ببليوغرافيا فلسطين.. نصوص النكبة (3)

ببليوغرافيا فلسطين.. نصوص النكبة (3)
تحميل المادة

تقديم..

تعرض منصّة إطار، ضمن مشروع ببليوغرافيا فلسطين، الحلقة الثالثة من النصوص المبكرة التي تناولت النكبة الفلسطينية، وكالعادة جاءت هذه النصوص متنوعةً، في وجهات النظر، والانتماءات القطرية والسياسية لكتّابها، مع التركيز على المجريات العسكرية لحرب العام 1948، من خلال وجهات نظر شعبية، وأخرى رسمية.

الكتاب الأول "جيشنا في فلسطين" لمؤلفه اليوزباشي السيد فرج أفندي، الصادر سنة 1948، أي أثناء حرب النكبة، وبالرغم من كونه أقرب إلى التقرير الصحافي المطوّل، وطابعه الدعائي حول أداء الجيش المصري في الحرب، ولاسيّما حتّى الهدنة الأولى، فإنّه مفيد في تصوّر طبيعة التحصينات الصهيونية في ذلك الوقت، فضلًا عن إشاراته المهمّة إلى المتطوعين العرب في الحرب، وكذلك ملاحظاته عن الهدنة الأولى، ودورها في قلب مجريات الحرب بالكامل لصالح الصهاينة، وهو ما يحيل الأمر، بالدرجة الأولى، إلى دور القرارات السياسية للنظام الرسمي العربي في حينه، سببًا للهزيمة.

الكتاب الثاني، "الإخوان المسلمون في حرب فلسطين صفحة من التاريخ الإسلامي"، والصادر سنة 1951، لمؤلفه كامل إسماعيل، الذي عُرِف لاحقًا بكامل الشريف، يتناول دور متطوعي الإخوان المسلمين المصريين في الحرب، مع سرد أهمّ المعارك التي خاضوها، والعقبات التي واجهوها، مع تركيز مهمّ على دور بدو فلسطين في الحرب، ودحض الإشاعات التي اتهمتهم بالعمالة للصهيونية، وموقعهم المهمّ في أيّ مشروع لاستعادة فلسطين، بحسب رأي المؤلف، وفي السياق نفسه يأتي توضيح الكتاب للسياسة العربية الرسمية التي سعت إلى عزل الفلسطينيين عن القتال، ثمّ الترويج لدعاية مناهضة للفلسطينيين، واتهامهم بالخيانة لتبرير السياسات العربية، والتغطية على حقيقة الهزيمة. والكتاب مفيد من حيث كونه وجهة نظر شعبية لواحدة من أهمّ القوى السياسية في العالم العربي، وكذلك في الكشف عن الدعايات المبكرة التي تستهدف الفلسطينيين والتي لم يزل النظام الرسمي العربي يستعيدها بين وقت آخر حتى اليوم؛ لعزل الجماهير العربية عن القضية الفلسطينية، ثمّ يبقى القول إنّ الكتاب اهتمّ بوضع خطّة عمل لاسترداد فلسطين، الأمر الذي يساهم عرضه في تكثيف الاهتمام بما كتب في هذا الإطار في ذلك الوقت المبكر من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية العربية.

يأتي الكتاب الثالث "المجاهدون في معارك فلسطين 1367ه- 1948م"، والصادر كذلك سنة 1951، للقائد محمد طارق الإفريقي، في السياق نفسه من حيث عرض دور المتطوعين في حرب النكبة، ولكن بالتركيز علي المتطوعين الفلسطيين، ولاسيّما جيش الجهاد المقدّس، مع سرد بعض أهمّ المعارك التي خاضها المتطوّعون الفلسطينيون، وبالإضافة لهذه القيمة التوثيقية من أحد من عايش تلك الحرب وشارك في قيادة بعض مناطقها العسكرية خاصة في القدس، فإنّه في الوقت نفسه قدّم تحليلًا لأسباب هزيمة الجيوش العربية. لا يمكن القول إنّ الكتاب يكشف عن وجهة نظر عسكرية خالصة، فالمؤلف، كان له توجه سياسيّ موال للمفتي الحاج أمين الحسيني، ومناوئ للملك الأردني في حينه عبد الله الأوّل، مما يجعله تقييمًا عسكريًّا مستندًا إلى الاصطفافات السياسية في حينه.

الكتاب الرابع، " بطولات عربية من فلسطين" لمؤلفيه عيسى الناعوري وإبراهيم القطّان، الصادر في سنة 1956 أو في سنة 1958[1]، وبالرغم من كونه وضع ليكون مادة تربوية في المناهج المدرسية، فإنّه تضمّن عرضًا للقضية الفلسطينية، ونضالات الفلسطينيين المبكرة أثناء الانتداب البريطاني، مع الاهتمام بمجريات حرب العام 1948، وإظهار معارك المتطوعين الفلسطينيين، وتقديم وجهة نظر في سبب الهزيمة العربية، والتي هي، بحسب المؤلفيْن، لم تنجم عن ضعف الجيوش العربية، بل عن السياسات العربية، التي مهّدت بالهدنة الأولى والثانية لانتصار صهيوني انتهى بالنكبة الفلسطينية.

أمّا الكتاب الخامس "كارثة فلسطين مذكرات عبد الله التل قائد معركة القدس"، لمؤلفه عبد الله التلّ، فقد كتبه المؤلف سنة 1949 أي عقب النكبة مباشرة، لكنه نشره سنة 1959، ومن الواضح أنّ أهميته تنبع من الموقع العسكري لمؤلفه في الجيش الأردني، ودوره المباشر في حروب النكبة، لكنّه لا يعبّر عن وجهة النظر الرسمية للحكم في الأردن، ولكن عن وجهة نظر معارضة، تحمّل الملك الأردني عبد الله الأوّل المسؤولية الأولى عن هزية الفلسطينيين، لا بسبب قرارات سياسية خاطئة، ولكن، بحسب المؤلف، عن قصد مرتبط بتبعيته المطلقة لبريطانيا، واتصالاته بالحركة الصهيونية، فالمؤلف يحمّل الملك عبد الله المسؤولية الأولى عن إقناع العرب بالقبول بالهدنة الأولى، ومن ثمّ انقلاب الحرب لصالح الصهاينة، وذلك بالإضافة لدور غلوب باشا في إضعاف الجيش الأردني في معركة الدفاع عن القدس، وضياع بعض المدن الفلسطينية. ومن المهمّ التنويه إلى حديث المؤلف عن دور تشكيلات الفلسطينيين التطوعية في الحرب. ويبقى القول إنّ المؤلف قاد محاولة انقلابية على عبد الله الأوّل سنة 1949 كان ممن عاونه فيها الشيخ تقيّ الدين النبهاني الذي صار لاحقًا مؤسس حزب التحرير، وهذه المعلومة بخصوص الشيخ تقيّ الدين مهمّة، بالنسبة لدارسيه ودارسي حزبه.

التحرير


 جيشنا في فلسطين

عنوان الكتاب: جيشنا في فلسطين

تأليف: اليوزباشي السيد فرج أفندي

اللغة: العربية

الناشر: مطابع جريدة "المصري"

مكان النشر: القاهرة

سنة النشر: 1948

عدد الصفحات:125

 

هذا الكتاب عبارة عن تقرير صحافي مطوّل أعدّه ضابط في الجيش المصري رافق حملته على فلسطين أثناء حرب عام 1948، حيث زار مواقع الجيش، وشاهد جانبًا من معاركه، وقابل مسؤوليه، ورصد سلوك جنوده، وقد حوى الكتاب على تفاصيل حول أداء الجيش طوال فترة القتال، كما تحدّث عن دور القوات المصرية الخفيفة من المتطوعين، وسرد بعض المعلومات عن حال القوات الصهيونية ومواقعها في المستعمرات وتكتيكاتها الحربية، وقدراتها القتالية، وطبيعة تسليحها.

بدأ الكتاب بالتأكيد على أن الحملة المصرية على فلسطين جاءت بعد استنفاد العرب كل الوسائل السلمية والدبلوماسية لحل القضية الفلسطينية، وبعد أن وُوجهوا بتعنّت الصهيونية وإصرارها على تأسيس دولة لليهود في فلسطين، وكان خيار الحرب هو الخيار الأخير للعرب في مواجهة المشروع الصهيوني وأخطاره.

 استعرض الكاتب مشاهداته من ميدان المعركة، وأكّد أن تعبأة الجيش جرت في أقل من شهر، فيما تزوّد من حاجاته من السلاح والعتاد في أيام، وأخذ ما يلزمه من الوقود والماء والغذاء، وكان الضباط والجنود في كامل استعدادهم، وتحرّكت قوافل الجيش إلى ميدان القتال بيسر وسهولة، وقد واجهت في فلسطين خطرين هما طبيعة الأرض الفلسطينية التي تعمل لصالح المدافعين، وطبيعة العدو الصهيوني الذي بنى سلسلة من الاستحكامات والدفاعات حول مستعمراته وداخلها، الأمر الذي جعل مهمة الجيش المصري المتقدم صعبةً، لكنَّ النصر، وفق الكاتب، معقود للطائرة والمدفع والدبابة، وهذا ما يتفوق به الجيش المصري.

في مواجهة القلاع الصهيونية المحصنة

وصف الكاتب المستعمرات الصهيونية في فلسطين بأنَّها قلاع محصنة، فغالبًا ما ترتفع على ربوة وتتحكم بطرق المواصلات حولها، "ولها برج عالٍ، وعدة أوكار مختفية في حواجز من الصخر، وموانع أعدتها الطبيعة بعناية، ووّفرت بها أسباب الوقاية والاختفاء" (ص 36). وتكثر في المستعمرات المساحات الزراعية، وفيها أسلاك شائكة تحيط بالمباني والاستحكامات، وربما أحيطت بالألغام، ويستخدم الصهاينة الأكياس الرملية، وألواح الصاج المعرج، والخنادق، أما أقوى استحكاماتهم فهي الدشم، وهي "الأوكار المبنية من الاسمنت المسلح في حمى الأرض الصخرية، والمزودة بالمدافع الرشاشة" (ص 36)، وفي كل دشمة "مزاغل" أي فتحات لإطلاق النار، وفي كل مستعمرة أربعة منها أو أكثر تحيط بالاستحكامات، وتغطّي معظم الجوانب.

ووفق الكاتب، فإن الصهاينة لم يتوقعوا أن تدخل الجيوش العربية فلسطين، لذا لم يفكروا في الحصول على الطائرات والمدافع الكبيرة والدبابات، وكانت أسلحتهم عبارة عن مدافع رشاشة ومدافع مضادة للدبابات وأسلحة فردية، لكن الذي ساعدهم هو قوة الاستحكامات الطبيعية.

أمّا طبيعة قتال الصهاينة فتجري على قاعدة "المقاومة البعيدة دون أن يشتبكوا في القتال وجهًا لوجه، فهم يظلون قابعين في مخابئهم واستحكاماتهم حتى يتقدم منهم الغزاة فيبادلونهم الضرب من بعيد حتى تضعف عزيمتهم وينقضي أملهم في المقاومة والصمود فيلوذوا بالفرار، وينتقلوا خفية من مستعمرة إلى أخرى" (ص 37)، ويعتمد الصهاينة على الاختباء في الدشم عندما تغير الطائرات عليهم، وبعد الغارة يخرجون ليضربوا الجنود المشاة المتقدمين، ويشنون الغارات المفاجئة ليلًا.

الحملة المصرية على فلسطين 

بدأت الحملة المصرية على فلسطين في الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة الخامس عشر من أيار/ مايو عام 1948، وكانت أولى أعمال الجيش المصري مهاجمة مستعمرتي الدنجور (جانب الحدود مع مصر)، وكفار داروم (شمال رفح)، وشن غارات جوية على "تل أبيب" ومستعمرات حنون وبيت إسحاق (شرق غزة)، ثمَّ دخل الجيش مدينة غزة في السابعة من مساء يوم الخامس عشر من أيار/ مايو، واستولت قوات المتطوعين في اليوم نفسه على تلّة "علي المنطار"، ثم استأنف الجيش غاراته الجوية على المستعمرات في السابع عشر والثامن عشر من أيار/ مايو، وحرَّر الجيش دير سنيد في الثالث والعشرين من أيار/ مايو وتقدّم نحو بئر السبع والخليل، ودخل بيت لحم، والمجدل، وكان للمتطوعين المصريين دور متميز، إذ قدَّموا معلوماتٍ مفيدةً للجيش، وهاجموا العدو وشلوا حركته وهدَّدوا حركة مواصلاته، وضربوا قواعده، وقد بدأ وصول المتطوعين إلى فلسطين في ليلة السابع من أيار/ مايو، حيث دخلوا خانيونس وغزة، واستولوا على خط طوله 150 كم، يبدأ من العوجة، ويصل إلى عسلوج- بئر السبع- الظاهرية- الخليل- بيت لحم، وقاتلوا في "رامات راحيل"، وتعاونوا مع القوات العربية، والجيش الأردني.

ومن أهم معارك الجيش المصري، معركة دير سنيد (مستعمرة ياد مردخاي)، فقد كان لا بدّ من استهدافها لتأمين تقدم الجيش نحو المجدل. بدأت المعركة في التاسع عشر من أيار/ مايو بغارات على المستعمرة شنتها الطائرات المصرية، أُتبعت بقصف مدفعي ثم تقدّمِ جنود المشاة، وجرت الاشتباكات حتى تمّ تحريرها في الرابع والعشرين من أيار/ مايو. كما استولى المصريون على أسدود في الثلاثين من أيار/ مايو، وتمكَّن الجيش المصري من صدّ هجوم صهيوني قوي عليها بقصد طرد المصريين منها، واستولوا أيضًا على مستعمرة "نيتسانيم" لتأمين تقدمهم شمالًا، واستخدم الجيش المصري في هذه المعركة التكتيك نفسه، إذ افتتح الهجوم عليها بغارات جوية فجر السابع من حزيران/ يونيو، ثم ضُربت المستعمرة بالمدفعية، ثم تقدّم المشاة مع الدبابات والسيارات المصفحة، وحدثت اشتباكات حتى استسلمت المستعمرة في الساعة الثانية ظهرًا.

الهدنة الأولى وتغير ميزان القوى

تناول الكاتب موضوع الهدنة، ورأى أنَّها لم تكن لصالح العرب، وقد استغلّها الصهاينة وأدخلوا إلى فلسطين مئات الشباب المقاتلين، وجلبوا السلاح والذخيرة، كما أنَّهم اخترقوها من أول يوم، فهاجموا قرى عربية واستولوا عليها وعزَّزوا مواقعهم، في حين اكتفى العرب بتقديم احتجاج لدى المراقبين الدوليين دون جدوى، وانتظر الجيش المصري انتهاء الهدنة حتى استولى على كفار داروم، وأعاد تحرير القرى التي استولى عليها اليهود أثناء الهدنة، وأغارت الطائرات المصرية على "تل أبيب" وبعض المستعمرات والمطارات، وقُصفت المستعمرات بالمدفعية، في المقابل بدأت طائرات العدو بالإغارة على القاهرة منذ الخامس عشر من تموز/ يوليو. 

ملاحظة ختامية

اتسم الكتاب بكونه ترويجيًّا، اعتمد الرواية المصرية الرسمية للحرب، وقدَّم صورةً جميلةً للأداء المصري نظامًا وجيشًا وشعبًا وإعلامًا، وأكَّد بأن "مصر قامت بواجبها"، وقد ساعده في ذلك ما حقّقه الجيش المصري والمتطوعون المصريون من تقدم في الميدان خصوصًا في المرحلة الأولى من القتال قبل أن يتراجع الجيش المصري ويصاب بهزيمة منكرة. 

 

 

 

 

 الإخوان المسلمون في حرب فلسطين

 

عنوان الكتاب: الإخوان المسلمون في حرب فلسطين صفحة من التاريخ الإسلامي

تأليف: كامل إسماعيل

اللغة: العربية

الناشر: مطبعة دار الكتاب العربي

مكان النشر: القاهرة

سنة النشر:1951

عدد الصفحات:258

 

اهتمّ هذا الكتاب بسرد قصة مشاركة الإخوان المسلمين المصريين في حرب عام 1948، وهو كتاب مهم لكونه من النصوص الأولى التي تناولت هذا الموضوع، ولأنَّه حوى تفاصيل كثيرةً حول طبيعة هذه المشاركة، وقد نحته المؤلف (الذي عُرف لاحقًا بكامل الشريف) بعد أن خاض غمار الحرب وعايش أحداثها، وكان له دور مركزي في التأسيس لهذه المشاركة ومتابعتها حتى النهاية.

تَكَوَّن الكتاب من مقدمة، وتسعة عشر عنوانًا، وخاتمة، وحوى توصيفًا لمجريات المعارك التي خاضها الإخوان المسلمون على أرض فلسطين، وإشارةً لدور الجيش المصري، وتضمن نقاشًا لبعض القضايا المرتبطة بالحرب مثل دور أهل فلسطين عمومًا وبَدْوها على وجه الخصوص، وفيه مساهمة ختامية أجاب فيها المؤلف على سؤال: كيف نستعيد فلسطين؟

الإخوان المسلون في حرب عام 1948

بدأ المؤلف بشرح منطلقات الإخوان التي حكمت اهتمامهم بالقضية الفلسطينية، وبيَّن صورًا من مساهمتهم في دعم فلسطين ونصرة أهلها قبل عام 1948، وأشار إلى أنهم لعبوا دورًا مركزيًّا في "تهيئة الأمّة لقبول فكرة الحرب" (ص39) ضدّ المشروع الصهيوني، ودَفْعِ الجيش المصري للمشاركة فيها، وأعلنوا قبل اندلاعها عن استعدادهم للدفع بعشرة آلاف مقاتل للميدان في الدفعة الأولى، وتعاونوا مع بعض الشخصيات المصرية مثل صالح حرب باشا واللواء عبد الواحد سبل بك، وأقاموا معسكر تدريب في هاكستب بإشراف الجامعة العربية.

 أمَّا مساهماتهم العملية فبرزت أولًا في محاولاتهم توحيد الجهد الحربي الفلسطيني والتوفيق بين فرقتي النجادة والفتوة الفلسطينيتين، ثم  البدء بالتسلل إلى فلسطين والمشاركة في القتال في النقب منذ شهر شباط / فبراير عام 1948، وخوض معركة "كفار داروم" الأولى في نيسان/ إبريل عام 1948، وقد خَلُص الإخوان بعد هذه المعركة إلى أن التحصينات الصهيونية كانت أقوى ممّا تصوروا، وأن عليهم التركيز على حرب العصابات خارج حدود المستعمرات المحصنة بحيث يهاجمون القوافل وشبكات المياه والتموين ويغيرون على مراكز الجيش، ويحاولون جرَّ الصهاينة للقتال في الأرض المكشوفة، على أن تكون هذه الحرب رديفةً لعمل الجيش النظامي، الذي كان يجري التنسيق معه بشكل كامل.

رؤية الإخوان لدور البدو في القتال في فلسطين

ركَّز المؤلف على توضيح دور البدو في حرب عام 1948، ولعلّ مردّ ذلك إلى كونه من أصول بدوية، وقناعته بأهمية دور البدو في الدفاع عن فلسطين، وخطته المستقبلية القائمة على تفعيل دورهم في أي جهد يستهدف تحرير فلسطين، وهو ما جرى فعلًا في خمسينيات القرن العشرين.

عمِل الإخوان على معالجة الإشاعات التي ردَّدها البعض حول عمالة البدو للصهاينة، فأرسلوا دوريات استطلاع لمعرفة حقيقة الأمر على أرض الواقع، وتنبَّهوا إلى إهمال القيادة العربية الرسمية والزعامات الشعبية للبدو، حيث إنَّها لم "تكلّف نفسها مشقة التجوّل بين هؤلاء الأعراب وتنظيم حركة مقاومة في مناطقهم" (ص 87)، ولم تمدّهم بما يلزمهم من سلاح وعتاد، كما أنَّها تركتهم من زمن طويل فريسةً للصهاينة الذين قدّموا لهم الخدمات وشاركوهم أفراحهم وأتراحهم، ومن ثمّ كان التقصير والتضليل هو السبب وراء حال البدو، ثمَّ إنّ الإخوان استدرجوا البدو للمشاركة معهم في القتال، وقد أقرَّ المؤلف بالدور المهمّ الذي لعبه بدو الترابين والنصيرات والتياها والمعالقة وغيرهم.

-       كتيبة أحمد عبد العزيز - نموذجٌ من قتال الإخوان في فلسطين

تناول الكتاب تفاصيل الدور الذي لعبته كتيبة القائد المصري أحمد عبد العزيز، والتي التحقت بفلسطين في الخامس والعشرين من نيسان/ إبريل عام 1948، ووفق المؤلف، فقد كان أغلب أفراد هذه الكتيبة من الإخوان المسلمين، وقد سرد تفاصيل أعمالها خصوصًا في شهر أيار/ مايو عام 1948، حيث قاتلت في غزة وخانيونس وبئر السبع ومنطقتي الخليل وبيت لحم، وحقّقت عدة إنجازات؛ منها تحرير مستوطنة "رامات راحيل"، وتحرير منطقة العسلوج، وصدّ الهجمات الصهيونية على صور باهر وجبل المكبّر وغيرهما. 

ورغم أن المؤلف أثنى على القائد أحمد عبد العزيز، إلا أنَّه انتقد بعض قراراته التي كلَّفت الكتيبة الكثير من الأرواح، وعطَّلت جهودها، مثل قراره مهاجمة مستعمرة "كفار داروم" رغم علمه بمتانة تحصينها وصعوبة تحريرها، وقد أدى هذا الهجوم إلى ارتقاء سبعين شهيدًا وجرح خمسين دون التمكّن من تحرير المستعمرة، وانتقده أيضًا في التحولات التي طرأت على دور كتيبته حيث أصبحت تمارس دور الجيوش النظامية. 

-       السياسة ومعوّقات القتال

اتهم المؤلف الحكومة المصرية السعدية بالتماهي مع بريطانيا وسياساتها في فلسطين، والوقوف ضدّ مشاركة الإخوان في الحرب، والتعامل مع هذه المشاركة بوصفها مؤامرةً هدفها التهيئة للثورة على النظام المصري بعد العودة من فلسطين، وقد أخذت الحكومة بالتضييق على المتسلَّلين المصريين إلى فلسطين عبر إغلاق الحدود، ومنع وصول التموين لهم، وقد أرغمت هذه القيود الإخوان على العمل تحت قيادة الجامعة العربية، وكان للصراع السياسي داخل مصر أثره السلبي البالغ في العمليات على الأرض، إذ إنّ قرار الحكومة حلّ جماعة الإخوان والطلب من الجيش الاستيلاء على سلاح مقاتليها واعتقالهم، أعاق العمل الإخواني الميداني على جبهات القتال.  

-       دور الفلسطينيين في القتال

رأى المؤلف أنَّه كان من المفترض أن يضطلع الفلسطينيون بحرب العصابات بينما تسيطر الجيوش النظامية على المدن والمراكز الهامة، لكنَّ المشكلة الرئيسة التي واجهها الجهد القتالي العربي تمثَّلت في أن الجيوش العربية سارت وفق خطة بريطانية مدروسة لإبعاد الشعب الفلسطيني عن القتال، فبادرت بحلّ المنظمات العسكرية الفلسطينية، ونزعت سلاحها بالتدريج، وبادرت باتهام الفلسطينيين بالخيانة، وهذه الاتهامات الباطلة كانت سببًا في ضرب الروح المعنوية للجندي المصري، ومبرّرًا للهزائم التي مُنيت بها الجيوش العربية.

-       خلاصات حول هزيمة الجيش المصري

خلُص المؤلف إلى أن السبب في هزيمة الجيش المصري في حرب عام 1948 يعود إلى جهل الجيش المصري بطبيعة العدوّ، وما عاناه من نقص في التدريب والقدرة خاصةً فيما يتعلق بالأعمال الليلية، ونقص في بعض أنواع السلاح مثل الدبابات الثقيلة التي كان وجودها سيسهّل مهاجمة المستعمرات، وانعدام رغبة الجيش في الاستكشاف، وتوغله في فلسطين دون فضّ الجيوب اليهودية الخطرة في صحراء النقب، وعدم استفادته من القوى الشعبية الفلسطينية، ونقص الحماية الجوّية لقواته خصوصًا في المراحل الأخيرة من الحرب، وكان للهدنتين دور مركزي في إضعاف معنويات الجندي المصري، حيث تحول الجيش بعد الهدنة الأولى من خطة الهجوم إلى الدفاع.

-       ما العمل؟ 

امتاز هذا الكتاب في أنَّ مؤلفه طرح برنامج عمل لاسترداد فلسطين، وكان من أوائل من كتبوا نصًّا بهذا الخصوص ضمّنه كتابه، وقد تضمّن البرنامج الدعوة إلى استمرار "حرب العصابات الشعبية بينما تعلن الحكومات العربية تنصّلها من هذه العصابات" (ص 218)، والاستمرار في العمل على "إرباك إسرائيل بحركات شعبية تجعلها في قلق دائم، وتجعل جيشها الوليد في حالة حرب طويلة المدى مما يؤثر في سير إعداده وتدريبه، بينما تظل جيوشنا النظامية عاكفةً على ما هي فيه من إعداد وتدريب" (ص 219).

واستكمل البرنامج بضرورة عمل طويل الأمد يتضمن إيجاد الأمة المتعلمة القوية، وخلق جيل واعِ سياسيًّا، يحمل عقيدة سليمة بعيدًا عن مظاهر الخنوثة والترف، وإحداث إصلاح سياسي حقيقي خصوصًا في مصر، قوامه حرية الرأي والعقيدة، ومحاكمة السياسيين الفاشلين، والتمرّد على الانجليز، وإيجاد حكام مخلصين يحققون إصلاحاتٍ اقتصاديةً، وبناء جيش مصري قوي قائم على عقيدة قتالية صلبة قوامها القيم الإسلامية، وإعادة الثقة للجيش بقيادته وبدوره، واستيراد السلاح، وإقامة المصانع الحربية، والعمل الجادّ لدراسة العدو دراسةً واعيةً.

 


 

 المجاهدون في معارك فلسطين

عنوان الكتاب: المجاهدون في معارك فلسطين 1367ه- 1948م

تأليف: القائد محمد طارق الأفريقي

اللغة: العربية

الناشر: دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر

مكان النشر: سوريا

سنة النشر:1951

عدد الصفحات:175

 

 

تكمن أهمية الكتاب في كون مؤلفه أحد القادة الميدانيين في حرب عام 1948، وقد شارك -وفق كلامه- في أربعين معركةً على جبهتي غزة والقدس، كما أن الكتاب من أوائل ما صدر حول دور المتطوعين الفلسطينيين في حرب عام 1948، وركَّز على توثيق تفاصيل معاركهم بين شهرين آذار/ مارس وتشرين الأول/ أكتوبر عام 1948.

المجاهدون في فلسطين ودورهم في حرب عام 1948

بحث الكتاب مسألة المجاهدين في فلسطين (المتطوعين من الفلسطينيين والعرب)، وتحدث عن دورهم في حرب عام 1948، وكشف عن كيفية تأليف فرقهم، وذكر أعدادهم وترتيبهم، وأهم معاركهم وتفاصيل أحداثها ونتائجها.

وأشار في البداية إلى مبادرة الفلسطينيين إلى تأسيس الهيئة العربية العليا بمباركة الجامعة العربية عام 1946، لتوحيد أعمال الدفاع عن بلدهم، فقد نالت الهيئة اعتراف العرب وبريطانيا والأمم المتحدة، وكانت أولى أعمالها جمع السلاح، وتشكيل جناح مسلح أسمته جيش الجهاد المقدس، ووضع برنامج عمل له يحوي أكثر من ثلاثة آلاف هدف مع خرائط مفصّلة، واستدعت الهيئة ألف شاب فلسطيني للتدريب في معسكر قطنا في دمشق، واستمرت في عمليات التسليح، رغم العراقيل التي وضعتها بريطانيا في وجهها، في المقابل شكَّلت جامعة الدول العربية لجنةً عسكريةً اقترحت وضع عرب فلسطين بشكل مماثل لواقع اليهود من ناحيتي التسليح والتدريب، وإرسال متطوعين عرب للقتال معهم، مع حشد الجيوش العربية على الحدود.

ضمّ جيش الجهاد المقدس، كما جاء في الكتاب، مجنّدين تحت السلاح (قرابة العشرة آلاف)، بالإضافة إلى المجاهدين المقيمين في قراهم والتي تمدّهم الهيئة العربية العليا بالسلاح (بين خمسة عشرة ألفًا إلى عشرين ألفًا)، والمجاهدين القادرين على حمل السلاح من أنفسهم، ويشتركون بالنجدات، وهم ضعف هذا العدد، وقُسّمت فلسطين إلى سبع ساحات وهي: القدس وبيت لحم ورام الله، والمنطقة الغربية الوسطى، وساحة الجنوب، والساحة الغربية، والساحة الشمالية، وذكر المؤلف ما تعنيه هذه الساحات جغرافيًّا، وطبيعة التشكيلات العسكرية التابعة للجهاد المقدس فيها.

المعارك في فلسطين كما رواها الأفريقي

-       جبهة غزة

طلب الحاج أمين الحسيني من المؤلف المشاركة في الدفاع عن فلسطين، فوصل مدينة يافا وعمل مستشارًا حربيًّا لحسن سلامة، ولما عُيِّن قائدًا للجهاد المقدس للقرى في جبهة غزة في بداية آذار/ مارس عام 1948، زار المنطقة، ووضع عليها القادة عزت حقي ومحمد التونسي والملازم حسن، وخاض مع جنده ثماني عشرة معركة حتى إعلان الهدنة الأولى في حزيران/ يونيو عام 1948. 

ويُستنتج مما أورده الأفريقي من تفاصيل حول معارك جبهة غزة أن أغلبها أتى في إطار حرب المواصلات، فقد هاجمت تشكيلات الجهاد المقدس القوافل اليهودية المتجهة من منطقة غزة إلى المستعمرات الصهيونية في القدس، وكانت تبدأ بتلغيم الطرق، ثم تفجيرها بالمصفحات اليهودية، ثم الاشتباك معها، وهي معارك هجومية متحركة أخذ المجاهدون فيها زمام المبادرة، وهذه المعارك هي: معركتا الفلوجة الأولى والثانية (13 – 14 آذار/ مارس)، ومعركة المجدل (17 آذار/ مارس)، ومعارك جوليس الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة (22 آذار- 15 نيسان/ إبريل)، ومعارك بربرة الأولى والثانية والثالثة (24 آذار- 10 نيسان/ إبريل)، ومعارك أسدود الأولى والثانية والثالثة والرابعة (26 آذار- 8 نيسان/ إبريل)، ومعركتا بيت دارس الأولى والثانية (27 -29 آذار/ مارس)، ومعركة قرية جورة  (6 نيسان/ إبريل).

وأكَّد الأفريقي في روايته عن هذه المعارك أن المجاهدين واجهوا صعوبات في الحصول على السلاح لتأمين جبهة غزة خصوصًا في نيسان/ إبريل عام 1948، وقد اضطروا للاستعانة بأبناء القرى للتبرع في سبيل تأمين المبالغ اللازمة لتوفير احتياجات المجاهدين، كما أن الحكومة المصرية أعاقت جهود الفلسطينيين للحصول على السلاح، بحجة أن السلاح الذي يصل الفلسطينيين يباع لليهود.

-       جبهة القدس

استلم الأفريقي قيادة منطقة الجامعة العبرية ومستشفى هداسا في جبهة القدس في الحادي عشر من تموز/ يوليو عام 1948، وأصبح يسمى بقائد مناضلي القدس، وقد شارك في معارك جبهة القدس لمدة أربعة أشهر إلى أن قدَّم استقالته وسافر إلى دمشق.

وعايش الأفريقي قرابة الثلاثين هجومًا صهيونيًّا استهدف الاستيلاء على البلدة القديمة ومحيطها، وأكدَّ في نصه أن العرب خاضوا اثنتين وعشرين معركةً في تلك المرحلة كانت في أغلبها دفاعيةً، ووجهًا لوجه، ومن مسافات قصيرة، وقد كان جزءٌ كبيرٌ منها عبارةً عن قصف يهودي للمواقع الدفاعية العربية، يقابله رد عربي، ثم اشتباك بين الطرفين، وغالبًا ما يكون القصف نهارًا، وأمَّا الاشتباك البري فيحدث ليلًا، وكانت قوة اليهود في هذه المعارك مضاعفةً، كما أنَّهم امتلكوا مواقع استراتيجيةً وتكتيكيةً أحسن ممّا لدى العرب.

وقدَّم شرحًا لأسباب كل معركة ومجرياتها ونتائجها، وهذه المعارك هي: معارك النبي داود الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسابعة والثامنة والتاسعة (17 تموز/ يوليو- 20 تشرين أول/ أكتوبر)، ومعارك دير أبي طور الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة (20 تموز/ يوليو- 25 تشرين أول/ أكتوبر)، ومعركة جبل المكبر (16 آب/ أغسطس)، ومعركة عرب السواحرة (21 آب/ أغسطس)، ومعركة دار الانتداب البريطاني في جبل المكبر (23 آب/ أغسطس)، ومعركة وادي ربابة الأولى والثانية (29 أيلول/ سبتمبر- 17 تشرين الأول/ أكتوبر)، ومعركة سلوان الأولى والثانية (4 – 9 تشرين أول/ أكتوبر).

أسباب هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948

ركَّز الكاتب على تبيان الأسباب التي أدّت إلى خسارة الجيوش العربية حرب عام 1948، وذكر أنَّه كان على الجيوش العربية أن تدخل فلسطين وهي أكثر ترتيبًا وتحشيدًا، وكان يجب على القيادة العربية استلام المواقع الاستراتيجية والتكتيكية من المتطوعين قبل بدء المعارك، وأشار إلى فقدان الجيوش العربية للقيادة الموحّدة، وفقدانهم للخطة، وإلى التأثيرات السلبية للهدنة الأولى والثانية.

ملاحظة ختامية

أود الإشارة في الختام إلى أن الكتاب احتوى بعضًا من المبالغات، خصوصًا فيما يتعلق بالإحصائيات والأرقام المتعلقة بعدد المقاتلين في التشكيلات العسكرية التابعة للهيئة العربية العليا، وما رصدته هذه التشكيلات من أهداف، وما حققته من نتائج على الأرض، كما يلاحظ تعمّد الكاتب إغفال مشاركة الجيش الأردني في المعارك على جبهة القدس، رغم أهمية الدور الذي لعبه في تلك المرحلة، مع اكتفاء الكاتب بذكر عابر لدور عبد الله التل، وربما السبب في ذلك؛ الموقف السياسي للمؤلف الذي كان محسوبًا على جماعة الحاج أمين الحسيني ومن معارضي الملك الأردني عبد الله. 

 

بطولات عربية

 

عنوان الكتاب: بطولات عربية من فلسطين

تأليف: عيسى الناعوري وإبراهيم القطان

اللغة: العربية

الناشر: مطبعة الاستقلال العربي

مكان النشر: عمان

سنة النشر:1956

عدد الصفحات:146

 

هذا النص موجَّه لطلبة المدارس في الأردن (الضفتين)، وكان الهدف من تأليفه، كما ذكر مؤلفاه، إزالة بعض الأوهام حول ما جرى في فلسطين في حرب عام 1948، وتشجيع الطلبة على أخذ العبرة، والاستعداد لأخذ زمام المبادرة في التغيير وتحقيق هدف تحرير فلسطين، ويبدو من صيغة الكتاب أنَّه كان أحد مقررات وزارة التربية في تلك المرحلة، وجرى توزيعه على طلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية.   

تناول الكتاب القضية الفلسطينية وتطوراتها منذ بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين حتى نهاية أحداث النكبة عام 1949، وركَّز في فصوله الأربعة على تبيان حجم المأساة التي مرَّ بها الشعب الفلسطيني، والتأكيد على بطولته في مواجهة المشروع الصهيوني، في ردِّ واضحٍ على الإشاعات التي اتهمت الفلسطينيين بالخيانة وبيع بلادهم للصهاينة، والتي لاكتها ألسنة بعض السياسيين العرب ومن شايعهم من المثقفين والكُتَّاب، وفي محاولة لاستنهاض همم الفلسطينيين لاستئناف النضال من أجل تحرير بلادهم. 

استعرض الكتاب في فصله الأول السياسة البريطانية الداعمة للوجود اليهودي في فلسطين، عبر تسهيل الهجرة الصهيونية إليها، والسماح للصهاينة بالتسليح والتدريب، ودعم اقتصادهم، وتقوية مؤسساتهم السياسية والإدارية، الأمر الذي دفع الشعب الفلسطيني للثورة على بريطانيا طوال ثلاثين سنةً من احتلالها لفلسطين، وحوى الفصل الثاني سردًا لتفاصيل ثورة البراق عام 1929، وأبان عن أسبابها، وكشف عن أهم أحداثها، خصوصًا ما جرى في مدينتي الخليل وصفد، وتناول قصة الشهداء الثلاثة الذين أعدموا في سجن عكا صبيحة السابع عشر من حزيران/ يونيو عام 1930، وكيف استقبلوا الموت بكل شجاعة، وأظهر الاهتمام الفلسطيني الكبير بهم، وكيف أصبحوا أيقونات في النضال والتضحية، يتغنّى بهم الشعراء، ويأتي على ذكر مواقفهم الخطباء، ويتحدث بسيرتهم الناس.

وركَّز الفصل الثالث على الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، فأشار إلى المقدّمات التي أدّت إلى قيامها، وذكر دور حركة الشيخ القسام في التهيئة لها، وأورد جملة الأسباب التي أدّت لاندلاعها، وعرض نماذج من قادتها الميدانيين، وتحدث عن مجرياتها، وقدَّم إحصائيات حول الضحايا والخسائر المادية، وروى بعض وقائع القتال فيها، ثمَّ تناول أهمّ قادتها ومناطق عملهم، مثل فوزي القاوقجي، وسعيد العاص، وعبد القادر الحسيني، وحسن سلامة، ويوسف أبو درة، وعبد الحليم الجولاني، وعارف عبد الرزاق، وغيرهم، مع تركيزه بشكل لافت على عبد الرحيم الحاج محمد، وسَرَدَ تفاصيل بعض المعارك مثل معركتي بلعا اللتين جرتا في آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر من عام 1936، ومعركة برقة، واستعرض تفاصيل معارك "تحرير" المدن، خصوصًا تحرير مدينتي القدس ورام الله، وذكر سياسات بريطانيا الوحشية تجاه أهل فلسطين.

واهتم الفصل الرابع بالحديث عن حرب عام 1948، وقد بدأه بمقدمة تظهر تطور القوة الصهيونية في فلسطين في مجالي التسليح والتدريب، والتحولات في السياسة الصهيونية في فلسطين باتجاه الضغط على بريطانيا للانسحاب منها، حتى أنّ بعض العصابات الصهيونية بدأت باستهداف الوجود البريطاني البشري والمادي، على الرغم من ذلك بقي البريطانيون على عهدهم في دعم المشروع الصهيوني حتى انسحبوا من فلسطين. ثمَّ ذكر أهم المعارك التي خاضها أهل فلسطين، مثل معارك القدس بقيادة عبد القادر الحسيني، وأظهر أبرز التكتيكات العسكرية التي استخدمها أهل فلسطين في تلك المعارك، وأعطى تفصيلات حول أعمال التفجير في القدس التي قامت بها قوة التدمير التابعة للجهاد المقدس، واستهدفت فيها مواقع حساسة للصهاينة، مثل نسف شارع بن يهودا، والتفجير في شارع يافا، وتفجير مقر الوكالة اليهودية، كما استعرض جوانب من حرب المواصلات التي شنّها عبد القادر الحسيني ضدّ القوافل اليهودية، وقدَّم نماذج لما جرى في القرى، مثل سلمة ودير ياسين.

سِيَر أبطال حرب عام 1948

سرد الكتاب جوانب من سير أبطال فلسطين والعرب من الذين خاصوا المواجهة ضدّ بريطانيا والمشروع الصهيوني، منهم عبد القادر الحسيني، وإبراهيم أبو دية، وحسن سلامة، وعبد الرحيم محمد، وبعض الشهداء مثل عارف نعمان، وفيصل الطاهر، وأحمد الحنيطي (الأردن)، وأحمد عبد العزيز (مصر)، ومأمون البيطار (سوريا).

خلاصات مهمة

اعترف الكتاب بشكل صريح بعجز العرب وضعفهم وتقصيرهم في حرب عام 1948، ودعا جمهور القراء بأن يأخذوا العبرة والعظة مما جرى، وأن يستعدوا لاستعادة فلسطين، وأكَّد على أن الفلسطينيين رغم قلة السلاح والذخيرة، استطاعوا الصمود أمام القوات الصهيونية والبريطانية أكثر من خمسة أشهر، لكن الجيوش العربية السبعة بطائراتها ودباباتها لم تصمد أمام القوات الصهيونية أكثر من شهر" ثم وقفت تتنفس... بالهدنة الأولى، ثم بالهدنة الثانية، وبالهدنة الدائمة سلَّمت إلى اليهود من الأراضي ما أردوا رغمًا عن عرب فلسطين" (ص 117)، وفي عهد هذه الجيوش وقعت أكثر المناطق العربية في أيدي القوات الصهيونية، فكانت مأساة اللد والرملة وقلقيلية وطولكرم وجنين والمناطق الشمالية من فلسطين وبئر السبع والمجدل والفالوجة وغيرها، وقد قامت هذه الجيوش بتجريد الفلسطينيين من السلاح، وأبعدتهم عن ميادين القتال، أمَّا السبب الرئيس وراء الهزيمة النكراء عام 1948، فلم يكن ضعف الجيوش العربية، فقد كانت "قادرة في أسبوع واحد أن تريح الدنيا من اليهود ودولة إسرائيل، لكن ذلك وقع لأنَّ زعماء الدول العربية حينذاك استسلموا إلى إرادة بريطانيا وأمريكا وهيئة الأمم" (ص117).

 


 كارثة فلسطين

 

عنوان الكتاب: كارثة فلسطين - مذكرات عبد الله التل قائد معركة القدس

تأليف: عبد الله التل

اللغة: العربية

الناشر: دار القلم

مكان النشر: القاهرة

سنة النشر: 1959

عدد الصفحات: 645

 

نحت عبد الله التل مذكراته عام 1949، وانتظر عشر سنوات كاملات حتى صدر في كتاب، والحق أنَّها مذكرات مهمة، نظرًا لصدورها عن التل، أحد أركان حرب الجيش الأردني، وقائد معركة الدفاع عن القدس أثناء حرب عام 1948، ولكونها تحوي تفاصيل أحداثٍ جسام مرَّت على فلسطين وعاشها المؤلف منذ صدور قرار التقسيم في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1947 حتى العاشر من تشرين أول/ أكتوبر عام 1949.

 تكونت مذكرات التل من تسعة عشر فصلًا، وملحقيْن وفهرست بالأعلام والأماكن، وركَّزت على الموضوعات التالية:

عبد الله التل ودوره في حرب عام 1948 

تحدث التل عن تفاصيل انخراطه في حرب عام 1948، فقد عمل ابتداءً على تدريب شباب اللد والرملة والقرى المجاورة مثل العباسية والسافرية وصرفند والبرية، ثم أشرف على صدامات محدودة بعيدًا عن أعين الضباط الإنجليز، كما في مهاجمته لقافلة يهودية قرب معسكر بيت نبالا في الرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر عام 1947، ثم المشاركة في الهجوم على مستعمرتي "كفار عتصيون" و"النبي يعقوب" في نيسان عام 1948، والمساعدة في الدفاع عن حيّ القطمون غربيّ القدس، والهجوم مرة أخرى على "كفار عتصيون"، والإشراف على معركة "كفار عتصيون" الكبرى في النصف الأول من أيار/ مايو عام 1948، وقد استمر هذا المستوى من المشاركة عبر تعاونه مع التشكيلات العسكرية المحلّية (جيش الجهاد المقدس وجيش الإنقاذ) والتأكيد على أهمّيتها ودورها في الدفاع عن القدس، واستمرار تواصله مع الشباب الوطني في القدس وتعاونه مع المتطوعين من الأردن، حتى بعد انتهاء مهمته.

وتناول التل في مذكراته انخراطه الرسمي في القتال في حرب عام 1948، فقد شارك في البداية في المرابطة في مدينة أريحا في الخامس عشر من أيار/ مايو عام 1948، ثمَّ استلم قيادة القوات العربية في القدس في الثامن عشر من أيار/ مايو عام 1948.

وقدَّم التل شرحًا وافيًا لطبيعة القوات الأردنية، وقادتها، وأعدادها، وأماكن مرابطتها، ثم سرد تفاصيل دفاعه عن القدس، وصدّه لهجمات القوات الصهيونية على المدينة، وضغطه الشديد على الأحياء اليهودية في غربيّ القدس، وقصّة قيادته معركة تحرير "الحيّ اليهودي" في البلدة القديمة.

وتحدّث التل عن محاولاته إدارة الشأن الداخلي لأهل القدس، عبر تعيينه لمجلس بلدي في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1948، يقوده أنور الخطيب، وبعضوية يحيى حمودة ورأفت فارس والأب عياد وعبد الله نعواس، ودوره في عقد مؤتمر عروبة القدس في كانون الثاني/ يناير عام 1949، وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى في شباط/ فبراير عام 1949، حيث جرى تحرير أكثر من 5000 أسير عربيّ مقابل 700 أسير يهودي أُلقي القبض عليهم في معركتي "كفار عتصيون" والقدس القديمة. 

غلوب باشا ودوره في حرب عام 1948

تُصوِّر المذكرات غلوب باشا متآمرًا على فلسطين، ومنفِّذًا أمينًا لسياسة بريطانيا، ومن مظاهر ذلك محاولته استثناء القدس من حسابات الجيش الأردني، ورفضه زيادة قوات التل رغم شدة القصف الصهيوني عليها، خصوصًا أثناء الهجمات الكبيرة على القدس في تموز/ يوليو من العام 1948، وعمل ضباطه مثل نيومان وسليد وغيرهما على إضعاف الجيش الأردني عمومًا عبر إرساله في مهمات قاتلة، كما أنَّهم كانوا يمنعون الجيش من التقدم في الوقت الذي كان بإمكانه فعل ذلك.

وحمَّل التل غلوب باشا مسؤولية ضياع مدينتي اللد والرملة، وأكدَّ في سرده حول سقوط المدينتين بيد الصهاينة أنَّ غلوب ترك ما لا يزيد عن 500 متطوعٍ أردنيّ يدافعون عن المدينتين، ولم يرسل لهم سوى سريّة واحدة دون أسناد، كما استلم عدد من الضباط الإنجليز التابعين لغلوب مهمة القضاء على الجهاد المقدس منهم الميجر لوكت والضابط نيومان، في الوقت الذي رفض فيه غلوب طلب مصر الرسمي المساعدة في معركة النقب في شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1948، وسهَّل السيطرة اليهودية على جنوب النقب، بعد أن أمر القوات الأردنية بقيادة الكابتن برومج بالانسحاب منها، فقام أقل من 200 جندي صهيوني باحتلال أم الرشراش.    

الملك عبد الله في مذكرات عبد الله التل

بدا الملك عبد الله في المذكرات شخصًا مستسلمًا للسياسة البريطانية، وصديقًا وفيًّا للحركة الصهيونية، يعمل ضمن استراتيجية قتالية مضبوطة بقرار التقسيم، فوفق ما جاء في المذكرات، أمر الملك بسحب كل جنوده من القدس في الثالث عشر من أيار/ مايو عام 1948، ولم يستغلّ اللحظة التاريخية التي واتته حين كان عبد الله التل يحاصر الأحياء اليهودية في القدس، في وقتٍ كان بإمكانه تحرير كل القدس، وقَبِل بالهدنة الأولى، وضغط على الدول العربية لقبولها، وتآمر على جيش الجهاد المقدّس، ووقف موقفًا سلبيًّا من مصر، ومنع الجيش العراقي من نصرة جيشها.

وأفرد التل مساحةً كبيرةً للاتصالات السرية بين الملك عبد الله والحركة الصهيونية، وخصّص لها الفصل الرابع عشر، وأكَّد أن هذه الاتصالات (اجتماعات ثنائية وتبادل رسائل) دارت في القدس والشونة وباريس ولندن، وكانت تجري عبر ممثلين من الطرفين، وأحيانًا يشارك فيها الملك بنفسه، ومن أشهر من أدار هذه الاتصالات من الجانب الأردني الدكتور شوكت الساطي طبيب الملك، بالإضافة إلى التلّ نفسه، أما من الجانب الصهيوني فقد شارك فيها من وزارة الخارجية إلياهو ساسون، وموشي ديان، وإيتان، ويادين.

علاقة التلّ بالنظام الأردني.. من التوتّر إلى محاولة الانقلاب

خصّص التل الفصل الثامن عشر للحديث عن أسباب الصراع بينه وبين النظام الأردني (غلوب باشا والملك والحكومة) خصوصًا حمايته لجريدة "البعث" التي شرعت في نقد السياسة الأردنية تجاه فلسطين، والتهجّم على الإنجليز، وبالإضافة إلى تعاونه مع المعارضة الفلسطينية، تحديدًا كوادر الجهاد المقدس. ثم شرع في الفصل التاسع عشر بالحديث عن قيادته لمحاولة انقلاب على نظام الحكم بالتعاون مع عدد من الضباط الأردنيين والتواصل مع النظامين السوري والمصري، ويلاحظ في هذا الصدد أنَّه ذكر بعضًا ممن ساعدوه في محاولته منهم الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله.          



[1]. كُتب على صفحة الغلاف 1958، وفي الصفحات الداخلية 1956.