عن بطلة الشر الخارقة "صبرا" .. أين نجد أبطالنا؟

آية الطويل

صُنْعُ الأبطال الخارقين وتشكيلهم؛ مرَّ بعدة مراحل على عدة فترات زمنية متتالية استهدفت خلالها جماهير مختلفةالنوع والعمر، متأثرةً ومؤثّرةً بالبعدين السياسي والثقافي، مستغلةً بعدي الإعلام والاقتصاد.

فالبداية استهدفت جمهور الأطفال البيض، عارضةً شخصيات خياليةً تحت مسمى "أبطال خارقين"، تتحرك وتتطورداخل قصص مصورة، وتتأثر بظروف الأطفال وحاجاتهم في زمن النشأة، ثم تخرج بتصورات ومشاهدَ تعكس ذلكالتأثير عليهم، وضمن هذا الإطار تحضر رؤىً وحاجاتٌ اجتماعيةٌ وسياسية وثقافية تحكم المشهد، وتديره وفق رؤيتها.

تحرص المشهدية المنتَجة على نيل اهتمام الفئة المستهدفة لتحقق الغاية المرجوة من صنع البطل. وتتقلب الغايات وتتطور وفق تطور الظروف المعاشة في زمن ومكان محددين، فقد لا تكون في مراحل معينة أكثر من وسيلة للتسلية فقط، ولكنّ غاياتها في مراحل أخرى –كما هو غالب ومشاهد- تغدو أكثر كثافةً وتعقيدًا وعمقًا.

ومما تبين لاحقًا من الاندماج الطبيعي الذي حدث بين الأطفال وهؤلاء الأبطال فإن أبوابًا كثيرة للتوظيف التجاريوالإعلامي لهذه الشخصيات قد فُتحت، لتصبح عاملاً أساسيًا في سياق إقناع الجماهير بتوجهات وسلوكيات بلورتهاالجهات المنتِجة على هيئة عمل فني تابعٍ لما حددته السياسة والثقافة، أو الحاجة الاجتماعية.

 ولا يقتصر هذا التأثير على الجانب الفكري والسلوكي بل يشمل المظهر والملبس، ولهذا تعج الأسواق بأزياء الأبطالالخارقين ومعداتهم المختلفة، وذلك التقاطًا لرغبة المشاهدين بالتشبه بهم، ورؤية الأطفال في هذه الشخصيات الخارقةأبطالاً ومُثلاً عليا يسعوْن لتقليدها صفاتٍ وسلوكياتٍ ومظهرًا، في توظيفٍ تجاريٍّ واقتصاديٍّ للحالة.

 ورغم تعدد الخيارات في اختيار شخصيات مفضلة للتشبه بها، إلا أنها تنحصر عمليًا بسبب التناقض العالي والمقصودبين من سُخّرت العوامل الفنية والمجالات الحياتية لإظهارهم أبطالاً أخيارًا وبين من أُظهروا أشرارًا في السياقالقصصي لهذه الشخصيات، وهذا ينطبق بشكل أساسي على المراحل الأولى القديمة في صناعة البطل الخارق وقصته.

من هنا، وبعد ملاحظة شدة انسياق الفئة المستهدفة لما فرضته وروجت له الجهات المعنية، وُسّعت دائرة الاستهدافلتشمل الأطفال الإناث، عن طريق صنع بطلاتٍ خارقاتٍ، ولتشملَ الأطفال غير البيض من خلال صنع شخصياتأخرى تعبّر عنهم وعن انتماءاتهم. وقد يكون العامل التجاري هو الدافع الأساسي لهذه الخطوات، لما لاقته هذه الشخصيات من إقبال شديد عند الفئة المجتمعية المستهدفة أول الأمر (الذكور البيض) من صناعة البطل الخارق، في مقابل عجز الفئات غير المستهدفة سابقًا عن الانتماء لها أو الارتباط بها للتشبه بها لاحقًا والنظر لها مُثلاً عليا.

إن أسبابًا كالمساواة وتجنب الإقصاء والعنصرية قد تكون هامشًا أو سببًا بسيطًا في ظل وجود الأسباب التجارية. ولاتُذكر هذه النقاط من باب النقد السلبي وحده، وإن كانت قد تطرقت له، لأن استغلال الظروف والاستفادة من نجاعةعنصر معين في التأثير على فئات كثيرة العدد ومهمة المنشأ، يمكن أن يكون إيجابيًا على المستويات الثقافيةوالسياسية لا التجارية الضيقة فحسب، وأن يكون الخطوة الأولى لتحقيق غايات أهم على المدى الطويل. وانطباق ما سبق على الفئة الأولى بالاستهداف، (الأطفال عامة)، ينطبق على ما تبعها من فئات أخرى مستهدفة، (الشباب).

وفي خضم تطور القصص المصورة وصناعة شخصياتها، انتقلت لتشمل الشباب فئةً مستهدفةً بحيث لا تقتصر علىالأطفال، وفي هذا تغييرات فنية تطال المستويات كافة، تتعلق بالسيرة والمظهر والأسلوب والسلوكيات، متأثرةً ومؤثّرةًفي السياسة والاقتصاد والثقافة، منتجةً قيمًا جديدة تتواءم مع الفئات الجديدة بحاجاتها وغاياتها. ونشير هنا إلى مثالتطور الشخصيات الخارقة من كونها حالة تمثّل الخير المطلق الصافي الذي يواجه الشر المطلق الصافي، إلى أن تكونممثلة للطبيعة البشرية بتناقضاتها على مستويي الخير والشر، وعلى مستوى ما تمتلك من قدرات خارقة. فتتجسد في شخصيات معينة قدرات بشرية طبيعية ومهمات واقعية مستمدة من الظروف المعاشة. وينطبق هذا على البيئة المحيطة بالبطل الخارق التي صار يتم تصوريها مشابهة للعالم الحقيقيّ كما هو، حيث يلتبس الخير والشر، ولا ينتصر الخير دائمًا وضرورةً، كما كان يحصل عند استهداف الأطفال.

وكان التطرق لهذه المقدمة الموجزة عن القصص المصورة طريقًا لتصور الأبعاد الناتجة -بإيجابياتها وسلبياتها- عنصناعة الأبطال الخارقين، وسعة انتشارها متجاوزةً الجنس والعمر والمنطقة الجغرافية، وبتأثير حقيقي شامل للمناحي كافة.

صبرا ومعايير الشخصيات الخارقة

تحدد ثلاثة معايير صناعة الأبطال الخارقين في عالم القصص المصورة: أولها الشخصية من حيث السيرة والتطورالزمني، وثانيها مظهر الشخصية الخارجي، وثالثها سلوك الشخصية وتعاملها. ينتج عن اتحاد هذه العناصر شخصيتان في النهاية: شخصية البطل/ة إنسانًا طبيعيًّا وهو ما يسمى (alter ego) أو الشخصية البديلة، وشخصية البطل/ة فيالحالة الخارقة. وتتشابك هذه العوامل بحيث لو شاب صناعة قصة الشخصية الخارقة، وسيرتها وتطورها الزمني أي ضعف سواء قبل تحولها إلى الحالة الخارقة أو بعدها، فإن ذلك يظهر جليًا في سلوكها وفعاليتها في القصة.

بالنسبة لشخصية "صبرا"، التي أُعلن عنها قبل أسبوع من ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا، لتكون بطلةً خارقةً "إسرائيليةً"في فيلم "Captain America: the new world order”، الذي سيطلق في عام 2024، والتي كانت قد صُنعت سابقًا في عام 1980، وظهرت في سلسلة قصة مصورة، فإن نقدنا سيطالها، استنادًا إلى المعايير الثلاثة آنفة الذكر.

إن الشخصيات الخارقة تتعرض لصدمات وتحديات تجعلها بفضل قدرتها على التعامل معها، سلبًا أو إيجابًا، أخيارًا أوأشرارًا. وتعدّ هذه الصدمات عنصرًا أساسيًا يبني سيرتها، وتتحدد على إثرها الشخصية من حيث حاجاتها وغاياتهاومحفزاتها، وهو ما يغيب بالكلية عن شخصية "صبرا" قبل أن تتحول لشخصية خارقة، أو يظهر أحيانًا مشوبًا بالضعف والاضطراب. لأنه لا بد من علاقة منطقية بين وظيفة الشخصية الحياتية قبل تحولها لشخصية خارقة وبعد تحولها. كما أن مرحلة التحول والانتقال ذاتها يجب أن تقف على أساس واضح من الأسباب والعوامل التي أدت لها، مثل الصدمة، أو الظروف التي شكلتها ودفعتها باتجاه التحول، أو إرغامها على التحول.

 تفسّر المجلة التي صنعت الشخصية إطلاق اسم "صبرا" عليها، بكونها شخصية تجمع النقيضين: القسوة من الخارج،واللين من الداخل، كنبات الصبار [الفلسطيني]، وهو تفسير ركيك لاختيار الاسم، إذ يفتقر إلى ما يدعمه بصريًّا، أي أن الاسم لا يتجلّى في صورة الشخصية. بينما فسّر آخرون الاسم على أنه يعني في السياق الاجتماعي العبري: "اليهود الذين ولدوا في فلسطين المحتلة بعد قيام كيان الاحتلال"، وهذا التفسير الذي يشدّد على استمرار عملية الإقناع بأحقية ما؛ ابتذال.

وإن دلّ تشتت التفسيرات والروايات وتعددها على شيء فإنه يدل على ضعف في اختيار الاسم المستخدم وعدم استناده إلى أساس ثابت يدعمه، أو على تبرير بصري أو سلوكي مقنع.

وفي تقصٍّ زمني لتاريخ ظهور الشخصية بداية الثمانينيات وقربه من تاريخ مذبحة (صبرا وشاتيلا 1982)، يبرزتفسيرٌ آخرَ هو رغبة صناع الشخصية في التغطية على الحدث الحقيقي المليء بالإجرام (المجزرة) بحدث خيالي مليء بالبطولة (شخصية صبرا الخارقة)، فنرى النهج الصهيوني الأصيل في الكذب والتغييب وإدارة العدسة، ومن ذلكاستخدام القصص المصورة، تكتيكاً إعلاميًا موجهًا يهدف لبناء رواية "إسرائيل" على المستويات السياسية والثقافيةوالتجارية.

صبرا ترتدي العلم

إن التاريخ الصهيوني الفارغ ثقافةً، والمستتر بأثواب الادّعاء والسرقة، يعجز عن الإتيان بنموذج بطل خارق متوازن ومتكامل حتى على مستوى الأزياء والشكل الخارجي، وهذا قصور تابع للقصور الحادث مسبقًا في تشكيل القصة والسيرة وما بني عليها. فاستحضار العلم الأبيض والأزرق هو العنصر الأوحد الذي يمكّن صانع الشخصية منمحاولة إظهارها "إسرائيليةً"، ويضاف إلى ذلك الضخّ الإعلامي في الترويج للشخصية وتعميم "إسرائيليتها".

وإن استخدام الأعلام بشكل عام، ألواناً وشكلاً، بطريقة مباشرة وبكثرة رتيبة لهذه الدرجة إنما هو ابتذال ومؤشر علىقلة المصادر التي يمكن الاستلهام منها والاستناد إليها في صنع الشخصية وجعلها أصيلة. ومن المعلوم أن مرحلةاختيار الأزياء يجب أن تكون متسلسلة مع ما سبقها من مراحل، بما فيها اسم الشخصية ورمزياته المقصودة، وهذاغير ظاهر في "صبرا"، لا في القسوة واللين اللذين يفترض أنها تتمتع بهما، ولا على مستوى الاستناد إلى نبتة الصبار ذاتها، فالسرقة والاضطراب اللذان بدءا بالاسم امتدّا إلى المظهر.

ينطبق ما قيل عن العَلَم على التكرارَ المفرط لظهور نجمة داود في زي الشخصية، والذي ينهج بدوره نهج الاسم في محاولته الملحة إثبات أمر ما والترويج له إعلاميًا وقصصيًا. أما الوشاح الفرو الذي ترتديه الشخصية فقد كان أكثر ما خرج من اللاشيء في شخصية "صبرا"، وإن الرابط الوحيد بينه وبين ما قد تمثّله الشخصية من أبعاد فكرية وثقافية وسياسية هو اللون فقط.

تضعف المبررات الفنية للهيئة التي استوت عليها شخصية "صبرا"، أو تكاد تنعدم، وينجم عن ذلك صعف إمكانية المنافسة على المستوى الفني، ثمّ على مستوى الثقافة والسياسة حيث المقصد الحقيقي والأخير للشخصية.

وفي نقطة شكلية وإشكالية أخرى، ظهرت "صبرا" في القصة المصورة في الثمانينيات شخصية ملونة (غير بيضاء)،وهذا مناقضٌ لما هو معلوم من جنوح الاحتلال إلى احتساب نفسه في عداد الأوروبيين والبيض، واعتباره العنصرَ الأبيض ممثلًا مرغوبًا ومعبّرًا عن ذاته، غير أنّ الشخصية السمراء لـ "صبرا" في القصة المصورة القديمة كانت محاولةً لترويج دعاية صهيونية أخرى: وهي أن "إسرائيل" واحة الديمقراطية في الصحراء العربية المستبدة"، ومن مقتضيات الديمقراطية المساواة ورفض العنصرية العرقية.

"صبرا" الموساد الخارق

وبالنسبة لما تمتلكه "صبرا" من قدرات خارقة فإنه على ما يبدو تم شحنها بكل قدرة خارقة وُجِدت حتى الآن، من سرعة وقوة وتحمّل وخفة وتجدد وسوى ذلك من القدرات الخارقة، وهذا يعيدنا إلى نقطة عدم الأصلانية، وغيابالقدرة على إنتاج الشخصية استنادًا إلى ذاتيةٍ "إسرائيلية" مستقلة وقادرة، فيستعاض عن ذلك بإغراقها بكل ما يعد مميزًا وخارقًا، في محاولة للنهوض بها شخصيةً منافسةً للشخصيات الخارقة الأخرى في الظهور الفني والقصصي.

ومع انعدام الممكنات الطبيعية التي يمكن أن تظهر فيها "صبرا" بطلةً بلا تعسّف، كان "الموساد" السياق "الإسرائيلي" الذي يمكن أن تنتسب إليه الشخصية، استنادًا إلى الدعاية "الإسرائيلية" العريضة عن قدراتِ الجهاز وسعة اطلاعه. غير أنّ نسبة "صبرا" إلى الموساد يفترض أن ينزعها من خانة الأخيار ويضعها في خانة "الأشرار"، مع التاريخ الطويل لانتهاكات الجهاز وجرائمه التي عمّت العالم، إضافة إلى الانتهاك الأساسي المتمثل بقيام "إسرائيل" أصلاً على حساب الحق والدم الفلسطينيين. وقد أثارت هذه النسبة إلى الموساد الكثير من النقاش المضاف إلى النقاش حول بناء الشخصية وسيرتها، وانحيازها الثقافي، ودعائيتها، وانتسابها لكيان محتل.

البطل الخارق الفلسطيني

إن الحالة الفلسطينية فرضت خصوصيةً لجماهيرها وأبطالها الذين صنعتهم، ورغم أن وصف "خارق" في أصله وصف يقتضي تجاوز القدرة البشرية العادية، فإنّ أصل القدرات الخارقة كالقوة والذكاء الفائضين، يمكن أن يوجد في الشخصية البشرية غير الخارقة، كما هو موضح في المقدمة. ومن هنا فإن الفلسطينيين منحوا أبطالهم الذين قاوموا الاستعمار والاحتلال على مر العصور لا صفة البطولة فحسب، بل البطولة الخارقة، استنادًا لامتلاكهم أصل المزيّة أولاً، ثمّ لقدرتهم على اجتراح معجزة تجاوز الظرف الموضوعي القاهر، والهوةِ الواسعة من حيث أدوات القوة، ثم الانخراط فيما يبدو فعلا خارقًا، وهو مقارعة المستعمر والمحتل. ولذلك حرص الفلسطينيون على تمثيل أبطالهم فنيًا في الشوارع والمجال العام جدارياتٍ وكاريكتارًا، وحتى على مستوى الملابس، باستخدام صورهم أو ما هو أبلغ، باستخدام أفعالهم وتصويرها.

تكثر النماذج التي يمكن أن تُطرح في سياق قصصي بطولي خارق لتكون واحدة من الشخصيات الخارقة المعتد بها، فهذه النماذج على الرغم من اختلافها نوعًا وعمرًا ومجالاً مقاومًا، إلا أنها تتشارك في نقطة أساسية، وهي السرية. فيمرات كثيرة، لم يعرف الشارعُ الفلسطيني المقاومَ إلا من خلال فعله، ولم تُكشف هويته خلال الفعل المقاوم إلا قليلاً.وعلى الرغم من زيادة نسبة الانكشاف في الوقت الراهن لعوامل عديدة، إلا أنه يمكن لظاهرة السرية هذه أن تكون منبعًا وافرًا يستند إليها في الصناعة والتمثيل الفني للبطل الفلسطيني.

إن انكشاف البطل الفلسطيني وإزالة الغطاء السري عنه بالاستشهاد أو الاعتقال أو الإبعاد لا ينهي سيرورة القصة في سياقها الواقعي البطولي وفي سياقها الفني الخارق، فتجد الشخصيةُ الأساسَ الثابت والمرجع الذي تنشأ عليه قصتها تصويريًا. ومن الأمثلة على الشخصيات التي عُرفت لاحقًا، وبعد ما يقارب خمسين سنة من الفعل المقاوم، كانتمؤسِّسَتا تنظيم زهرة الأقحوان: مهيبة وناريمان خورشيد. إن ما تصفه السيدتان من سرية عالية شملت السيرة وتطورالشخصيتين والاسم والشكل والفعل والفاعلية، لمثالٌ واضح وصريح وواقعي على شخصية البطل/ة الفلسطيني/ة، التيقد تصبح بتشكيل سريع سلسلة قصصية يعرض فيها النموذج الفلسطيني للبطولة بشقيها الواقعي والخارق.

وللزخم الثقافي وتعدد مجالات المقاومة والبطولة في السياق الفلسطيني فإن عملية صنع الأبطال فنيًا مليئةٌ بالخياراتوالمقترحات المحتملة، والتي تقف جميعها على وزن ثقيل من التمثيل النوعي للبطولة والبطل/ة، وتفتح مجال الاختلاف والحوار على من تم تمثيله فنيًا سابقًا وحاضرًا، أي أن حنظلة بسيرته وموقفه، والنساء في لوحات مختلف الفنانين التشكيليين الفلسطينيين قد يقفان، على سبيل المثال، جنبًا إلى جنب، مع شخصية بطولية كاتبة أو شخصية بطولية مسلحة، فيتم إنتاج سلسلة قصصية للبطولة الخارقة تشتمل هذه الرموز مشتركةً. وعليه فإن التأثر والتأثيريتوسعان تلقائيًا ليشملا جمهورًا واسعًا متعددًا ومختلفًا، مراعيًا لشمولية الثقافة الفلسطينية وكثرة الأحداث السياسية والاجتماعية، وتعددية أشكال المقاومة، لتخرج بنماذج بطولية متنوعة غير محصورة في مجال واحد وغير قاصرة سردًا وتنفيذًا.

إن استغلال هذه النقاط يمكّن الأفراد الفلسطينيين، صغارًا وكبارًا، رجالاً ونساء، من الانتماء لنماذج حقيقية واقعيةمثلتهم سابقًا، وقادرة على تمثيلهم حاضرًا، دون خيالية أو اختلاق، ورؤيتها مُثلًا عليا يحتذى بها، ذلك أن الفعل المقاومبطولة خارقة تحمل قيمةً عالية في سياق متنوعٍ يحرص على تحفيز الجماهير كافة وإشعارها بالقدرة، لتسعى لتمثيل البطولة القادمة، فعلاً واقعيًا، وتوثيقيًا فنيًا.

في مواجهة صبرا

وأما بعد إطلاق الشخصية الخارقة "الإسرائيلية" تحت مسمى "صبرا"، كان رد الفعل الفلسطيني على المستوى الفني إما بإظهار الجانب الواقعي من "صبرا" بما تمثله من كونها عميلة للموساد، وإما بردٍ يجسد البطلة الفلسطينية الخارقة. والتي تَستمد سيرتها من الواقع الفلسطيني ومقاومته في الماضي والحاضر، وتستمدُ شكلها من الوجه الفلسطينيالأصلاني، وقدراتِها من السياق التاريخي الذي تظهر فيه المقاومة النسائية، وثيابَها من مجالات المقاومة التي يمكنها أن تقاوم من خلالها: صحافةً، وكفاحًا مسلحًا مباشرًا وغير مباشر، وتخطيطًا، وكتابةً، والعديد من الأدوار الأخرى التي انخرطت فيها المقاومات الفلسطينيات. وفي هذا الرد سعي  لإظهار الوجود الفلسطيني من حيث هو، ثمّ الوجودالفلسطيني البطولي والوجود الفلسطيني الفني، وهذا الرد يستطيع أن يبين هذه الوجودات الثلاثة مجتمعة ومتماسكةً ومستندةً إلى مرجعيتها الثقافية المستقلة، دون الحاجة لتعريف نفسها من خلال الآخر، أي أنّ البطولة الفلسطينية النسائية المضادّة لبطولة "صبرا" المزعومة، قادرةٌ على الظهور كيانًا مستقلاً ذاتيًا وحقيقيًا ومتفوقًا.

تعددت المقترحات والردود في عملية إطلاق البطلة الفلسطينية وتنوعت سيرتها وما يتبعها من مظاهر شكلية. ونشير هنا إلى ملاحظات قد تكون بحاجة إلى إعادة النظر. ظهرت بعض النماذج خاضعة للمعايير الشكلية التي فرضتهاصورة الأبطال الخارقين المعتادة والتي سارت عليها عملية تشكيل الشخصية "صبرا". ولما تفرضه الشخصية الفلسطينية من تميز ثقافي تاريخي، فإن تشكيلها عليه أن يفرض هذا التميز والذي يملك عدة مرجعيات مبررة. فنموذجالأزياء الذي تعرضه الشخصيات السابقة يحكم بجسم "مثالي" داخل أزياء محدِّدة له لترتديه الشخصية الخارقة الخيّرة،وجسم "غير مثالي" داخل أزياء كبيرة معبعبة للشخصية الخارقة الشريرة. وإن اتباع هذه المعايير يضع الشخصيةالفلسطينية على طريق المواجهة والرد بقوانين الغير، وينتهك خصوصيتها التي ترفعها وترفع سقف المواجهةبأصلانية. لذلك فإن اختيار شخصية فلسطينية حقيقية لتمثل البطل/ة الفلسطيني/ة بسيرتها وتطورها وتشكلها، عليه أنيتبع ظروف هذه الشخصية: الزمن التاريخي المختار، والماضي والحاضر لها، وتطورها، وصدماتها، ومحفزاتها، وغاياتها، وسلوكياتها، وتفاعلها، ومعداتها، ومهاراتها، وثيابها وظروفها، إلى آخره. ومثال توضيحي على ما ذكر، هو قيام معظم المقاومات المسلحات في فترة الثلاثينيات بالتنكر بالزي الرجالي العسكري أثناء العمل المقاوم، لذلك فإن إخضاع هذه الشخصية لمعايير شكلية مغايرة للظروف التي وُجدت ضمنها يضعفها. وعليه فإن الشخصية تكونأصلانية حين توظف عواملها وميزاتها كافة لتطلق من خلالها بطولتها القصصية فنيًا.