ببليوغرافيا فلسطين: (١) مخيم تلّ الزعتر.. البطولة والمجزرة

ببليوغرافيا فلسطين: (١) مخيم تلّ الزعتر.. البطولة والمجزرة
تحميل المادة

على سبيل التقديم..

تعرض منصّة إطار هذه المرّة لخمسة كتب في ذكرى مجزرة تلّ الزعتر، في سياق مشروعها الذي يذكّر بأهمّ ما كتب عن فلسطين، وفي حين أنّ المنصّة ما تزال مهتمّة بالنصوص الأولى لنكبة العام 1948، فإنّها قد تنتقل لتناول أحداث أخرى بحسب ما تمليه الذاكرة الفلسطينية، وعلى أيّة حال، فإنّ ذكرى مخيم تلّ الزعتر، هي استمرار للنكبة الفلسطينية، ليس فقط من حيث إنّ فلسطين لم تتحرّر بعد ومن ثمّ حقّ العودة لم يتحقّق، ولكن أيضًا لأنّ النكبة بمعناها المباشر، ظلّت تتجدّد على الفلسطيني، بالقصف والقتل والتشريد، سواء داخل فلسطين أم خارجها.

يأتي الكتاب الأوّل "يوميات طبيب في تلّ الزعتر"، والصادر باكرًا في العامّ 1977، ليكون من أهمّ الوثائق التاريخية حول المخيم، وسوف يُلاحظ أن شهادة صاحب الكتاب، الفلسطيني الطبيب يوسف العراقي، والذي يعود في جذوره قبل النكبة إلى مدينة حيفا، قد ظلّت تتكرّر في العديد من الدراسات والكتابات التي وُضِعَت عن "نكبة مخيم تلّ الزعتر"، فقد ظلّ في مستشفى مخيم تلّ الزعتر، سنة كاملة من العام 1975 وحتى العام 1976، موثقًا في كتابه يوميات، عن عمله في المستشفى، وبطولات المقاتلين، وآلام اللاجئين في المخيم، من حزيران/ يونيو 1976 وحتى آب/ أغسطس 1976.

كذلك يأتي الكتاب الثاني "طريق تل الزعتر" باكرًا، لهاني مندس، في العام 1977، وتكمن أهمّيته في كونه يوثّق شهادات حيّة مبكرة لعدد من أهالي المخيم، من مختلف الشرائح، من مقاتلين وأطباء وممرضين ونساء وأطفال، ولجنسيات متعددة فلسطينية وغير فلسطينية، وهو ما يجعله في طليعة المصادر الأساسية للبحث في تلك الواقعة المهولة، من جهة القتال، أو من جهة الحصار وطبيعته، أو من جهة الجرائم التي أوقعتها القوات المارونية على سكان المخيم.

أمّا الكتاب الثالث "أربعون عامًا على المجزرة: تل الزعتر يقاوم التغييب"، لبسام الكعبي، فهو نصّ إحيائيّ قصير، في الذكرى الأربعين للمجزرة، صدر في العام 2016، متحدثًّا عن تاريخ المخيم، وتاريخ العداء الماروني له، واستهدافه المبكر، وصولاً إلى الحصار والقتال والنزوح الدامي، مع الاهتمام بمرويات إنسانية، مثل قصة عائلة محمد إبراهيم عبد الله صوالحة، التي قتل أفرادها في قصف القوات المارونية لملجأ في حي الدكوانة الملاصق لمخيم تلّ الزعتر، وكذلك الاهتمام بشهادة الممرضة السويدية المتطوعة إيفا شتال التي سردت حكايتها في كتابها "تل الزعتر قصة البطولة والمأساة" والذي ألّفته مع  الصحفي السويدي أندريه هاسليوم ونشرته عام 1977.

الكتاب الرابع " حكايتي مع تل الزعتر.. في الذكرى الأربعين لسقوط المخيم 12/8/1976"، لعبد العزيز اللبدي، والصادر في العام 2016، هو استكمال لكتاب آخر للمؤلف نفسه صدر بعد المجزرة بعام بعنوان "يا وحدنا: أوراق تل الزعتر"، وتأتي أهميته من كونه شهادة حيّة لطبيب ومناضل فلسطيني عمل في مخيمات لبنان ومنها تلّ الزعتر، وبالإضافة لهذه الشهادة، فالكتاب يتناول تاريخ المخيم، ومسار استهدافه وصولاً للمجزرة، بالإضافة لجذور استهداف الوجود الفلسطيني داخل لبنان.

وأخيرًا فالكتاب الخامس "مخيم تل الزعتر: وقائع المجزرة المنسية" لمحمد داود العلي، فقد صدر في العام 2022، ليكون من أحدث ما كُتِب عن المخيم والمجزرة، بالاعتماد على 52 شهادة حيّة لفلسطينيين ولبنانيين من مختلف الشرائح، بالإضافة لمراجعة ما كُتب عن المخيم، وعرض للأعمال الفنية والأدبية ذات الصلّة، وذلك في سياق يعرض لتاريخ المخيم، وتاريخ الاستهداف للوجود الفلسطيني في لبنان، والدوافع وراء تصفية المخيم.

التحرير

 

 

 

 

عنوان الكتاب: يوميات طبيب في تل الزعتر

تأليف: يوسف عراقي  

اللغة: العربية

الناشر: بدون

مكان النشر: بدون

سنة النشر: 1977

عدد الصفحات:123

يحكي هذا الكتاب قصة مخيم تل الزعتر كما عايشها الطبيب الفلسطيني يوسف عراقي، ويروي فيه يوميات حصار المخيم والمعارك التي جرت في محيطه والمجازر التي ارتكبتها القوات المارونية في قلبه وعلى مداخله وأدّت إلى ارتقاء قرابة ثلاثة آلاف إنسان، وفيه تفاصيل كثيرة عن الحالة الصحية داخل المخيم، مجسدة في قصة المستشفى التي أدارها عراقي مع زميله عبد العزيز اللبدي، فقد واجها بإمكانيات المستشفى المتواضعة حصارًا استمر ثلاثة وخمسين يومًا، وما واكب ذلك من توافد لأعداد كبيرة من الجرحى والمرضى للمستشفى.

 والكاتب طبيب فلسطيني من مواليد مدينة حيفا المحتلة عام 1945، وهُجِّر مع عائلته إلى لبنان إثر حرب عام 1948، ودرس الطب في موسكو، وعمل في الهلال الأحمر في لبنان، وداوم في مستشفى تل الزعتر في الفترة ما بين الحادي عشر من آب/ أغسطس عام 1975 حتى الثاني عشر من آب/ أغسطس عام 1976، أي أن خدمته امتدّت عامًا تامًّا.

بدأ الكتاب بتمهيد حول ظروف انتقال عراقي إلى مستشفى تل الزعتر، ثم قدَّم شرحًا سريعًا لحال المستشفى، وبداية توافد الجرحى عليها، وأول ما التقطته عيناه من مشاهد كان القصف بالهاون على المستشفى، ثم انتقل للحديث عن أيام الحصار.

امتلأت صفحات الكتاب بأخبار المستشفى وطبيعة العمل داخلها في ظل هجمات القوات المارونية على المخيم، وفيها سرد لما بذله طاقمها من استعدادات لمواجهة الحصار والقصف اليومي بإعطاء دورات تدريبية على الإسعاف الأولي والتوعية الصحية، وإحضار التجهيزات الطبية، وتهيئة المستشفى داخليًا لاستقبال المصابين، والتواصل اليومي مع بيروت، وتجد في صفحات الكتاب توثيقًا لأسماء المتطوعين من الشباب، وقصص القتلى والجرحى من ضحايا عمليات القصف والقنص، وأسمائهم، وتطورات القتال داخل المخيم وفي محيطه بشكل خاص والمنطقة الشرقية بشكل عام، والتي غالبًا ما كانت نقلاً عن المقاتلين الذين كانوا يترددون على المستشفى من أمثال سلمان وبدر وأبو إبراهيم وأدهم.

ثم نقل الكتاب ما جاء في يوميات عراقي في المخيم في الفترة ما بين الثالث والعشرين من حزيران/ يونيو عام 1976 حتى الثاني عشر من آب/ أغسطس عام 1976، ويمكن تقسيم اليوميات إلى الموضوعات التالية:

 

أخبار القتال والمقاتلين 

تتبعت اليوميات أخبار الهجمات التي شنَّتها القوات المارونية على المخيم، وذكرت أن المخيم كان حتى الثالث والعشرين من حزيران/ يونيو قد تعرَّض إلى اثنين وثلاثين هجومًا، وأنَّ القوات المارونية تمكَّنت من الاستيلاء على بعض المواقع الاستراتيجية مثل دير الراعي الصالح غرب المخيم الذي استولت عليه في السابع من تموز/ يوليو، وتُسرَد في يومية الرابع عشر من تموز/ يوليو تفاصيل الهجوم الرابع والخمسين على المخيم، والذي كان كبيرًا وبمساندة الدبابات والمدفعية، وأدّى إلى التقدّم نحو مدخل المخيم، وتسجِّل أن تسعة عشر مربضًا للمدفعية كانت تقصف المخيم، ثم تذكر أن القوات المارونية شنَّت هجومها الستين على المخيم في الثامن عشر من تموز/ يوليو، وقد استمر الحصار ثلاثة وخمسين يومًا، وبلغ عدد الهجمات التي شنتها القوات المارونية سبعين هجمةً، ارتكبت خلالها عدة مجازر.

وتضمّنت اليوميات أخبار عدد من المقاتلين، ووثقت أسماءهم (كلها حركية)، ووصفت أداءهم، وأهمّية دورهم في الدفاع عن المخيم، كما في حديثها عن أبي إبراهيم وارتقائه المفجع في السابع والعشرين من حزيران/ يونيو، ومصطفى الذي ارتقى في الثلاثين من حزيران/ يونيو، وأدهم المسؤول العسكري الذي أصيب أكثر من مرة، وخرج من المخيم متخفيًا في الحادي عشر من آب/ أغسطس.

 

نقص المواد التموينية وشح الماء وحضور العدس 

أول ما لفت نظر عراقي شح الدخان في المخيم منذ بداية تموز/ يوليو، قابله شح في المياه بعد نسف الموارنة أنابيب المياه الرئيسة للمخيم حتى لم يبق إلا مصدران، وظهر أن نقصًا حادًا أصاب مخزون الطحين والمعلبات، مع بقاء العدس متوفرًا، حيث أصبح مكوِّنًا غذائيًا رئيسًا لأهل المخيم، وربما كان الوحيد، وقد صُنع منه أشياء كثيرة منها "أقراص العدس المجروش" كما وضع "ماء العدس في زجاجات الأطفال لإرضاعهم بدل الحليب" (ص 56)، كما عانى المخيم من نقص في المواد الطبية منذ السادس من تموز/ يوليو، وتصاعدت أزمة نقص المياه، خصوصًا بعد أن أصبح الوصول إلى مصادرها خطرًا.

 

سقوط المخيم

بدأت اليوميات بالحديث عن اقتراب قوات الموارنة من المخيم، وسقوط المواقع القريبة منه مثل مخيم جسر الباشا ومنطقة القلعة التي سقطت أواخر حزيران/ يونيو، وسقوط مواقع داخل المخيم مثل محور الجبهة العربية في الثاني من تموز/ يوليو، وأشارت إلى أن الأول من تموز/ يوليو شهد حديثًا عن عرض لاستسلام المخيم تجنبًا لحدوث مجزرة نقله عبد المحسن المسؤول السياسي ورفضته القيادة، وكان من أهم مظاهر اقتراب السقوط اضطرار عراقي وزميله إلى نقل مكان المستشفى مع ثمانين جريحًا، إلى مقر قديم للحزب التقدمي الاشتراكي، بسبب اشتداد القصف على المستشفى، مع إبقاء ممرض واحد فيها يتابع المرضى الذين كان من الصعب نقلهم.

ثم سقطت منطقة النبعة، وأصبح تل الزعتر وحيدًا في الرابع والعشرين من تموز/ يوليو، واشتدَّ الصراع بعد احتلال المدرسة الملاصقة لمدخل المخيم في السادس من آب/ أغسطس، واندلاع القتال حول الأبنية القريبة من مصدر الماء في التاسع من آب/ أغسطس، وسقوط آخر مصدر للمياه في العاشر من آب/ أغسطس، ثم إبرام اتفاق الإخلاء برعاية جامعة الدول العربية في الحادي عشر من آب/ أغسطس على أن ينفذ في اليوم التالي.

 

دور الصليب الأحمر

وصف الكتاب دور الصليب الأحمر الدولي في مواجهة حصار المخيم، وكيف قام المحاصِرون بمنع دخول وفد الصليب الأحمر للمخيم، وإعاقة محاولاته لإنقاذ الجرحى وتقديم المساعدات الطبية لمن تبقى من أهله، إلى أن تمكَّن وفد الصليب من الوصول للمخيم في اليوم الثالث والعشرين من تموز/ يوليو، وكان الوفد مكونًا من رئيسة بعثة الصليب وطبيب ومساعده، وقد جاؤوا في مهمة استكشافية، ثم أخذ الصليب الأحمر بإخلاء الجرحى تباعًا، وجرى إخلاء واحد وتسعين جريحًا في الثالث من آب/ أغسطس، ومئتين وواحد وأربعين جريحًا من الأطفال في الرابع من آب/ أغسطس، وأربعة وسبعين جريحًا في السادس من آب/ أغسطس، بالإضافة إلى دفعة أخرى من الجرحى أُخليت في الثامن من آب/ أغسطس.

 

 طريق تل الزعتر

عنوان الكتاب: طريق تل الزعتر

تأليف: هاني مندس

اللغة: العربية

الناشر: مركز الأبحاث الفلسطيني- الإعلام الموحد (منظمة التحرير الفلسطينية)

مكان النشر: بيروت

سنة النشر: 1977

عدد الصفحات: 119

 

يُعد هذا الكتاب من أوائل ما جُمع ونُشر من شهادات لأناس عايشوا حصار مخيم تل الزعتر والمعارك التي جرت في محيطه وداخل أحيائه، وشاهدوا جزءًا مما ارتكب فيه من فظائع بحق أهله على يد القوات المارونية المحاصِرة، وهي شهادات متنوعة أدلى بها أطباء وممرضون وجرحى وصحفيون ومقاتلون ونساء وأطفال وشباب وكبار في السن من جنسيات مختلفة فلسطينية ولبنانية وسورية ومصرية وأجنبية.

تكشف هذه الشهادات الحية حجم الظلم الذي وقع على المخيم، وتُحمِّل القوات المارونية المسؤولية عن ارتكاب مجازر بحق أهله والأحياء المحيطة به راح ضحيتها آلاف الأبرياء، وتُظهر جوانب من البطولة والشجاعة التي تحلّى بها المخيم رغم شح السلاح والنقص الحاد في عدد المقاتلين وتواضع خبراتهم القتالية.

افتُتح الكتاب بمقدمة أدبية نسجها الشاعر محمود درويش، تلاها مقدمة أخرى للمؤلف، ثم عُرضت الشهادات تحت عناوين متعددة نذكر منها: الجفاف، أيام العدس، الماء الأحمر، يقاتلون، الملح دواء، الجحيم، الموت في رعاية الصليب الأحمر، عبر الجبل، المذبحة، يرسمون.

اختار المؤلف شهادة عبد الله أبو حسان مدير مستشفى الطوارئ في جامعة بيروت العربية، لتكون الأولى،  وتحدث فيها عن معاناة أطفال المخيم من الجفاف نتيجة للحصار ونقص الماء، ثم أردفها بشهادات لعدد من أهالي المخيم تحدثوا فيها عن نقص المواد التموينية، وعن القصف والقنص المستمريْن، وقدموا فيها صورًا لمعاناتهم الشديدة في توفير المياه لأطفالهم.

 

اشتداد الحصار وعنف القصف

أكَّدت الشهادات الواردة في الكتاب على أن بداية حصار المخيم كانت في الثاني عشر من آذار/ مارس عام 1976 حين أعلن الضابط عزيز الأحدب تمرده على الجيش اللبناني ومُنع حينها التجوال في بيروت، وأقيمت الحواجز على مداخل مخيم تل الزعتر، وعدَّت يوم الثاني والعشرين من حزيران/ يونيو نقطة تحول في طبيعة الحصار باتجاه تشديده، وتصعيد القصف على المخيم، فقد سقطت على البيوت آلاف القذائف في ذلك اليوم المشؤوم، أدّت إلى تدمير أغلب بيوت المخيم، وطال القصف أيضًا محيط المخيم في جسر الباشا والنبعة وضيعة المكلس، وعرضت الشهادات تفاصيل الهجوم على ضيعة المكلس، كما عايشه مجموعة من المدافعين عن المخيم منهم السوري علي خنجر، ومازن مطرية، وأبو حديد، وعدنان عقلة، وقد تمكن أربعة شبان من صدّ الهجوم الأوّل الذي نفَّذه سبعون عنصرًا من الكتائبيين. وفي الشهادات صور من القتال الضاري في بعض المواقع في محيط المخيم وفي أحيائه مثل المنجرة، وتلة المير، ومعمل سلك، ودير الراعي الصالح، وحرش تابت، وجاليري متى، وفيها تكرار لأسماء عدد من المقاتلين (أسماء حركية) منهم يوسف، أبو وليد، محمد عبدو، جوزيف، سلمان (مسؤول عسكري)، أدهم (مسؤول عسكري)، رشاد، أبو علي (امرأة).

 

الملح دواء 

وثّقت الشهادات الواقع الصحي في المخيم أثناء الحصار، وأشارت إلى نقص المعدات الطبية، ومحدودية طاقم العاملين في المستشفى، والذي اقتصر على طبيبين فلسطينيين هما يوسف عراقي وعبد العزيز اللبدي وطبيبين سويديين، وعدد من الممرضين، وأبانت عن عدم قدرة الطاقم الطبي عمليًا على معالجة العدد الكبير من الجرحى الذي وصل وفق رواية الطبيب يوسف عراقي إلى ثلاثة آلاف جريح خلال ثلاثة وخمسين يومًا من أيام الحصار، في المقابل تظهر البطولة النادرة التي تحلّى بها الأطباء والممرضون ومنهم الممرض إلياس العشي.

 

الجحيم

كثَّف الكتاب الشهادات التي تحدثت عن المجازر الوحشية التي ارتكبها المقاتلون الموارنة بحق أهل المخيم خصوصًا النساء والأطفال وكبار السن، ومنها المجازر التي وقعت داخل الملاجئ، والتي قُصفت واقتُحمت وقُتل من فيها، الأمر الذي راح ضحيته المئات من الأشخاص، كما جرى في ملجأ قدورة قرب مؤسسة جورج متى، وملجأ محمد عباس.

 

الأيام الأخيرة من الحصار

أظهرت الشهادات عجز قيادة منظمة التحرير عن إمداد الفلسطينيين داخل المخيم أثناء الحصار الشديد بما يلزم من مقومات الصمود، ولم تتمكن أيّ من المجموعات العسكرية المرسلة من طرفها من الوصول إلى المخيم سوى مجموعة صغيرة كان من بينها محمد الجمل وعلي فريجة ومحمد شحادة، مما ساهم في رفع المعنويات وإن كان أثرها الماديّ متواضعًا.

أشارت الشهادات إلى أن البقاء في المخيم أصبح مستحيلاً مع استمرار الحصار والقصف الأمر ما حدا بأهل المخيم للتفكير في الرحيل، ووفق شهادة أبو محمد صفوري، فقد اجتمع وفد من وجهاء المخيم مع القائد الكتائبي أمين الجميّل لترتيب خروج آمن للمدنيين، في الوقت ذاته رعت جامعة الدول العربية اتفاقًا يقضي بعدم التعرّض للمدنيين وقت الانسحاب، لكنَّه كان انسحابًا تخلَّلته مجازر على حواجز الموارنة، أمّا المقاتلون فخاضوا انسحابًا خطرًا عبر الجبل، روى الكتاب بعضًا من فصوله على لسان محمد عبده وأحمد القمح ويعقوب شحادة وسلمان.

 

ويرسمون.. شهادات أطفال نجوا من المذبحة 

جمع الكتاب شهادات عدد من أطفال المخيم تحدثوا فيها عن ما واجهوه من مآس أثناء الحصار، كما عرض إحدى عشرة رسمة لأطفال المخيم تحكي صورًا من معاناتهم، رسمها: حيدر، وإلهام شحرور، ومحمد منيف، ونظيرة أصرف، وخالد محمد أحمد، ويحيى عبد الله.

 

 

أربعون عامًا على المجزرة

عنوان الكتاب: أربعون عامًا على المجزرة: تل الزعتر يقاوم التغييب

تأليف: بسام الكعبي  

اللغة: العربية

الناشر: مجد للتصميم والفنون

مكان النشر: حيفا

سنة النشر: 2016

عدد الصفحات: 36

 

صدر هذا الكتاب في الذكرى الأربعين لمجزرة تل الزعتر، وافتتحه كاتبه بقصة عائلة محمد إبراهيم عبد الله صوالحة (أبو أيمن) التي راحت ضحية قصف القوات المارونية لملجأ في حي الدكوانة الملاصق لمخيم تل الزعتر وأدى إلى ارتقاء 150 من الأطفال والنساء وكبار السن، وقد كان أبو أيمن في ذلك الوقت في بيروت يضع اللمسات الأخيرة مع مؤسسة صامد لافتتاح مصنع للجلد لتشغيل عدد من عمال المخيم.

 

في البدء كانت النكبة ثم ظهر المخيم

عاد المؤلف إلى مرحلة مع قبل عام 1948، وتحدث عن قرية الخالصة في الجليل الأعلى مسقط رأس أبو أيمن، وقصة لجوء والده إلى لبنان عام 1948، والتحاقه بأهل مخيم تل الزعتر عام 1949، وولادة محمد عام 1952، وترعرعه فيه، وقدَّم خلفية تاريخية حول نشأة المخيم، وأصل التسمية التي تعود إلى معمل صناعي يعيد إنتاج الزعتر ملاصقٍ لتلّ أقيمت عليه بيوت من الصفيح، على أرض وقف تابعة للطائفة المارونية كانت استُخدمت معسكرًا للجيش في الحرب العالمية الثانية، وكيف تحوّل المكان إلى نقطة جذبٍ ليس فقط للفلسطينيين وإنّما لفقراء اللبنانيين والسوريين والمصريين، وكيف استأنف أبو أيمن حياته بعد استشهاد عائلته.

 

عدوّ المخيم                      

استعرض المؤلف على المجموعات المارونية التي ناصبت المخيم العداء، مع التركيز على عائلة الجميِّل، ومجموعة مارون خوري التي بدأت بجمع السلاح في قت مبكر من عام 1969، وبالإضافة إلى الجيش الذي نفَّذ هجمات على المخيمات عام 1973 تحديدًا تل الزعتر، وجسر الباشا، وضبية، ومار الياس، ووفق المؤلف، فقد كان من ضمن المجموعات المارونية المقاتلة حزب الكتائب بزعامة بيار الجميّل، وميليشيات النمور بإمرة كميل شمعون، ومليشيات زغرتا بزعامة طوني فرنجية، ومليشيا الأحرار بزعامة داني شمعون، وحراس الأرز بإمرة شارل عقل، والتنظيم المارون بإمرة جورج عدوان، وحركة الموارنة بزعامة مارون خوري، وجماعة إيتان صقر.

 

مخيم تلّ الزعتر والحصار القاتل

أشار المؤلف إلى أن الحرب الأهلية فرضت معادلاتها على المخيم، واندفعت القوات المارونية إلى العمل جدّيًا  لطرد الفلسطينيين من المناطق الملاصقة للمنطقة الشرقية، وقد طوّقت مجموعات مسلّحة من حركة الموارنة بقيادة مارون خوري المخيم انطلاقًا من الدكوانة وذلك في الرابع من كانون الثاني/ يناير عام 1976، وضُرب حصار تمويني على المخيم، ومنعت المليشيات المارونية مرور الشحنات المحملة بمواد غذائية، وبعد اثنين وعشرين يومًا من الحصار فتح مقاتلو المخيم ثغرة فيه، ثم فكَّوا الحصار كاملاً، وعاد القتال قويًّا في أواخر أيار/ مايو وطالب الموارنة إخلاء تلّ الزعتر ونقله خارج المنطقة الشرقية.

 رفض المقاتلون داخل المخيم الاستسلام، وتعرّضت المنطقة بين تلّ الزعتر وجسر الباشا والنبعة إلى حصار شديد في حزيران/ يونيو استمر شهرين وأدّى إلى سقوط جسر الباشا في التاسع والعشرين من حزيران/ يونيو، وتهجير حي النبعة على بيروت الغربية في التاسع والعشرين من تموز/ يوليو.

 

محطّة الحصار الأخير

وصف الكاتب كيف وضع الملازم ميشال عون قائد ثكنة الدكوانة خطة للاستيلاء على تلّ الزعتر، وسرد جوانب من العدوان الذي شُنّ على المخيم ابتداءً من الثاني والعشرين من حزيران/ يونيو عام 1976 وقد سبقه قطع شبكة الكهرباء، ومنع إمدادات الطعام والمياه، واستند إلى بعض الروايات في تأكيد مشاركة السوريين في قصف المخيم، ووضع  أمثلة على طبيعة المعارك التي دارت في محيطه، وأظهر كيف قامت القوات المارونية بمنع المياه عن أهل المخيم، مع بقاء بئر واحدة فقط لم يسيطر عليها الموارنة، كان الذهاب إليها والرجوع للمخيم رحلة موت محققة، بسبب القناصة، وفي العاشر من آب/ أغسطس سقطت البئر الأخيرة بيد الموارنة.

 

اتفاقية جلاء مجبولة بصور الموت المحقق

أورد الكتاب بأنَّ اتفاقًا أُنجِز في السادس من آب/ أغسطس بين الموارنة والمخيم برعاية جامعة الدول العربية والصليب الأحمر يضمن خروجًا آمنًا للسكان، لكن المحاصِرين تنكروا لبنوده، ولم يسمحوا إلا لمجموعة واحدة من أهل المخيم بالخروج، وفي العاشر من آب/ أغسطس طلبت قيادة المقاومة من السكان تسليم أنفسهم للصليب الأحمر، وطلبت من المقاتلين الرحيل عن المخيم عبر الجبال، ووفق الكاتب فقد "اجتاحت القوات الانعزالية المخيم يوم الثاني عشر من آب/ أغسطس 1976 ونفَّذت سلسلة مروعة من المجازر ضدّ اللاجئين الفلسطينيين على وجه الخصوص، وتركوا الجثث في العراء، وتعرّض اللاجئون الذين خرجوا عبر طريق معمل البلاط في منطقة المكلّس الصناعية للتصفية بسلاح حراس الأرز بزعامة شارل عقل وحزب الأحرار بزعامة داني شمعون! في حين تمكّن الصليب الأحمر الدولي من توفير 57 شاحنة نقلت 13 ألف لاجئ من سكان المخيم إلى بيروت الغربية" (ص 19)، وشرح الكاتب اللحظات الأولى من سيطرة المليشيات المارونية على المخيم، حيث انتشرت في شوارعه ونصبت الحواجز، وأخذت بقتل الأبرياء بالرصاص وبالسكاكين.

وأعلن عن سقوط المخيم في الرابع عشر من آب/ أغسطس، لكن صور البطولة استمرت بعد ذلك، إذ رفض عدد من المقاتلين الاستسلام منهم القائد العسكري محمد عبد الكريم الخطيب أبو أمل، الذي كان مصابًا في بيته وجمع سلاحه وعندما دخلوا عليه الدار تصدى لهم وفجَّر البيت على رؤوسهم.

 

أطباء وممرضون في المخيم

أشار الكاتب إلى رواية الممرضة السويدية المتطوعة إيفا شتال التي سردت حكايتها في كتابها "تل الزعتر قصة البطولة والمأساة" والذي ألّفته مع  الصحفي السويدي أندريه هاسليوم ونشرته عام 1977، كما أنَّه أعطى لمحة عن سيرة حياتها، وكيف التحقت بالمخيم في أواخر عام 1974، وعاشت بين أهله، الذين أطلقوا عليها اسم سميرة، وتزوجت من يوسف حمد الذي ارتقى شهيدًا في قصف عنيف استهدف شقتهما، كما تطرق الكاتب إلى ما جرى مع الطبيبين يوسف عراقي وعبد العزيز اللبدي، واقتبس بعضًا مما جاء في رواية الطبيب يوسف عراقي في كتابه يوميات تل الزعتر، خصوصًا فيما يتعلق بحيثيات خروجه من المخيم في الثاني عشر من آب/ أغسطس، ومشاهداته للمجازر التي ارتكبها المسلحون الموارنة في ذلك اليوم.

 

ما بعد الرحيل.. ومحاولات لاستعادة رفات شهداء تل الزعتر  

أورد الكاتب ما جاء في تقرير للصحفية هبة الجنداوي حول استعادة جثامين الضحايا من داخل المخيم، وكيف أن جهودًا فردية بُذلت لاستعادة بعض الجثامين، وقد أنجز ذلك رغم الصعوبات، وأشارت الجنداوي إلى أن بعض أهل المخيم ذكروا أنه "بعد أسابيع على المجزرة، تقدّم وسطاء من الكتائب والأحرار وبعض الجنود السوريين؛ بعرض لنقل جثامين شهداء من تلّ الزعتر لدفنها في مقابر أخرى خارج المخيم!" (ص 31)، وقد عملت أم وائل الأسعد على استعادة جثمان زوجها، واضطرت لدفع المال للسوريين مقابل السماح لها بذلك، وهنالك عدد آخر من الأهالي فعلوا كما فعلت أم وائل، وأقيمت في وقتٍ لاحق مقبرة لشهداء تلّ الزعتر بجوار شهداء صبرا وشاتيلا، أمّا عدد من ارتقوا في المخيم فبلغ وفق تقديرات الكاتب ما بين 4000-4280 شخصًا.

لقد كان مصير من تبقوا أحياء من أهل تلّ الزعتر التهجير مجددًا، فقد "سقط المخيم، وشرعت جرافات الكتائب فورًا بتدمير المساكن المهدّمة وتسويتها بالأرض، وشُرّد ما تبقى من لاجئين إلى البقاع وبعلبك ثم الدامور الساحلية قرب بيروت، وهُجِّروا منها لاحقًا للإقامة في مساكن من صفيح بجوار مخيم البداوي قرب طرابلس شمال لبنان، ووصلتْ أعداد منهم بالتدريج منذ آب/أغسطس 1976 وحتى أواسط الثمانينات إلى العاصمة الألمانية برلين" (ص32).

 

 

 حكايتي مع تل الزعتر

عنوان الكتاب: حكايتي مع تل الزعتر.. في الذكرى الأربعين لسقوط المخيم 12/8/1976

تأليف: عبد العزيز اللبدي

اللغة: العربية

الناشر: منشورات ضفاف

مكان النشر: بيروت

سنة النشر: 2016

عدد الصفحات:359

 

صدر هذا الكتاب في الذكرى الأربعين لمجزرة تل الزعتر التي ارتُكبت أبشع فصولها في الثاني عشر من آب/ أغسطس عام 1976، ومؤلفه عبد العزيز اللبدي، وهو طبيب فلسطيني من بلدة اليامون في محافظة جنين، درس الطبّ في ألمانيا، وله عدد من الإصدارات منها: "الهلال الأحمر الفلسطيني"، "تاريخ الجراحة عند العرب"، "القاموس الطبّي العربي"، "وردة كنعان" (رواية)، "ذهب الرقيم" (رواية)، أمَّا هذا الكتاب فهو الثاني له حول مخيم تل الزعتر، إذ نشر كتابه الأول "يا وحدنا: أوراق تل الزعتر" عام 1977، وسجَّل فيه يومياته عن المرحلة الأخيرة من حصار المخيم، ولما وجد أنَّه غير كافٍ، ولم يتمكن من تغطية كافة الأنشطة والشخصيات التي ساهمت في الدفاع عن المخيم، قرَّر وضع هذا الكتاب.

حوى الكتاب على مقدمة وتمهيد، وواحد وعشرين عنوانًا، وخاتمة، وقائمة بالمصادر، وملحق حول التجربة الطبية في مخيم تلّ الزعتر أعدّها مع زميله في مستشفى تل الزعتر يوسف عراقي، بالإضافة إلى ست وثلاثين صورة تظهر جوانب من حياة المخيم والمجزرة والطواقم الطبية، وفيه لوحة واحدة، وثلاث خرائط.

بدأ الكتاب بسرد جوانب من سيرة المؤلف الذاتية، والتحاقه بالجامعة، وبداية تشكّل وعيه الوطني، وانضمامه للمقاومة، وانخراطه في العمل الطلابي، وبعض من التحديات الداخلية التي واجهها العمل التنظيمي في ألمانيا الغربية في تلك المرحلة، وقصة اضطراره للانتقال للدراسة في ألمانيا الشرقية، ثم تناول حكاية سفره إلى لبنان، وعمله بمستشفى حيفا في مخيم برج البراجنة، ثم بمستشفى الجليل في مخيم البرج الشمالي، ثم بمستشفى القدس في بيروت، وقدَّم خلال سرده لمحة عن المخيمات وعن رفقاء العمل داخل تلك المستشفيات.

تطرّق الكتاب للحرب في لبنان، وعاد إلى جذور التوتر بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية، ورسم صورة للتيارات المتصارعة في لبنان وسياساتها، بما فيها الجبهة اللبنانية بزعامة كميل شمعون والتي تلقَّت الدعم من الصهاينة ثم السوريين في قت لاحق، والحركة الوطنية بزعامة كمال جنبلاط والمتحالفة مع فصائل منظمة التحرير.

 

اندلاع الحرب الأهلية ومصير مخيم تلّ الزعتر

تناول الكتاب الحرب الأهلية في لبنان، وسجَّل أن بدايتها اقترنت بمحاولة اغتيال الزعيم الماروني بيار الجميل وما تبعها من عمليات انتقامية افتتحت بمجزرة باص عين الرمانة في الثالث عشر من نيسان/ إبريل عام 1975، ثم اندلاع الحرب وشنّ القوات المارونية هجومها الواسع على مناطق المسلمين والفلسطينيين في المنطقة الشرقية في كانون الثاني/ يناير عام 1976، وبدء حصار مخيمات لبنان بما فيها تلّ الزعتر والنبعة وبرج حمود وجسر الباشا وضبِّية.

افتتحت القوات المارونية هجومها على مخيم تل الزعتر بقتل عدد من عناصر الفصائل الفلسطينية على حواجزها، ثم تكرر قصف المخيم، واستمرت عمليات القنص، ووفق الكاتب، فقد كان الهدف من حصار المخيم، جعله نموذجًا تأديبيًا للتحالف الفلسطيني- اللبناني بحكم تكوينه المختلط (17 ألف فلسطيني و14 ألف لبناني)، وإنجاز صورة نصر للقوات المارونية، وجعل المخيم نموذجًا للحدّ الأقصى لمصير الفلسطينيين في لبنان، وورقة مساومة لدفع المقاومة للاستسلام.

تحدث الكاتب عن انتقاله للعمل في عيادة تل الزعتر، وظروف العمل القاسية التي واجهها، وأعطى لمحة عن العاملين فيها، ثم قدّم شرحًا عن المخيم، والظروف التي أحاطت بإنشائه عام 1949، وأحيائه المختلفة، وواقع الحياة فيه، وسلَّط الضوء على تطور الحالة الوطنية داخله، مبتدئًا بقصة طرد المكتب الثاني من المخيم عام 1969، وتصاعد الوجود الفصائلي المسلح داخله، وانتقل للحديث عن قصة بناء مستشفى تلّ الزعتر تحت الأرض مكان المسجد القديم (على أن يُخصص الطابق العلوي للمسجد) بعد قصف الجيش اللبناني للمخيم في أيار/ مايو 1973، واشتراكه في تقديم الخدمات الطبية للسكان.

 

 

بعض من تفاصيل الحصار والنزوح الأخير

أرَّخ اللبدي لبداية حصار المخيم بحادثة باص عين الرمانة في نيسان/ إبريل عام 1975، فقد بقي الحصار قائمًا لقرابة السنة والنصف، وعرض تفاصيل مواجهة أهل المخيم للحصار، وكيفية توزيع قيادة المخيم للمهمات، وقد كُلف اتحاد العمال بحفر القبور ودفن الموتى، واستلم التنظيم تعبئة الماء، وأوكل لاتحاد المرأة تجهيز الضمادات والأربطة والأقمشة وتحضير الشمع للإنارة، وتصدى المعلمون لمهمة بناء المتاريس، وأُمرت الفصائل  بتوزيع ما لديها من تموين. أما عسكريًّا فجرى توزيع المحاور العسكرية على الفصائل، على أن يكون التركيز على المهام الدفاعية، والعمل على بناء الملاجئ (أهمّية شهادة عبد الله عامر "أدهم" حول التكتيكات الفلسطينية التي استخدمت في مواجهة الحصار)

ثم إنّ الكاتب روى ما جرى في المخيم في الفترة ما بين 18 آب/ أغسطس 1975 – 12 أب/ أغسطس 1976، ودوَّن يوميات مختارة شملت ثلاثة وسبعين يومًا، ضمَّنها في خمسة عناوين هي: يوميات الحصار، والحصار الأخير، والملجأ المصيدة، والصليب الأحمر الدولي، ويوم المذبحة، وغطت هذه العناوين صفحات الكتاب (149-276).

ركَّز الكتاب على العمل الطبي وظروفه الصعبة أثناء الحصار، كما أورد تفاصيل عن القتال اليومي الدائر في أكثر من منطقة في لبنان، والقتل على الهوية الذي اشتد منذ كانون الثاني/ يناير عام 1976، والانشقاقات داخل الجيش اللبناني، وأعطى توصيفًا لحالة الجوع والعطش التي أصابت أهل المخيم، والحصار التمويني الشديد الذي فرضته القوات المارونية، والنقص في الأدوية والمعدّات الصحية والكوادر الطبية، وعرض مشاهد للقصف الشديد على المخيم خصوصًا في شهر حزيران/ يونيو، والمعارك الطاحنة على المحاور المختلفة، وارتقاء الشهداء تباعًا، ونقص الذخيرة، وهدم المخيم، ومحاصرة وقصف بناية قدوره "الملجأ المصيدة"، رغم أنَّه كان مليئًا بالمئات من المدنيّين خاصة النساء والأطفال.

وأشار الكاتب إلى عجز الصليب الأحمر عن إغاثة المخيم طوال فترة الحصار، إلى أن تمكَّن من نقل بعض الجرحى بداية آب/ أغسطس، حتى حدثت المجزرة في الثاني عشر من آب / أغسطس رغم عقد اتفاق بواسطة ممثل جامعة الدول العربية تضمّن إخلاء المخيم وتوفير مسار آمن للمدنيين، وقد قُتل النازحون على الحواجز بدم بارد، ودخلت القوات المارونية المستشفى وأجهزت على الجرحى. 

 مخيم تل الزعتر وقاذع المجزرة المنسية

عنوان الكتاب: مخيم تل الزعتر: وقائع المجزرة المنسية

تأليف: محمد داود العلي

اللغة: العربية

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

مكان النشر: الدوحة

سنة النشر: 2022

عدد الصفحات:463

 

هذا الكتاب من أحدث ما نُشر حول مجزرة تلّ الزعترة، وقد صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن سلسلة ذاكرة فلسطين لمؤلفه محمد داود العلي، وهو كاتب وإعلامي وأستاذ جامعي من أصل فلسطيني. قضى العلي سنتين في جمع الروايات المختلفة حول ما جرى في تلّ الزعتر بين كانون الأول/ ديسمبر عام 1975 وآب/ أغسطس عام 1976، وحصل على 52 شهادة تعود لعسكريين وسياسيين فلسطينيين ولبنانيين وناجين من المجزرة، وراجع الأدبيات التي أرّخت للمجزرة ووثّقت أحداثها، ورصد الأعمال الفنية والموسيقية والأدبية التي تناولتها، وقد احتاج إعداد الكتاب في صياغته النهائية إلى أربع سنوات أخرى.

والكتاب، وفق العلي، محاولة لتوثيق "الحوادث التي قادت إلى مجزرة تل الزعتر في آب/ أغسطس 1976" وتأريخ لـ" المجزرة بأبعادها السياسية والعسكرية والإنسانية" وهو في الوقت نفسه، توضيح لـ" السياقات القانونية والاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في لبنان" (ص13).

جاء الكتاب في قسمين، اشتمل القسم الأول على خمسة فصول، شكَّلت الخلفية التاريخية لمعركة تل الزعتر ومجزرة منطقة الدكوانة، وحوى القسم الثاني أربعة فصول رصدت "الوقائع السياسية والميدانية المستندة إلى شهادات ومقابلات" (ص 26)، وضمّ الكتاب خاتمة، وفيه ستة ملاحق هي شهادات لخمسة أشخاص هم: ضابط أرسله أبو جهاد لدعم صمود المخيم، وبلال حسن شحرور مسؤول فرع تلّ الزعتر في تنظيم الصاعقة، والشيخ عبد الأمير شمس الدين إمام حسينية في رأس الدكوانة، ونسيم أسعد مسؤول الحزب الشيوعي اللبناني في تلّ الزعتر، ومارلين المواطنة الفرنسية التي كانت في المخيم وقت الحصار، وملحق أخير تضمّن ثماني عشرة صورة شخصية لمفقودين في الثاني عشر من آب/ أغسطس عام 1976، وست صور لموقع المخيم عام 2015، وثماني صور لشخصيات ذُكِرت داخل النص، وحوى الكتاب أيضًا جدولين وثلاث خرائط.

وفي ثنايا الكتاب سرد لجوانب من قصة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والمعاناة التي عاشوها بسبب تعقيدات الواقع اللبناني وبنية المجتمع والدولة في لبنان، وإكراهات الإقليم وتدخّلاته، كما أنَّه يتناول التطورات السياسية التي عاشها لبنان منذ استقلاله حتى آب/ أغسطس عام 1976.   

 

الطريق إلى تل الزعتر

بدأ الكتاب بالتأكيد على أن أحداث تل الزعتر، بما فيها حصاره وارتكاب مجزرة بحق أهله، لا يمكن فصلها عن واقع السياسة اللبنانية وتعقيداتها، وقرار الزعماء الموارنة عَدّ الوجود الفلسطيني في لبنان خطرَا وجوديًا يجب اجتثاثه، ثم روى قصة نشأة المخيم عام 1949، وبيَّن موقعه وتمدّده العمراني في منطقة المتن ذات الأغلبية المسيحية، والنفوذ التقليدي للأحزاب المارونية، وتتبع تحوله إلى قاعدة لحركة فتح، وازدياد الحضور الفصائلي المسلّح داخله بعد طرد عناصر المكتب الثاني منه عام 1969، وتحوّل المخيم إلى قبلة للمتطوعين الشباب من اللبنانيين والعرب والأجانب الذين وفدوا إليه لتقديم المساعدة للسكان المدنيين.

وأشار الكتاب إلى أن مجزرة تل الزعتر جاءت في سياق الحرب الأهلية في لبنان والتي كان من صورها المعارك الطاحنة بين الأطراف المتحاربة، والقصف العشوائي، وتهجير السكان المدنيين، واختفاء عدد منهم، والاختطاف والقتل على الهوية، وقد حُوصر مخيم تلّ الزعتر، وقُصف لشهور، وقُتل عدد من أهله داخل الملاجئ وفي الطرقات وعلى الحواجز.

 

خطة استئصال وهجوم غادر

رصد الكتاب تكتيكات القوات المارونية المحاصِرة للمخيم، وأشار إلى فرضها حصارًا تموينيًا خانقًا على المخيم في الرابع من كانون الثاني/ يناير عام 1976 في سياق محاولاتها إخلاء القطاع المسيحي من بيروت من المسلمين والفلسطينيين، وقد أدّى هذا الحصار إلى نقص في المواد التموينية والأدوية والمستلزمات الأساسية، يُضاف إليه تقليص مصادر المياه، وجعل الوصول اليها خطرًا، ثمّ جاء الهجوم العسكري على تلّ الزعتر بقيادة المقدّم ميشال عون (الذي صار لاحقًا رئيسًا للبنان من سنة 2016 وحتى سنة 2022)، بمشاركة قرابة 4000 مقاتل، ضمن خطة هجومية أوسع قادها وزير الداخلية كميل شمعون (كان رئيسًا للبنان من سنة 1952 وحتى سنة 1958)، وكان في مواجهة هذا الهجوم أكثر من 1400 مقاتل من عدة فصائل فلسطينية ولبنانية، قادهم عبد الله عامر (أدهم الشرقاوي) ومحمود الشريف (سلمان تلّ الزعتر)، معتمدين على رجالهم وما نصبوه من كمائن وتحصينات وما حفروه من أنفاق بالإضافة إلى مساندة مدفعية من جبال المتن.

ووفق الكتاب فقد حدث تحول كبير لصالح القوات المارونية بعد استئناف الهجوم في الثاني والعشرين من حزيران/ يونيو، وبدء سقوط  المناطق المحيطة بتلّ الزعتر مثل جسر الباشا والنبعة وتلة المير ثم سقوط الجهة الجنوبية الغربية من المخيم واستيلاء المهاجمين على بعض المواقع الاستراتيجية مثل محور القيادة العامة، بالإضافة إلى فشل محاولات كسر الطوق عن المخيم التي قامت بها مجموعات من الشعبية وجبهة النضال وقوات الـ17 وفصيل من جيش لبنان العربي، كما أن محاولات القوات المشتركة توسيع دائرة القتال للتخفيف عن تل الزعتر لم تثن الموارنة عن الاستمرار في مخطّطهم للاستيلاء على المخيم وتهجير أهله منه.

 

النزوح وارتكاب المجازر 

أورد الكتاب تفاصيل المفاوضات التي قادها حسن سلامة مسؤول الأمن في فتح مع الكتائب اللبنانية من أجل الوصول إلى إخلاء آمن للمدنيين، وكذا الجهود التي بذلها الصليب الأحمر الدولي وممثل جامعة الدول العربية، وحسب الكتاب فقد أدّى تراجع القدرة على الصمود إلى نزوح بعض الأهالي بين الخامس والعاشر من آب/ أغسطس، وصل عددهم قرابة ـ3000 شخص، ثم استمر النزوح، وبينما كان مقاتلو المخيم ينسحبون عبر الجبال، اندفع المدنيون نحو خطوط القوات المارونية في الثاني عشر من آب/ أغسطس بقصد الخروج من المخيم، على أمل أن لا يصابوا بمكروه، خصوصًا بعد اتفاق الخروج الآمن الذي رعاه ممثل جامعة الدول العربية، لكنَّ الجنود الموارنة عاجلوهم بالرصاص والسكاكين، وقُتل في ذلك اليوم المشؤوم خلق كثير.

 

الدور السوري.. التغطية على المجزرة

لسوريا وسياساتها في لبنان حضور لافت في الكتاب، والجزء المهم فيه له علاقة بما توصّل إليه الكاتب حول دور السوريين في تدمير تلّ الزعتر وإخراج أهله منه، فقد خلُص إلى أنَّه من الصعب الجزم بدور سوري ميداني واضح في ارتكاب المجزرة في تلّ الزعتر، لكن من المؤكد أن الجيش السوري دعم المعسكر الماروني، وقدَّم غطاءً سياسيًا له في حصاره لمخيم تلّ الزعتر، كما أنَّه أدّى دورًا على الأرض ساهم في عرقلة مساعي الفلسطينيين لفكّ الحصار عن المخيم ومنع ارتكاب مجزرة داخله، الأمر الذي قاد الموارنة في نهاية المطاف  لتنفيذ مخططهم القاضي بسحق المخيم.