رياضة فلسطين قبل النكبة: النشأة والجذور وصراع الهوية

رياضة فلسطين قبل النكبة: النشأة والجذور وصراع الهوية
تحميل المادة

مقدمة

كباقي دول العالم عَرفت فلسطين قبل النكبة عام 1948 تطورًا طبيعيًا في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والرياضية. رياضيًا تَشَكّل عدد كبير من الأندية الفلسطينية مع بداية القرن العشرين، لاسيما في مدن القدس وحيفا ويافا، ومدن فلسطينية أخرى، وفي نيسان/ أبريل 1931 تأسس الاتحاد الرياضي الفلسطيني، وشكل منتخبًا عربيًا فلسطينيًا لكرة القدم.

وتميّزت الحركة الرياضية الفلسطينية بأنها أُقيمت على أسس وطنية  واجتماعية، فلعبت دورًا هامًا في دعم الحركة الوطنية، وساهمت في بناء صروح للثقافة الفلسطينية التي كان النشاط الرياضي جزءًا هامًا منها، من خلال الفعاليات والأنشطة التي كانت تقيمها الأندية الرياضية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.

كما عملت هذه الحركة على توطيد الروابط بين الشعب الواحد في المدن والقرى المختلفة، فعمّقت من  الترابط القومي والثقافي بينها، ومدت جسور التعاون مع الفرق الرياضية في الأقطار العربية. فقد كانت الحركة الرياضية موازيةً ومتداخلةً مع الحركة الوطنية، فهي لم تكن بمعزل عن الأوضاع  السياسية، وعن التعاون الوثيق بين الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية في فلسطين. وبرغم العوامل الموضوعية والذاتية في تلك الفترة والمسار المتموج لهذه الحركة الرياضية، إلا أنها عرفت تطورًا تصاعديًا في أربعينيات القرن الماضي، لاسيما بعد إعادة تشكيل الاتحاد الرياضي  الفلسطيني، حيث تميزت هذه الفترة بتنظيم قاعدة النشاط الرياضي وتوسيعها. [1]

 

الحركة الرياضية الفلسطينية منذ مطلع القرن العشرين وحتى النكبة

تعود جذور الحركة الرياضية في فلسطين إلى نهاية القرن التاسع عشر، عندما بدأت بعض الإرساليات الأجنبية بتأسيس مدارس خاصة بها في العديد من المدن الفلسطينية، وخاصة في مدينة القدس، مثل: مدرسة المطران الإنجليزي صموئيل غوبات عام 1879 (مدرسة صهيون) ومدرسة دي لاسال (الفرير) 1892، ومدرسة سانت جورج 1989، ومدرسة الفرندز في رام الله (للبنات) عام 1890 و(للأولاد) 1901، ومدرسة الساليزيان 1901 في بيت لحم، وقد أوْلت هذه المدارس اهتمامًا بالتربية البدنية التي كانت تدخل ضمن المنهاج.

وفي عام 1908 شكّلت كلية المعارف فريقًا لكرة القدم، كما شهد العام ذاته تأسيس أول فريق مدرسي لكرة القدم في مدرسة المطران St. George في القدس، والذي تغلّب على فريق الجامعة الأمريكية في بيروت (كان من أقوى فرق المنطقة) في عقر داره عام 1909، وفي عام 1910 أقدم عدد من الشباب على تشكيل فريق لكرة القدم يباري فرقًا أجنبية كانت تزور فلسطين في تلك الفترة، ثم بدأت كرة القدم بالانتشار في فلسطين؛[2] لا سيما في مدارس القدس، فقد ورد في صحيفة "فلسطين" بتاريخ 13 نيسان/ أبريل عام 1912 خبرٌ حول مباراة في كرة القدم، والذي عكس أيضًا طبيعة النشاط الرياضي الذي بدأ في تلك الفترة باستخدام اصطلاح (الفوط بول) قبل أن يُعرّب الى كرة القدم فيما بعد، وكان نص الخبر: "يوم الإثنين من هذا الأسبوع ابتدأ الرهان على لعبة (الفوط بول) الذي حضر لأجله شبان مدرسة الكلية في بيروت مع بعض أساتذتهم فنُصب في الملعب صالون كبير، وعند الساعة الرابعة إفرنجية نزل إلى الميدان شبان الكلية والشبان الإسرائيليون والبعض من مدرسة الشبان القدسية وكان الفوز لشبان الكلية، أما في يوم الأربعاء فكانت المقابلة مع تلامذة مدرسة المطران وانتهى الميعاد بدون أن يكون الفوز لأحد الجهتين". [3]

ويتحدث الدكتور عزت طنوس في كتابه "الفلسطينيون ماض مجيد ومستقبل باهر" عن الحركة الرياضية في فلسطين قبل الاستعمار البريطاني، ويذكر أن أول مباراة بكرة القدم بين بلد وآخر في الشرق الأوسط جرت في عام 1912 عندما جاء فريق الكلية الإنجيلية السورية في بيروت (عرفت فيما بعد بالجامعة الأمريكية) إلى القدس ليلعب مع مختلف فرق كرة القدم في المدينة المقدسة، وهي: السي أم إس، والشبان المسيحية، ومدرسة سان جورج، ومنتخب القدس، حيث تمكن الفريق الضيف من الفوز في 3 مباريات، وتعادل في الرابعة مع فريق سان جورج 3-3. وفي عام 1913 سافر فريق القدس إلى بيروت لمواجهة فريق الكلية، فلعب 4 مباريات: فاز في واحدة، وتعادل في اثنتين، وخسر واحدة بنتيجة 6-0، وفي 1914 عاد فريق الكلية لفلسطين لمواجهة فريق القدس فهُزم شر هزيمة.[4]

 

أول نادٍ رياضي ثقافي اجتماعي في فلسطين

تأسس أول نادٍ رياضي ثقافي اجتماعي في فلسطين خلال تشرين الأول/ أكتوبر 1911 في يافا، وأطلق عليه اسم: المنتدى الرياضي، ثم تحول اسمه الى "النادي الرياضي في يافا" خلال الثلاثينيات، وبعد وقوع فلسطين تحت الاستعمار البريطاني سيطر الجهاز العسكري البريطاني على النادي الذي كان نشطًا في مجال لعبة كرة المضرب "التنس"، إذ كان ينظّم بطولات كرة المضرب من عشرينيات القرن الماضي بمشاركة الجنود والضباط البريطانيين وحتى عام 1948.[5]

وكان هدف النادي الذي أسسه مجموعة من الشباب العرب وبعض الوجوه الأجنبية العاملة في المدينة إحياء الألعاب الرياضية التي من شأنها تقوية العضلات، وإنماء الجسم وإكسابه عافية ونشاطًا، وقد وضع مؤسسوه له قانونًا بأن لا يقبل في عضويته إلا من حسنت أخلاقه وسمت مبادئه، وشهد له الناس بأخلاقه الحميدة، ومنعت قوانين النادي الأعضاء المنتسبين إليه من الحديث في الأمور السياسية والدينية. وقد قام مجموعة من الأعضاء بتوجيه النقد عبر صحيفة "فلسطين" لسلوك الأعضاء الأجانب في النادي، كما اتُّهم الأعضاء العرب بممارسة ألعاب القمار فيه. [6]

وفي أيار/ مايو 1913 نظّم النادي سباقًا للجري بطول 1800 متر في مدينة يافا، شارك فيه 7 من أعضاء النادي، وهو أول سباق للجري يقام في فلسطين، وبدأ السباق من أمام بيارة العيسى حيث أُعطيت لهم إشارة الانطلاق مرورًا بجميزات المساكين على طريق القدس، وصولًا لآخر شارع زقاق البطمة حيث مقر النادي. [7]

 

وعد بلفور وأثره على الرياضة الفلسطينية

في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 أصدرت بريطانيا وعد بلفور المشؤوم الذي منحت بموجبه أرض فلسطين التي لا تملكها للحركة الصهيونية التي لا تستحقها، لإقامة وطن قومي لليهود فيها، تحقيقًا لمقولة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض" وفيما يلي نص وعد بلفور:

"يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علمًا بهذا التصريح". [8]

وبعد وعد بلفور شهدت فلسطين زيادةً مطردةً في تأسيس الأندية والجمعيات الخيرية والكشفية والنسائية، وبات تأسيسها مطلبًا وطنيًا ملحًّا من أجل الرد على الخطر الصهيوني ووجود الانتداب البريطاني في فلسطين، فكان نشاط الأندية في تلك الفترة يأخذ طابعًا وطنيًا اجتماعيًا، وكان حضورها مؤسساتٍ اجتماعيةً سياسيةً يعكس سعي الفئات المثقفة للتعبير عن حسها الوطني المعادي للانتداب والصهيونية، وفيما بعد بدأ يبرز الطابع  الرياضي بالإضافة إلى الاجتماعي والثقافي. [9]

في منتصف العشرينيات، أخذ النشاط الرياضي في النمو وأصبحت الرياضة تشكل جزءًا من الوعي الاجتماعي لدى فئات مختلفة من السكان، فظهرت العديد من الأندية التي كان النشاط الرياضي الجزء الأكبر من نشاطاتها (مثل النادي الرياضي الإسلامي في يافا والنادي الرياضي العربي في القدس). ولعبت هذه الأندية دورًا بارزًا في تشكيل الشخصية الفلسطينية وصقلها من خلال هذا التقارب بين أبناء فلسطين، ومن خلال تداخل النشاطات المختلفة: الأدبية والاجتماعية والرياضية، فيما بينها. فعلى الرغم من أن هذه الأندية تأسست بوصفها أنديةً رياضيةً، إلا أنها ساعدت في النهوض بنشاطات أخرى ثقافية واجتماعية، كما كان تأسيس هذه الأندية دافعًا هامًا للحركة الوطنية الفلسطينية، التي عملت منذ البدء على إبراز الهوية الوطنية الفلسطينية، والنضال ضد الاستعمار البريطاني والمد الصهيوني. [10]

كما كان لهذه الأندية المنتشرة في مدن فلسطين المختلفة دورها التربوي والتعليمي، فقد كان لكل نادٍ مكتبةٌ ولجان ثقافية واجتماعية ورياضية، وبعضها كان له لجنة سياسية، كما أن معظم المثقفين العرب كانوا أعضاء في هذه الأندية، وقد شمل نشاط الأندية المحاضرات والنقاشات والاحتفال بالمناسبات الدينية، كما أنّ اللجان الثقافية التابعة للأندية عملت على تنظيم المحاضرات التي كانت تهاجم الصهيونية وتنبّه لأخطارها. [11]

 

أبرز عناوين النشاط الرياضي في فلسطين في العشرينيات والثلاثينيات

يلاحظ أنّ عناوين النشاط الرياضي في فلسطين خلال هذه الفترة متباينة في طريقة تعاملها مع المهاجرين اليهود، والاستعمار البريطاني، ولعلّ هذا يرجع إلى عوامل، منها الجهات التابعة لها، وظروف نشأتها، ثمّ إلى طبيعة المرحلة التي كان يتبلور فيها الوعي الفلسطيني تجاه المشروع الصهيوني في فلسطين على سويّاتٍ مختلفةٍ. وفيما يلي أبرز عناوين هذا النشاط:

-       جمعية الشبان المسيحية

في بداية العشرينيات تأسست جمعية الشبان المسيحية في القدس، وفي عام 1928 بدأ العمل في بناء مبنى كبير يضم ملاعب وبرك سباحة، والذي افتتح في عام 1932، بتبرع من أحد الأثرياء الأمريكيين بقيمة مليون دولارٍ، وضمت الجمعية في عضويتها الإنجليز والعرب واليهود، وكانت أهداف الجمعية تنحصر في النواحي الثقافية والاجتماعية والرياضية، والاهتمام بثقافة الشباب علميًا وأخلاقيًا، وبغرس الروح الرياضية فيهم، وكانت تطرح مبدأ عدم التدخل في الأمور السياسية والدينية، وعدم التمييز بين المذاهب. وأولت اهتمامًا كبيرًا بالنشاط الرياضي مثل: كرة القدم (حيث كانت عضوًا في الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني في بداية الثلاثينيات وبعد إعادة تأسيسه عام 1944) وألعاب القوى، وكرة السلة، وكرة المضرب (التنس الأرضي) وكرة الطاولة (تنس الطاولة)، حيث نظّمت عشرات البطولات الرياضية، بمشاركة العديد من رياضيي الأندية العربية. [12]

-       روضة المعارف واتحاد الزهرة

في عام 1922 أعيد افتاح روضة المعارف في القدس، ثم دخلت في اتحاد الزهرة الذي تأسس عام 1923 وكان يضم فرق الدرجة الثانية، وفي بداية الثلاثينيات أصبح يضم بالإضافة لروضة المعارف الأندية التالية: جمعية الشبان المسيحية، النادي الرياضي العربي المقدسي، شركة شل، نورديا، أوفير، هأوار هعوفيد  (الثلاثة الاخيرة فرق يهودية).[13]

-       نادي الشبيبة الأرثوذكسية

في عام 1924 تأسس نادي الشبيبة الأرثوذكسية في يافا تلبيةً للدعوة التي طرحها المؤتمر الأرثوذكسي الأول في مدينة حيفا عام 1923، حيث دعا إلى تأسيس الأندية والمدارس الأرثوذكسية العربية في فلسطين وشرقي الأردن، وبث روح التآخي والتعاون بين الهيئات الأرثوذكسية، وقد عقد هذا المؤتمر بسبب النزاع بين العرب الأرثوذكس والرئاسة الروحية اليونانية. 

فكان النادي الأرثوذكسي في يافا أول نادٍ تأسس بعد المؤتمر الأول وتلاه تأسيس النادي الأرثوذكسي في القدس عام 1926، وفي عكا واللد عام 1927، وفي الرملة عام 1932. [14]

"صحيفة فلسطين" 28 آب/ أغسطس 1936

-       النادي الرياضي الإسلامي في يافا

تأسس النادي الرياضي الإسلامي في يافا عام 1926 ولعب دورًا كبيرًا في دعم الحركة الرياضية في فلسطين، وقد انتخب الأستاذ محمد هيكل أمينًا للنادي، حيث كان النظام الداخلي للنادي يقضي بعدم وجود رئيس له، والاكتفاء بمنصب السكرتير. [15]

وفي بيت لحم تأسس نادي الشبيبة البيتلحمية عام 1927، وضم لجنةً رياضيةً، بالإضافة إلى اللجان الأدبية والتمثيلية والموسيقية والخيرية، وفي حزيران/ يونيو 1928 تأسس النادي الرياضي العربي في القدس، (تأسس فرقةً رياضيةً في أواخر عام 1927) ولم تمضِ سنة على تأسيسه حتى انهال عليه الشباب الإسلامي والمسيحي الراغب في الانضمام إليه، وحول هدف النادي، أشار القانون الداخلي أنه يقوم على تقوية أجسام الشبيبة العربية بواسطة الألعاب الرياضية: "العقل السليم في الجسم السليم"، ورفع مستواهم الأدبي.[16]

"صحيفة فلسطين" 28 آب/ أغسطس 1936

 

كرة السلة وكرة الطائرة

لم تكن لعبتا كرة السلة والطائرة منتشرتين في فلسطين كانتشار لعبة كرة القدم فيها، وكانت هاتان اللعبتان مزدهرتين في القدس أكثر من غيرها من المدن الفلسطينية بسبب وجود عدد من فرق المدارس التبشيرية هناك، كما كانتا منتشرتين إلى حد ما في حيفا، أما في يافا ومناطق فلسطين الأخرى فكانتا أقل انتشارًا. [17]

 

ألعاب القوى والدراجات

لم تكن ألعاب القوى منتشرةً في أندية فلسطين خلال فترة الاستعمار البريطاني، فكانت الأندية تعتمد على طلبة المدارس الثانوية المتفوقين بتصفيات المدارس الحكومية في ألعاب: الركض والقفز. [18]

 

الهوكي والبلياردو

لم تكن لعبة الهوكي تمارس في فلسطين إلا من خلال فرق البوليس والجيش البريطاني، وخصوصًا في سنوات الحرب العالمية الثانية، وكان بعض طلاب فلسطين الذين يدرسون في الخارج يمارسونها في الجامعات والمدارس التي يدرسون فيها، وكان رشاد أحمد أبو الجبين من يافا من أشهر لاعبي الهوكي في الجامعة الأميركية ببيروت في أوائل الثلاثينيات.

أما لعبة البلياردو فكانت منتشرةً في عدد من نوادي فلسطين، حيث كانت تمارس داخل صالات تلك الأندية. [19]

 

الملاكمة

كان النادي الرياضي الإسلامي بيافا أول من شكل فرقة للملاكمة، وأسند لأديب الدسوقي مهمة تدريبها والإشراف عليها. لاحقًا أُسّسَ في فلسطين اتحاد الملاكمين المحترفين، وأقيمت بطولات عديدة للملاكمة لاسيما في الأربعينيات بين الملاكمين الفلسطينيين وملاكمي مصر من جمعية الإخوان المسلمين وغيرها، وملاكمي سوريا من نادي سوريا الرياضي، كما كانت تقام مباريات في رفع الأثقال والمصارعة.[20]

 

المصارع الجيزاوي

عند الحديث عن الرياضة في فلسطين وخاصة في العشرينيات، لا بد من ذكر مصارع شاب ذاع  اسمه في كل أنحاء المعمورة، وهو المصارع اليافي عبد الرحمن الجيزاوي الذي اشتهر في جمهورية التشيلي التي رحل إليها عندما كان عمره لا يتجاوز العشرين، وقد تصارع مع مصارع إيطالي يزن خمسة وتسعين كيلوغرامًا بما يزيد عنه بنحو عشرين كيلوغرامًا، فنازله على أحد المسارح بحضور كبير يعد بالألوف، وقد حضر المباراة جميع أبناء الجالية العربية، وبعد عراك عنيف تغلب الجيزاوي على الإيطالي. [21]

خبر في صحيفة "فلسطين" 9 تشرين الأول/ أكتوبر 1928

 

الصراع العربي الصهيوني في المجال الرياضي

كان الصراع على الساحة الرياضية في فلسطين بين العرب والصهاينة جزءًا من الصراع القائم آنذاك، فعملت الحركة الصهيونية خلال عشرينيات القرن الماضي على استخدام الرياضة وسيلةً من أجل إبراز الهوية اليهودية، وانتزاع حق تمثيل فلسطين على الساحة الدولية، بالتوازي مع إبعاد العرب وتهميشهم عن الساحة الرياضية.

وشكّل اليهود في سنة 1924 منظمةَ كرة القدم للأندية بهدف ضمّ كافة الأندية الصهيونية وتنظيم عملها، وسعى عددٌ من قادة منظمة المكابي (منظمة رياضية صهيونية أسست في أوروبا ثم انتقلت إلى فلسطين) إلى ضمها للاتحاد الدولي للرياضيين الهواة، لكنّ طلبهم قوبل بالرفض، لأن المكابي لم تكن تمثل العرب والإنجليز واليهود في فلسطين بشكل متساوٍ، ومنذ العام 1925 حاول جوزيف ياكوتيلي (أحد أبرز قادة المكابي) كسب عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)، فكان سبيله الوحيد لتحقيق هذا الهدف تأسيس "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" عام 1928، وضمّ في عضويته ناديًا عربيًا وحيدًا وهو النادِي الرياضي العربي في القدس، وكان يمثله إبراهيم نسيبة. [22]

ولم يكن تعاون اليهود مع العرب إلا بسبب متطلبات الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي اشترط أن يمثَّل العرب في عضوية الاتحاد، وما أن نجحوا في تحقيق هدفهم بالانضمام للاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) في حزيران/ يونيو 1929، حتى بدأت مرحلة تهميش العرب من الساحة الرياضية من خلال تفرد اليهود فيها، حيث لم يلتزموا بالقوانين الداخلية، فمن خلال تعاونهم مع البريطانيين استطاعوا الهيمنة على هذا الاتحاد، وإعطاءه الطابع الصهيوني سواء بجعل أنفسهم غالبية فيه، أو بإدخال اللغة العبرية والعلم الصهيوني في شعارات الاتحاد. [23]

شعر قياديو الحركة الرياضية في فلسطين بخطر المد الصهيوني داخل هذا الاتحاد، فاعتزموا الانسحاب منه لعدم إشراك الأندية العربية في إدارة شؤون الاتحاد، وعدم استخدام اللغة العربية في إدارة شؤونه، وعدم تعيين حكام عرب لإدارة المباريات، وقد أعلنت الأندية العربية أن هذا الاتحاد لا يمثل الأندية العربية في فلسطين.

وفي أيار/ مايو 1931 تأسس الاتحاد الرياضي الفلسطيني، ردًا على عدم التعاون اليهودي الفلسطيني في المجال الرياضي وعلى الهيمنة اليهودية على هذه الحركة، كما كان استجابةً وانعكاسًا للضغوطات التي طرحتها ثورة البراق عام 1929، والتي اندلعت رفضًا لممارسات سلطات الاستعمار البريطاني الداعمة للهجرة اليهودية إلى فلسطين. وأُطلق على الاتحاد اسم الاتحاد الرياضي الفلسطيني، لتمييزه عن اتحاد كرة القدم الفلسطيني، لكن نشاطه توقف مع انطلاق الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.[24]

"صحيفة فلسطين" 14 كانون الأول/ ديسمبر 1934

وفي 11 أيلول/ سبتمبر 1944 أعيدَ تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني عندما لبى خمسة وثلاثون ناديًا دعوةً لعقد اجتماع رياضي في مدينة يافا. فيما بعد أخذت تتوالى على الاتحاد طلبات انضمام العديد من الأندية في فلسطين، كما وزّع الاتحاد تعميمات على قادة الأندية من أجل الانضمام إلى الاتحاد، وأرسلت هذه التعميمات إلى أمناء الاتحادات الرياضية في البلدان العربية المجاورة، لتشعرهم بتشكيل الاتحاد العربي ورغبته في توثيق العلاقات الرياضية والودية مع الأقطار الشقيقة. [25]

 وعمومًا خطت الحركة الرياضية الفلسطينية خطىً سريعةً للأمام، لكنها في الوقت نفسه واجهت مصاعب ومشكلات ذاتيةً وموضوعيةً أدت إلى عرقلة مسيرتها، مما أعطى الأندية الصهيونية ميزة التفوق في هذا المجال، فالقيادة الرياضية كانت مرتبطةً مع القيادة الوطنية التقليدية التي كانت تعدّ الاستعمار البريطاني حَكَمًا في حل النزاعات في البلاد، وليس خصمًا أساسيًا، فافتقرت القيادة للحكمة والقدرة على تهيئة الظروف المناسبة للاستفادة من الطاقات والمواهب التي كانت متوافرةً لدى الشباب العربي في تلك الفترة.[26]

 

خاتمة

كان الاهتمام بالرياضة والأنشطة الرياضية من أهم السمات التي ميزت فلسطين قبل النكبة عام 1948، حيث ظهرت الأندية، وتأسست اتحادات الرياضية لبعض الألعاب، وأُنشئت الجمعيات التي تُعنى بشؤون الشباب، واستمرت الحياة الرياضية في الازدهار حتى أصبحت فلسطين من أكثر الدول العربية اهتمامًا بالرياضة.

وتميزت الحركة الرياضية الفلسطينية بثلاث ميزات هي: الوطنية والاجتماعية والتنظيمية، وقد برزت الميزة التنظيمية عقب تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني عام 1931، إذ كان هذا الاتحاد أداةً مهمةً لتنظيم عمل الأندية، وجعلها تعمل ضمن نظام مركزي.

وأما الميزة الوطنية للحركة الرياضية الفلسطينية فقد ظهرت واضحةً منذ بداية تأسيس الأندية التي كانت تعكس الوعي الاجتماعي في التصدي للاستعمار البريطاني والمد الصهيوني، وقد ساهمت الأندية الرياضية في دعم  الحركة الوطنية والثقافية منذ بداية العشرينيات، وصارت مراكز لتجمع الشباب والمثقفين.

فيما كانت أبرز عقبة وقفت في وجه الحركة الرياضية الفلسطينية بوصفها عنصرًا هامًا في الحياة الاجتماعية الثقافية، هي الأوضاع السياسية في فلسطين، متمثلةً بالاستعمار البريطاني والمد الصهيوني.

 



[1] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام النكبة، "history of Palestine sports"، https://cutt.us/Ha3x1 .

[2] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، (رام الله، دار الشروق للنشر والتوزيع، 2013) ص 22.

[3] - صحيفة فلسطين 12 نيسان\ أبريل 1912، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فصلية القدس، العدد 44، شتاء 2010.

[4] - عزت طنوس، الفلسطينيين ماض مجيد، ومستقبل باهر، الجزء الأول، (بيروت، مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، 1982) ص 16.

[5] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين.

[6] - المصدر السابق.

[7] - المصدر السابق

[8] - https://cutt.us/vdSVQ

[9] -عصام الخالدي، المكبياد، مجلة العربي، العدد 548، تموز\ يوليو 2004، ص 98.

[10] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 26.

[11] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام النكبة.

[12] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 26-27.

[13] - المصدر السابق، ص 27.

[14] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام النكبة.

[15] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 31.

[16] - المصدر السابق، ص 32.

[17] - خيري الدين أبو الجبين، الحركة الرياضية في فلسطين ابان الانتداب وبعده، https://cutt.us/SKOg4 .

[18] - المصدر السابق.

[19] - المصدر السابق.

[20] - المصدر السابق.

[21] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام النكبة.

[22] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 37-38.

[23] - المرجع السابق، ص 38.

[24] - المصدر السابق، ص 44-46.

[25] المصدر السابق، ص 69.

[26] - عصام الخالدي، تاريخ الرياضة في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام النكبة.