في قبضة القسام .. سيرة عمليات الخطف التي نفّذتها الكتائب
منذ الخلايا الأولى، ارتبط اسم الجهاز العسكري لحركة حماس، بعمليات خطف جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، في مسار تشكّل على وحي استيقان الواجب في تحرير الأسرى الذين يشكّلون عصبًا حساسًا في قضية الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض لعمليات "كي وعي" عنيفة على يد قوة الاحتلال، بهدف إبعاده عن دائرة التأثير والتأثر بالمقاومة، وهنا يحضر الاعتقال لسنوات طويلة أحد أدوات هذه الاستراتيجية الصهيونية.
يُنقل عن الشيخ الشهيد أحمد ياسين رؤيته أن "الأسير يجب أن لا يمكث في الأسر أكثر من خمس سنوات"، الشيخ الذي كابد آلام الاعتقال لسنوات طويلة، ينطق عن تجربة، موضحًا ما تخلقه السجون في واقع الأسير النفسي والاجتماعي، وما تُعبّر عنه عمليات التحرير المستمرة للأسرى من "وفاء" المقاومة لجنودها وقادتها الذين ترسلهم للمعركة.
منذ عمليات الخطف الأولى (إيلان سعدون، سبورتاس، كرفاتي وفاكسمان وغيرهم) إلى 18 مقاومًا أراقوا دمهم، على حدود غزة مع الأرض المحتلة عام 1948، قبل تنفيذهم محاولة خطف جنود وضباط خلال معركة "سيف القدس"، بقيَ هذا الخيار ثابتًا على أجندة كتائب الشهيد عز الدين القسام.
خطف الجنود… خيار قيادي
فاتحة عمليات الأسر القسامية، كانت مع المجموعة المعروفة باسم رقم (101) التي ضمت محمود المبحوح، ومحمد نصار، وعبد ربه أبو خوصة الذين نظَّمهم محمد شراتحة بالتنسيق مع الشيخين أحمد ياسين وصلاح شحادة. في شباط/ فبراير 1989 استقل المبحوح ونصار مركبةً استوْلَيا عليها من منطقة في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وارتديا ملابس متدينيين يهود، وعلى الطريق إلى مدينة بئر السبع المحتلة تمكّنا من اختطاف الرقيب في جيش الاحتلال، آفي ساسبورتس، قبل أن يقتلاه بعد عدة أيام، بالتنسيق مع قيادة الحركة، ودفناه في منطقة مجهولة للاحتلال.
بعد تنفيذ المهمة قدّم المبحوح ونصار تقريرًا مفصّلًا بها إلى الشراتحة الذي أَطلع القيادة على التفاصيل، وطلب منها مبلغًا لإكمال عمليات الخطف. وفي الثالث من أيار/ مايو 1989 خطفت الخلية الجندي إيلان سعدون وقتلته ثم دفنته في نقطة مجهولة، وخلال العملية لاحقت قوات الاحتلال أفراد الخلية، وأصيب خلال المطاردة الشراتحة، ثم وصلت معلومات إلى المخابرات الصهيونية عنه بعد تلقيه العلاج، أدّت إلى اعتقاله بعد محاصرة بيته.
ويروي الشراتحة في لقاء معه بعد تحرره في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011 أنه تعرّض لتحقيق قاسٍ في مراكز مخابرات الاحتلال استمر لعدة شهور، خضع خلاله لضغوط هائلة من أجل الاعتراف على مكاني دفن الجندييْن، دون أن يستجيب لها. قبل أن تكشف عمليات البحث جثةَ ساسبورتس، فيما بقي مكان دفن سعدون حصرًا في عقول الخلية. وفي عام 1996 عادت محاولات الاحتلال مع الشراتحة، بغية التوصل إلى صفقة معه عبر وسطاء من الداخل المحتل، وقد وصلت المفاوضات إلى اتفاق الشراتحة مع الاحتلال على منحهم خريطة لمكان دفن سعدون مقابل الإفراج عن "8 أسرى مؤبدات، و12 أسيرًا من أصحاب الأحكام العالية (30-40 سنة)، و28 أسيرة فلسطينية"، بحيث يحدد الشراتحة الأسماء ويكون على رأسهم الشيخ أحمد ياسين. إلا أنّ السلطة اعتقلت مقاومين وتحصّلت على اعترافات منهم في ذلك الوقت قادت إلى مكان الجثة، ما أدّى إلى إجهاض الصفقة.
الشهيد محمود المبحوح
عمليات الأسر… مصدرًا للسلاح
شكّل خيار خطف الجنود مصدرًا أمام خلايا القسام العسكرية لتوفير السلاح أيضًا، والذي كان الحصول عليه في البدايات شاقًا وله تكاليف عالية على أمن المجموعات (الصغيرة) حينها، والتي اضطرت أحيانًا لاستخدام قطعة سلاح واحدة في أكثر من عملية، حتى قيل في الدلالة على عملية "النحت في الصخر" التي نهض بها الجيل الأول في الجهاز العسكري إن "قطعة سلاح كانت تنتقل بين الضفة وغزة". وتعزّز هذا التوجه للحصول على السلاح بالنظر أيضًا إلى الواقع الأمني المعقد الذي فرضته إجراءات الاحتلال، إذ يشكّل التواصل مع تجار السلاح عمليةً خطيرةً قد ينجم عنها اعتقال الخلية أو حتى اعتقال التاجر، والحكم عليه بالسجن لسنوات طويلة بهدف ردع الباقين عن التواصل مع المقاومة.
يمكن الدلالة على هذا التوجّه في مختلف عمليات الأسر التي نفذتها الكتائب، وحتى في مسارها الأمني مع بدايات الانطلاقة، وقبلها ضد العملاء، فقد كان تجريد هؤلاء من سلاحهم خيارًا مفضلًا لخلايا حماس. ولعل أبرز العمليات في هذا السياق، كان اختطاف الجندي آلون كرفاني عند بوابة معسكر البريج وسط قطاع غزة، عام 1992.
يروي الأسير المحرر مصطفى رمضان أن خليته التي قادها الشهيد جميل وادي وكانت تتلقى أوامرها من القائد العام للكتائب حينها، ياسر النمروطي، خططت لتنفيذ عملية أسر جندي من جيش الاحتلال واغتنام سلاحه بعد قتله، ويذكر أن خيار احتجاز الجندي بعد خطفه تَقرّر تأجيله في قيادة الجهاز حينها، بعد الضربات الواسعة التي تلقتها الحركة، بعد عمليات الخطف في بدايات انطلاقتها.
رسم مصطفى مخطط العملية وحصل على موافقة وادي بعد أن أحضر مركبةً من نوع "بيجو"، وقبل يومين من العملية التي وقعت في 18 أيلول/ سبتمبر انضم منفذ جديد إلى الخلية، كان أسيرًا محررًا أفرج عنه حينها من سجون الاحتلال بعد اعتقال إداري لعدة شهور، وخلال زيارة قام بها رمضان ووادي لتهنئته بالسلامة أعلن موافقته على المشاركة.
بعد تنظيف المركبة ومحاكاة العملية وارتداء ملابس المستوطنين انطلق مصطفى مع الخلية لاصطياد هدف مناسب، وبعد عقبات في الطريق تغلبت عليها، تمكنوا من خطف الجندي كرفاني بعد أن أوهموه أنهم ذاهبون إلى المكان الذي يريد السفر إليه، وفي حقل زيتون في الطريق المؤدية إلى مستوطنة "ناحل عوز" أنزلت الخلية الجندي الأسير بعد أن غنمت سلاحه وجردته من ملابسه العسكرية، قبل أن يوجه له مصطفى ضربة بالسكين في عنقه، بعد أن تراجع عن فكرة إطلاق النار عليه إثر مرور دورية عسكرية من المنطقة.
الشهيد جميل الوادي
الوفاء للشيخ ياسين
في مسار عمليات خطف الجنود كان لقضية الشيخ الشهيد أحمد ياسين، خلال فترة اعتقاله في سجون العدو، حضورها المركزي في تفكير خلايا كتائب القسام ومطالبها بعد كل عملية، بما له من رمزيات متعددة في عقول كوادر الحركة، من حيث إسهامه الاستراتيجي في انخراط الإخوان المسلمين في القتال ضد الاحتلال وتأسيس حركة حماس، وحضوره الروحي والمعنوي في جيل كامل من الإسلاميين الفلسطينيين، بالإضافة لأوضاعه الصحية الصعبة التي تفاقمت في السجون.
مهمة خطف الجنود انتقلت إلى الضفة مع القائد محمود عيسى وخليته التي شكّ لها من قرى وبلدات القدس وضمت موسى عكاري، ومحمود عطون، وماجد أبو قطيش، وأطلق عليها اسم "الوحدة الخاصة 101". أبرز عمليات الخلية كانت خطف الرقيب أول في جيش الاحتلال، نسيم توليدانو، من مدينة اللد المحتلة.
في كانون أول/ ديسمبر عام 1992 انطلقت الخلية من بلدة عناتا في الشمال الشرقي من مدينة القدس المحتلة نحو اللد، بحثًا عن جندي أو ضابط يكون هدفًا للأسر، وخلال تجواله في المدينة كان توليدانو هو الفريسة، وبعد أن انقض عليه أفراد الخلية أثناء محاولته قطع الشارع أدخلوه في المركبة ونجحوا بنقله إلى المخبأ السرّي، رغم محاولاته للهروب والمقاومة.
بعد تأمين توليدانو في مغارة كان قد اختارها القائد محمود عيسى وأشرف على تجهيزها، أصدرت الخلية بيانًا باسم كتائب القسام تطالب فيه بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين بضمانة مندوب الصليب الأحمر الدولي والسفراء المصري والفرنسي والسويدي والتركي، وحددت مهلةً سقفها 6 ساعات لتنفيذ مطالبها، لكن الاحتلال رفض الاستجابة وهو ما دفع الخلية للإعلان عن قتل توليدانو.
أبعاد عملية أسر توليدانو تجاوزت قضية قتل الجندي أو المطالبة بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، بل كانت مقدمةً لحدث استراتيجي في تاريخ الحركة الإسلامية في فلسطين، بعد أن أبعدت دولة الاحتلال 415 من قيادات حركة حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان.
الأسير محمود عيسى
بين القدس وغزة… خط جهادي
حافظت كتائب القسام منذ البدايات على حضور مهم في مدينة القدس المحتلة، متجاوزةً التعقيدات الأمنية والاستخباراتية التي يفرضها التفكير الإسرائيلي الدائم بالمدينة بوصفها "عاصمة للكيان"، ومنذ الخلايا الأولى، كان لكوادر الكتائب في المدينة اتصالهم بإخوانهم في قطاع غزة، قبل أن تفرض قوة الاحتلال واقعًا جديدًا على الحواجز التي تفصل غزة عن باقي الأرض الفلسطينية المحتلة، خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين من حملة "الهويات الإسرائيلية".
يروي الأسير المحرر أيمن أبو خليل، أحد الكوادر الأولى من القدس في كتائب القسام، أن بدايات عمله العسكري كانت مع الشهيد المهندس محيي الدين الشريف الذي رافقه إلى غزة للاجتماع مع قيادات في الكتائب، والاتفاق على تشكيل خلايا مهمتها توفير دعم لوجستي للمطاردين.
بعد اعتقال الشريف بقي أبو خليل على تواصل مع زياد أبو الندى، وفقًا لشهادةٍ لموقع الكتائب، وبعد انطلاقه في مشروع تشكيل خلايا جديدة تعرَّف أبو خليل على الشهيد صلاح جاد الله الذي مثَّل حلقة تواصل مع القائد محمد الضيف، وبعد شهور من العمل تشكّلت خلية من مجموعتين: الأولى بقيادة أبو خليل ونائبه الشهيد راغب عابدين وضمت الأسير المحرر عصام قضماني والشهيد عبد الكريم بدر، وتشكّلت المجموعة الثانية من الشهيد حسن النتشة -الذي كان له دور في عمليات أسر لاحقة- ومحمد النتشة، وعبد المعين سليمان، وهؤلاء عملوا تحت قيادة عابدين.
أطلقت الكتائب على المجموعتين اسم "الوحدة المختارة رقم 7" وبقيتا على تواصل مع القيادة في قطاع غزة لإصدار البيانات حول نشاطاتها العسكرية، ومن فورها بدأت المجموعة الأولى بإعداد الوسائل اللوجستية لعملية الخطف، وضمت إلى صفوفها طارق أبو عرفة، الذي كان يتقن اللغة العبرية. وبعد طلعات استكشافية في مختلف المناطق المحتلة، قررت الخلية أن الهدف المناسب يقع على الطريق الواصل بين مدينة أسدود ومستوطنة "أشكول" جنوب فلسطين المحتلة.
في 20 نيسان/ إبريل 1993 انطلقت مركبة يقودها طارق أبو عرفة -الذي استشهد لاحقًا- وإلى جانبه راغب عابدين، وفي المقعد الخلفي أيمن أبو خليل، وقرب مستوطنة "كريات ملاخي" المقامة على أراضي بلدة قسطينة المهجرة، نجحت الخلية في خطف الجندي شاهار سيماني، بعد أن توقفت له وأوهمته أنها تريد إيصاله إلى المكان الذي يقصد. كان تحرر عابدين من حزام الأمان إشارة انطلاقة العملية، وحينها أشهر أبو خليل مسدسه في وجه الجندي وطلب منه تسليم سلاحه، لكن الجندي حاول المقاومة والسيطرة على سلاح أعضاء الخلية، قبل أن توجه له عدة رصاصات أدت لمقتله.
خلال العملية أصيب أبو خليل وعابدين بجروح مختلفة، قبل أن يدفنا الجندي القتيل في أحراش بيت حنينا شمال القدس المحتلة. وجرى توزيع بيانات تبني كتائب القسام للعملية في منطقة دفن الجثة نفسها، ثم التواصل مع صلاح جاد الله، وإرسال وثائق الجندي وشريط فيديو إلى قيادة الكتائب في قطاع غزة.
كان لكوادر هذه الخلايا الذين بقوا خارج قبضة أجهزة أمن الاحتلال، دور في عملية خطف مركزية أخرى. ففي تشرين الأول/ أكتوبر 1994 نجحت الكتائب في اختطاف الجندي نحشون فاكسمان، في عملية من تخطيط القادة يحيى عياش، ومحمد الضيف، وسعد العرابيد، وصلاح الدين دروزة.
كلفت الكتائب خليةً ضمت حسن النتشة، وعبد الكريم بدر، وزكريا نجيب، وصلاح جاد الله، وجهاد يغمور بتنفيذ العملية وتأمين مكان لإخفاء الجندي قبل الإعلان عن أسره والتفاوض عليه. في بير نبالا شمال غرب القدس، كان مكان احتجاز الجندي الأسير، وفي شريط فيديو أعلن القائد محمد الضيف وهو ملثم تفاصيل العملية، بعد أن حصل على الوثائق من جهاد يغمور، وكانت المهلة أمام الاحتلال حتى الساعة 9 من مساء يوم الجمعة الموافق 14 تشرين الأول/ أكتوبر، لتنفيذ مطالب الكتائب وهي الإفراج عن الشيخين أحمد ياسين وصلاح شحادة و200 أسير.
مارست القسام خطة خداع لأجهزة أمن الاحتلال من خلال الإيهام بأن فاكسمان نقل إلى غزة وقتل هناك، قبل أن يخرج في شريط فيديو آخر وهو يطالب بالإفراج عنه، لكن اعتقال يغمور وإخضاعه لتحقيق عسكري وتعذيب وحشي قاد مخابرات الاحتلال إلى مكان إخفاء الجندي.
بعد ساعات وجه رابين أوامره إلى قوات الاحتلال الخاصة على رأسها قوة "سيريت متكال" لاقتحام المنزل وتحرير فاكسمان، لكن الخلية القسامية قتلت الجندي قبل وصول الاحتلال له، وخلال الاشتباك قتل قائد القوة المقتحمة وأصيب أكثر من 10 جنود، واستشهد حسن النتشة، وصلاح جاد الله، وعبد الكريم بدر. وشكل الفشل الأمني والعسكري في تحرير فاكسمان والخسائر التي تكبدتها القوة صدمةً في الأوساط القيادية في دولة الاحتلال، وبقيت العملية مثالًا للفشل وعلامة سيئة في تاريخ قوة "سيريت متكال".
صور أرشيفية من عملية أسر الجندي نحشون فاكسمان
خطف الحافلة رقم "25"
لم يقتصر نشاط القسام في عمليات الأسر على الخطف الفردي للجنود أو الضابط، بل نفذت خلايا منها عمليات خطف جماعي في مواقع أو حافلات. ففي تموز/ يوليو 1993 نفذت خلية من الكتائب تضم ماهر أبو سرور ومحمد الهندي وصلاح عثمان عملية اختطاف حافلة إسرائيلية.
تنكّر الهندي في شخصية رجل أعمال، بينما ارتدى أبو سرور ملابس جنود الاحتلال، وكان عثمان يموه بشخصية الطالب، وقبالة ما تسمى "مباني الأمة"، في قلب القدس المحتلة، حاصرت شرطة الاحتلال الحافلة المختطفة واشتبكت مع الخلية التي أصيب منها صلاح عثمان، وخلال الاشتباك نجح أبو سرور والهندي في الانسحاب والسيطرة على مركبة إسرائيلية تقودها مستوطنة، وأمراها بالتوجه نحو بيت لحم، قبل أن يستشهدا بعد أن طاردتهم قوات الاحتلال مطاردةً شرسةً.
أصيب صلاح عثمان بجروح حرجة ودخل في حالة غيبوبة، قبل أن تسلمه قوات الاحتلال إلى عائلته في قطاع غزة بعد أن اعتقدت أنه دخل في "حالة موت سريري"، لكنه تماثل للشفاء لاحقًا وعاش أعوامًا طويلةً. الخلية التي عملت بتوجيه من القائد محمد رشدي، طالبت بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين والقيادي في حزب الله الشيخ عبد الكريم عبيد وعشرات الأسرى من مختلف الفصائل.
في سنوات ما بعد منتصف التسعينات تضاعفت التحديات أمام الجهاز العسكري لحماس، بفعل التغيرات التي وقعت في الضفة وقطاع غزة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، إلا أن الخلايا حافظت على مستوى مهم من النشاط خاصة في مجال خطف الجنود.
"خلية صوريف"
من جنوب الضفة المحتلة كان منطلق تجربة جديدة في عمليات أسر الجنود. في عام 1995 شكَّل جمال الهور -الذي انتظم في صفوف الكتائب عن طريق القائد محمد رشدي- مع رفيقه عبد الرحمن غنيمات خليةً ستعرف لاحقًا باسم البلدة التي ينتميان إليها وهي صوريف قضاء الخليل.
ضمت الخلية أيضًا إبراهيم غنيمات، وموسى عبد القادر غنيمات، ورائد أبو حمدية، وأيمن قفيشة، ونفذت عدة عمليات أدت لمقتل مستوطنِين وجنود. العملية الأبرز في مسار الخلية كانت خطف الجندي شارون آدري، من مدينة القدس المحتلة، والاحتفاظ بجثته لمدة 7 شهور، قبل أن يصل إليها جيش الاحتلال، بعد محاصرة البلدة عقب عملية الشهيد موسى غنيمات الذي ارتقى بعد أن انفجرت حقيبة مفخخة كان من المقرر أن يضعها في مطعم بالقدس المحتلة وينسحب من المكان، بتوجيه من القائد عادل عوض الله، الذي كان على تواصل مع الخلية.
الأسير جمال الهور
"شهداء من أجل الأسرى"
مجهودات تشكيل خلايا لتنفيذ عمليات أسر تركزت في مرحلة معينة في شمال الضفة المحتلة. في عام 1997 انطلقت خلية "شهداء من أجل الأسرى" بعد جهود مشتركة قادها الشيخ يوسف السركجي، ومحمود أبو هنود، ومعاذ بلال، وجاسر سمارو، وخليل الشريف، ومهند الطاهر، وعمار الزبن، وجاسر سمارو.
تشكلت المجموعة من اجتماع ثلاثة خطوط: أولها خط بقيادة الشهيد أبو هنود وعضوية بشار صوالحة، ومعاوية جرارعة، وطاهر جرارعة، ويوسف الشولي، وتوفيق ياسين. والخط الثاني بالشراكة بين خليل الشريف، ومهند الطاهر، وعمار الزبن، وأمجد الحناوي. بينما كان الخط الثالث "خليةً نائمةً" ضمت جاسر سمارو ونسيم أبو الروس، صاحبي الخبرة المتقدّمة في المتفجرات، واللذين ارتقيا فيما بعد في عملية اغتيال خلال انتفاضة الأقصى.
بعد خروج معاذ بلال من الأسر دفع مع الشيخ السركجي لتأسيس مجموعة هدفها المركزي "الضغط على الاحتلال للإفراج عن الأسرى". العملية الأولى للخلية بعد مجهود كبير في التصنيع والحصول على المواد والدعم اللوجستي، كانت في قلب القدس المحتلة نفذها الاستشهاديان معاوية جرارعة وتوفيق ياسين وأسفرت عن مقتل 16 مستوطنًا.
العملية الثانية كانت "استشهادية ثلاثية" من تنفيذ خليل الشريف، ويوسف الشولي، وبشار صوالحة، وبقيت هوياتهم مجهولة لفترة، بعد أن صبغوا أصابعهم لعرقلة محاولات مخابرات الاحتلال التعرف عليهم.
خطف الجنود… بند على مهام "خلية سلوان"
شكّلت انتفاضة الأقصى مسرحًا مركّزًا للعمليات الاستشهادية وإطلاق النار وتطوير الأسلحة الاستراتيجية مثل الصواريخ بمختلف أنواعها، وإن كان حضور محاولات خطف الجنود هو الأقل إلا أن هذا الهدف لم يفارق تفكير بعض خلايا المقاومة، وهنا مثال خلية سلوان التي كان يشرف عليها القائد في كتائب القسام، محمد عرمان، والتي وصلت إلى مراحل متقدمة في التفكير بخطف جندي وحددت المكان وآلية التواصل والإخفاء، إلا أن اعتقال الاحتلال لها منعها من إكمال هذا المسار.
في عام 2006، كانت خلية لحركة حماس على موعد مع خطف "ساسون نورائيل" الذي قالت إنه يعمل ضابطًا في استخبارات الاحتلال. ضمت الخلية التي نفذّت العملية علي القاضي، ومحمد الرمحي، وسعيد عرار، وسعيد الشلالدة، وعبد الله عرار.
بعد حملة اعتقالات واسعة قتلت الخلية نورائيل وألقت به في مكان ببلدة بيتونيا غرب رام الله قبل أن تتعرض هي ذاتها للاعتقال.
شاليط في قبضة المقاومة
فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية أحدث واقعًا سياسيًا معقّدًا، على مستوى الداخل الفلسطيني، وفي المنطقة، ودفع الحركة إلى تجربة لم تختبرها من قبل، وكان صدق وعودها في إكمال مسيرة المقاومة محطّ اختبار يومي. في 25 حزيران/ يونيو 2006 خرجت خلية مشتركة من كتائب القسام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام، من بطن الأرض، باستخدام نفق استغرق حفره عدة شهور، وهو السلاح الذي ارتفع إلى مرتبة استراتيجية في كل المواجهات التي خاضتها المقاومة، في السنوات التالية للعملية.
ضمت قوة المقاومة التي أسرت الجندي جلعاد شاليط من قلب دبابته، في موقع "كرم أبو سالم" قرب رفح، ثلاث مجموعات، تكفلت المجموعة الأولى بتفجير الدبابة التي كانت تنفذ أعمال الحماية والإسناد في الموقع، فقتلت جنديين وأصابت آخر، وخطفت الجندي شاليط من داخلها.
بينما دمرت المجموعة الثانية ناقلة جند، وتكفلت المجموعة الثالثة بتدمير الموقع العسكري الاستخباري "البرج الأحمر"، واشتبكت مع الجنود في الموقع، واستشهد خلال الاشتباك محمد فروانة وحامد الرنتيسي.
بعد أسر الجندي شاليط شنّ جيش الاحتلال عمليةً عسكريةً واسعةً في قطاع غزة واستهدف قيادة كتائب القسام خلال اجتماعها في أحد المنازل، ورغم العمليات الأمنية والاستخباراتية المكثفة حافظت الكتائب على الجندي. وفي فيلم وثائقي عرضته مؤخرًا عن سيرة الشهيد باسم عيسى "التستري" كشفت أنه كان من أوائل من بادروا لبناء قوة عرفت باسم "وحدة الظل"، لتأمين الجندي ومنع الاحتلال من الوصول له.
في عام 2011، وبعد سنوات من التفاوض، والعمل الأمني الجبار لإخفاء الجندي، توصلت المقاومة إلى صفقة للإفراج عن شاليط بوساطة مصرية، كانت بدايتها ببثّ مقطع مصور له مقابل الإفراج عن 20 أسيرة فلسطينية و3 أسرى من الجولان السوري المحتل، ثم لاحقًا تحرر 477 أسيرًا معظمهم من المحكومين بالسجن المؤبد، وفي المرحلة الأخيرة أفرج الاحتلال عن 550 أسيرًا.
الشهد في الخليل
طوال سنوات ما بعد انتفاضة الأقصى، واصل الجهاز العسكري لحماس محاولاته تنفيذ عمليات خطف في الضفة والقدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وفي لوائح الاتهام لعشرات الأسرى ترِد بنود حول محاولات، بعضها وصل إلى مراحل متقدمة، لخطف الجنود.
في أوج إضراب الأسرى الإداريين الذي انطلق في صيف 2014، والاحتقان على جبهة غزة الذي كان يشتعل قبل الوصول إلى الحرب الأطول في تاريخ القطاع، نفّذت خلية لكتائب القسام عملية خطف لثلاثة مستوطنين. العملية "الصاعقة" لكل الأطراف في فلسطين والمنطقة، تبيَن لاحقًا أنها نفذت بقيادة الأسير حاليًّا حسام القواسمي (شقيق لشهيدين ولأسير مؤبد ومبعد، وواحدٌ من عائلة تعرّض كل أفرادها للاعتقال) وتنفيذ عامر أبو عيشة ومروان القواسمي، اللذين استشهدا في اشتباك مسلحٍ لاحقًا، وبتوجيه من قيادة الحركة في الخارج.
شن جيش الاحتلال عمليةً عسكريةً واستخباراتيةً واسعةً، في الضفة المحتلة، بحثًا عن المستوطنين "إيال يفراح، وجلعاد شاعر، ونفتالي فرينكيل"، اعتقل خلالها المئات، ونفّذ اقتحامات في عدة مناطق بالضفة خاصة في الخليل، مدينة الخلية المنفذة ومكان العملية، وتعرضت نسبة من المعتقلين لتحقيق عسكري وحشي في مراكز مخابرات الاحتلال، قبل أن تصل إلى مكان دفن جثث الثلاثة في أرض قريبة من حلحول.
نجحت العملية، رفقة عوامل أخرى، في إنضاج الظروف لحراك ثوري في الضفة المحتلة امتدّ لاحقًا لشهور طويلة، تأثّر أيضًا بالحرب على قطاع غزة، وبالتغييرات السياسية والاجتماعية التي حملها معه جيل جديد في الأرض المحتلة. ودخلت القدس في مركز الصراع خاصةً بعد جريمة إحراق ميليشيات المستوطنين الطفل محمد أبو خضير في بلدة شعفاط في 2 تموز/ يوليو 2014.
الأسير حسام القواسمي
جنود في حقل الموت والخطف
الحروب التي شنّها جيش الاحتلال على قطاع غزة، منذ 2007، شكّلت فرصة أمام المقاومة وكتائب القسام لتنفيذ عمليات خطف جنود. وفي حرب 2008 - 2009 رغم عدم امتلاك المقاومة للإمكانيات العسكرية واللوجستية التي وصلت لها لاحقًا، حاولت خطف الجنود. وتذكر مصادر أن خلية لكتائب القسام نجحت بأسر جندي لكن الاحتلال قصف المجموعة مع المخطوف، وكشفت تقارير إسرائيلية أن الاحتلال قصف منزلًا بداخله جندي جريح لمنع خطفه ضمن الإجراء العسكري الذي يسميه "هنيبعل".
المعارك القاسية التي خاضتها المقاومة والخسائر في صفوف قوات الاحتلال تجعل من حرب صيف 2014، الاختبار الأقسى والأكبر حتى الآن للقوّة البرية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. خسر جيش الاحتلال خلال الحرب عشرات الجنود قتلى ومئات منهم جرحى، والخسارة الأكبر كانت في نجاح كتائب القسام في أسر ضابط وجندي.
في أوج المجازر التي نفذها جيش الاحتلال في غزة خاصة في حي الشجاعية، خرج الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة في خطاب تاريخي ترسّخ عميقًا في الوعي الفلسطيني والعربي، ليعلن عن أسر الجندي شاؤول أرون من داخل ناقلة استهدفتها كتائب القسام، خلال الاشتباكات شرق حي التفاح والشجاعية.
الجندي صاحب الرقم "6092065" كما أعلنت الكتائب، لم يعترف الاحتلال بأسره في البداية، قبل خطاب أبو عبيدة، وبقيت الكتائب حتى اللحظة ترفض الإفراج عن معلومات عنه حتى تحقيق مطالبها.
الضربة الموجعة الأخرى التي تلقاها الاحتلال في الحرب كانت خطف الضابط هدار غولدين. في الأول من آب/ أغسطس 2014 ابتلع نفق للمقاومة الضابط غولدين، أعلن الاحتلال مباشرةً عن اختطافه على عكس سلوكه في قضية أرون، ونفذ مجزرة بحق المدنيين في رفح، وهي المجزرة التي صارت تعرف باسم "الجمعة السوداء".
بعد شهور من التكتم، كشفت كتائب القسام أن العملية بدأت الساعة 7:30 واستمرت لخمس دقائق، قبل انطلاق التهدئة التي كانت مقررةً في ذلك اليوم. السر الأكبر الذي قدمته القسام حول مسار هذه العملية أن الشهيد وليد مسعود الذي شارك في العملية وارتقى خلالها، بقيت جثته في المكان، ثم سحب جيش الاحتلال جثته من المنطقة بعد ارتباك جنوده نتيجة ارتداء الشهيد ملابس تشبه تلك التي يرتديها جنود الاحتلال، وبعد ساعتين اكتشف ما حصل.
عهد مع الأسرى لا ينقضي
مع بدايات معركة "سيف القدس" في أيار/ مايو 2021، كانت مجموعة من 18 مقاتلًا تابعين لكتائب القسام داخل نفق على الحدود مع الأرض المحتلة عام 1948 تستعد لتنفيذ عملية أسر جديدة تعجل بصفقة تبادل تحيي أرواح مئات الأسرى الذين طال عليهم الاعتقال، قبل انطلاق العملية استهدف طيران الاحتلال النفق وقتل المقاومين جميعًا. صعدت أرواح 18 مقاتلًا وهي تحمل معها شعار تحرير الأسرى، تأكيدًا على المبدأ الذي حملته الكتائب معها منذ التأسيس.
تملك كتائب القسام في قطاع غزة غزة 4 جنود وتعلن في كل مناسبة أنها لن تفرج عنهم حتى تحقيق مطالبها، وفي الشهور الماضية صرح قادة فيها وفي المستوى السياسي للحركة أن خيار تنفيذ عملية أسر جديدة مطروح على الطاولة، لتنفيذ عملية تبادل تحقق حرية مئات الأسرى الذي مكث بعضهم أكثر من 40 عامًا في الأسر.
قد يقال الكثير في نقد التفاصيل التكتيكية والتنظيمية، في عمليات الأسر والتفاوض التي نفذتها كتائب القسام، لكن ما يؤكده التاريخ والواقع أن خيار تحرير الأسرى بقي في موقع استراتيجي أعلى، خلال مسيرتها الجهادية.