

وصف الشيخ النبهاني في بداية كتابه كارثة ضياع فلسطين بأنَّها: "من أكبر حوادث التاريخ بوجه عام والتاريخ العربي بوجه خاص"، وهي "أفظع خَطب حل بالعرب والمسلمين في تاريخهم الحديث، وأعنف صدمة تلقاها الشرق منذ قرون"، وهي "كارثة عميقة الجذور، بعيدة الآثار، دائمة الأخطار"، وتوقع بأن تُحدث انقلابًا شاملاً لدى العرب، لذا وضع كتابه ليكون تمهيدًا لانقلاب "فكري صحيح يؤدي إلى الانقلاب الشامل"، وليدعو من خلاله "إلى إنقاذ العرب والمسلمين من شر الاستعمار والصهيونية بإنقاذ فلسطين، خطوةً أولى للتحرير"، مع الأمل بأن يُحدث الكتاب "أثرًا، ويثير حميةً للإنقاذ".

 

الأطماع الأجنبية في الشرق العربي وظهور الحركة الصهيونية

استعرض الشيخ النبهاني التاريخ السياسي لفلسطين منذ القرن الثامن عشر حتى عام 1949، وافترض أن جذور الأطماع الأجنبية في الشرق العربي عمومًا تعود إلى تنبه الغرب إلى انتعاش أفكار حمل العرب للإسلام مع انتصارات محمد علي باشا، وأن فكرة القومية العربية لن تتوقف عند الاستقلال والحكم بل ستتقدم نحو حمل رسالة الإسلام إلى العالم، فكان لابد من مواجهة ذلك، عبر تشويه الفكرة القومية وتجريدها من أي مبادئ اجتماعية وسياسية أو اقتصادية، ثم الاستيلاء على المشرق العربي، وإقامة كيان أجنبي فيه يكون جسرًا لهم، وبهذا أنشأت بريطانيا القومية العربية الغامضة أو المشوهة المجردة من روحها وهو الإسلام، وأنشأت الحركة الصهيونية في الفترة نفسها، وكان لهرتزل دور مركزي في تأسيس الحركة الصهيونية، وتصعيد نشاطها، كما أنَّ تأسيس الحكم البريطاني في فلسطين قام على أساس التمهيد لتحقيق الوطن القومي اليهودي.

 

المقاومة.. خيار الفلسطينيين المركزي في مواجهة المشروع الاستعماري في فلسطين

تتبع الشيخ النبهاني مسار المقاومة للمشروع الاستعماري في فلسطين، وذكر أن الجهود العربية في مواجهة الحركة الصهيونية بدأت قبل احتلال بريطانيا لفلسطين، تحديدًا حين حال نواب فلسطين داخل البرلمان العثماني دون موافقة الحزب الحاكم على المطالب الصهيونية، وأكَّد على أنَّ المقاومة الفلسطينية العنيفة للاحتلال البريطاني لفلسطين بدأت من أول يوم، وقاوم أهل فلسطين محاولات بريطانيا غرس روح الطائفية، وظل ولاؤهم "للعروبة والوطن"، كما أنَّ اضطرابات عام 1933 أحدثت تحولاً في الموقف الوطني باتجاه تجريم بريطانيا وجعلها العدو الحقيقي، وساهمت ثورة القسام عام 1935 في دفع الحركة الوطنية إلى تبني المواجهة المسلحة مع بريطانيا.

 

تطورات القضية الفلسطينية والمشاركة العربية في حرب 1948

رأى الشيخ النبهاني أن العرب غفلوا عن استغلال ظروف الحرب العالمية الثانية لصالحهم، في حين كثَّف اليهود الاستعدادات لتكوين دولة يهودية ولو على جزء من فلسطين، ودفعت الحرب ونتائجها بريطانيا لتشجيع تحقيق نوع من الوحدة العربية، فقامت جامعة الدول العربية، وأصبحت فلسطين عضوًا فيها، وكان ذلك تماشيًا مع السياسة البريطانية التي "كانت تعمل على إنشاء دولة فلسطينية حسب سياسة الكتاب الأبيض" (ص 115)، وأوضح الشيخ النبهاني أن بريطانيا عادت لتأييد إقامة دولة يهودية في فلسطين، ولما لم تتمكن من إقناع الجامعة العربية بذلك حوَّلت القضية إلى الأمم المتحدة، ثمَّ إن العرب رفضوا قرار التقسيم، واندلعت حرب عام 1948، ولم يتجاوز عدد المقاتلين الفلسطينيين بداية القتال الألف مقاتل، مقابل ثلاثين ألفًا من الصهاينة، ومع اندلاع القتال أصبحوا بحاجة إلى السلاح وإلى فنيين عسكريين، فاستنجد الشعب الفلسطيني بالحكومات العربية، وبالهيئة العربية العليا واللجنة العسكرية "فلم يجد غير الوعود، ولم يلبّ له طلب، ولم يُنجد بغير الكلام" (ص 139)، ثمَّ إن العرب أَسعفوا الفلسطينيين بجيش الإنقاذ، الذي لم يكن في الحقيقة جيشًا للإنقاذ، ثمَّ دخلت الجيوش العربية فلسطين، ورغم قدرتها ضرب المشروع الصهيوني والوصول إلى "تل أبيب"، إلا أنَّها لم تحارب، وما جرى لم يتعد كونه "مسرحيةً حربيةً اصطناعيةً" و"تبادل إطلاق نار موضعيًا" الهدف منه تحقيق التقسيم، "وإيهام الشعوب بوجود قتال"، ورأى الشيخ النبهاني أن السبب في هذا السلوك المشين يعود إلى ارتباط الدول العربية بالسياسة البريطانية، وإلى أطماع الدول العربية الإقليمية، والأحقاد الشخصية بين الزعماء العرب.

 

دور بريطانيا الخبيث في حرب 1948

تطرق الشيخ النبهاني لدور بريطانيا في ضياع فلسطين، وأوضح أنَّها نفَّذت خطةً لإجلاء العرب عن مناطق اليهود المنصوص عليها في قرار التقسيم، وأتمت بذلك إقامة دولة اليهود قبل رحيلها، وعملت خلال الحرب على تضخيم ما جرى في دير ياسين حتى ترعب الناس وتدفعهم للهروب، وأشرفت على تهجير العرب من مدينة طبريا، وأحاط جيشها بمدينة حيفا، وفتح ممرًّا نحو الميناء وأعد سفنًا لنقل المهجَّرين، وبالطريقة نفسها سهَّلت بريطانيا ترحيل أهل يافا.

 

دولة الاحتلال.. والواجب الأكبر والخطوات المطلوبة

 دعا الشيخ النبهاني إلى تبني نظرة واقعية لدولة "إسرائيل" قائمة على الحقائق والأرقام لا الأوهام والانطباعات، بحيث تساهم هذه النظرة في تمكين العاملين لإزالة هذا الكيان تحقيق أهدافهم، وقدَّم للقارئ مجموعةً من الحقائق تتعلق بعدد سكانها، وأصولهم، وقدراتهم، وثقافتهم، وأحزابهم، وطبيعة اقتصاد الدولة، وجيشها، وسياستها الخارجية، وما تواجهه من تحديات داخلية وخارجية، ووظيفتها الاستعمارية...إلخ، وأكدَّ على أنَّه "من الصعب اتقاء شرها؛ إلا بإزالتها" (ص 161)، لذا فإن الواجب الأكبر الآن هو "إنقاذ فلسطين من أيدي الصهيونية، والقضاء على دولة إسرائيل" (ص 169)، أمَّا مسؤولية ذلك فتقع على الدول العربية بدرجة أولى وعلى الشعوب العربية بما فيها شعب فلسطين بدرجة ثانية، أما سبيل الإنقاذ، فهو "بقسميه: الأصغر والأكبر، والكفاح بنوعيه: الحربي والتحريري. وأن ينفر إليه العرب حكوماتٍ وشعوبًا" (ص 171)، وإنقاذ فلسطين، حسب الشيخ النبهاني، يتم بطرقتين، إحداها قصيرة الأمد، والأخرى طويلة الأمد، ولابد من انتهاج الطريقتين في الوقت نفسه، على أنَّه من الضروري الانتباه إلى أنَّ الشيخ النبهاني لا يعول كثيرًا على الدول العربية، ويرى أن الأمل بالشعوب، وبوجود "الفئة المختارة" التي تنتقل إلى كتلة حزبية منظمة، تنظِّم الأمة و"توجد الحكومة الصالحة من الشعب الصالح"، فيتحقق المأمول في انقاذ فلسطين. 

ودعا إلى وحدة الموقف الرسمي العربي في مواجهة الخطر الصهيوني، وإبقاء قضية فلسطين معلقةً "غير مبتوت فيها"، وإبقاء الأجزاء الباقية بيد العرب من فلسطين في حالة حرب، وتحويلها لـ " قاعدة للدفاع أولاً، ثم الهجوم حين يحين الوقت المناسب للإنقاذ.. وهذا ينطبق على منطقة غزة، كما ينطبق على باقي المناطق" (ص 179)، ودعا أيضًا إلى إسكان اللاجئين في المناطق الفلسطينية التي بأيدي العرب، وعلى حدود فلسطين، على أن تهيأ لهم معسكرات حربية لا معسكرات لاجئين، ويحولوا إلى طليعة جيش التحرير، كما تمنى إعادتهم إلى بيوتهم في المناطق العربية المغتصبة لأنَّ "لوجود الأقلية العربية بين اليهود أثرًا كبيرًا في عملية الإنقاذ" (ص 183).

وطالب الشيخ النبهاني بتعزيز الجهد التوعوي بالخطر الصهيوني داخل الدول العربية، وإعلان التعبئة العامة حربيًا داخلها لخلق جو حربي وروح قومية عالية، وإعداد شعب مناضل وجيش محارب، على أنَّ عملية التحرير لا تفترض تحقيق الوحدة التامة أولاً، ولا يمكن الانتظار طويلاً نظرًا للحالة التي أنتجتها إقامة دولة الاحتلال، ولكن يمكن إقامة الولايات العربية المتحدة، ولكل ولاية حاكمها، ولمجموع الولايات مجلس أعلى ينتخب رئيس الدولة، ومع الزمن تتحول الدولة العربية المتحدة إلى وحدة، وعلى العرب إعادة قراءة الواقع الدولي، وأن لا يكونوا طرفًا في الصراع بين الرأسمالية والشيوعية، وأن ينفكوا بشكل تام عن الجبهة الغربية، على أن أي تحالف يقيمونه لا يقام إلا على أساس تحقيق مصالح العرب وتحقيق أهدافهم وفي مقدمتها القضاء على "دولة إسرائيل".

 

 سر النكبة

عنوان الكتاب: سر النكبة

تأليف: محمد نمر الهواري

اللغة: العربية

الناشر: مطبعة الحكيم

مكان النشر: الناصرة

سنة النشر: 1955

عدد الصفحات: 424

 

 

هذا الكتاب من أوائل الكتب الصادرة حول النكبة، وقد خطه صاحبه عام 1950، ونشره بعد خمس سنوات. ضم الكتاب خمسة وأربعين عنوانًا، عالج فيها الحرب، والمشاركين فيها، والدور الذي لعبه المؤلف خلالها، وقد عبَّر في متنه ولغته عن طبيعة الحوار الساخن بين من تبقى من أهلنا في الداخل المحتل عام 1948، وكيف أنَّ النكبة ومآلاتها شغلت بال "النخب الفلسطينية" هناك في تلك المرحلة المبكرة من حياتهم تحت الاحتلال، وكانت جزءًا أساسيًّا من سجالاتهم على صفحات الكتب والصحف والمجلات وفي الخطابات على المنابر المختلفة، سواء بهدف عرض ما جرى وتفسيره، أو التعبير عن عظم الكارثة، أو تقديم شهادة للتاريخ، أو استخدامها ورقةً في الصراع على من يتزعم الفلسطينيين هناك. وقبل أن نعرض ما جاء في الكتاب، لابد من الإشارة إلى أن المؤلف كان محسوبًا على تيار المعارضة داخل الحركة الوطنية حتى عام 1948، وقد أدى دورًا في مرحلة الاستعداد للحرب حين تزعم فرقة النجادة، ثم انخرط في الجهد الفلسطيني للدفاع عن مدينة يافا، ومع ذلك فقد اتُّهم من كثيرين بانحرافه عن الصف الوطني، حين اتصل بالصهاينة في آب/ أغسطس عام 1947، ثم عاود الاتصال بهم أثناء القتال، ثمَّ حسم موقفه باتجاه الملك عبد الله، إلى أن سمح له الصهاينة بالعودة إلى فلسطين عام 1949.

 

حول دور المفتي في حرب عام 1948

حمَّل المؤلف المفتي الحاج أمين الحسيني المسؤولية الأولى عن اندلاع حرب عام 1948 ومآلاتها، واعتبر أنه أخطأ في التعامل مع حلفائه وخصومه حين أعلن أنَّه "من لم يكن معنا فهو ضدنا"، كما أنَّه كان مخطئاً حين تفرَّد في اتخاذ القرارات، واتصف سلوكه بالعناد، والاعتماد على عائلته، بالإضافة إلى ضربه المشاريع الفلسطينية الاقتصادية الناجحة، وانتشار مظاهر البذخ في محيطه، وتلكئه في الاستعداد للحرب رغم رغبته في إشعالها، ثمَّ اتخاذه قيادة ميدانية عاجزة ولا تمتلك الكفاءة، وانتقد المؤلف المفتي في إدارته للحرب خصوصًا في جولتها الأولى، فقد اتسم تشكيل اللجان القومية في المدن والبلدات الفلسطينية –وفق رأيه- بالفوضى، وفساد عناصرها، وانعدام الخبرة العسكرية لـ"الجهاد المقدس"، والعلاقة المتوترة بين المفتي وجيش الإنقاذ، فخسر الفلسطينيون حيفا ويافا وصفد وطبريا وسمخ والقدس الجديدة، وخسر المفتي مكانته.

ورغم صوابية بعض ما ذهب اليه المؤلف من نقد للمفتي إلا أن علاقته المتوترة معه وخلافه الشديد مع سياساته، كان لها أثرها في تضخيم أخطاء المفتي وتجاهل بعض إنجازاته، والتي منها محاولة المفتي استيعاب خصومه خدمةً للمجهود الفلسطيني في الحرب، ومنهم المؤلف الذي حاول المفتي الاستفادة منه في الدفاع عن يافا، وعيَّنه مسؤولاً للأمن فيها، كما أنَّ الحقائق التي كشفت اليوم حول المشاركة الفلسطينية القوية في الحرب، خصوصًا في يافا والقدس، لا تسند ادعاء المؤلف حول الفوضى وانعدام الخبرة العسكرية لدى الفلسطينيين.

 

السياسات العربية وأثرها في حدوث النكبة

تناول المؤلف الدور العربي في حرب عام 1948، وأكَّد على أن الانقسام الحاد في المستوى الرسمي العربي كان العامل المؤثر في خيارات العرب في الحرب وفي سلوكهم الميداني، وكان الدافع الرئيس لدخول الحرب اقتسام ما تبقى من فلسطين، وليس تحريرها، فدخلت مصر والسعودية وسوريا الحرب "للحيلولة دون توسع عبد الله وضم الجزء العربي من فلسطين إلى بلاده" (ص 72)، وكان دخول العراق وشرق الأردن الحرب لقهر عرب فلسطين "وضمهم قسر إرادتهم إلى أحضانهم وديارهم، ولهذا وقف الجميع عند الحدود المرسومة، ولهذا خُلقت «حكومة غزة» لا لتحمي العرب وتنقذ ديارهم وتحافظ على أموالهم وأرواحهم وكرامتهم، بل لتحول دون توسع شرق الأردن وضم الجزء الباقي من فلسطين" (ص 72-73).

أمَّا الجيوش العربية فكان بلاؤها سيئًا، وتفاصيل الميدان تدلل على ذلك، وشكَّل قبول الهدنة الأولى انتحارًا سياسيًا للعرب، وفي الطور الأخير من الحرب قاتل الجيش المصري وحيدًا في الجنوب، الأمر الذي أدى إلى تراجعه وانهياره، وتوقيع هدنة رودوس.

 

اللاجئون

ركَّز المؤلف على قضية اللاجئين، وقد كان من الشخصيات التي انخرطت في معالجتها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وحمَّل العرب والفلسطينيين المسؤولية الأهم لحدوثها، وسجَّل روايةً مبكِّرةً مليئةً بالتفاصيل حول أعداد اللاجئين، وأصولهم، وأماكن إيوائهم، والموقف الرسمي العربي منهم، والحراك العربي والفلسطيني والدولي لحل قضيتهم.

   

رأي المؤلف بأداء الصهاينة في حرب عام 1948 

تأثرت قراءة المؤلف لأداء الصهاينة في حرب 1948 بطبيعة علاقاته معهم، وبانتصارهم فيها، وكانت في مجملها دعايةً مجانيةً لصالحهم، وتجاهلًا تامًا لمخططاتهم الخبيثة، ودورهم المركزي في المجازر والتهجير، فقد أكد في أكثر من محطة أن اليهود امتلكوا روحًا معنويةً عاليةً، وقيادةً حازمةً وواعيةً، وتربيةً "شحنت نفوسهم بحب الموت في سبيل الحرية الاستقلال" (ص 111)، وكرَّر ادعاءاتهم، خصوصًا فيما يتعلق بسعيهم لتجنب الحرب من البداية، ودعوتهم العرب لوقف القتال، ومناشدتهم اللاجئين بالبقاء، ومطالبتهم بجعل المدن الكبرى مدنًا مفتوحةً بعيدة عن ساحات الحرب.

 

خاتمة

جاء الكتاب لتبييض صفحة المؤلف ولإظهار دوره في حرب عام 1948 بعد سيل الاتهامات التي بادره بها خصومه في الداخل المحتل عام 1948، حيث وصفوه بالخائن والجاسوس، ومثير الفتن، ونظرًا لأنَّه عمل على تصدير الاتهامات بالجملة للفلسطينيين شعبًا وقيادة وكوادر، والدفاع عن دوره السياسي المشبوه الذي لعبه خلال الفترة الأولى من ظهور مشكلة اللاجئين، مقابل تبيض صفحة الصهاينة، فإنَّ القارئ لا يملك إلا التشكيك بروايته واتهامه في نواياه.

 

 النكبة والبناء

عنوان الكتاب: النكبة والبناء في الوطن العربي/ الجزء الأول

تأليف: وليد قمحاوي

اللغة: العربية

الناشر: دار العلم للملايين

مكان النشر: بيروت

سنة النشر: 1962

عدد الصفحات:353

 

مقدمة

صدر هذا الكتاب بطبعته الأولى عام 1956، ثم أعاد المؤلف طباعته في جزأين عام 1962. تناول في جزئه الأول نكبة فلسطين ومآلاتها، وتحدث عن المشروع الصهيوني وخطره على فلسطين والوطن العربي، وراجع السبل التي انتهجها العرب والفلسطينيون في مواجهته، في حين ركَّز الجزء الثاني على التطورات التي شهدها الوطن العربي حتى أوائل ستينيات القرن العشرين، ونظرًا لاهتمامنا بالقضية الفلسطينية وما يرتبط بها من أحداث وسياسات وتطورات فإن عرضنا سيقتصر على الجزء الأول.  

حوى الكتاب في جزئه الأول على مقدمة وثلاثة فصول هي: النكبة، وفلسفة النكبة، وبين النكبة والبناء، وقد أكد المؤلف في المقدمة على أنَّ ما جرى في فلسطين عام 1948 هو نكبة عظيمة أصابت العرب جميعًا، وهي بحاجة إلى دراسة علمية مجردة من الهوى، وتحليل عميق يكشف عن عناصرها الرئيسة، ثم إنَّ الخلاص منها يقتضي معاينة الحاضر، وتوضيح السبيل للمستقبل المنشود.

 

لماذا الحديث عن نكبة فلسطين؟ 

قدَّم المؤلف لمحةً سريعةً للأحداث التاريخية التي شهدها الوطن العربي منذ القرن الثامن عشر، وركَّز على التطورات السياسية والواقعين الاجتماعي والاقتصادي للعرب، والمخططات الاستعمارية التي أرادت الاستحواذ على الناس والمقدرات، ثمَّ عرَّج على محاولات الخلاص من الاستعمار إلى أن وصل إلى فلسطين، وافترض أن نكبتها تُعد نموذجًا صارخًا على ما حل بالعرب من نكبات، وهي الأفضل للدراسة نظرًا لتأثيرها الكبير على الوطن العربي بمجمله، وللطريقة التي تمت بها، إذ لم تحدث بضربة خاطفة استخدمت فيها القوة الغاشمة، وإنما عبر صراعٍ طويلٍ امتد لعقود، حسم فيه الصهاينة مشروعهم عام 1948.

 

جوانب من تاريخ الحركة الصهيونية

راجع المؤلف تاريخ الوجود اليهودي في فلسطين، ثم شرح حال اليهود في أوروبا، خصوصًا في القرون الأخيرة، مع ظهور المشكلة اليهودية، وركَّز على الحركة الصهيونية، وشرح العوامل التي ساهمت في ولادتها، وأبرز دور هرتزل المركزي في بلورة طرحها الأساسي وبناء نواتها المؤسساتية، ودور وايزمان في تقدم المشروع الصهيوني على الأرض، ودور بريطانيا المركزي في التمكين للمشروع، ثم استعرض حال اليهود في فلسطين عند إصدار بريطانيا لوعد بلفور، والتحديات التي واجهها المشروع الصهيوني آنذاك خصوصًا بعد انتصار الشيوعية في روسيا، وظهور تيارات يهودية معارضة للصهيونية مثل بعض التيارات الدينية، واليهود المؤمنون بفكرة الاندماج في مجتمعاتهم الأوروبية.

 

الفلسطينيون والعرب في مواجهة المشروع الصهيوني

انتقد المؤلف الاستراتيجية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني، ورأى أن الزعامات الفلسطينية ارتكبت سلسلة أخطاء ساهمت بشكل مباشر في الهزيمة في حرب عام 1948، فقد أخطأت هذه الزعامات حين دعت إلى مواجهة الخطر الصهيوني عبر التشبث بخيار اعتبار فلسطين جزءًا من سوريا، خصوصاً وأنَّه "لم تكن هنالك أمة سورية أو إدراك شامل للرابطة القومية، بل عشائر وعائلات مقسومة بين مناطق وولايات" (ص 55)، وأخطأت حين تبنت برنامج الاضطرابات والثورات في مواجهة المشروع الصهيوني، والذي كبدها خسائر كبيرة، وأضعف قوى الشعب، وكان عليها تبني برنامج البناء والتمكين ومواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وأخطأت حين استسلمت لأمراضها القاتلة مثل انقسامها وجهلها وأنانيتها، أمَّا الفلسطينيون عمومًا فامتازوا بـ" ضعف الوعي الوطني، وقلة الاستعداد للتضحية، والابتعاد عن التنظيم العلمي عند الكثرة الغالبة من الناس" (ص 70).

في المقابل اتخذ لعرب جملةً من المواقف اتسمت هي الأخرى بالجهل المطبق بالقضية الفلسطينية، وبتأثرها بالانقسام السياسي الداخلي بين الأقطار العربية، وخضوعها لضغط الجماهير العربية المطالبة بتدخل العرب الرسمي في فلسطين، واستعلائها الكاذب على المشروع الصهيوني، وكان سلوكهم ارتجاليًا، ومفتقدًا للتنظيم، ولا يتمتع بروح قتالية عالية، وليس لديهم قيادة ميدانية وسياسية موحدة، وعانى العرب من قلة معرفتهم بالأرض وإمكانيات العدو، وعندما قرروا تشكيل جيش الإنقاذ، أو عندما دخلت الجيوش الرسمية فلسطين، كانت النتائج كارثية، وبعد النكبة أصبحت السياسة العربية الداخلية والخارجية رهينةً لتداعيات الواقع الجديد، وصدىً للـ"الغزوة الصهيونية".

 

خاتمة

هذا الكتاب نموذج مما كان متداولاً في خمسينيات القرن العشرين وستينياته من أفكار وتحليلات ومعالجات لتطورات القضية الفلسطينية وحرب عام 1948، ومؤلفه من الذين شاركوا في استئناف العمل لاسترجاع فلسطين، حيث كان من مؤسسي منظمة التحرير ومن أعضاء لجنتها التنفيذية. وقد سيطر على لغة المؤلف وتقييماته نَفَس النقمة على نكبة فلسطين، وكان غضبه شديدًا على من تحملوا مسؤولية الدفاع عن فلسطين في تلك الحقبة من تاريخ القضية الفلسطينية سواءً من العرب أو الفلسطينيين، وربما أن انخراطه في العمل السياسي بعد النكبة قد ساهم في تعزيز هذا الشعور، وجعله معنيًا في إظهار عمق معرفته بالمرحلة وشخوصها وأحداثها، ومحاولة اقناع القارئ بأنَّ قادة المرحلة الجديدة  أكثر وعيًا وتفهمًا للغاية والدور من سابقيهم ممن تحملوا الجزء الأكبر من المسؤولية عن كارثة فلسطين، إلا أن الكثير مما سرده من تفاصيل حول حرب 1948 بحاجة إلى إعادة نظر، تحديدًا فيما يتعلق بمجريات الحرب ودور الفلسطينيين والصهاينة فيها، فقد ردَّد بلا دليل بعض المقولات التي أثبتت الأبحاث والدراسات العلمية هشاشتها، كتلك التهم التي كالها للمقاتلين الفلسطينيين، بالإضافة إلى احتفائه المبالغ فيه بالقدرة الصهيونية على الاستعداد والتخطيط والتنفيذ.   

 

 أحداث النكبة

عنوان الكتاب: أحداث النكبة أو نكبة فلسطين

تأليف: محمد نمر الخطيب

اللغة: العربية

الناشر: دار مكتبة الحياة

مكان النشر: بيروت

سنة النشر: 1967

عدد الصفحات: 368

 

عن الكتاب وأهميته

صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى في دمشق عام 1951، وكان عنوانه أثر النكبة، وهو في الأصل تقرير أعدَّه الشيخ محمد نمر الخطيب إثر زيارته لمخيمات اللاجئين في الأردن وفلسطين في شهر آب/ أغسطس عام 1948، بتكليف من شكري القوتلي رئيس جمهورية سوريا، وكان الهدف من الزيارة الاطلاع على أحوالهم، وإيصال معونة حكومية لهم مكوَّنة من خمسمائة كيس طحين.

جاء الكتاب في خمسة عشر فصلاً، وحوى صورًا فوتوغرافية لمشاهد من آثار العدوان الصهيوني على الفلسطينيين وممتلكاتهم وأماكنهم المقدسة، وصورًا لبعض قادة المقاومة، ووثائق منها أحد عشر بيانًا للجنة القومية في حيفا، وقد تضمن متنه معلومات عن واقع اللاجئين الفلسطينيين حتى شهر آب/ أغسطس عام 1948، وعَرْضاً لتطورات الحرب في مدينة القدس في تلك الفترة، بالإضافة إلى رواية المؤلف حول النكبة وأحداثها، خصوصًا في مدينة حيفا، واكتسب أهميته من كونه من بواكير ما كُتب عن النكبة وأحداثها، ولعله الأول في تسجيل بعض الأحداث المؤلمة في تلك المحطة من تاريخ فلسطين، مثل ارتكاب الصهاينة للمجازر كما في مجزرة الطنطورة، وعمليات التهجير من المدن والبلدات والقرى، وحال اللاجئين في الأردن والضفة الغربية، ومن ميزاته أيضًا أنه استقى معلوماته حول اللاجئين من مصادر رسمية ومما عاينه في الواقع. أمَّا هدف تأليفه، وفق كلام المؤلف، فحث الفلسطينيين والعرب على العمل لاستعادة فلسطين، ونشر الحقائق حول النكبة قبل اندثارها، وتوريث الأجيال القادمة بطولات أجدادهم في التصدي للمشروع الصهيوني، وتبرأة الذمة من المسؤولية التاريخية، وتعزية الناس في محنتهم، ودفع الشبهات التي طالت الفلسطينيين إثر تهجيرهم من مدنهم وبلداتهم وقراهم. 

 

اللاجئين الواقع المُر والأمل بالعودة

ناقش الكتاب في عدة فصول مسألة اللاجئين، واستفاض في شرح أحوالهم، وقدَّم إحصائيات بعددهم، وسرد معلومات عن أماكن إيوائهم، والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي واجهوها، والجهود التي بذلت للتخفيف عنهم، وتعد هذه المعلومات من بواكير الإحصائيات والمشاهدات المسجلة عن اللاجئين، فعلى سبيل المثال ذكر المؤلف بأن عدد اللاجئين حتى آب/ أغسطس عام 1948 بلغ ستمائة ألف لاجئ، منهم واحد وأربعون ألفًا في شرق الأردن، وأربعة وعشرون ألفًا في أريحا، وخمسة وثلاثون ألفًا إلى خمسة وأربعين ألفًا في نابلس وقراها، وعدة آلاف في العراق. 

 كما أن المؤلف قدَّم مقترحات للتعامل مع مشكلة اللاجئين، تضمّنت عمل إحصائيات بعددهم وأماكن انتشارهم في كل الأقطار، والتخفيف من معاناتهم عبر منحهم مخصصات مالية، وإرغام البنوك على دفع ودائعهم، والسماح لهم بالدراسة المجانية، وفتح المجال لهم للعمل، ومنع استغلالهم، واستخدام عدد منهم في الوظائف الخاصة باللاجئين. 

 

أسباب حدوث النكبة ومناقشة بعض الأفكار الخاصة بالتحرير

تحدث المؤلف عن الأسباب التي أدت إلى حدوث النكبة، وأكد على أنَّها لا تتعلق بقوة الصهاينة العسكرية، بقدر ما هي ارتداد للموقف الدولي المناصر للمشروع الصهيوني، خصوصًا الموقف البريطاني الذي أبدى اهتمامًا كبيرًا بتحقيق وعد بلفور، بالإضافة إلى موقف الحكومات العربية، التي تقاعست عن نصرة فلسطين، فلم تمدّ المناضلين الفلسطينيين بالسلاح، وتركتهم فريسةً للصهاينة، رغم أن المناضلين الفلسطينيين عملوا بتمويل ذاتي، وكانوا يتعاونون مع الجيوش النظامية، كما أن الجيوش العربية دخلت المعركة دون جهوزية كافية، بل إنَّ بعضها شارك في المؤامرة على فلسطين، وغاب أعضاء الهيئة العربية العليا عن الميدان وكذلك أعضاء حكومة عموم فلسطين

 ناقش المؤلف فكرة العمل لاستعادة فلسطين، فأكد على ضرورة فتح المجال للفلسطينيين لتحمل مسؤولياتهم تجاه تحرير بلادهم، وتمكينهم من العودة إلى النضال المنظم، خصوصًا وأنهم، برأيه، يمتازون بمعرفة العدو، ومعرفة مواقع البلاد، ويحملون في نفوسهم مشاعر الحقد على العدو والرغبة في الخلاص والتحرر من جحيم النكبة والتشرد، ولكن لا بد من تأمين عائلاتهم والحيلولة دون تحول القضية الفلسطينية إلى مسألة لاجئين.

وذكر المؤلف بعض الأفكار التي كان يتداولها الناس في تلك المرحلة حول أنجع السبل للعمل لصالح فلسطين، مثل فكرة قيام العرب باستهداف يهود القدس، وطردهم من مواقعهم، واستغلالها في إسكان اللاجئين الفلسطينيين، مع خلق مشكلة لاجئين يهودية، وكان لافتًا نقده لموقف الشيوعيين في فلسطين من النكبة ومآلاتها، ودعوته الصريحة لمقاومة أطروحاتهم التي تدعو الفلسطينيين إلى طرد الجيوش العربية والتفاهم مع "إسرائيل"، واستنكاره عودة بعض الفلسطينيين من الشيوعيين إلى أراضيهم 1948، وقبول العيش فيها في ظل حكم الصهاينة.

 

الدفاع عن الموقف الفلسطيني

فنَّد المؤلف بعضًا من الإشاعات حول الفلسطينيين ودورهم في النكبة، مثل ادعاءات بيع الفلسطينيين أراضيهم لليهود، فأكد على أن بيوع الأراضي تمت من الأثرياء العرب، وبعض فقراء الفلسطينيين الذين دفعتهم الظروف الاقتصادية القاهرة إلى بيع أراضيهم، بالإضافة إلى ما منحته بريطانيا للصهاينة من أراض حكومية، ووضع المؤلف إحصائيات بحجم الأراضي التي استولى عليها الصهاينة قبل حرب 1948 ومصدرها، والتي لم تزد عن 7% من أراضي فلسطين.

 

القدس قلب الصراع

كرَّس المؤلف جزءًا من كتابه للحديث عن مشاهداته في القدس، حيث كانت القوات الصهيونية تحاصر البلدة القديمة، فشنَّت على مداخلها هجمات عنيفة، وقصفت بشدة عدة أماكن خصوصًا المقدسات الإسلامية والمسيحية، حتى كادت البلدة أن تسقط، وقد أشار الكاتب إلى ضعف القوة العربية الرسمية المدافعة عن القدس، وقلة اكتراث الملك عبد الله بالخطر الذي تعيشه المدينة، وأن حالها بعد سيطرة الجيش الأردني عليها تراجع بشكل كبير، وقد دعم كلامه ببيانات رسمية أصدرها الحاكم العسكري للمدينة أحمد حلمي عبد الباقي، وبيان لممثلي الكنائس المسيحية.