رصيف بحري لغزة: حل بسيط لمسألة معقدة
تقديم
إن اشتداد الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة، دفع أخيرًا بأحد الحلول الإبداعية الجديدة القديمة من الأدراج، ألا وهي الميناء البحري. ليست الفكرة بالجديدة كليًا، فقد تعاقب على طرحها رؤساء وزراء اسرائيليّون، منهم شمعون بيريز في 2004 عندما قال إنّه يطمح إلى تأسيس ميناء في قطاع غزّة وربّما سكّة حديد تربط القطاع بالضفة الغربية، ودارت هذه الفكرة في خلد جورج بوش الابن أيضًا، ويبدو بمتابعة السجل الطويل لهذه الديباجة أنّها لا تتجاوز التوظيفات البلاغية. لكنها اليوم في طور التحقق مع الحديث عن بدء الاستعداد لبناء رصيف مائي، يصل القطاع بـ 2 مليون وجبةٍ يوميًا، وربّما لمآرب أخرى، فما هي تفاصيل هذه الخطة وكيف سيكون شكل الميناء بالضبط؟
نصّ المقالة
قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنّ الولايات المتحدة ستعد رصيفًا بحريًا قبالة شواطئ غزة، بهدف إيصال المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر مع بدء تفشي الجوع في صفوف الفلسطينيين بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع. سفينة عسكرية أميركيّة محملة بالمعدّات المطلوبة لأعمال البناء الأولية توجهت إلى القطاع الأحد الماضي بحسب القيادة المركزية للجيش الأميركي.
جاءت الخطوة في خضمّ إنزالات جوية للمساعدات تنفّذها الولايات المتحدة وسط مجاعة فعلية في قطاع غزة، المدمّر، بفعل أكثر من خمسة أشهر من القصف والعمليات البرية والحصار الإسرائيلي. وتلفتُ وكالات الغوث إلى أنَّ الإنزالات الجوية لا تكفي قياسًا بحجم الكارثة؛ إذ قُتل أكثر من 31,000 إنسانٍ في القطاع وطال الدمارُ الكليّ والجزئي أكثر من 70% من البيوت.
لماذا تبني الولايات المتحدة رصيفًا بحريًا لغزة؟
في خطابه أمام حالة الاتحاد الخميس الفائت، قال بايدن بأن الرصيف البحري سيتمكّن من "استقبال شحنات هائلة من الغذاء والماء والدواء والملاجئ المؤقتة". وأردف بأنّ سبب البناء هو السماح "بزيادة هائلة من كمية المساعدات التي تدخل قطاع غزة يوميًا".
استشهد أكثر من 25 شخصًا جرّاء الجوع والجفاف، في أعقاب التعنّت الإسرائيلي في إيصال الأغذية والمساعدات الطبية من بين مساعدات أخرى عبر معبريْن برّيين هما معبر رفح وكرم أبو سالم الحدوديّين مع إسرائيل. حيث تنطلق الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية من تلك المعابر الموجودة على الحواف الجنوبية للقطاع إلى مناطق الصراع، بما فيها المناطق المعزولة إلى حدّ كبير في الشمال.
يترشح بايدن لإعادة انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري في السباق الرئاسي، وتُرى خطوته محاولة لمعالجة الغضب المتصاعد في قاعدته داخل الحزب الديمقراطي بشأن الدعم الأميركي المتواصل لإسرائيل، المتهمة بقتل المدنيين دونما تفريق وتدمير المستشفيات والمباني السكنية وبيوت المدنيين. في ما تنظر محكمة العدل الدولية في قضية إبادةٍ جماعية مرفوعةٍ ضد إسرائيل.
وقدّمت الولايات المتحدة دعمًا ماليًا بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى أسلحة استخدمتها اسرائيل في غزة منذ السابع من أكتوبر. وثمة 14 مليار دولار إضافية من الدعم لإسرائيل علاوةً على 3.8 مليارات دولار من الدعم العسكري السنوي هي الآن على طاولة الكونغرس. في الشهر الماضي، مررها مجلس الشيوخ لكنها تواجه مصيرًا غير مؤكد في مجلس النواب.
في التصويت الجاري للانتخابات الرئاسية التمهيدية، رفض بعض الديموقراطيين الإدلاء بأصواتهم لبايدن، ما أثار شكوكا حول قدرته على تغيير قرار الناخبين في سباق تشرين الأول/ نوفمبر، الذي يحظى فيه الرئيس السابق دونالد ترامب بهامش تقدم بسيط على الرئيس الحالي في استطلاعات الرأي.
كيف سيعمل رصيف غزة العائم؟
قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إن بلاده ستشارك في مشروع الرصيف، لكنه أضاف أن بناءه "سيستغرق الوقت". وحدد البنتاغون شريطًا زمنيًا يوم الجمعة الماضي، بالقول إن خطة تشييد الميناء ستسغرق حتى 60 يومًا، وتتضمن مشاركة أكثر من 1000 جندي أميركي.
بينما أشار مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية بأن لواء النقل السابع سيبدأ، من مقره في قاعدة لانغلي يوستيس المشتركة في فيرجينيا، في تجميع ما أطلق عليه "معدّات وزوارق العمليات اللوجستية الشواطئية المشتركة". وهي أشبه ما تكون بنظام من قطع الليجو أو نمطٍ بطول 12 مترًا من قطع الفولاذ التي يمكن تجميعها سوية بهدف تشكيل رصيف وجسر مائيين.
وأضاف البنتاغون أنه لم يحدد بعد كيف سيؤمن مكان الإنزال لضمان أمن الميناء العام ضد أي تهديدات، وبأنهم كانوا في محادثات مع عدد من الشركاء، بمن فيهم إسرائيل.
بينما أفاد السكرتير الصحفي للبنتاغون باتريك رايدر بأن هناك تخوفًا من هجوم لحماس على نظام الميناء. وأضاف بأنَّ ما من قوات مشاة أميركية ستدخل غزة ولا حتى مؤقتا لإتمام مهمة بنائه. ويرجّح بأن يكون هناك حلفاء ومتعاقدون ووكالات غوث على الأرض بدلًا من ذلك.
تتكون خطة الميناء من محورين: الأول هو حوامة عائمة قبالة الساحل من أجل استقبال طرود المساعدات، سينقلها الجيش الأميركي من هناك إلى جسر مائي عائم بطول 550 متر مربوطٍ إلى الشاطئ. وبحسب رايدر ما إن يدخل الرصيف حيز العمل، سيُتيح دخول طرود من 2 مليون وجبة إلى قطاع غزة يوميًا. وأدخلت الولايات المتحدة نحو 124,000 وجبة خلال أربعة إنزالات جوية في الأسبوع الماضي. بينما تضمن آخر إنزال جوي يوم الجمعة حوالي 11,500 وجبة، بحسب أقوال الجيش الأميركي.
ثمة ميناء صغير في القطاع موجود سلفًا قرب منطقة الرمال في مدينة غزة، غير أنّه يقع تحت الحصار الاسرائيلي منذ عام 2007 عندما أغلقت إسرائيل معظم معابر غزة الحدودية. تفرض إسرائيل سيطرتها التامة على الساحل الغزي ومياهه الإقليمية ما حال دون وصول السفن إلى القطاع منذ عام 1967.
قال بايدن بأن الحكومة الاسرائيلية ستتولى المهام الأمنية للرصيف، لكن من غير الواضح بعد الطرفُ الذي سيتولى عمليات إنزال المساعدات إلى الميناء وتحريكها إلى الشاطئ. بينما يشكك الخبراء في سماح إسرائيل، التي عرقلت عمليات توصيل المساعدات عبر الحدود البرية، بتزويد القطاع بمساعدات عبر البحر.
هل سيساعد الرصيف المائي في حل مشكلة المساعدات؟
يبدو الرصيف حلًا معقدًا لمسألة يمكن أن تُحلّ ببساطة أكبر، ألا وهي أن تفتح اسرائيل معابر غزة الحدودية. وقالت جولييت توما المسؤولة في منظمة أونروا: "إن أي مجهودٍ لجلب المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة لمساعدة الناس محل ترحيب بكل تأكيد، لكن هناك طريقة أقوم وأرخص وأسرع لإدخال المساعدات إلى غزة، ألا وهي إدخالها بريًا".
وأفادت توما بأن الحد الأدنى من 500 شاحنة مساعدة يومية هو العدد المطلوب لملاقاة احتياجات المدنيين الفلسطينيين في غزة، وهو متوسط عدد الشاحنات التي دخلت غزة قبل الحرب.
لكن ذلك تغير في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين أول؛ إذ دخل القطاع ما معدله يوميًا، 90 شاحنة مساعدات، في فبراير/شباط، بينما وصل العدد حدًّا أدنى من سبع أو تسع شاحنات في بعض الأيام. وأشارت توما أيضًا إلى أنه بعد مرور أول أسبوعين على بداية الحرب، لم تدخل أي شاحنة مساعدات قطاع غزة. ما أدى إلى هدر 5000 شاحنة كان يفترض أن يُعاد تعبئتها، وبالتالي إلى عجز في المساعدات القادمة إلى القطاع.
مع إغلاق الأسواق في غزة، يعتمد كل السكان في القطاع على المساعدات. وقالت توما: "ينبغي أن يكون هناك المزيد منها في طور الدخول إلى القطاع، لا أقل"، مضيفة بأن إسرائيل تحتاج إلى اتخاذ خطوات لضمان دخول عدد أكبر من الشاحنات إلى القطاع بسلاسة.
وأضافت بأن ما يمكن للولايات المتحدة القيام به فعلًا بخصوص أزمة المساعدات في غزة هو فرض المزيد من الضغوط على السلطات الإسرائيلية، لزيادة عدد ساعات عمل المعبر الوحيد المفتوح بين غزة وإسرائيل، ألا وهو معبر كرم أبو سالم. إضافة إلى توصية إسرائيل بفتح مزيد من المعابر وزيادة عدد الشاحنات المسموح بها، على حد قولها.
ونشرت مجموعة العمل الإنساني "Refugees International" تقريرًا يفيد بأنَّ "إسرائيل ولّدت ظروفا تشبه المجاعة في قطاع غزة، مع عرقلة وتقويض الاستجابة الإنسانية. التقرير وصف الوضع في قطاع غزة "بالكارثة المروعة". وقال الناشطون بأنّه لا ينبغي هدر المزيد من الوقت في توفير المعونات، في ما يواجه الفلسطينيون ظروفا أشبه ما تكون بالمجاعة.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة دولية غير حكومية تدعى "Ground Truth Solutions"، ميغ ساتلر، "كم من الوقت سيستغرق بناء مرفأ بحري؟ الناس يموتون جوعًا حاليًا. عندما يصل الناس هذه المرحلة من الجوع، سيكون أمامهم ساعات قبل أن ينقذهم التدخل، لا أسابيع".
وفي لقاء مع الجزيرة الأسبوع الماضي، قال السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي "يبدو أنه جهد آخر لتحويل الانتباه عن المسألة الحقيقية هنا، ألا وهي أن أكثر من 700,000 شخص يتضورون جوعًا في شمال غزة وإسرائيل لا تسمح بإدخال المعونات الإنسانية التي يحتاجونها إليهم".
ما الجهود التي تبذلها دول أخرى لإرسال المعونات إلى غزة؟
تمت جدولةُ شحنة معوناتٍ عبر ممر بحري من قبرص إلى غزة يوم الأحد الماضي، نتيجة تعاون عدد من الشركاء، بمن فيه دول أوروبية والولايات المتحدة والإمارات. لكن المساعدات لم تصل وفق الجدول الزمني المحدد وظلت عالقة في قبرص بسبب مشكلات تقنية.