حين يبحثُ السجنُ في مشاكلِنا: قراءة في كتاب (ليسَ مجرَّدَ زوجٍ: دراسة اجتماعيّة) للأسير جمال الهور
حينَ طُلِبَ منّي أن أكتبَ عن هذا الكتابِ، لم أفكّرْ كثيرًا لمّا علمتُ أنّه لأبي تقيّ: جمال عبد الفتّاح الهور، الأسير القسّاميّ، ابن بلدة صوريف في الخليل، ومن مؤسّسي خليّتها ذائعة الصيت. وافقتُ دونَ أن أعلمَ تفاصيلَ موضوعِه، إذ هو كتابٌ لأسيرٍ محكومٍ بخمسة مؤبّداتٍ و18 عامًا، نظّمه الشهيد محمّد عزيز رشدي في الجناح العسكريّ لحركة حماس (كتائب القسّام)، وكان ما سبق كافيًا لأن أوافقَ لا شعوريًّا على التشرُّف بالكتابة عن هذا الكتابِ المنشورِ حديثًا -العام الفائت/ 2022- عن مركز بيت المقدس للأدب، والمؤلَّفِ عام 2017.
يقولون: "سَجَنَ الهمَّ: إذا أخفاه ولم يبُثّه"[1]، ويقولون: السَّجْنُ: "سكونُ مَن فيه همودًا"، ومن الأقوال في "سِجّين" أنّه جُبٌّ في جهنّمَ، والسِّجّينُ من النّخل ما يُحفَرُ في أصولِها حُفَرٌ تَجذبُ الماءَ إليها إذا كانت لا يصلُ إليها الماءُ"[2]، وأنت تجدُ من المادّة المعجميّة (سجن) حَبْسَ الشيء في حيِّزٍ شديدٍ، ثمّ تجدُ همودًا وسكونًا مفروضيْنِ على المسجون. هذا في أصْلِ فعلِ السَّجْن، فكيف بأيّامِنا هذه إذ يُجمَع على الأسيرِ الحرمانُ بكلّ شِعابِه، والتفنُّن بتضييقِ سجنِه عليه مرّاتٍ ومرّاتٍ، لا يكتفي سجانوه بحبسِ الجسدِ؛ بل يحاولون حبسَ الروحِ من بوّاباتِ التكرار اليوميّ والحرمانِ بكلّ صوره: الجماليّ والعاطفيّ والإنسانيّ.
حدّثني صديقي منذ أيّام، وقد خرجَ من سجن ريمون حديثًا، أنّ أحدَ الأسرى المؤبَّدين التقى ابنَه في السِّجْن بعد 25 عامًا من الفراق، اجتمعوا في الغرفة ذاتها، كان الأبُ والابن قد ناما في "بُرْشٍ" واحدٍ ذات ليلة، ربّما كانت أوّلَ مرّةٍ يُجرِّبان هذا الشعورَ! بل وفي سبيلِ التمازُحِ الجادّ: ذهب الأبُ الأسيرُ ليشتريَ "الكورنفلكس" من "الكانتينا" لابنه الأسيرِ أوّل طلوعِ الشّمس، فأُخبِرَ بأنّه لم يتبقّ إلّا علبتان، فاشتراهما متعلّلًا بـ "بدّيش أقطع الولد". لم يُجَرِّبْ هذا الأبُ الأسيرُ شعورَ الإنفاقِ على ابنِه ولا النومَ بجانبه، والآن يتذوّق شعورَه الإنسانيّ لأوّل مرّة حين "نجح" الابن أن يكون أسيرًا.
حرف من وراء القضبان
يمكنُ للسجنِ أن يكونَ ظرفًا لصَقْلِ الذاتِ واكتسابِ العادةِ من المداومةِ على فعلٍ ما، إذ المُشغِلاتُ قليلة، بل هي -أيّ العاداتُ- فرصةٌ لتزجية الوقتِ، على ما فيها من ملالة التكرار، يُتَغَلَّبُ عليها بلذّة الخاتمةِ، وبالوعيِ بضرورةِ رَفْدِ الذاتِ بتجارب وخبراتٍ تخدمُ القضيّة المتبنّاة، وغالبًا ما تؤثّرُ عقيديّة القضيّة على سلوكِ متبنّيها، والعادة فرصة للتعوّد على إيثارِ التعبِ على الراحة، فالكمال الإنسانيّ لا يأتي على طرفِ الثمامِ.
وإذا كنّا نفهمُ خلودَ الإنسانِ بعد موته بما قدّم من إنجازاتٍ للبشريّة، تظلُّ تُذكِّرُ الناسَ من بعده بمساهماته، فإنّي أفهمُ الحرّيّة داخلَ الأسرِ بإصرارِ الأسيرِ على خدمة قضيّته وهو مكبّل اليدين، طلق الروحِ والجنان، فالممكنُ دائمًا أعلى من سقفِ الواقعِ، والأسيرُ الّذي يتجاوزُ واقعَه من التأثُّرِ إلى التأثير يكون قد نجحَ في أن يُحرِّرَ نفسَه من كونها قائمةً على ردّة الفعل إلى كونها فاعلة، في تجاوزٍ جليٍّ لمكانه. هكذا أفهمُ كتاباتِ الأسرى، وأفهمُ هذا الكتابَ باعتبارِه مساهمةً مجتمعيّةً من رجلٍ عسكريّ مقاومٍ. ومثلُ هذه الأمثلة يُرجى تكثيرَها، والاستفادة من تجاربها: "كيفَ تعاملوا حين أقامهم الله في الأسبابِ؟ وكيف تعاملوا حين أقامهم الله في التجريد"؟
وعنوان المقال لا يستكثرُ على الأسيرِ دورَه في تقديم حلول لمشاكلنا بقدرِ ما يُبجِّلُ هذا الجهد المنحوتَ من صخرِ الحرمانِ والبعد، ومحاولة رَدْمِ الهوّة بين تغييب الأسيرِ عن المكان، مع تقادم الزمانِ.
وهذا الكتابُ للمؤلّف الأسير مسبوقٌ بكتابٍ آخرَ مقابلٍ له تقابُلَ الموضوعِ لا تقابُلَ المناوءة والمخالفةِ، هو: "كوني أنتِ"، أفردَه المؤلّف لمخاطبة (حوّاءَ) فيما يُريدُ (آدمُ) منها.
غلاف الكتاب
رباعيّة ربانيّة
لن أتحرَّجَ إن قلتُ إنّ الكتابَ فيه جِدَةٌ في نموذجِ الإسلاميّ الفلسطينيّ، الّذي يكتبُ عن قضايا يتحرّجُ من التطرُّقِ إليها كثيرٌ من الرعيلِ الأوّل جريًا نحو المثاليّة، إذ يُصَرِّحُ بما عادتُه الإضمارُ عندهم، غير أنّه جعلَ المثاليّة العليا آخرَ طريقِه، يصلها من خلال منهجٍ نبويّ يمكن سحبُه بكليّته على علاقاتنا الزوجيّة، في لغةٍ أدبيّةٍ تتّخذ شكلَ الحوار القصصيّ أحيانًا. وقد تغيّا الكاتبُ في كتابه استمراريّةَ الحياة الزوجيّة حبًّا ومودَّة ورحمةً، في تذكيرٍ بحقّ حوّاء بعلاقةٍ متبادلةٍ من الانسجامِ والرومانسيّة، وتأصيلٍ لحقّها في الاختيار رفضًا أو قبولًا، وإنذارٍ بخطورة ظاهرة الطلاق المجتمعيّة، مع تذكيرٍ لآدمَ بالواجبِ تُجاه حوّاء، مستلًّا من الآية الكريمة: ﴿وَمِن آياتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا لِتَسكُنوا إِلَيها وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾
رباعيّة ربانيّة ضمنت للبشريّة استمراريّتها وتجدُّدَها، فصّلها على النحو الآتي:
- "مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا": أساس الحياة وتجديدها.
- " لِتَسكُنوا إِلَيها": مأوى الحياة وركنها الشديد.
- "مَّوَدَّةً": خطّ الإمداد وزاد الحياة.
- "رَحْمَةً": القانون الضابط لهذه الحياة.
ذات مرّةٍ سمعتُ العالِم الدكتور تمّام الشاعر يقول: "إنّ حرّيّة المرأة في تديُّن الرجل"، والتديُّن هنا ما يُدافِعُ عنه كاتبُ الكتاب، إذ يرمي إلى تجاوز رجلِ المادّةِ الّذي يرى المرأة سلعةً رابحةً ومتعةً خالصة، والمتطرّفِ بزعم التّدين الذي يراها وعاءً تحمل الخَلَفَ وجاريةً تخدم البعلَ وتُطعم الولد، يحبسها في خيمة الظلام الفكريّ، أما المتديّن عنده -أيّ الكاتب- هو البعيد عن الاعوجاج والتخليط، السائر على طريق وسطيّ قويم لا إفراط فيه ولا تفريط ولا غلوّ، القريب إلى فهم المقصود الدينيّ والتشريعاتِ المتعلّقة بحوّاء وحقوقها وواجباتها ووظيفتها ودورها في هذه الحياة. وهنا يظهرُ أنّ هذا الفهم للإنسان المتديّن إنّما يكون من فهمٍ حضاريّ لدورِ الإنسانِ المسلم وفق رؤية إسلاميّة انطلق منها الكاتب، وقد يفسِّر هذا تجاهُلَه للمحاولات التأويليّة الّتي تنطلقُ من فهمٍ ما للنصوصِ الشرعيّة، تقرّب المرأة من ادّعاءاتِ النسويّة، وتغيّر أدوارَها الاجتماعيّة، فلم يعالج الكاتبُ مثل هذا، إذ هو يدافع عن فكرته الإصلاحيّة المتّفقة ورؤيتَه الحضاريّة الإسلاميّة.
يفصلُ المؤلّف بين عناوين الكتاب بهمساتٍ تثيرُ المشاعرَ والعواطفَ لتتفاعَلَ مع نداءات حوّاء، مُفرِدًا في نهاية الكتاب فصليْن: الأوّل: "وقفات تدبُّر" والآخر: "استراحة العشّاق مع زنبقات في رحاب الحبّ".
صورة قديمة لخلية صوريف
مفاتيح الحياة
تحت عنوان الإيمان: جاء المؤلّفُ بهمسةٍ استلّها من الرّافعيّ ونسبَها خطأً إلى أبي العلاء المعرّيّ، فالسجنُ وأحوالُ كتبه وطبعاتِها وما يتوفّر منها، يغفرُ للأسرى هذه الهِناتِ[3]. ويبهتُ النّصّ إن نقلتُ معناه، لكنّي أنقلُ نصّ الرافعيّ نفسِه في كتاب المساكين: "الإيمان قوّة جبّارة لا تجمع إلّا مَن رَدِّ كلّ أطراف النفس[4] المنتشرة إلى عقدتها الروحيّة، وحَبْسِها أكثرَ حواسِّها في حسٍّ واحد عنيف مؤلم، ووضْعِ المناعم المضنون بها في ذلك المعنى المفتوح المتهدّم الذي لا يمسك شيئًا وهو الزهد، وحَصْرِ الآلام الطاحنة في ذلك المعنى المطبق المتحجّر الذي لا يفلت شيئًا وهو الصبر، وردِّ الأخلاق كلِّها إلى ذلك العنصر الذي يضيف معنى الحديد إلى معنى اللحم والدم وهو الإرادة، وبعد ذلك كلّه وضع كلّ شيء إنسانيٍّ في ضوءٍ من أضواء الكلمة المتألّهة المسمّاة بـالفضيلة."[5]
وفي عنوانٍ آخرَ سمّاه الأخلاق، قرنَ بين سلامة إيمان المرء وخلقه الحسَن، ينالُه بعد التطواف على شطآن القرآن المقدّس، وبعد الاستخلاص الصحيح الدقيق للمفاهيم النبيلة من صفحاته، فالربط بين الخلق والخيريّة دلّ عليه حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-: "أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم".
وبمثل ما كتب عن الإيمان والأخلاق وضرورتهما في الزواجِ كتب أيضًا عن: الحبِّ والحنان الّذي تطلبه حوّاءُ اعتيادًا على تدلُّلٍ واطمئنانٍ من أبٍ وأمّ، أو تطلبه لِما لاقتْ من حرمانٍ، فأنت في الحاليْنِ أوّل الخيرِ لها. وأمّا عن العلم فقد جعله حافظًا للحبّ، إذ به تُدارُ الأسُرُ على أسس منهجيّة سليمة. وأشار إلى المال فجعله سياج الحمى، ومؤونة الرضا، وفيه غنى النفسِ وعفافها، واستقرار العيش ورغده، مبيّنًا من خلال الحوارِ بين أب وابنته أنّ الزهد لا يكون مع الفقر بل الزهد مع الدنيا المقبلة لا المدبِرة، وهو -من خلال إجاباتِ الفتاةِ أبيها- يُبيّنُ أصولَ اختيار الفتاةِ زوجَها بعيدًا عن نصائحِ الناسِ المعهودةِ من مثل: "يكفيك زوجٌ يُحِبُّك" و"الزهد علامة الصلاح" و"مَن يستعفف في فقره أسبقُ عند الله ممّن يطغى بغناه". ثم كتب عن الكرم فجعلَ وجودَه وجودًا للنفسِ المنبسطة الّتي تفقه تكاليف الحبّ، فالنفس الّتي تُعطي تكرُّمًا تعرفُ كيف تُحِبُّ، وأنا أنقل النصّ الآتي لنفاسته، إذ قرأته من سنواتٍ وحفظتُه عندي: "إن البخل صورةٌ من آثار ضِيق الروح، لا يصح أن يُقصَر على أن يكون رديفًا للحرصِ على المال، كما أنَّ الكرم اسم لفضاء النفوس ورحابتها قبل أن يكون جُودًا بما في اليد، ولستُ إخال أن يكون البخيلُ مُحِبًّا، إلّا أن يكون قد رتَّب على حُبّه لذةً عاجلةً يأخذُها ولا يُعطي مثلها، وإلّا أن يكون قدَّر ظَفرًا بمتعة آنية يُحَصّلها ولا يَهَبُ نظيرَها، فتكون حقيقة الحبّ عنده إنّما هي حُبّ السطو والخطف والغُنم، وأنَّى لمثل هذا أن يجود بنفسه وماله ومهجته لمحبوبِه؟ وما الحبّ إلا ذاك! وكيف له أن يعطي في الحبّ لا على شرط الأخذ! وأن يُوهَب له أقلّ ممّا يَمنح، وهو يُحاسِب على اللقمة وأختها ويَعُدُّ الرغيف وأخاه! إنّه لا يكاد يفهم حقيقة الحبّ، ولا يتمثّل معناه إلا بالقدر الذي يتصوَّر به الوليد مُعضلات كتاب سيبويه، وأسرارَ كتاب الخصائص، ومشكلاتِ منطق الشِّفاء، ولأمرٍ ما قالت الحكماء: "ليس للكريم عيب"، والسرّ فيه إنّما هو في انبساط الروح واتساع النفس الذي هو أصل إنفاق اليد وبسط الوجه، فروحُه غير مكدرة ولا حرجة، ونفسُه غير حسيرة ولا ضيّقة، فهو حبيب إلى الله، وحبيب إلى الناس، وليس إكرامه إياهم إلّا تجلّيًا لحبّ إيثارهم على نفسه، فمن أين تظهر عيوبه! واعكس كلّ هذا مع البخيل ترَ عَجبًا، وبضدّها تتميّز الأشياء"[6].
وعن صلة الرحم كتب، جاعلًا هذا الشرطَ حافظًا لقلب (آدمَ) وقلبِ أسرته، وهي البيئة الّتي ينمو فيها الحبّ، وأجرى حوارًا على لسان رقيّة وزينب؛ ليؤكّدَ على ضرورة تعاوُنِ الرجل في أعباء البيت، وألّا يترك امرأتَه منقطعةً لنَصَبها وتعبها وحيدةً، مُدلّلًا على ذلك من سيرة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم. ثمّ لم ينسَ أن يكتب عن الرومانسيّة، إحدى أهمّ مطالبات المرأة من الرجل، جاعلًا كثيرًا ممّا انضوى تحت هذا العنوان من سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم مع أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، من ذلك نداؤه إيّاها: يا عائشُ، ويا حُميراءُ[7]، ومسابقتُه إيّاها مرّتيْنِ، وقوله في الأخيرة "هذه بتلك"، وستْرُها بردائه صلى الله عليه وسلم حتّى تكونَ هي الّتي تسأم. "وكان -صلّى الله عليه وسلّم- إذا خلا بنسائه أليَنَ النّاس وأكرم النّاس، ضحّاكًا بسّامًا"، "وإذا كان اللّيل سارَ مع عائشة يتحدّثُ"، "وكان صلّى الله عليه وسلّم يتّكئ في حجر عائشة وهي حائض".
إنّ الكاتب في دعوته الرجلَ أن يكونَ رومانسيًّا، تَفْهَمُ منه أن يكون قادرًا على تجديد دفء الحبّ وإحياء جذوته، بعد فتورٍ أو هجر، فإنّ حوّاء متفرّغة البال للغزل وأسبابه ودوافعه، داعيًا إلى التتلمذ في المدرسة الرومانسيّة المحمّديّة.
وواصلَ عناوينه متحدّثًا عن الإخلاصِ، والغيرة إذ جعل إظهار الغيرة على المرأة سببًا في مَدِّها بقوّة شخصيّة على المستوى النفسيّ، تحتاجها المرأة في حياتها الاجتماعيّة، فتعلّمها جرأة رقيقةً في دائرة الحبّ، ومحذّرًا في الوقتِ ذاته من الغيرة العمياء التي تمشي على أرجل الظنون، إذ إنّ نهايتها الكراهية لا محالة، والضابطُ إحسان الظنّ وألّا يعطي الإنسان الأمور أكبر من حجمها، وإن احتيجَ إلى جلسة استيضاحٍ وتصحيح فلا بدّ من حُسن العتاب ومن ابتسامةٍ تُطيّب المجلس. وختمَ عناوينَه بالحديث عن الصدق والكذب، والذوق والأناقة، والحلم والتسامح، والاتّصال الجنسيّ، إذ كانت كلّ عناوينه إنّما هي مطالباتُ حوّاء لآدمَ، تستوضحُ كنهها وتتمنّى حلولَ أمنياتها في رجلِها المأمول.
أما "حواء" فإنك تلمحُ صفاتِها عند المؤلّف متنقّلةً بين محطّات السيرة النبويّة تطوف على مآثرِ النبوّة، تستخلصُ صفاتِ النبيِّ فتحاولُ أن تختارَ زوجَها على هدي نورِ النبيّ وخُلُقه.
وعن خاتمة كتابه فما أجلّها من خاتمة قالها عمر بن الخطاب: "إنّ أقلّ البيوتِ ما بُنِيَ على الحبّ، وإنّما يتعاشرُ الناسُ بالإسلام والأحساب".
وأنا داعٍ إلى قراءةِ الكتابِ، إذ علتْ بعضُ عناوينه في مضمونها، وانسابتْ في بعضها الآخر، وأنت تنال من قراءتك الكتابَ أمورًا إن كنت منها على علمٍ فإنّ التذكيرَ بها يجعلُها مركوزةً منظورةً في عقلِك وقلبك، وإن لم تكن منها على علمٍ فإنّها نصائحُ ثمينة تُقيمُ بيوتًا وتُحيي قلوبًا، وأنت فوق ذلك كلّه: تنتقلُ بين رياضِ الأدبِ، حتّى لتُحسُّ من نفسِك في بعض العناوين أنّك والرافعيُّ تتجالسانِ، وفي أسلوبِ أبي تقيٍّ تقارُب وتأثُّر بالرافعيّ. والرّافعيّ -رحمه الله- تنتشرُ كتبُه في أقسامِ حركة حماسٍ بشكلٍ ملحوظٍ، تتعدّد نُسَخُ الكتابِ الواحدِ في القسمِ الواحد، والرافعيُّ كتبَ وأفاض في موضوع هذا الكتابِ.
[1] لسان العرب، ابن منظور، مادّة سجن.
[2] المعجم الاشتقاقيّ، جبل، محمّد حسن، مادّة سجن.
[3] وأرى أنّ من الخيرِ لمَن يقوم على أعمالِ الأسرى أن يعمل على إخراجِ الكتابِ ومراجعته وتحريره قبل النشر، لضبطِ هِنات الاقتباساتِ والفهرسة والمراجع، وقد ورد خطأ في نسبة أبيات من الشعر كذلك ص12 إذ نسبَ الأبياتَ لسيّدنا عليٍّ رضي الله عنه، وما هي من شعره، إنّما هي نظمٌ علميّ احتوى رأي سيّدنا عليٍّ في المسألة بالحكم على المخنّث أهو ذكر أم أنثى.
[4] أيّ: شهواتها
[5] الرافعيّ، مصطفى صادق، المساكين، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص53
[6] منشور على وسائل التواصل الاجتماعيّ، سامي معوض: https://bit.ly/3JkQNzF
[7] الحُميراء أيّ: البيضاء، ومن قوله صلّى الله عليه وسلّم: "خذوا شطرَ دينكم من الحُمَيراء" أيّ من عائشة أمّ المؤمنين.
· استدراك من التحرير: "خذوا شطر دينكم من الحميراء"، لا يثبت حديثًا، وهو إلى الموضوع أقرب، حيث لا يعرف له المحدثون إسنادًا لا صحيحًا ولا ضعيفًا، وقد جاء في بعض الأحاديث مخاطبة عائشة بالحميراء، لعلّ أحسنها إسنادًا، الحديث الذي أخرجه النسائي في السنن الكبرى: "يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم…."، وأخرج مثله الحاكم في المستدرك، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، كما جاء في حديث لابن ماجة: "يا حميراء، من أعطى نارًا، فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار….."، وهو ضعيف، ولدى البيهقي في السنن الكبير والدارقطني: "أسخنت ماء في الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعلي يا حميراء؛ فإنه يورث البرص"، وهو لايصح كما قالا، وفي المعجم الكبير للطبراني: "يا حميراء، إنه لما كان ليلة أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة، فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم أر في الجنة شجرة هي أحسن منها حسنًا.." وهو لايصح.