تشرين فلسطين 1 .. ذاكرة الرحلة وعلامات الطريق .. أجندة ولوحات فنيّة

تشرين فلسطين 1 .. ذاكرة الرحلة وعلامات الطريق .. أجندة ولوحات فنيّة
تحميل المادة

نصوص: هيئة التحرير

رسوم: آية الطويل

على سبيل التقديم..

للشهر الثاني على التوالي، تستمرّ إطار في مشروع أجندتها الذي سمّته "ذاكرة الرحلة وعلامات الطريق.. أجندة ولوحات فنية"، وذلك بهدف توثيق الأحداث الفلسطينية، في التاريخ الفلسطيني الطويل، بنشر خمسة أحداث في الشهر الذي يصدر فيه الملفّ الشهري من الأجندة، بحيث ينقسم الملف إلى عنوان الحدث وتاريخه، ووصفه المادي، والتعبير عنه بنصّ أدبيّ أو بنصّ لأحد رموز الحدث، وتصويره في لوحة فنيّة تُرسم للمنصّة.

في هذا الملف من شهر تشرين الأوّل، يتناول الملف، مذبحة المسجد الأقصى عام 1990، واغتيال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي عام 1995، واغتيال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للوزير الصهيوني رحبعام زئيفي عام 2001، وصفقة تحرير الأسرى "وفاء الأحرار" التي أبرمتها حركة حماس عام 2011، و"هَبّة القدس" عام 2015، ليتناول الملفّ من الشهر نفسه العام القادم، إن شاء الله، خمسة أحداث أخرى.

تأمل المنصّة، على طول عملها خلال الشهور والسنوات القادمة، إن شاء الله، أن توفّر بذلك أجندة فلسطينية مرجعية، متنوّعة المواد، ومساهمة في إثراء المحتوى الفلسطيني.

·      التحرير

·    الحدث: مذبحة المسجد الأقصى – 8/10/1990

·     وصف:

صبيحة الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 1990، كان آلاف المصلين المسلمين، من المقدسيين، وأهالي الضفة الغربية والداخل المحتل ممن تمكّنوا من الوصول إلى المسجد الأقصى، محتشدين في مصلياته وساحاته، تلبيةً لنداءات حمايته، بعد أن دعت منظمة "أمناء الهيكل" اليهودية الصهيونية إلى مسيرة إلى المسجد الأقصى، لوضع الحجر الأساس لـ "الهيكل الثالث" فيه.

قرابة العاشرة والنصف، بدأ اقتحام المستوطنين، فتصدّى الفلسطينيون المعتصمون في المسجد للاقتحام بأيديهم العارية وحجارته، وفيما ظهر جليًا أنّه نيةٌ مبيتةٌ للقتل الواسع، سلّطت قوات الاحتلال عليهم أدوات قتلها المتنوعة، من الرصاص الحي، والقنابل الغازية، والطائرات المروحية، والرصاص المطاطي، وسواها من الأسلحة. واستمرّ القتل والإجرام أكثر من 35 دقيقةً متواصلةً انتهت بمذبحة "المسجد الأقصى الأولى" التي استشهد فيها 21 فلسطينًيًا جلّهم من القدس، وأصيب ما يقارب 200، واعتقل مثلهم.

سعت المذبحة إلى تكريس واقع سيطرة الاحتلال المركزية على المسجد الأقصى، فأغلق باب المغاربة بعدها في وجه المسلمين، ثمّ صار بابًا مخصّصًا لاقتحامات المستوطنين فيما بعد، وطمحت المذبحة إلى ختم زمن انتفاضة الحجارة.

رغم فداحة الثمن، فإن التضحية العظيمة للمصلين والمرابطين منعت المخطط الاستيطاني التهويدي، وردعت الاحتلال عن السعي نحو سيطرة سريعة وحاسمة على المسجد الأقصى، وأثبتت تعلق الفلسطينيين العظيم به، واستعدادهم الدائم لنصرته. غير أنّها كذلك فتحت الباب أمام مسلسل من التهويد التدريجي والبطيء للمسجد، نشهد في هذه الأيام تجليّاته مع محاولات تقسيم الأقصى زمانيًا ثمّ مكانيًا.

·     نص:

على عتبة القداسة تسيل الدماء، غاليةً تسترخص في لحظة الحقيقة ومواجهة الوحش .. تنسكب من قلب القضية وفي قلبها .. سؤالاً وجرحًا ومعركةً.

·     لوحة:

مجزرة الأقصى

·    الحدث: اغتيال فتحي الشقاقي 26/10/1995

·     الوصف:

في رحلة عودته من ليبيا، مرّ إبراهيم الشاويش إلى مالطا، لم يكن الرجل الذي يعتمر "باروكةً" للتخفي، إلا فتحي الشقاقي، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي.

تابع الموساد الرّجل في سوريا لسنوات، وبعدما اتّخذت حكومة الاحتلال القرار باغتياله إثر عملية بيت ليد التي نفّذتها الجهاد الإسلامي، وقتل فيها 22 إسرائيليًا، كُثّفت عمليات المراقبة، حتى تمكّنت خلية من الموساد من اغتياله في مالطا بتاريخ 26 تشرين أول/ أكتوبر 1995.

تركَ الشقاقي في الناس، والفلسطينيين خصوصًا، إرثًا نظريًّا وعمليًّا مهمًّا. فعلى المستوى النّظري يمكن أن يُعزى إلى الرجل نهوضه بتنظيرات مهمةٍ دفعت الإسلاميين نحو ميدان الجهاد العمليّ في فلسطين، بالإضافة إلى تنظيراته المهمّة المتعلقة بمركزيّة القضية الفلسطينية في المقولة الإسلامية.

وعمليًا، ترجم الدكتور أفكاره بتأسيس حركة الجهاد الإسلامي، ودفعها نحو ميدان القتال والجهاد مبكرًا، فهو تأسيس قائم على الانخراط في القتال من حيث الأصل.

يمكن، بهذا الاعتبار النظر إلى الشقاقي لا بوصفه شخصيةً تنظيميةً فحسب، ولا بوصفه مفكّرًا إسلاميًا فلسطينيًا فحسب، بل بوصفه أحد أهم رواد الحالة الجهادية، أو المقاومة الإسلامية في فلسطين، وأحد أهم دوافعها إلى الأمام.

·     النص:

"إن مسالة تحرير فلسطين هي مسالة مشروع ينظم إمكانية الأمة ويرد على حرب العدو الشاملة، بحرب ثقافية وفكرية واقتصادية وأمنية وعسكرية.. ويبقى دور المجاهدين في فلسطين هو إحياء فريضة الجهاد ضد العدو ومشاغلته واستنزاف طاقته .." فتحي الشقاقي.

·     لوحة:

فتحي الشقاقي

  

·    الحدث: اغتيال رحبعام زئيفي – 17/10/2001

·     وصف:

الجريمة

الزمان: 27/8/2001 .. طائرات الاحتلال تغتال أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى في رام الله.

العقاب

الزمان: 17/10/2001 .. خلية من الجبهة الشعبية تغتال وزير سياحة الاحتلال رحبعام زئيفي في فندق ريجنسي بالقدس.

لم يفصل بين الجريمة والعقاب سوى 50 يومًا، بما يوحي بأن التخطيط للعملية بدأ في اللحظة التالية لاغتيال أبو علي مصطفى. قبل اغتيال زئيفي بـ 24 ساعة توجّه "مجدي الريماوي وحمدي قرعان وباسل الأسمر"، إلى القدس، ودخلوا الفندق بجوازات مزوّرة، ومسدسات كاتمةٍ للصوت، وباتوا ليلتهم هناك في انتظار وزير "الترانسفير"، وجنرال الجيش السابق. وعند الصباح، وبعد أن تناول زئيفي آخر إفطار في حياته، أطلق قرعان ثلاث رصاصات استقرت في رأسه عند مدخل غرفته، قتل بها زئيفي.

كانت عملية اغتيال زئيفي واحدةً من أهم عمليات انتفاضة الأقصى، وأكثرها إيلامًا للاحتلال، وهي تنجح في ضرب أمنه واستخباراته حين وصلت إلى مأمنِ وزيرٍ من حكومته وأودت به، ثمّ وهي تثبت إمكان المقاتل الفلسطيني وقدرته.

فشل الاحتلال في اعتقال الخلية التي انسحبت بعد تنفيذ عمليتها، رغم اجتياحه للضفة. غير أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة اعتقلتهم رفقة الأمين العام للجبهة أحمد سعدات، و القائد العام لكتائب أبو علي مصطفى عاهد أبو غلمة، وحاكمتهم وأمرت بسجنهم. وبعد حصار مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات خلال الاجتياح عام 2002، نُقل الأسرى الستة إلى سجن أريحا. وهناك، وبعد 4 سنوات، اعتقلهم الاحتلال بعد اقتحامه السجن الفلسطيني.

·     نص:

"لن نكون ندًا للأعداء ولن نستحق احترام الشهداء.. إذا لم يكن شعارنا.. العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس.. فعهدًا يا رفيقنا أبو علي ألا يكون شعارنا أقلّ من الرأس بالرأس".

أحمد سعدات بعد أيام من اغتيال أبو علي مصطفى وقبل أيام من اغتيال زئيفي.

·     لوحة:

زئيفي

 

·    الحدث: صفقة وفاء الأحرار 18/10/2011

·     وصف:

صبيحة 18 تشرين أول/ أكتوبر من عام 2011 كان 477 أسيرًا فلسطينيًا يقضون آخر دقائقهم خلف القضبان، جلّهم من أصحاب الأحكام العالية التي تصل إلى المؤبد، ليكونوا الدفعة الأولى من الأسرى الذين سيحرّرون في صفقة وفاء الأحرار، أو صفقة "شاليط".

بدأت فصول حكاية الصفقة مع لحظة أسر المقاومة للجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط، في عملية مشتركة نفّذتها كتائب القسام، وألوية الناصر صلاح الدين، وجيش الإسلام، في 25 حزيران/ يونيو 2006، أي في العام نفسه الذي فازت فيه حماس في الانتخابات التشريعية. أطلقت الأذرع العسكرية على العملية التي اخترقت دفاعات الاحتلال ونُفّذت "خلف خطوطه" اسم "الوهم المتبدد". كانت العملية نوعيةً من حيث التخطيط والتنفيذ، فاعترف الاحتلال بمقتل اثنين من جنوده، وإصابة 5 آخرين، فيما ارتقى شهيدان من منفذيها. أما أهم ما في العملية فكان أسر كتائب القسام للجندي جلعاد شاليط.

على مدار خمس سنوات تالية استطاعت القسام الاحتفاظ بالجندي، رغم أن الاحتلال شنّ على القطاع خلال تلك السنوات حربين، وقد كان هذا إنجازًا إضافيًا مهمًّا يتحقق.

في أيلول/ سبتمبر 2009، أطلق الاحتلال سراح 20 أسيرةً فلسطينيةً من الضفة والقطاع، وثلاثة أسرى من الجولان، مقابل شريط فيديو لمدة دقيقة يظهر شاليط حيًّا.

وفي 18 تشرين أول/ أكتوبر كان الجزء الأهمّ من الصفقة، حيث حرّرت الصفقة 477 أسيرًا منهم 315 أسيرًا محكومين بالسجن المؤبد، وتتمتهم من أصحاب الأحكام العالية، إضافة إلى 27 أسيرةً، منهن خمس محكومات بالسجن المؤبد، في مقابل إطلاق سراح الجندي.

وبعد شهرين أطلق سراح 550 أسيرًا فلسطينيًا آخرين، ليتمّ بذلك تحرير 1027 أسيرًا وأسيرةً من سجون الاحتلال في صفقة وفاء الأحرار.

مثّلت فصول هذه الصفقة، منذ لحظة العملية إلى ختامها، حدثًا نوعيًا ذا أهميةٍ خاصّة، فهي أول صفقة تبادل تجري بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال داخل الأرض المحتلة، وهو ما يدلّ على تطور نوعيٍّ في قدرات المقاومة، وهو ما يعزّز، كذلك، صوابية مقولتها المتعلقة باستخدام الأرض الفلسطينية المحتلة قاعدةً رئيسيةً للقتال والمواجهة، وإمكانية تطويرها لملاءمة لهذا الهدف. كما أنّها تعدّ خسارةً مدويةً للاحتلال على مستوى الأمن والاستخبارات بعد فشلها في الوصول إلى جنديّها الأسير في 365 كم مربع محاصر، وعلى مستوى التفاوض، إذا استطاعت المقاومة أن تحقّق إنجازًا مهمًا بإطلاق عدد كبير من الأسرى المحكومين على خلفية أعمال مقاومة قتلت إسرائيليين، وهو ما كان يعدّه الاحتلال خطًّا أحمر.

·     نص:

تخبئ الأرض كنزها، عدوّها الثمين، وتقاتل به عن رجالها المسروقين منها.

بالدم المسفوك على مذبح الحرية، وبالنار الموقدة في الحديد المصفّح.. يصنع النصر وتذاب القضبان.

·     لوحة:

وفاء الأحرار

·    الحدث: هبة القدس – 1/10/2015

·     وصف:

في الأول من تشرين أول/ أكتوبر 2015 كانت خليةٌ من كتائب القسام في نابلس تنفّذ عمليةَ إطلاق نار قرب مستوطنة إيتمار، فتقتل مستوطنيْن اثنين وتصيب آخرين، وبعدها بيوم ينفّذ مهند الحلبي من رام الله عملية طعن في القدس أدّت هي الأخرى إلى مقتل مستوطنيْن وإصابة آخرين. كان الحدثان افتتاحًا لما عُرف تاليًا بـ "هبّة القدس" أو "انتفاضة القدس" في الضفة الغربية، على اختلاف التسميات التي تَبِعَت اختلاف الأنظار إلى الحدث، لكنّ الحدث تأسّس في الوجدان العام لجيل الضفة الغربية الجديد مع معركة "العصف المأكول" التي خاضتها المقاومة في غزة ضد الاحتلال عام 2014، ومشهديات الانتصار التي تخللت الأداء الملحميّ الذي قدّمته المقاومة فيها.

اتّسمت "هبّة القدس" بانخراط جيلٍ جديد في مجال المقاومة كان يعوّل الاحتلال على أنّه عمل على إعادة هندسة وعيه عبر أدوات الإلهاء والتفريغ الوطني وتحطيم المجال العام، كما أنّها اتّسمت في مجملها بابتكار أدوات المقاومة من المتاح والممكن، فكانت عمليات الطعن والدعس سمتها الأبرز، مع حضور أقلّ للعمل المسلح مع غياب إمكانية صناعته وامتلاك أداته في حينها.

نُفّذت عشرات العمليات النوعية في الضفة المحتلة، ووسّع الاحتلال من جرائمه فاستشهد المئات، واعتقل الآلاف، وهدمت مئات المنازل... ومع إحساس الاحتلال بأنه استطاع تفكيك الحالة وفرض التراجع عليها هبّت الضفة من جديد في مقاومتها الراهنة التي أخذت أشكالًا وهيئاتٍ أخرى أكثر تعقيدًا وقوةً، بما أكّد على تجذّر المقاومة مقولةً وفعلًا في وجدان الشعب الفلسطيني، وعجز الاحتلال عن القضاء عليها.

·     نص:

ينتزع من المستحيل قيامته، ومن العاديّ أداته، ويمسح على عيني الغفلة بيد الثورة .. فينكسر رهانُ ويصعد رهان..

·     لوحة:

هبة القدس