دمار غزة سيكون الإرث الدائم لجو بايدن[1] حوار مع أكبر شهيد أحمد
على سبيل التقديم..
هذا اللقاء المترجم؛ مقتطف مُحرر من بودكاست "قراءات مطولة" لمجلة جاكوبين، مع أكبر شهيد أحمد، الذي يعمل على كتاب يكشف دور إدارة بايدن في دعم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة. يتناول اللقاء دور سياسة إدارة بايدن تجاه الحرب على غزّة في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ويسرد حكاية ضعف هذه الإدارة إزاء حكومة نتنياهو، وتسليمها في نهاية الأمر دائمًا بخيارات حكومة نتنياهو، ومسارات محاولة إنجاز صفقة تبادل أسرى مع حماس، وكيف كانت هذه الإدارة تغالط نفسها لتتبنى دعاية نتنياهو في نهاية الأمر، وأخيرًا ثمّة محاولة لتوقع ما يمكن أن تنتهجه إدارة ترامب بخصوص الحرب القائمة الآن في غزة ولبنان، وحتى بخصوص إيران.
هيئة التحرير
تحدث جو بايدن عن رغبته في وقف إطلاق النار، لكنه استمر في إرسال الأسلحة إلى إسرائيل ورفض ممارسة أي ضغوط لإنهاء الهجوم على غزة. هذا الرفض، الذي أيدته كمالا هاريس، يمثل جزءًا لا يتجزأ من إرثيهما السياسيين.
أكبر شهيد أحمد، المراسل الدبلوماسي البارز في صحيفة “هافنجتون بوست”، كتب تقارير عن الدعم الأمريكي للهجوم الإسرائيلي على غزة خلال العام الماضي، ويعمل حاليًا على كتاب يكشف القصة من الداخل. تحدث مع مجلة “جاكوبين” عن سبب عدم ابتعاد كمالا هاريس عن جو بايدن بشأن غزة، وتأثير ذلك على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وما هو المرجح حدوثه لاحقًا. النص أدناه مقتطف مُحرر من بودكاست "قراءات مطولة"[2] لمجلة جاكوبين. يمكنكم الاستماع إلى المقابلة هنا[3].
دانيال فين:
§ بشكل عام، هل يمكنك أن تخبرنا عن التأثير الذي أحدثته غزة (أو ربما أحدثته) على الانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي؟ ما هي المشكلات التي تسببت بها للديمقراطيين مع مجموعات معينة من الناخبين، خاصة في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان؟
أكبر شهيد أحمد:
قبل أسبوع، علمنا أن كمالا هاريس حصلت على عدد أقل بكثير من الأصوات مقارنة بجو بايدن في عام 2020، حتى بين الفئات المؤيدة للديمقراطيين، وهو مؤشر مهم. لم يكن الأمر يتعلق كثيرًا بأن هؤلاء الناخبين كانوا ينتقلون إلى دونالد ترامب أو يرونه منقذًا لغزة، لكن ربما كان الناس أقل حماسًا للتصويت لها. ينطبق ذلك على الناخبين الشباب، الذين دعم الكثير منهم بايدن بأعداد كبيرة للإطاحة بدونالد ترامب في 2020، وكذلك على العرب والمسلمين الأمريكيين.
عند النظر إلى الولايات المتأرجحة، يتكرر الحديث عن ميشيغان كثيرًا، لكن هناك أيضًا مجتمعات عربية أمريكية كبيرة في جورجيا ونيويورك، حيث كان هامش انتصار هاريس في ولاية ديمقراطية آمنة أقل بكثير مقارنة ببايدن في 2020 أو الديمقراطيين تاريخيًا. يبدو أن هناك تأثيرًا واضحًا.
نعلم أن عددًا كبيرًا من الأصوات ذهبت إلى جيل ستاين، مرشحة حزب الخضر للرئاسة. في ولايات مثل ويسكونسن وبنسلفانيا، حيث الفارق بين ترامب وهاريس هو بضع عشرات الآلاف من الأصوات، وكان هناك مرشح حزب ثالث يحصل على بعض هذه الأصوات بناءً على منصة مناهضة للحرب، فهذا يدل على أن غزة كان لها تأثير كبير بين مجموعات معينة.
فيما يتعلق بحملة ترامب، أفادت صحيفة نيويورك تايمز[4] بأن أبحاث الحملة أظهرت أن الناخبين المترددين كانوا أكثر احتمالًا بست مرات من غيرهم من ناخبي الولايات المتأرجحة لتحديد موقفهم بناءً على رأيهم في الحرب على غزة. هذه الفئة من الناخبين استهدفها ترامب بشكل علني وواضح. شاهدناه في تلك التجمعات الانتخابية المثيرة حيث كان يعد بأن يكون “رئيس السلام” وينهي الحروب.
لا أعتقد أن هناك سببًا كبيرًا للاعتقاد بأنه سيفي بهذه الوعود. ولكن درجة الإحباط من نهج إدارة بايدن، والشعور بأنه لم يكن هناك أي تغيير في السياسة بعد عام، مع سقوط ما لا يقل عن 44,000 قتيل، أوجدت فرصة لترامب.
نرى هذا أيضًا في التحليلات بعد الانتخابات من حملة هاريس. يشيرون إلى أنها لم تميز نفسها عن بايدن فيما يتعلق بغزة، قائلين: "انظروا، كانت هناك فرص لاستمالة بعض تلك المجموعات من الناخبين التي فقدتموها." عندما تولت هاريس مكان بايدن مرشحة للحزب الديمقراطي، كانت لديها فرصة لتقديم نفسها بنحو مختلف، لكنها أهدرت تلك الفرصة.
دانيال فين:
§ في حزيران/ يونيو الماضي، مرر أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اقتراحًا بناءً على طلب إدارة بايدن، بعدما قيل لهم إنّ هذا يمكن أن يوفر إطارًا لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة. في ذلك الوقت، قال عدد من المسؤولين في إدارة بايدن إن هذا كان إطارًا وافقت عليه إسرائيل. بالطبع، نعلم الآن أنه لم يكن هناك وقف لإطلاق النار، وأصبحت فكرة وقف إطلاق النار بمرور الشهور شيئًا نظريًا وصعب المنال. ما هي التطورات الرئيسية التي يمكنك الإشارة إليها في تلك الفترة؟
أكبر شهيد أحمد:
عندما كشف بايدن عن اقتراح وقف إطلاق النار في 31 أيار/ مايو، أعتقد أن العديد من المسؤولين في الحكومة الأمريكية كانوا يشعرون بأنهم يمكنهم "إنهاء المهمة". كان هناك الكثير من الثقة (وربما الغرور) من جانبهم.
بالنظر إلى السياق الأوسع في ذلك الوقت، شهدنا الغارة المميتة التي شنتها إسرائيل، وأسفرت عن مقتل مئات الفلسطينيين أثناء إنقاذ حفنة من الرهائن الإسرائيليين. كان هناك قصف وتشريد مستمر في غزة. بالنسبة للمراقبين الخارجيين، لم يكن يبدو أن إسرائيل توقفت عن تصعيد حملتها.
مع ذلك، أقنع مسؤولو إدارة بايدن أنفسهم برواية معينة. من وجهة نظرهم، حدث أمران مهمان. أولًا، تمكنوا من إقناع بايدن بوقف شحنة من القنابل التي تزن ألفي رطل وأخرى تزن 500 رطل، وهو ما اعتُبر خطوة بعيدة المنال. هذا يظهر مدى محدودية استعدادهم لفرض أي قيود على الدعم الأمريكي لإسرائيل. لكن بالنسبة لهم، كان هذا إنجازًا كبيرًا.
كما كانوا يراقبون الهجوم الإسرائيلي على رفح، المدينة الجنوبية في غزة على الحدود مع مصر. كانت رفح هي المكان الذي لجأ إليه أكثر من مليون فلسطيني استجابة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية. قالت الولايات المتحدة لعدة أشهر إن الهجوم الإسرائيلي على رفح سيكون "خطًا أحمر". وضع بايدن هذا الاختبار علنًا أمام نفسه.
هاجمت إسرائيل رفح في أوائل أيار/ مايو. كما تسببت في أزمة دبلوماسية خطيرة، ما زالت تشكل مشكلة، من خلال السيطرة على حدود غزة مع مصر. كان ذلك تصعيدًا واضحًا، وتجاوزًا للخط الأحمر الذي وضعه بايدن. ومع ذلك، كان هناك مسؤولون أمريكيون مثل جون كيربي يقولون: "لا نعتقد أن الإسرائيليين قد تجاوزوا الخط." كانوا يرون أن إسرائيل لم تشن غزوًا شاملًا، ومن هذا المنطلق، كان بإمكانهم القول: "لقد حصلنا على نتائج من الإسرائيليين. إنهم لا يفعلون هذا."
بحلول حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو، رأينا أشخاصًا من إدارة بايدن يقولون كثيرًا: "انظروا، لقد طلبتم منا أن نضع ضغطًا على الإسرائيليين. لقد فعلنا ذلك أخيرًا." كانوا يلقون اللوم الآن على حماس، على الرغم من أن حماس قد وافقت بالفعل على نوع من وقف إطلاق النار، قائلة: "نريد القيام بذلك. نريد تسوية دائمة." في الوقت نفسه، لم تكن إسرائيل تأخذ هذا الأمر بجدية.
من جهة، كانت إدارة بايدن تخبر الناس: "حماس هي العقبة، ولا يمكننا التشكيك أو تحدي الإسرائيليين بأي شكل، لأن حماس ستستغل ذلك." وفي الوقت نفسه، كان بنيامين نتنياهو يخلق أزمة سياسية لإدارة بايدن من خلال العمل مع الجمهوريين في الكونغرس للقول إن الولايات المتحدة قد أوقفت إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل.
في الواقع، لم تكن الولايات المتحدة قد أوقفت إرسال الأسلحة بشكل كبير، باستثناء تعليق شحنة القنابل التي تزن ألفي رطل. لكن لأن بايدن وافق على ذلك، تعاون نتنياهو مع الجمهوريين لخلق رواية مفادها أن الولايات المتحدة تتخلى عن إسرائيل. فشل فريق بايدن في تحدي هذه الرواية، بل ومنحها نوعًا من الشرعية.
بحلول نهاية حزيران/ يونيو، قام وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بزيارة واشنطن، حيث أكدت له إدارة بايدن علنًا: "لا تقلق، سنسرّع توريد الأسلحة. في الواقع، سنرسل حتى بعض القنابل التي كنا قد أوقفناها سابقًا." كان ذلك استسلامًا واضحًا من قبل الحكومة الأمريكية لإسرائيل.
الجانب الآخر من استسلام الموقف الأمريكي كان الأداء الكارثي لبايدن في المناظرة في 27 حزيران/ يونيو. أرسل هذا إشارة إلى نتنياهو بأن بايدن إما سيخسر ترشحه أو الانتخابات. غيّر ذلك الرواية بشكل كبير وأتاح المجال، بحلول تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، لنتنياهو لإضافة مطالب جديدة، قائلًا إن إسرائيل تريد السيطرة الدائمة على حدود غزة مع مصر.
على الرغم من أن الولايات المتحدة وإسرائيل استمرتا في القول بأن حماس هي العقبة أمام وقف إطلاق النار، إلا أن حماس أعلنت صراحة بحلول أوائل تموز/ يوليو أنها ستقبل اقتراح وقف إطلاق النار، بينما كان نتنياهو يقدم مطالب جديدة. في نهاية تموز/ يوليو، اغتالت إسرائيل زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران.
مع اقتراب المؤتمر الوطني الديمقراطي في منتصف آب/ أغسطس، كانت إدارة بايدن في موقف ضعيف حيث وضع مسؤولوها ما تبقى من مصداقيتهم على المحك علنًا. تعرضوا لاستجواب شديد، وردوا على هذا الاستجواب بكثير من الغطرسة بدلًا من التأمل.
ما سمعته من مسؤولي الإدارة ومن أشخاص مقربين منهم كان: "لم ندفع ثمنًا سياسيًا كبيرًا بسبب غزة. لقد قدمنا اقتراحًا لوقف إطلاق النار، وعلى الجميع أن يعترف لنا بذلك الآن." تصاعد هذا الجهد في الأسبوع السابق للمؤتمر الوطني الديمقراطي. لأسباب سياسية، كانوا يرغبون في دخول المؤتمر بقولهم: “انظروا، لقد أنهينا الحرب.” بالطبع، لم تكن إسرائيل في وضع يسمح لها بمنحهم ذلك.
حدث تحول كبير آخر عندما تنحى بايدن كمرشح ديمقراطي وتولت كمالا هاريس القيادة. عقدت هاريس اجتماعًا بارزًا مع نتنياهو حيث قالت: "لن ألتزم الصمت حيال معاناة الفلسطينيين." كان ذلك جيدًا في ظاهره، لكنه لم يُستغل بأي طريقة واضحة أو مؤثرة، مما أدى إلى الواقع الذي رأيته على الأرض في المؤتمر الوطني الديمقراطي. كان هناك إحباط هائل بين حركة الناخبين غير الملتزمين،[5] الذين قالوا إنهم يرفضون دعم بايدن حتى يغير سياسته تجاه غزة، وكذلك بين المندوبين العاديين للحزب الديمقراطي.
كان البعض داخل الحزب يقول: "حتى لو كنا لا نعلم الكثير عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، أو عن اتهامات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، أو عن كيفية استخدام أموال دافعي الضرائب في تمويل تطهير عرقي محتمل، فإننا لا نريد سماع المزيد عن هذا الأمر. نحن نريد الاحتفال. نريد الشعور بالفرح." كانت رواية هاريس تقوم على مقولة: "دعونا نترك ترامب خلفنا" (وضمنيًّا: "دعونا نترك بايدن خلفنا أيضًا"). وكان شعار حملتها أغنية بعنوان "الحرية". ولكن ما فشلت إدارة بايدن في تحقيقه هو تحرير حزبها وتحالفها من التورط فيما يُعتبر حتى الآن الحرب الأكثر دموية ورعبًا في هذا القرن.
هذا يقودنا إلى أوائل أيلول/ سبتمبر، حيث يمكن القول إنّ أي ادعاء أو أمل في مفاوضات وقف إطلاق النار قد انهار. شهدنا حادثة اكتشاف القوات الإسرائيلية جثث ستة رهائن كانت تحتجزهم حماس، بما في ذلك المواطن الإسرائيلي-الأمريكي المزدوج هيرش غولدبرغ-بولين. خلق ذلك جوًا من الغضب ورفض أي نوع من السلام، ليس فقط في تل أبيب بل أيضًا في واشنطن.
بينما صعدت بعض عائلات الرهائن الإسرائيليين من مطالبها للتوصل إلى اتفاق، رأينا المسؤولين الأمريكيين في تلك المرحلة يتبنون علنًا الموقف الإسرائيلي بأن التفاوض مع حماس مستحيل. أصبح خوف إدارة بايدن القديم من أن يُنظر إليها على أنها معادية لإسرائيل، على الرغم من دعمها الكبير لإسرائيل، بارزًا مرة أخرى.
في الشهرين الأخيرين قبل الانتخابات، لم نشهد أي تحرك نحو وقف إطلاق النار، ولم نشهد أي ضغط أمريكي على الإسرائيليين. في شهر آب/ أغسطس، وفقًا لجماعات الإغاثة، لم يتلقَّ أكثر من مليون فلسطيني في غزة أي غذاء. كما بدأت في هذا الوقت العملية الإسرائيلية في لبنان.
أتذكر أنني كنت مع بعض كبار المسؤولين في إدارة بايدن خلال تلك الفترة، حيث كانوا يقولون: "سنحقق حلًا دبلوماسيًا للبنان. وسنمنع اندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وحزب الله." ولكن خلال أيام، أصدر نتنياهو أمرًا باغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، أثناء وجوده في نيويورك، ثم أطلق عملية برية إسرائيلية في لبنان بدعم أمريكي واضح. عند هذه النقطة، أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة قد تخلت تمامًا عن أي محاولة لفرض قيود على إسرائيل.
هناك نقطة أخرى أود ذكرها فيما يتعلق بفترة ما قبل الانتخابات. في واشنطن، يبدو أن بعض الأشخاص لا يفقدون أهميتهم أبدًا. شخصيات مثل بريت ماكغورك، مستشار بايدن الأعلى لشؤون الشرق الأوسط، تُشبَّه أحيانًا بـ "الصراصير"،[6] فحتى لو ضربت قنبلة نووية واشنطن، سيظل لديهم مناصب رفيعة في السياسة الخارجية. كان هذا ديناميكًا مهمًا في هذه المرحلة، لأن بعض الأشخاص داخل إدارة بايدن بدأوا يفكرون: "نريد وظيفة في إدارة هاريس، لذا لا نريد القيام بأي شيء جريء الآن، خصوصًا فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين."
دانيال فين:
§ هل يمكنك أن تخبرنا المزيد مما جمعته من محادثات مع المعنيين حول موقف مسؤولي الحكومة الأمريكية تجاه ما تفعله إسرائيل في لبنان؟
أكبر شهيد أحمد:
هناك بعض الاتجاهات والموضوعات التي يمكن ملاحظتها هنا. طوال الفترة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كنت أسمع قلقًا داخل الحكومة الأمريكية بشأن طلب إسرائيل الدعم العسكري والأسلحة الأمريكية، ليس فقط لاستخدامها في غزة، ولكن أيضًا لعملية غزو محتملة للبنان. عيّنت إدارة بايدن مبعوثًا، آموس هوكستين، كان لديه قناة تواصل مع حزب الله، تمكّن من خلالها من إيصال رغبة أمريكية قوية في تجنب حرب بين إسرائيل وحزب الله.
تمكّن هوكستين حتى من خلق انطباع دقيق، وهو أمر صعب في الدبلوماسية الأمريكية، بأن حزب الله لا يريد حربًا. إذا كانت الحرب ستحدث، فستكون لأن إسرائيل ونتنياهو اختارا ذلك. كل ذلك تغيّر بشكل مذهل في أيلول/ سبتمبر. حتى تلك النقطة، كانت إدارة بايدن قادرة على منع حرب شاملة، بينما كانت هناك علامات متزايدة على استعداد إسرائيل لتصعيد استخدام القوة، باستهداف قادة حماس وحزب الله في لبنان وكذلك قادة إيرانيين.
منذ أيلول/ سبتمبر، حدث تحول ملحوظ في تصريحات المسؤولين الأمريكيين. بدأوا بتكرار الرواية الإسرائيلية: "انظروا إلى مدى نجاحنا؛ لقد استطعنا استهداف العديد من الأشخاص في لبنان. حزب الله نمر من ورق، على عكس ما كان يعتقده العديد من الخبراء الإقليميين." أشارت الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية إلى "هجوم البيجر"، الذي استهدف مئات الأشخاص المرتبطين بحزب الله، العديد منهم ربما لم يكونوا مقاتلين، وكانوا في مناطق مدنية، لكن الولايات المتحدة تبنت ذلك بهدوء كدليل على براعة إسرائيل.
عندما استهدفت إسرائيل قادة كبار في حزب الله مثل نصر الله، اعتبرت الولايات المتحدة ذلك دليلًا إضافيًا على كفاءة إسرائيل، قائلة: "إنهم يعرفون كيف يستهدفون هؤلاء الأشخاص، ويعرفون أماكنهم." وفي النهاية، تبنت الولايات المتحدة رواية إسرائيلية مثيرة للقلق، وهي رواية يرى خبراء القانون الدولي أنها أدت إلى سفك دماء مروع في غزة، ويُعاد الآن تطبيقها في لبنان. هذه الرواية تقوم على فكرة أن جميع المناطق المدنية قد اختُرِقت بالكامل من قبل مقاتلين، وبالتالي تُعتبر أهدافًا مشروعة.
وفقًا للقانون الدولي، هناك مبادئ تتعلق بالتناسب تحدد الأماكن التي يمكن مهاجمتها، وتتطلب بذل أقصى جهد ممكن لتقليل الإصابات بين المدنيين. لكن المسؤولين الأمريكيين بدأوا فجأة يقولون أشياء مثل: "كل منزل حرفيًا في جنوبي لبنان مليء بأسلحة حزب الله." هل يجعل ذلك هذه المنازل أهدافًا مشروعة؟ ربما لا، وفقًا لمعايير إدارة بايدن لتقليل الأضرار المدنية. ومع ذلك، رأيناهم يتبنون هذا الخطاب.
من هذه الزاوية، وبالنظر إلى الفشل الإسرائيلي الواضح في تطوير خطة في غزة تضمن حلاً دائمًا يمنع عودة حماس، وهو الهدف المعلن لإسرائيل، كانت هذه فرصة للإسرائيليين ليقولوا: "يمكننا أن ننجح هنا على جبهة مختلفة. أعطونا الفرصة." وقررت إدارة بايدن منحهم تلك الفرصة.
هذا رغم أن الإدارة تلقت العديد من التحذيرات من داخل حكومتها نفسها. فحتى لو كان هناك بعض النجاح، هل هو نجاح تكتيكي أم استراتيجي؟ وهل هو طويل الأمد ومستدام؟ بعد مرور ما يقرب من شهرين على هجمات "البيجر" الإسرائيلية واغتيال عدد كبير من قيادات حزب الله، لم يُظهر حزب الله أي علامات على الانهيار. لن يكون هناك لبنان بعد هذا الصراع لا يلعب فيه حزب الله دورًا رئيسيًا، كما أن هجمات حزب الله على إسرائيل وجنودها ما زالت مستمرة.
دانيال فين:
§ تحدثت إدارة بايدن في عدة مناسبات عن وضع معايير لامتثال إسرائيل للقوانين الأمريكية والدولية. مؤخرًا، عشية الانتخابات الرئاسية، حُدّد موعد نهائي جديد لإسرائيل لإظهار أنها تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. هل يمكنك أن تخبرنا المزيد عن هذه العملية؟ وفي الوقت نفسه، بغض النظر عما قد تقوله الحكومة الأمريكية، هناك عدة تطورات تحدث على صعيد القانوني الدولي، بما في ذلك القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية (ICJ) والطلب الذي قدمه كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، لإصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت وثلاثة مسؤولين من حماس (يُقال إنهم جميعًا لقوا حتفهم). كيف استجابت إدارة بايدن لهذه التطورات؟
أكبر شهيد أحمد:
سأبدأ بتقييمات الولايات المتحدة. لا ينقص الحكومة الأمريكية الخبرة لقياس جرائم الحرب المحتملة. فهي تُعبّر بكلّ أريحية عن مواقفها قائلة: "الروس يرتكبون ما يبدو أنه جرائم حرب في أوكرانيا"، أو "نعتقد أن هناك إبادة جماعية في ميانمار."
كل هذه الخبرة متوفّرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بشريك وثيق مثل إسرائيل. لدى الولايات المتحدة فهم كبير لكيفية تعامل إسرائيل مع المساعدات الإنسانية، التي تمول الولايات المتحدة الكثير منها، وكيفية عمل الجيش الإسرائيلي نظرًا للعلاقة الوثيقة بين الجيشين.
نحن الآن على أعتاب الموعد النهائي الذي ذكرته لإسرائيل لتلبية هذا المعيار لتحسين وصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. تقول مجموعات الإغاثة إن إسرائيل لم تفعل ذلك بوضوح. ومرة أخرى، تجاهلت هذه الطلبات الأمريكية مشيرةً إلى ثغرات واستثناءات.
(ملحوظة: منذ إجراء هذه المقابلة، انتهت المهلة المحددة. وأكد مسؤولون في وزارة الخارجية أن إسرائيل لم تمتثل للمعايير التي وضعتها الولايات المتحدة، لكن أنتوني بلينكن أعلن أنه لن تكون هناك عواقب لإسرائيل[7]).
تقول الرواية الإسرائيلية: "لقد سمحنا بدخول الكثير من المساعدات." ولكن هل تصل إلى جميع الأماكن التي تكون فيها الحاجة إلى المساعدات أكثر إلحاحًا؟ على سبيل المثال، هناك مساعدات تصل إلى شماليّ غزة، ولكن ليس إلى المنطقة التي يعتقد الخبراء الدوليون والأمريكيون أنها معرضة بشكل كبير لخطر المجاعة، أي المناطق التي تغطيها "خطة الجنرالات."
يقول المسؤولون الإسرائيليون: "هناك الكثير من المساعدات متجمعة على الجانب الفلسطيني من معبر كرم أبو سالم؛ لماذا لا توزعها الأمم المتحدة؟" وتردّ الأمم المتحدة ومجموعات الإغاثة بالقول إنه لا توجد وسيلة آمنة لتوزيع المساعدات داخل غزة، لأنهم لا يعرفون ما إذا كانوا قد يُوقفون من قبل الحراس الإسرائيليين أو يُستهدفون بضربات جوية. يظل تسليم المساعدات أقل بكثير مما تتوقعه الولايات المتحدة.
من المهم أن نتذكر أن هناك معيارًا في القانون الأمريكي يستند إليه المسؤولون الحكوميون الأمريكيون في محاولة تحميل أنتوني بلينكن المسؤولية. ينص هذا المعيار على أنه إذا قمت بعرقلة المساعدات الإنسانية الأمريكية، فلا يمكنك تلقي أنواع معينة من الأسلحة الأمريكية. كانت إدارة بايدن مدركة لهذا الشرط الذي يثقل كاهلها، لأن المشرعين سلطوا الضوء عليه منذ حوالي 11 شهرًا، منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
لا أعرف كيف يمكن للإدارة أن تقول بنية صادقة إن إسرائيل تمتثل لهذا المعيار. في تقرير صدر في أيار/ مايو الماضي، ادعت الإدارة أن إسرائيل لم تكن تعرقل المساعدات الأمريكية، مشيرة إلى فترة تحسن دامت أربعة أسابيع في نيسان/ أبريل. ولكن لم يكن هذا التحسن ثابتًا، وكما صرحت مجموعات الإغاثة، فإن الوضع ازداد سوءًا منذ ذلك الحين، ويرجع ذلك إلى حد كبير لأن الإسرائيليين تجاوزوا الخط الأحمر الأمريكي وغزوا رفح، حيث كانت جميع البنية التحتية للمساعدات لغزة موجودة. ولم تتمكن مجموعات الإغاثة من إعادة بناء هذه البنية التحتية.
هذا يقودنا مباشرة إلى قضية الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية (ICJ)، لأن القضية طرحت سؤالًا: هل تحاول إسرائيل تقليص عدد الفلسطينيين أو تقليلهم كمجموعة محمية بموجب القانون الدولي؟ بالنظر إلى أن هناك خطرًا كبيرًا من الجوع والمرض في هذه الأماكن المكتظة، أعتقد أن ذلك يعزز القضية والتدقيق الذي دعت إليه جنوب إفريقيا ودول أخرى.
من وجهة النظر الأمريكية، كان نهجها طوال الوقت هو اعتبار هذه القضية مسألة ثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وليست قضية للنقاش الدولي. ومع ذلك، وبالنظر إلى أنها لم تتمكن من تحقيق أي نتائج ملموسة، أعتقد أن المناقشات الإضافية في محكمة العدل الدولية ستخلص إلى القول: "على الرغم من صدور أوامرنا بوضوح، لم تتخذوا أي إجراءات لتنفيذها، لذلك سنبحث عن تدابير أخرى يمكننا اتخاذها."
الولايات المتحدة لا تمانع اللجوء إلى التدقيق الدولي عندما يكون ذلك مناسبًا لها. فعندما أراد بايدن أن يؤيد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اقتراحه لوقف إطلاق النار في حزيران/ يونيو الماضي، كانت الولايات المتحدة سعيدة بالتوجه إلى المجلس والحصول على الأصوات المطلوبة. ولكنها في الوقت نفسه، قادرة على معارضة التدقيق الدولي عندما ترغب بذلك. الاتهامات بالنفاق وازدواجية المعايير أصبحت سمة بارزة لهذا الصراع، وستظل قضية رئيسية تؤثّر على مكانة الولايات المتحدة في العالم نتيجة لسياستها تجاه غزة لسنوات قادمة.
الآن، مع اقتراب إدارة ترامب، تصبح مسألة المحكمة الجنائية الدولية (ICC) أكثر أهمية، لأن إدارة ترامب السابقة استهدفت بنحو نشط المحكمة الجنائية الدولية (وهو شيء نعلم أن إسرائيل قامت به بشكل سرّي أيضًا). هذا يثير مخاوف أعرب عنها أشخاص مقربون من المحكمة الجنائية الدولية: ليس فقط أن الولايات المتحدة ستعارض من الناحية الخطابية المساءلة الدولية لكل من إسرائيل وحماس، بل ستتخذ أيضًا خطوات لإعاقة التحقيقات وجعل الأمور أكثر صعوبة على المحكمة أثناء سعيها لإصدار لوائح اتهام محتملة ضدّ نتنياهو، وغالانت، وآخرين.
دانيال فين:
§ قبل أن نعود إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أريد أن أسألك عن التطورات في الشرق الأوسط. لقد تحدثت معنا من قبل عن دور بريت ماكغورك، الذي يدفع بفكرة صفقة كبرى مع السعودية. هل ماكغورك لا يزال يحاول الترويج لهذه الفكرة؟ وهل لديه أي فرصة لتحقيق هدفه؟
أكبر شهيد أحمد:
هذه الصفقة المحتملة عبارة عن اتفاق تقدّم بموجبه الولايات المتحدة ضمانات أمنية للسعودية، وتلتزم السعودية بعلاقة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، مما يمنعها ضمنيًا من التقارب مع الصين وروسيا. في المقابل، ستمنح السعودية إسرائيل اعترافًا رسميًّا، وهو أمر ذو أهمية كبيرة نظرًا لمكانتها ونفوذها في العالم الإسلامي. هذا شيء تسعى إليه إسرائيل منذ فترة طويلة.
أما الفلسطينيون، فيجري تهميشهم في هذه المعادلة. كان النقاش في هذه الصفقة يدور دائمًا حول وجود "مكوّن" للفلسطينيين. وقد زادت أهمية هذا المكون مع استمرار المناقشات، حيث تقول السعودية الآن إنها تريد أن يكون هذا المكون أكبر بكثير.
هل ستستمر هذه المناقشات؟ أتمنى لو كنت ملتزمًا بأي شيء مثل التزام بريت ماكغورك بصفقة أمريكية-سعودية-إسرائيلية، لذلك أعتقد أن المناقشات ستستمر، على الأقل حتى نهاية رئاسة بايدن. يرى مسؤولو إدارة بايدن، وعلى رأسهم ماكغورك، أن هذه الصفقة تشكل جزءًا من إرث الرئيس، بطريقة مشابهة لرؤيتهم لاتفاقية AUKUS[8] مع أستراليا والمملكة المتحدة حول الغواصات النووية.
هذه الجهود الاستراتيجية الكبرى قد تثمر أو لا تثمر على المدى الطويل في تعزيز النفوذ الأمريكي في مناطق مختلفة، لكنها بلا شك بعيدة تمامًا عن اهتمامات الجمهور الأمريكي اليوم. هذا التباين بين أولويات القيادة السياسية واهتمامات المواطنين سيؤثر بشكل كبير على النقاش المستمر حول الصفقة الأمريكية-السعودية.
هذا الاقتراح يلبي رغبات دوائر التفكير في واشنطن، التي تحب مثل هذه الأفكار وتنتج أوراقًا لا تنتهي حولها. لكنه يلبي أيضًا الطموحات المهنية المستقبلية لأشخاص مثل ماكغورك، وبلينكن، وجيك سوليفان. هؤلاء الرجال الذين كانوا يشكلون السياسة الخارجية لإدارة بايدن بدأوا الآن يفكرون في بقية حياتهم المهنية.
بلينكن، الذي كان يعمل سابقًا في القطاع الخاص ويقدّم استشارات حول القضايا الجيوسياسية، هل يمكنه استخدام هذا الإنجاز ليكون ميزة في سيرته المهنية؟ أو جيك سوليفان، الذي لديه طموحات سياسية مستقبلية؟ هل يمكنهم القول: "صحيح أنه كان هناك عشرات الآلاف من القتلى المدنيين ولم يتم إحراز أي تقدم نحو السلام الإسرائيلي-الفلسطيني، ولكننا على الأقل حققنا هذه الصفقة؟".
مع احتمالية عودة ترامب للرئاسة والعلاقة المختلفة تمامًا بين ترامب والعائلة الملكية السعودية، أعتقد أن أي فكرة حول اعتبار هذه الصفقة إنجازًا لإدارة بايدن أصبحت الآن شبه ميتة، لكنهم سيستمرون في المحاولة.
دانيال فين:
§ في اللحظة التي تم فيها الضغط على جو بايدن لإفساح المجال لكمالا هاريس، كان هناك أمل لدى كثير من الأشخاص الذين عارضوا دعم بايدن لإسرائيل على مدار العام الماضي أن هاريس ستتخذ موقفًا مختلفًا عن سياسته. كما ذكرت سابقًا، لم يكن هذا هو الحال: لم يكن هناك تقريبًا أي فرق بين مواقف هاريس وبايدن تجاه غزة، إن وجد. ما هي بعض القرارات الرئيسية التي اتخذتها حملتها فيما يتعلق بغزة، ولماذا؟ وفي سياق حملة هاريس، ما هي التحركات التي قام بها دونالد ترامب ومساعدوه؟ وكيف وضعوا أنفسهم فيما يتعلق بغزة وإسرائيل خلال فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية؟
أكبر شهيد أحمد:
من المهم تتبع دور كبير مستشاري هاريس للسياسة الخارجية، فيل غوردون، لأنه كان يدير عملية موازية للرسائل التي ترسلها هاريس. بينما كانت هاريس تقف بجانب نتنياهو وتقول: "لن ألتزم الصمت بشأن قضية الفلسطينيين"، كان غوردون يصرح بأنها لن تسعى إلى فرض حظر على الأسلحة، وهو مطلب كان العديد من النشطاء المناهضين للحرب يطالبونها به. هذا يظهر أنه لم يكن هناك نهج مدروس لكيفية تفكيرها بشكل مختلف عن بايدن بشأن غزة.
جزء من السبب يعود إلى أن الدائرة الأساسية في إدارة بايدن جعلت كمالا هاريس وفريقها شبه مهمشين في هذه القضية. ربما جرت استشارتهم بنحو محدود، لكنهم بالتأكيد لم يكونوا صناع قرار ولم يكن لهم دور جدي في صياغة السياسة. وعندما تولت هاريس فجأة زمام الأمور خلفًا لبايدن، لم يكن لديها خطة جاهزة أو رؤية واضحة خاصة بها بشأن غزة، لبنان، أو إسرائيل، أو أي من هذه الملفات.
حملة هاريس وفريقها السياسي اتخذوا قرارًا واضحًا بعدم تطوير خطة سياسية خاصة بها في هذا الشأن. أحد مستشاريها السياسيين الرئيسيين، إيلان غولدنبرغ، هو شخص لديه خبرة وفكر علني حول عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وقد قدم توصيات بخطوات لم تتخذها إدارة بايدن. ولكن عندما عُيِّن غولدنبرغ مسؤولاً عن التواصل مع المجتمعات اليهودية الأمريكية في حملتها، لم يظهر في أي لحظة أنه ينقل رسائل تشير إلى وجود اختلاف في موقف هاريس عن موقف بايدن.
هذا يقودنا إلى المؤتمر الوطني الديمقراطي، فقد رُفِضَ بوضوح طلب السماح بخطاب لأمريكي فلسطيني، رغم أن هناك أمريكيين إسرائيليين تحدثوا على المنصة. وكان رد الحملة: "لدينا أمريكي مسلم"، وهو ليس نفس الشيء مثل وجود فلسطيني، خاصة في سياق المنافسة ضد دونالد ترامب.
لعب ترامب هذه الورقة بطريقة مثيرة للاهتمام. كما وصفه بعض أفراد حركة الناخبين غير الملتزمين، بدا وكأنه يقدم نفسه كـ "مؤيد لإسرائيل ومؤيد لفلسطين في نفس الوقت."
من جهة، استخدم ترامب كلمة "فلسطيني" كإهانة مرارًا خلال مناظراته مع بايدن، وأيضًا ضد تشاك شومر.[9] ومن جهة أخرى، كان وكلاؤه وأفراد عائلته يقولون علنًا: "ترامب سيوقف الحروب."
لم يكن فريق ترامب بحاجة إلى تفسير كيف سيوقف الحروب، لأن البديل الذي كانوا يعرضونه كان واضحًا للجميع؛ سياسة إدارة بايدن الحالية. هاريس لم تقدم أي بديل لهذه السياسة. ونتيجة لذلك، كان النقاش يدور فقط حول سياسة بايدن التي كانت تُظهر للعالم يوميًا مشاهد مأساوية، مثل مقتل الأطفال. هذا الوضع كان نتيجة مباشرة لقرار حملة هاريس بعدم تقديم خطة واضحة ومختلفة.
حتى في الأيام الأخيرة من الحملة، قام ترامب بتحركات ملحوظة، فقد عرض مجموعات مثل "مسلمون من أجل ترامب" على منصات حملته. كان لديه وكلاء من العرب الأمريكيين، بما في ذلك والد زوج ابنته تيفاني، يصرحون بأنه سيعمل شخصيًا على وقف الحروب في لبنان وغزة. ومع غياب أي إجابة من فريق هاريس واتخاذهم قرارًا سياسيًا واضحًا بتجاهل الناخبين الذين كانت هذه القضية تهمهم بشكل رئيسي، استطاع ترامب الاستفادة من الوضع.
دانيال فين:
§ الآن، ترامب في طريقه ليصبح الرئيس القادم، لكن جو بايدن لا يزال يتمتع بصلاحيات الرئاسة لفترة الأشهر القليلة القادمة. هل هناك أي تحركات مهمة يمكن أن نتوقعها من بايدن ومسؤوليه خلال الوقت المتبقي لهم؟
أكبر شهيد أحمد:
تحدثت مع أشخاص داخل دوائر الحكومة لفهم ما قد يحدث بعد ذلك. كان هناك حديث وأمل في أن تستخدم إدارة بايدن السياسة غير المسبوقة التي أعلنتها في شباط/ فبراير، والتي تمنح الولايات المتحدة سلطة استهداف المستوطنين الإسرائيليين العنيفين ماليًا في الضفة الغربية المحتلة، الذين تسببوا في سفك الدماء والفوضى بمستوى لم يُشهد منذ عقود.
طبّقت الإدارة بعض العقوبات على هؤلاء المستوطنين، وكان هناك تكهنات بأنهم قد يفرضونها على أهداف للمستوطنين أكثر أهمية، أو على مؤسسات تدعم عنف المستوطنين، أو حتى على وزراء في حكومة نتنياهو، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، المعروفين بتطرفهم. لكن مما أسمعه، هدأ الكثير من هذا الحديث. هناك الآن الكثير من الانتظار بين المسؤولين الأمريكيين لمعرفة توجهات الرئيس بايدن، ولم يتم توصيل أي رسالة واضحة بهذا الشأن.
في جهود سوليفان وبلينكن وغيرهم للتعاون مع فريق انتقال ترامب، يبدو أن هناك محاولة لبناء حسن النية والثقة مع ذلك الفريق، وعدم محاولة تقييد أيديهم. هل ستثمر هذه الطريقة لإدارة بايدن، من حيث إنّ فريق ترامب لن يتراجع عن كل شيء فعلوه؟ من غير المرجح أن تنجح بهذا المعنى، ولكن هذا على الأرجح ما سيحاولون فعله.
كما أعتقد أنه ينبغي متابعة ملف العلاقات الأمريكية-السعودية. هناك احتمال أن تحاول إدارة بايدن دفع بعض الالتزامات الأمريكية-السعودية التي يمكن الإشارة إليها لاحقًا كإنجاز طويل الأمد. ومع ذلك، هناك خوف حقيقي، خاصة بين الفلسطينيين، بشأن ما سيحدث خلال هذه الفترة الانتقالية. قد نرى نتنياهو يواصل تصعيد العنف وإراقة الدماء، معتقدًا أن بايدن لن يوقفه، وحتى إذا كان لدى ترامب اهتمام بكبح جماحه إلى حد ما، فإنه ليس في منصبه بعد.
أخيرًا، يمكن النظر إلى السياق الدبلوماسي، حيث تحمي الولايات المتحدة إسرائيل من التدقيق في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. هل ستسمح إدارة بايدن بتمرير نوع من القرارات كجهد لحفظ ماء الوجه قبل مغادرتهم المنصب، لتقول: "لقد سمحنا بتوجيه بعض الأسئلة لإسرائيل"؟ كان هذا تكتيكًا استخدمته إدارة أوباما، وربما يستخدمه المسؤولون في إدارة بايدن، الذين خدم كثير منهم تحت قيادة أوباما، مرة أخرى.
دانيال فين:
§ ماذا يمكن أن نتوقع من الإدارة الثانية لترامب، وكيف ستؤثر القرارات التي يتخذها ترامب ومسؤولوه على عملية صنع القرار لدى نتنياهو وحلفائه؟
أكبر شهيد أحمد:
الصورة مقلقة للغاية بالنسبة للفلسطينيين ولمناصري السلام الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين. لقد رأينا بالفعل ترامب يعين شخصيات مؤيدة لإسرائيل بشكل متشدد، مثل ماركو روبيو كخيار لمنصب وزير الخارجية. هؤلاء ليسوا من الأشخاص الذين لديهم سجل تاريخي يدعو إلى التسوية مع الفلسطينيين عمومًا، وأقل من ذلك بكثير مع حماس على وجه الخصوص.
أعتقد أن هناك احتمالًا أن يرى نتنياهو أن مصلحته، وبما يتماشى مع وعود حملة ترامب الانتخابية، تكمن في تحقيق نوع من التسوية الظاهرية التي تغطي لبنان وربما غزة أيضًا، حتى يتمكن هو وترامب من الادعاء بتحقيق انتصار. لكن كيف ستبدو هذه التسوية؟
• هل ستكون تسوية تسمح لإسرائيل بمواصلة شن ضربات مميتة كل بضعة أيام أو أسابيع، لأننا نعلم أن حماس تستعيد قوتها، ونعلم أن إسرائيل تريد الاحتفاظ بهذه القدرة؟
• هل ستكون تسوية تعطي الضوء الأخضر للتطهير العرقي الفعلي للفلسطينيين من شماليّ غزة، الذي تحدث عنه بعض المتشددين الإسرائيليين، وإعادة إنشاء المستوطنات الإسرائيلية داخل غزة، وهو ما يمثل تجاوزًا لخط أحمر كبير؟
هناك أيضًا قلق كبير بشأن مستقبل الضفة الغربية ونوع التسوية التي قد يتم التوصل إليها هناك. كان هناك تواصل من الجانب الفلسطيني مع فريق ترامب القادم، وقد يؤدي ذلك إلى بعض النتائج، مثل لقاء ترامب مع محمود عباس أو ممارسة ضغط على نتنياهو بدرجة ما.
لكن الرسالة العامة التي نتلقاها من فريق ترامب هي أنهم يريدون دفع هذه القضية تحت السجادة بأسرع وقت ممكن. نعلم أنهم ليسوا فريقًا يركز على حقوق الإنسان، وكانوا يتهكمون على الفلسطينيين خلال فترتهم السابقة في السلطة. لذا، لن يدفعوا نحو تحقيق سلام عادل أو مستدام.
• يريدون التركيز على مواقف أكثر تشددًا تجاه الصين، وأوكرانيا، وحربهم التجارية المخطط لها مع أوروبا.
• في هذا السياق، أعتقد أنهم سيسعون إلى تسوية فوضوية في الشرق الأوسط، وهناك خطر حقيقي من سفك الدماء. هذا واضح بشكل خاص إذا نظرنا إلى نتنياهو، الذي لديه دافع لتعزيز قوته وصورته كمنقذ أمني لإسرائيل.
نتنياهو ينظر إلى آفاقه السياسية الخاصة للسنوات القادمة. في العام الماضي، تخلى عن فكرة الاعتماد على القوى المعتدلة أو المركزية في السياسة الإسرائيلية، إن وجدت. أصبح يعتمد بشكل أكبر على دعم اليمين المتطرف، بخططهم لضم الضفة الغربية وبناء المستوطنات في غزة أو حتى لبنان.
نظرًا لأنه حاول التواصل مع شخصيات مركزية في السياسة الإسرائيلية، مثل بيني غانتس أو يائير لابيد، الذين يُنظر إليهم أحيانًا من قبل الليبراليين الأمريكيين كمنقذين، فإن الوضع يُظهر أن الطيف السياسي الإسرائيلي بأكمله قد انحرف بشدة نحو اليمين. هذا الانحراف جعل حتى تلك الشخصيات الوسطية تدعم السياسات المتطرفة، مما يزيد من احتمالية تصاعد العنف وانتهاكات القانون الدولي.
أخيرًا، بالطبع، كان ترامب في السابق يتبع سياسة الضغط الأقصى على إيران. وهو الآن يقول إنه قد يكون منفتحًا على التفاوض مع إيران. لكن ما نوع المخاطر العسكرية التي قد يكون مستعدًا لاتخاذها كتكتيك تفاوضي؟ تَذكَّر، هذا هو الشخص الذي أمر باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، مما عرض المنطقة لخطر حرب كبيرة.
فكرة أن ترامب كان “رئيس السلام” جاءت نتيجة لحظات حظ وقرارات ذكية من إيران ولاعبين آخرين لتجنب الحرب. قد لا نكون محظوظين بنفس القدر خلال السنوات الأربع القادمة من إدارة ترامب. هناك احتمال كبير لسوء الحسابات، خاصة مع شخصيات مثل نتنياهو تسعى إلى صراع أوسع.
[1]. المادة بلغتها الأصلية:
https://jacobin.com/2024/11/biden-gaza-saudi-arabia-trump
[2]. https://shows.acast.com/jacobin-radio/episodes
[3]. https://shows.acast.com/jacobin-radio/episodes/long-reads-gaza-forever-war-election-2024-ahmed
[4]. Inside the Last-Ditch Hunt by Harris and Trump for Undecided Voters (داخل المحاولة الأخيرة من هاريس وترامب لاستمالة الناخبين المترددين)
https://www.nytimes.com/2024/10/21/us/politics/trump-harris-undecided-voters.html
[5]. حركة الناخبين غير الملتزمين داخل الحزب الديمقراطي هي مجموعة من أعضاء الحزب أو الناخبين الذين لا يلتزمون تلقائيًا بدعم مرشح الحزب أو توجهاته الحالية. هؤلاء الناخبون قد يكونون غير راضين عن السياسات أو المواقف التي يتبناها الحزب أو قيادته، ويستخدمون موقفهم وسيلة للضغط على الحزب من أجل تغيير سياساته أو تحسينها لتلبية مطالبهم. (التحرير).
[6]. تشبيه أمثال بريت ماكغورك بالصراصير، تشبيه ساخر يُقصد منه أنها شخصيات قابلة للتكيف والبقاء ويصعب التخلص منها. (التحرير).
[7]. Despite 30-day Gaza aid ultimatum, US says support for Israel will proceed (رغم إنذار الـ30 يومًا بشأن المساعدات لغزة، الولايات المتحدة تؤكد استمرار دعمها لإسرائيل)
[8]. اتفاقية AUKUS هي اتفاقية أمنية ودفاعية ثلاثية تم الإعلان عنها في 15 سبتمبر 2021، بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. تهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية بين الدول الثلاث، خاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. (إطار).
[9]. كان زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي. (التحرير).