طوفان الأقصى .. يُلاحق قادة الاحتلال وسجّانيه في الضفة
"القسام كاد أن يطرق عليك باب بيتك" .. رُبما لم يكن يعلم "سموتريتش" وقادة الاحتلال حينما قرؤوا ما جاء في بيان تبني القسام لعملية "كدوميم" التي أسفرت عن مقتل جندي وإصابة آخر، أن العبارة التي قيلت مجازًا ستتحول إلى حقيقة بعد 3 أشهر فقط، وأن طارقي الأبواب سيطرقونها فرادى وجماعات في غلاف غزة إلى أن يصل صدى الطَرق إلى الضفة.
في مشهدٍ مصغّر من صباح عبور السابع من أكتوبر، ترجَّل 3 مقاومين من مركبة بيضاء اللون على مدخل قرية الفندق شرق قلقيلية صباح الـ6 من كانون الثاني/ يناير 2025، قطعوا الطريق على مجموعة من مركبات المستوطنين وأمطروهم بالرصاص، وأسفرت العملية، بحسب اعتراف الاحتلال، عن مقتل 3 مستوطنين وإصابة 9 آخرين بجروح متفاوتة، ثم انسحب المنفذون الذين جاؤوا من جنين بسلام.
بعد ساعات من العملية تكشّفت هويّات القتلى الثلاثة ليتبين أن أحدهم يُدعى "يعقوب فنيكلشتاين"، ويعقوب هذا مستوطن يعمل محققًا في مركز شرطة في مستوطنة "أريئيل" أكبر مستوطنات الضفة.
"وعلى سيرة" التحقيق والسجون فقد وقَّع شهر تموز/ يوليو العام الماضي أحد أعقد العمليات خلال معركة طوفان الأقصى وربما أحد أكثر العمليات تعقيدًا منذ عقود، عملية اغتيال هي الأولى من نوعه منذ سنوات، إذ تسلل الأسير المحرر إبراهيم منصور ابن بلدة بدو قضاء القدس إلى مستوطنة قرب رام الله ودخل إلى شقة السجّان "يواحي أفني" الذي يعمل في سجن عوفر ضابطًا برتبة عالية ومسؤول عن وحدة الكلاب، ونفذ عملية اغتياله ومن ثم أحرق بيته وانسحب من المستوطنة. فور العملية فرض الاحتلال حظرًا أمنيًا ومنع نشر التفاصيل، وأعلن بدء التحقيق لمعرفة إن كان العنصر قد قُتل على خلفية قومية أم لا، وبعد أسبوعين من مقتله، أعلن الاحتلال نتائج التحقيق وكشف أن إبراهيم منصور دخل إلى المستوطنة ونجح في الوصول إلى شقة السجان واغتياله داخلها رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضها الاحتلال على مداخل المستوطنة منذ السابع من أكتوبر، في ما تبين لاحقًا أن السجان ذاته كان قد تلقى تهديدات من الأسرى داخل سجن عوفر.
قادة الألوية في مرمى المقاومة
ليلة الـ30 من آب/ أغسطس هزّ انفجار ضخم أرجاء الخليل، وبعد دقائق حدث انفجار آخر مماثل للأول، جاء الانفجار الأول في محطة وقود قرب مستوطنة "غوش عتصيون" بينما الانفجار الثاني حدث على مدخل مستوطنة "كرمي تسور".
عملية مزدوجة تبنتها كتائب القسام بعد 3 أيام من تنفيذها، وكشفت أن الاستشهاديين محمد إحسان مرقة وزهدي نضال أبو عفيفة هما المنفذان، وأعلنت مسؤوليتها الكاملة عن العملية وكشفت أن الاستشهادي محمد مرقة تمكن من تفجير سيارة مفخخة في محطة وقود بمستوطنة "غوش عتصيون" بهدف استدراج جنود الاحتلال عندما انقض عليهم بالسلاح الآلي بعد انفجار السيارة وأوقع منهم القتلى والجرحى، بحسب بيان القسام، وكان من ضمنهم "غال ريتش" قائد لواء عتصيون في جيش الاحتلال.
و"غال ريتش" هذا الذي لم يكن قد مضى أكثر من أسبوعين على تعيينه قائدًا للواء عتصيون عند إصابته، كان قبل ذلك قائدًا للواء "كفير" المختص بوحدة مشاة النخبة في جيش الاحتلال، وقاد لاحقًا لواء "عوز" المختص بتنفيذ عمليات "خلف الخطوط"، واشترك في الحرب على لبنان والحرب على غزة، ويعد لواء "عتصيون" الذي يقوده "غال ريتش" هو لواء مشاة في صفوف الاحتلال تأسس عام 1947.
قائد فرقة الضفة في مرمى عبوات طولكرم .. والهدف في مرمى "قائد لواء المنشية"
بعد أقل من 4 أشهر على حادثة استهداف قائد لواء "عتصيون" في عملية مزدوجة في الخليل، كان قائد فرقة الضفة الغربية يرافقه قائد لواء "المنشية" يتفقد قواته المقتحمة لمخيم طولكرم عشية الـ24 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
في تلك الليلة أظهرت مشاهد نُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشهدًا لآلية معطوبة تجّرها آلية أخرى وتسحبها من أرض المعركة بعد استهدفتها المقاومة بعبوة ناسفة داخل مخيم طولكرم. لم تمضِ سويعات قليلة حتى أعلن الاحتلال أن الآلية المعطوبة كان يستقلها قائد فرقة الضفة، وقائد لواء المنشية المسؤول عن طولكرم وجنين، واعترف الاحتلال على الفور بإصابة قائد لواء المنشية "أيوب كيوف" بجروح متوسطة، في ما "سَكَت" عن وضعية قائد فرقة الضفة الذي كان يجُاور "أيوب" في الآلية المعطوبة ذاتها.
ليس بعيدًا عن مخيم طولكرم، في مخيم نور شمس على بعد مئات الأمتار فقط، صباح اليوم الأول من تموز/يوليو كان قائد في وحدة "الدوفدفان" يدخل إلى مخيم نور شمس على متن عربة "بوز النمر" المصفحة، ويرافقه عددًا من الجنود الذين ترجلوا من الآلية قبل دقائق معدودة من تفجيرها، في ما بقي بداخلها القائد وسائق الآلية "يهودا غيتو" الذي قُتل على الفور، وأعلن الاحتلال في مساء ذات اليوم عن إصابة القائد بجروح خطيرة جراء انفجار عبوة محلية الصنع تحوي عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة.
قائد فرقة القناصة .. قتيل في جنين
بينما اعتاد الاحتلال أن تواجهه المقاومة داخل المخيمات وبين الأزقة حيث يتقدم بسهولة منذ خروجه من المعسكرات إلى حين وصوله تخوم المخيمات، قلبت المقاومة في جنين أوراق اللعبة رأسًا على عقب، فبينما كانت الآليات تتقدم من سهل مرج بن عامر "آمنةً مُطمئنة" انفجرت عبوة ناسفة بمدرعة من نوع "الفهد" تحوي بداخلها طاقمًا طبيًا عسكريًا، وفور انفجار العبوة بالقوة تقدمت قوة أخرى نحو الجنود المصابين لإنقاذهم، فعاجلتهم المقاومة بعبوة أخرى قتلت بها قائد فرقة القناصة النقيب "آلون سكاجيو" إضافة لإصابة 16 آخرين.
"أمنيتي كانت ما أموت حتى آخذ منهم .. أقل شي 30 واحد أخذنا منهم.. الله يرحمك يا نضال العامر يخوي"، هذه كلمات الشهيد همام حشاش قبيل ارتقائه صباح الخامس من تموز/يوليو، بعد حصاره داخل منزل هو وشقيقه الحارث في تسجيل صوتي طويل اختار أن ينهي حياته به. تسجيل كان مليئًا بالمشاعر والعواطف والحب لأمه وأبيه وأخوته وأصدقائه، بينما كانت تلك الجملة هي التي أثارت انتباه الجميع لحظة سماعها "أمنيتي كانت ما أموت حتى آخذ منهم .. أقل شي 30 واحد أخذنا منهم"،
وبعد ارتقائه هو وشقيقه بالإضافة إلى 5 آخرين، تبنت القسام عملية مرج بن عامر، وكشفت أن همام حشاش نفذها بالمشاركة مع الشهيد نضال العامر أحد عناصر سرايا القدس في جنين، وأعلنت مسؤوليتهما عن قتل قائد فرقة القناصة وإصابة بقية الجنود.
"رح أعمل عملة أرفع فيها راسكم كلكم" قالها المقاوم محمد طلال ذو الـ18 عامًا فقط، وذلك بعد أن اقترح عليه بعض رفاقه الانسحاب من المخيم إثر عدم تمكنهم من تفجير العبوات التي زرعوها في طريق تقدم الاحتلال بالمخيم، إثر استخدام الاحتلال أجهزة تشويش عطّلت عملية تفجير العبوات عن بعد. وبينما كان اليأس يتملك الجميع قال محمد طلال ابن كتائب القسام كلمته هذه وذهب هو ورفيقه أمجد القنيري ابن سرايا القدس إلى زقاق حارة الدمج، وكمنا هناك خلف باب منزل منتظرين تقدم الجنود، وما إن اقترب الجنود من المكان حتى انهالا عليهم بالرصاص والعبوات الناسفة واشتبكا حتى ارتقيا سويًا. هذا الكمين النوعي أسفر عن مقتل "إلكانا نافون" وهو قائد فرقة في الكتيبة 906 من لواء "بيسلاخ" وإصابة 4 آخرين من جنود الاحتلال حيث أظهرت المشاهد الجنود وهم يركضون بين أزقة المخيم ينقلون الإصابات على أكتافهم.
أفيخاي وبن غفير .. أهداف لم تُسجل
في منتصف كانون الثاني/ يناير 2024 وفي الأشهر الأولى لمعركة طوفان الأقصى، نفذ الشابان محمود وأحمد زيدات من بلدة بني نعيم شرقي الخليل عملية دعس كبيرة أسفرت عن مقتل مستوطنة وإصابة 19 آخرين في منطقة "رعنانا بالداخل المحتل"،
وبعد العملية بأيام نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" حديثًا عن شرطة الاحتلال أن أحد منفذي العملية صادف الناطق باسم جيش الاحتلال "أفيخاي أدرعي" في أحد المطاعم ولاحقه محاولًا طعنه.
بعد أشهر من هذه المحاولة، وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي أعلن الاحتلال اعتقال خلية مكونة من 3 أشخاص من سكان الخليل بتهمة التخطيط لاغتيال وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال "إيتمار بن غفير"، وكشفت صحيفة معاريف حينها أن أحد أعضاء الخلية تواصل من أجل تلقي الدعم من حماس وحزب الله واقتناء الأسلحة والعبوات الناسفة لتنفيذ المخطط، لكن العملية أُحبطت قبل تنفيذها.
في وقت سابق من ذات العام أعلن جهاز الأمن الداخلي للاحتلال "الشين بيت" اعتقاله خلية مكونة من 11 شخصًا، 7 منهم من الداخل المحتل خططوا لشن هجمات ضد قواعد عسكرية ومطار "بنغوريون" ومكاتب حكومية في القدس، إضافة إلى التخطيط لاغتيال بن غفير من خلال الحصول على قاذفة صواريخ لتنفيذ هذا الهجوم.
مقاومة مستمرة .. في ظروف مستحيلة
منذ صبيحة السابع من أكتوبر وحتى ساعة كتابة هذه الكلمات اعترف الاحتلال بمقتل 54 ضابطًا وجنديًا ومستوطنًا في الضفة الغربية، وإصابة 420 آخرين، نتيجة تنفيذ المقاومة في الضفة أكثر من 2000 عملية إطلاق نار و 31 عملية دعس و44 عملية طعن وتفجير آلاف العبوات الناسفة على امتداد مخيمات شمال الضفة، يُضاف إلى كل هذا أكثر من 1041 عملية مقاومة أعلن الاحتلال إحباطها قبل تنفيذها.
تأتي هذه الأرقام سواء خسائر الاحتلال أو تنوع العمل المقاوم الذي وصل ذروته في شهر آب/ أغسطس حينما حاول القسام تنفيذ عملية استشهادية وسط تل أبيب، لم تنجح بسبب انفجار الحزام الناسف قبل وصول الشهيد جعفر منى إلى مكان التنفيذ بدقائق. تأتي هذه الأرقام وسط قبضة أمنية غير مسبوقة في تاريخ الضفة فقد نشر الاحتلال منذ صبيحة السابع من أكتوبر 872 حاجزًا وبوابة في شوارع ومفترقات ومدن الضفة، واعتُقل قرابة 15 ألف فلسطيني معظمهم من الأسرى المحررين والمقاومين ونشطاء المقاومة وارتقاء قرابة 870 شهيد، ليس هذا فحسب بل يضاف لكل ما سبق جهود غير مسبوقة من قبل أجهزة السلطة لإحباط أعمال المقاومة بالضفة عبر استهداف المقاومين بشكل مباشر بالقتل والاعتقال وصولًا إلى حصار مخيم جنين وإعلان السلطة عبر الناطق الرسمي باسم الأجهزة الأمنية أنور رجب، أن الحصار لن يُفك حتى يسلم "الخارجون عن القانون" أي المقاومون أنفسهم وسلاحهم وينهوا حالة المقاومة في المخيم. ولذلك، ولاعتبارات كثيرة، فإن كل ما سبق يأتي في سياق العمل الإعجازي في منطقة جغرافية تحولت لكنتونات وجزر مقطعةً أوصالها بين جبال يستقر بها مستوطنين وشوارع مفروشة بالحواجز والجنود وسماء ملبدة بطائرات الاستطلاع وحدود يكاد يسمع حراسها دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمّاء وسلطة ترى في كل عمل مقاوم خروج عن القانون ينبغي حسمه.