تصفيات كأس العالم 1934 و 1938 .. عن سرقة اسم فلسطين وكُرَتِها

تصفيات كأس العالم 1934 و 1938 .. عن سرقة اسم فلسطين وكُرَتِها
تحميل المادة

تمهيد

عَرفت فلسطين كرة القدم مع أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وفي عام 1908 شَكَّلت كلية المعارف فريقًا لكرة القدم، كما شهد العام ذاته تأسيس أول فريق مدرسي لكرة القدم في مدرسة المطران St. George في القدس، والذي تغلّب على فريق الجامعة الأمريكية في بيروت (كان من أقوى فرق المنطقة) في عقر داره عام 1909، وفي عام 1910 أقدم عدد من الشباب على تشكيل فريق لكرة القدم يباري فرقًا أجنبية كانت تزور فلسطين في تلك الفترة، ثم بدأت كرة القدم بالانتشار في فلسطين. [1]

ويتحدث الدكتور عزت طنوس في كتابه "الفلسطينيون ماض مجيد ومستقبل باهر" عن الحركة الرياضية في فلسطين قبل الاستعمار البريطاني، ويذكر أن أول مباراة بكرة القدم بين بلد وآخر في الشرق الأوسط جرت في عام 1912 عندما جاء فريق الكلية الإنجيلية السورية في بيروت (عرفت فيما بعد بالجامعة الأمريكية) إلى القدس ليلعب مع مختلف فرق كرة القدم في المدينة المقدسة، وهي: السي أم إس، والشبان المسيحية، ومدرسة سان جورج، ومنتخب القدس، حيث تمكن الفريق الضيف من الفوز في 3 مباريات، وتعادل في الرابعة مع فريق سان جورج 3-3. وفي عام 1913 سافر فريق القدس إلى بيروت لمواجهة فريق الكلية، فلعب 4 مباريات: فاز في واحدة، وتعادل في اثنتين، وخسر واحدة بنتيجة 6-0. وفي 1914 عاد فريق الكلية لفلسطين لمواجهة فريق القُدس فهزم شر هزيمة. [2]

 

الصهيونية واستغلال الرياضة

كان الصراع على الساحة الرياضية في فلسطين بين العرب والصهاينة جزءًا من الصراع القائم آنذاك، فقد استخدمت الصهيونية الرياضةَ وسيلةً من أجل تحقيق أطماعها في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر، وكان للأندية الصهيونية في أوروبا وفلسطين دورٌ هامٌّ في صهينة الشبيبة اليهودية، وإعدادها من أجل حمل السلاح والسعي من أجل اغتصاب فلسطين، وبناء الوطن القومي لليهود.

يوضّح ألن تايلور في كتابه "العقل الصهيوني" أن الحركة الصهيونية التي أسسها ثيودور هرتز عام 1887 تبنت تفسيراتٍ صهيونيةً مختلفةً: ثقافيةً، ودينيةً، واجتماعيةً، وسياسيةً، ورياضيةً.. فالرياضة [بوصفها] عنصرًا ثقافيًا وشكلاً من أشكال الوعي الاجتماعي كان لها تفسيرها في العقل الصهيوني، فهي وسيلة من أجل إعادة بناء الحس القومي وخلق رياضة يهودية، تعمل على تحويل المشاعر والمفاهيم الدينية إلى قومية صهيونية". كما عدَّ مفكرون صهاينة الرياضةَ وسيلةً لبناء الوطن القومي، واستعادة اللغة، والأدب، والتاريخ. وبنظرهم فإن الهدف من إقامة دولة "إسرائيل" لا يتحقق دون إعداد بدني وروحي ومعنوي للأجيال التي كان يتوجب عليها تحقيق هذا الهدف. وقد سعت الصهيونية إلى إبراز أن "التفوق اليهودي" لا يقتصر على المجال العلمي والفني فقط، وإنما يتعداه إلى المجال الرياضي، كما أيقنوا أنه لا وطن واحدًا دون ثقافة واحدة، فكانت الرياضة بهذا جزءًا مقوّمًا لهذه الثقافة والأيديولوجية الصهيونية. [3]

تبنت الحركة الصهيونية تفسيراتٍ صهيونيةً مختلفةً: ثقافيةً، ودينيةً، واجتماعيةً، وسياسيةً، ورياضيةً .. فالرياضة [بوصفها] عنصرًا ثقافيًا وشكلاً من أشكال الوعي الاجتماعي كان لها تفسيرها في العقل الصهيوني، فهي وسيلة من أجل إعادة بناء الحس القومي وخلق رياضة يهودية، تعمل على تحويل المشاعر والمفاهيم الدينية إلى قومية صهيونية" ألون تايلور – العقل الصهيوني

 

تمثيل فلسطين على الساحة الدولية

عملت الحركة الصهيونية في عشرينيّات القرن الماضي على استخدام الرياضة وسيلةً من أجل إبراز الهوية اليهودية، وانتزاع حق تمثيل فلسطين على الساحة الدولية، بالتوازي مع إبعاد العرب وتهميشهم عن الساحة الرياضية.

شكل اليهود في سنة 1924 منظمة كرة القدم للأندية بهدف ضم كافة الأندية الصهيونية وتنظيم عملها، وسعى عددٌ من قادة منظمة المكابي (منظمة رياضية أُسست في أوروبا ثم انتقلت إلى فلسطين) إلى ضمها للاتحاد الدولي للرياضيين الهواة، لكن طلبهم قوبل بالرفض، لأن المكابي لم تكن تمثّل العرب والإنجليز واليهود في فلسطين بشكل متساوٍ، ومنذ العام 1925 حاول جوزيف ياكوتيلي (أحد أبرز قادة المكابي) كسب عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم  (FIFA) فكان سبيله الوحيد لتحقيق هذا الهدف تأسيس "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" عام 1928، وضم في عضويته ناديًا عربيًا وحيدًا وهو النادي الرياضي العربي في القدس، وكان يمثله إبراهيم نسيبة. [4]

لم يكن تعاون اليهود مع العرب إلا بسبب متطلبات الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي اشترط أن يُمثَّلَ العربُ في عضوية الاتحاد، وما أن نجحوا في تحقيق هدفهم بالانضمام للاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) في حزيران/ يونيو 1929، حتى بدأت مرحلة تهميش العرب من الساحة الرياضية من خلال تفرُّدِ اليهود فيها، فلم يلتزموا بالقوانين الداخلية، ومن خلال تعاونهم مع البريطانيين استطاعوا الهيمنة على هذا الاتحاد، وإعطاءه الطابع الصهيوني، سواءً بجعل أنفسهم غالبية فيه، أم بإدخال اللغة العبرية والعلم الصهيوني في شعارات الاتحاد. [5]

أسّس اليهود في فلسطين "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" عام 1928، وضم في عضويته ناديًا عربيًا وحيدًا بسبب متطلبات الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي اشترط أن يُمثَّلَ العربُ في عضوية الاتحاد، وما أن نجحوا في تحقيق هدفهم بالانضمام للاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) في حزيران/ يونيو 1929، حتى بدأت مرحلة تهميش العرب من الساحة الرياضية

 

تصفيات كأس العالم 1934 و1938

كان انضمام "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" لعضوية الـ (FIFA) فرصةً ثمينةً للصهاينة من أجل إبراز الهوية اليهودية وتمثيل فلسطين على الساحة الدولية، وذلك بالتعاون مع حكومة الاستعمار البريطاني.

وكانت تصفيات كأس العالم 1934 فرصةً ذهبيةً لإبراز "الهويةِ اليهودية لفلسطين"، ليعلنَ الصهاينةُ فلسطين أرضًا لهم، أو على الأقل هيمنتهم عليها ثقافيًا، ورياضيًا، تمهيدًا لاحتلال الأرض وإقامة كيانهم عليها، فشارك الصهاينة في التصفيات باسم منتخب فلسطين وواجهوا المنتخب المصري، فخسروا ذهابًا 7-1 في القاهرة، وإيابًا 4-1 في "تل أبيب".

وخَلَا المنتخب الذي حمل اسم فلسطين من أي لاعب عربي، وتكوّنَ من اللاعبين اليهودِ والإنجليز حصرًا، ليس لسوء اللاعبين العرب، وإنما لأسباب سياسية وعنصرية، ففريق شباب العرب في حيفا الذي هزم فريق مكابي حيفا بعشرة أهداف دون رد لم يُمثَّلْ بأي لاعب في المنتخب. [6]

وتكرّرَ الأمر ذاته حينما شارك المنتخب الذي يحمل اسم فلسطين في تصفيات مونديال 1938، والتي أقيمت بنظام خروج المهزوم من مباراة واحدة، ووقتها هُزم المنتخب من مضيفه منتخب اليونان 3-1 في أثينا.

وبما أن المنتخب في الحقيقة كان ممثِّلًا للحركة الصهيونية ولا يمثل فلسطين، وإنما أجبر على اللعب باسمها لأن الاتحاد الدولي لكرة القدم يشترط مشاركة المنتخبات التي تمثل الدول، ولم يكن في وقتها شيء اسمه "دولة إسرائيل" كان يعلو صوت النشيد الوطني لليهود "النشيد الإسرائيلي الوطني الآن" حينما يسجل لاعبو "المنتخب الفلسطيني" الأهداف.

لم يكن الجانب الفلسطيني غائبًا عن الساحة، فأنشأ في نيسان/ أبريل 1931 الاتحاد الرياضي الفلسطيني، وشكل منتخبًا عربيًا فلسطينيًا لكرة القدم، يسعى لتمثيل فلسطين على الصعيد المحلي والدولي،[7] لكنه لم يحصل على اعتراف الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)  بعدما حصل الصهاينة  عليه أولًا.

كانت تصفيات كأس العالم 1934 فرصةً ذهبيةً لإبراز الهويةِ اليهودية لفلسطين، ليعلنَ الصهاينةُ فلسطين أرضًا لهم، أو على الأقل هيمنتهم عليها ثقافيًا، ورياضيًا، تمهيدًا لاحتلال الأرض وإقامة كيانهم عليها، فشارك الصهاينة في التصفيات باسم منتخب فلسطين .. وخَلَا المنتخب الذي حمل اسم فلسطين من أي لاعب عربي

لعب المنتخب الصهيوني تحت اسم "منتخب فلسطين" 5 مباريات دولية ما بين عامي 1934 و1940 كان منها مباراتان أمام المنتخب المصري (وكانت مصر حينها تخضع للانتداب البريطاني) ومباراة أمام المنتخب اليوناني، وأخرى أمام المنتخب الأسترالي، كما تواجه مع المنتخب اللبناني.

ويوجد على موقع يوتيوب فيديو قصير يوثق جزءًا من مباراة "منتخب فلسطين" مع مضيفه منتخب أستراليا في سيدني عام 1939، يظهر فيه بوضوح بأن "منتخب فلسطين" يرتدي زيًّا يحمل شعار المكابي، ولا تبدو على لاعبيه أي ملامح عربية، إنما ملامح أوروبية. [8]

وفي عام 1948 أي بعد النكبة، وقيام "دولة إسرائيل" تم حل "منتخب فلسطين" ولاحقًا تم تأسيس منتخبٍ حمل اسم "إسرائيل".

فيما نال الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عضوية الاتحاد الدولي الـ(FIFA)  عام 1998. ومن الضروري أن يشار إلى أن هذا الاتحاد هو امتداد طبيعي للاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تأسس عام 1931، وليس امتدادًا للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي أسسه الصهاينة عام 1928.

وفي عام 1999 نال منتخب فلسطين المركز الثالث في البطولة العربية لكرة القدم التي نظمتها الأردن، ثم شارك في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس آسيا 2000، وكأس العالم 2002.

ونجح منتخب فلسطين في التأهل لنهائيات كأس آسيا للمرة الأولى عام 2015، بعدما أحرز لقب بطولة التحدي بفوزه في المباراة النهائية على منتخب الفلبين 1-0، بهدف أشرف نعمان من ركلة حرة مباشرة في الدقيقة 59.

لم يكن الجانب الفلسطيني غائبًا عن الساحة، فأنشأ في نيسان\ أبريل 1931 الاتحاد الرياضي الفلسطيني، وشكل منتخبًا عربيًا فلسطينيًا لكرة القدم، يسعى لتمثيل فلسطين على الصعيد المحلي والدولي،  لكنه لم يحصل على اعتراف الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)  بعدما حصل الصهاينة  عليه أولًا.



[1] عصام خليفة، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، (رام الله، دار الشروق للنشر والتوزيع، 2013) ص 22.

[2] عزت طنوس، الفلسطينيين ماض مجيد، ومستقبل مباهر، الجزء الأول، (بيروت، مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، 1982) ص 16.

 

[3] عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 32-33.

[4] المرجع السابق، ص 37-38.

[5] المرجع السابق، ص 38.

[6] لحظات لا تنسى – قصة المنتخب الذي خاض مونديالي 1934 و1938 باسم فلسطين: https://cutt.us/Jv40A

[7] عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 44.

[8] https://cutt.us/T6Fmq