كيف شقّت الراية الخضراء طريقها "إلى المواجهة"؟ قراءة في مذكرات الدكتور عدنان مسودي

كيف شقّت الراية الخضراء طريقها "إلى المواجهة"؟ قراءة في مذكرات الدكتور عدنان مسودي
تحميل المادة

أين تختفي الشهادات؟

"إلى الذين آثروا الصمت فتجاوزتهم كتب التاريخ: راضي السلايمة، ناجي صبحة، حسن القيق، سعيد بلال، ومن سار على دربهم .. " عدنان مسودي

بهذا الإهداء القصير المكثّف صدّر الدكتور عدنان مسودي مذكراته المعنونة بـ "إلى المواجهة ذكريات د.عدنان مسودي عن الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وتأسيس حماس"، ولعلّ هذا العنوان الذي يستذكر أسماء رفاق الدرب الذين يَخفُت استحضارهم عند التأريخ للحدث الكبير الذي كانوا من أبرز صنّاعه، هو إشارة إلى عقلية كاتب هذه المذكرات، وطريقة فهمه للدنيا والتاريخ، وإيمانه بضرورة الفعل والمبادرة، وهو ما تؤكّده مواقف أخرى مهمةٌ ستشير إليها هذه المادة.

كتب الدكتور عدنان مسودي مذكراته إذن، والتي تؤرّخ لمسيرة الإخوان المسلمين في الضفة الغربية، ولتأسيس حماس، وهي من المذكرات النادرة في تأريخها لهذا الحدث المهم والفارق في التاريخ الفلسطيني المعاصر، غير أنّ لها أهميةً إضافيةً متعلقةً بارتباطها بساحة الضفة الغربية التي تكاد تخلو من أي مذكرة أخرى تتناول انطلاق حماس، وهو ما يطرح سؤال: لماذا لا يكتب الإسلاميون عن تجاربهم غالبًا؟

في الحالة الفلسطينية، وفي حالة الضفة الغربية بالذات، فإن حضور العامل الأمني مانعًا من التأريخ هو عاملٌ حاسمٌ ومهمٌّ ولا يمكن القفز عنه، ويؤشّر لذلك مثلاً القرار الذي أصدرته قيادة الإخوان المسلمين مع انطلاق انتفاضة الحجارة، المتزامنة مع انطلاقة حماس عام 1987، والذي تأمر فيه كوادرها بإحراق كل ما يملكونه من مجلات ووثائق خاصة بالعمل الإسلامي، ويؤشّر لذلك أيضًا استخدام الدكتور مسودي مثلاً في مذكراته الرموز للإشارة إلى أسماء ساهمت في أعمال حركية قبل ما يزيد عن 30 عامًا. وهاتان إشارتان في معرض واقع بيّنٍ يتكثّف فيه حضور العامل الأمنيّ مع احتلال إحلاليّ قمعيّ متفوّق، ثمّ مع خصومة عميقة وممتدةٍ مع السلطة المحلية.

غيرَ أن العامل الأمنيّ وحده لا يبدو كافيًا لتفسير هذا القحط، ثمّ إن هذه المذكرات التي بين يدينا تؤكّد إمكانيّة تجاوز هذا العامل أو الحركة في هامشه. وبالعودة إلى الإهداء الذي خطّه الراحل مسودي في مقدّمة كتابه، فإنّه يظهر من صياغته أن الصمت الذي مارسته هذه الأسماء، كان صمتًا، في بعضه على الأقل، منطلقًا من قرار ذاتي، فهم قد "آثروا الصمت"، فكان الصمت خيارًا من خياراتهم، لا خيارهم الوحيد.

يرى البعض أن عوامل أخلاقية تقف مانعةً للإسلاميين من الكتابة: كالخوف من استغلال ما يكتب ضدّ الحركة الإسلامية، والخوف من الرياء والرغبة في أن يكون العمل خالصًا لله تعالى، مع ما قد تولّده الكتابة عن الذات والتجربة والإسهام من نقيض ذلك؛ غير أن لهذه العوامل وجهًا آخر يقلّ الحديث عنه وهو الترفّع عن إنزال القصة من مقام المثال إلى مقام التجربة الذي يقتضي التداول والمراجعة وإظهار الخطأ والاجتهادية البشرية، إذ تستبطن بعض الرؤى الإسلامية أن التجربة الحركية تكتسي قدرًا من القداسة مع تعبيرها عن الوحي، لا كونها مجرد تجربة اجتهادية. ثمّ إن عرض المذكرات يقتضي عرض القدر الكبير من التدافع الداخلي والاختلاف الذي، وإن كان طبيعيًا من حيث الأصل، فإنه يستحيل في ذهن من ينظر إلى تجربته بعين القداسة إلى قادحٍ في التجربة ومشوّهٍ لها في عين الجمهور. والحقيقة أن نقيض هذا ما يجب أن يسود، من جهة إرساء كون التجربة، وإن كانت ذات مرجعية إسلامية، فهي تجربة بشرية محضة تسعى إلى المثال ولا تتطابق معه، ثمّ من جهة أخرى أن عرض التجارب هو أدعى إلى الحصانة من الوقع في الخطأ نفسه، وأقرب إلى اقتفاء أثر المثال.

ومن هنا، تبرز أهميّة ما كتبه الدكتور الراحل عدنان مسودي، فهو نصٌّ في حقلٍ يعاني من الندرة الشديدة، وعدم الإقبال على الكتابة فيه، فيغلِبُ بذلك العامل الأمنيّ المانع في شجاعة مقدّرة، ويغلب كذلك الموانع التي تكتسي اللبوس الأخلاقي، لنطالع شهادةً مهمةً -وإن كانت قصيرةً ومحدودةً بقدر محدودية الفرد بطبيعته- لرجلٍ كان صانعًا مهمًا من صنّاع حدث "حماس"، ومؤسسًا من مؤسسيها، وقائدًا من قادتها. مع التأكيد أن المذكّرات كذلك غير متعلقةٍ بهذا الحدث وحده، بل إن فيها تتبعًا لرحلة كاتبها الإخوانية في سوريا وفلسطين، وتناولًا لنقاشاتٍ مهمةٍ متعلقةٍ بدور الإسلاميين النضالي الفعلي، وإضاءةً على الظروف الاجتماعية التي سادت الضفة الغربية، لا سيما مدينة الخليل، خلال فترة التأريخ.

هذه المذكّرات نصٌّ في حقلٍ يعاني من الندرة الشديدة، وعدم الإقبال على الكتابة فيه، فيغلِبُ بذلك العامل الأمنيّ المانع في شجاعة مقدّرة، ويغلب كذلك الموانع التي تكتسي اللبوس الأخلاقي، لنطالع شهادةً مهمةً -وإن كانت قصيرةً ومحدودةً- لرجلٍ كان صانعًا مهمًا من صنّاع حدث "حماس"، ومؤسسًا من مؤسسيها

 

من الخليل إلى دمشق .. البدايات المبكرة

تحضر جغرافيتان رئيسيتان في صياغة مسيرة مسودي: الأولى هي الخليل مسقط الرأس ومرتع الصبا، ثمّ محلّ العمل العام الممتد، والثانية هي دمشق حيث مرحلتان جامعيتان صاغتا شخصية الراحل وفكره وثقافته، وعززتا توجهاته القديمة، وأضافتا إلى شخصيته بعدًا تنظيميًا وعمليًا من جهة، وبعدًا ثقافيًا من جهة أخرى.

في الخليل، وقبل النكبة بأربعة أعوام ولد عدنان عبد الحفيظ مسودي، وقد كانت الخليل، كما يروي، تكاد تنحصر في البلدة القديمة بحيث لا تتجاوز باب الزاوية ومحيطه. مجتمعٌ صغير متدين بنزعةٍ صوفيةٍ، يتحلّق حول الحرم الإبراهيمي، مكانيًا واجتماعيًا، وينهض بهيئته هذه ذكرياتٍ طفوليةً جميلةً غضةً في ذاكرة صاحب المذكرات، بينما يبرز مشهدَ استقبال الخليل للمهجرين إثر النكبة، واستقبال بيت عائلته بالذات لثلاثة منهم، ليكوّن الذكرى الوطنية الأولى للطفل ذي الأربع سنوات.

كانت "الإخوان المسلمون" العنوان الأبرز لحياة الرجل، تحضر متنًا رئيسيًا في المذكرات بحيث يبدو كل شيء آخر في حياته دائرًا حولها، وقد بدأ مسودي مع الإخوان مبكرًا، فقد التزم مع أسرة إخوانية في سن الثانية عشرة بتوجيه من والده، وانخرط في نشاطات الإخوان، والتحق بمعسكراتهم شبه العسكرية كالتي أقيمت نهاية الستينيات في الشونة وجرش شرقيّ الأردن، وقد انطبع في ذهن مسودي حينها أن هذه المعسكرات ما هي إلا إعدادٌ للعمل لتحرير فلسطين، وكانت مدخله للتعرف على أسماء سيكون لها إسهام بارز في الأحداث الي تؤرّخ له هذه المذكرات كناجي صبحة وسعيد بلال.

كانت "الإخوان المسلمون" العنوان الأبرز لحياة الرجل، تحضر متنًا رئيسيًا في المذكرات بحيث يبدو كل شيء آخر في حياته دائرًا حولها، وقد بدأ مسودي مع الإخوان مبكرًا، فقد التزم مع أسرة إخوانية في سن الثانية عشرة .. عام 1962 سافر مسودي إلى دمشق لدراسة الطب في جامعتها ثمّ لم تمضِ عدة شهور حتى صار مسودي مسؤولاً عن كل أسر الإخوان المسلمين في كلية الطب

عام 1962 سافر مسودي إلى دمشق لدراسة الطب في جامعتها، ولم يمرّ وقت طويل حتى انتظم في صفوف الإخوان المسلمين بكلية الطب في الجامعة، وشارك في الحياة السياسية في سورية خلال فترة طبَعَها عدم الاستقرار والانقلابات المتتالية. ثمّ لم تمضِ عدة شهور حتى صار مسودي مسؤولاً عن كل أسر الإخوان المسلمين في كلية الطب، والمكلف بالاتصال بالمسؤول العام للجامعة.

تروي المذكرات أن المنهاج المعتمد للتعليم في الأسرة الإخوانية حينها كان مزيجًا بين موادّ من إحياء علوم الدينللغزالي، ورسائل البنا، وقِطَعًا من تفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب. ويحكي مسودي عن تأثّره بمقولات قطب عن الجاهلية والحاكمية وسواها، ويرى أنّه يصلح أن يصنَّف بعد خروجه من دمشق ضمن "القطبيين"، قبل أن يعدّل آراءه استنادًا إلى كتاب "دعاة لا قضاة" الذي خطّه مرشد الإخوان المسلمين في مصر حسن الهضيبي في مرحلة لاحقة.

وفي دمشق، تعرّف إلى وجوه جماعة الإخوان المسلمين كمراقبيها مصطفى السباعي وعصام العطار، وكانت له اتصالاتٌ مع جماعات إسلامية أخرى كجماعة كفتارو، حيث حضر دروسًا لهم مدةً رغم خلافاتهم مع الإخوان حينها.

 

البحث عن قيادة داخل النهر

"أنا أريد قيادة داخل النهر، ولا أسمع من خلف النهر، ونريد عملًا فعّالًا" عدنان مسودي

كان مشهد النكبة الأولى أول حدث وطني ينطبع في عقل عدنان الطفل، لكنّ النكبة الثانية عام 1967 أقبلت على مسودي وهو في عنفوان شبابه وثوريته خلال دراسته الطب في دمشق، فالتحق بمعسكر للتدريب العسكري رفقة الطلبة الأردنيين في الجامعة، ثمّ انطلقوا بالحافلات إلى عمّان، ولم يكن يسيطر على ذهن الرجل حينها شيء سوى الانخراط في القتال الفعليّ، حتى إذا وصل عمّان إلى بيت أحد أصدقائه طلب منه النهوض للقتال مباشرةً، فأخبره أن القتال قد انتهى، وأنّ الضفة الغربية قد احتُلّت، ثمّ ذهب إلى دار الإخوان المسلمين لعلّه يجد ضالّته القتالية عندهم فوجد صورةً مشابهةً من التسليم للواقع، فتحوّلت الحماسة إلى انكسار عميق، وصار أعظم أملِهِ ألا يتحوّل أهله إلى لاجئين.

إثر ذلك تشكّلك معسكرات الشيوخ التابعة للإخوان المسلمين ضمن مقاتلي حركة فتح والفدائيين، وقد صار مسودي يتردد عليها كلّ يوم جمعة خلال عامي 1968-1969، للرعاية الصحية والطبية، وهناك تعرّف بعبد الله عزام، وأحمد نوفل وسواهما.

بعد انتهاء مسيرته الأولى في دراسة الطب، عاد مسودي إلى الخليل، محمّلًا بمقولاتِ سيّد قطب من جهة، وتجربة حركية طويلة في دمشق، انضمّا إلى مشاهدات النّكبة، وانكسار النّكسة، ونفسيّة متوثّبة، فاجتمع بقيادة الإخوان في المدينة كشكري أبو رجب وعبد المجيد الزير وسواهم، كما التقى القيادة المركزية لتنظيم الإخوان المسلمين في الضفة والقطاع، وقد ارتكزت مطالبه بثلاثة أمور: تنظيم أسر الإخوان بشكل جديّ، والتدريب العسكري، والعمل الجهادي، وقد تطوّع لتنظيم التواصل مع أصحاب الخبرة العسكرية في الإخوان في الخارج مضمرًا عبد الله عزام وأحمد نوفل، لكنّ ردةَ الفعل على اقتراحه كانت سلبيةً، ولم يكتب لهذا الاقتراح الحياة.

بعد انتهاء مسيرته الأولى في دراسة الطب، عاد مسودي إلى الخليل، محمّلًا بمقولاتِ سيّد قطب من جهة، وتجربة حركية طويلة في دمشق، انضمّا إلى مشاهدات النّكبة، وانكسار النّكسة، ونفسيّة متوثّبة، فاجتمع بقيادة الإخوان وقد ارتكزت مطالبه بثلاثة أمور: تنظيم أسر الإخوان بشكل جديّ، والتدريب العسكري، والعمل الجهادي

هذا التوجّه من مسودي، وما سبقه من موقف خلال نكسة 1967، ومشاركته –وإن لم تكن عسكريةً- في معسكرات الشيوخ، ينبئ عن طبيعة الشخصية ورؤيتها للعالم. ولعلّ لأفكار سيّد قطب القائمة على قدرٍ كبيرٍ من المفاصلة والثورية والدعوة للفعل أثرًا في مثل هذه التوجهات للدكتور مسودي.

لكنّ مسودي، وإن لم يستطع تحصيل كل ما في باله، فقد بدأ بالعمل على إعادة ترتيب الأسر الإخوانية في الخليل، فأسس أسرته الأولى التي درّست منهجًا أحضره معه من دمشق. ثمّ مع افتتاح كلية الشريعة بجامعة الخليل مطلع السبعينيات، بدأ استقطابُ الإخوان لطلبة الكلية، وتشكيل كتلتها الإسلامية بنسختها الأولى، وقد لمع من الأسماء التي انضمت للأسر الإخوانية في كلية الشريعة بجامعة الخليل، والتي كان لمسودي الإشراف الأساسي عليها في حينها، رائد صلاح وكمال الخطيب، اللذين سيكون لهما دور مهم في الحركة الإسلامية بالداخل المحتل.

وبالإضافة إلى العمل التنظيمي المباشر، وتوسيع دائرة الأسر الإخوانية، فقد انضمّ مسودي لعضوية الهيئة الإدارية للجمعية الخيرية الإسلامية بالخليل خلفًا لوالده، وهي جمعية عنيت برعاية شؤون الفقراء واليتيمات.

 

الاهتداء إلى القيادة والمواجهة .. حماس

مطلعَ الثمانينيات، وبعد عودته من رحلة التخصص الطبية الثانية في دمشق، عاد مسودي إلى نشاطه في صفوف الإخوان، وقد أصبح منذ 1980 - 1990 عضوًا في المكتب الإداري العام للإخوان المسلمين في الضفة والقطاع، وهو المكتب الذي اتّخذ قرار تأسيس "حماس"، وانبثق منه مكتبها السياسي في الدخل، وهو الذي اتخذ قرار مواجهة الاحتلال والانخراط في العمل الجهادي المنظّم.

في الطريق إلى هذا القرار كانت ظروفٌ دافعةٌ تنضج، من بينها تمدد نشاط الكتل الإسلامية في جامعات الضفة، إذ يروي مسودي أن الكتلة الإسلامية في الخليل سيطرت منذ مطلع الثمانينيات على مجالس الطلبة في جامعتي الخليل والبولتكنيك، وعدد من المعاهد الطلابية الأخرى، مع توسّع لافت في حضور نشاط الإخوان.

لا تسهب المذكّرات في ذكر النقاش والتدافع الداخلي الذي أفضى إلى هذا القرار، ولكنّه تذكر أنّه في 23-10-1987 اجتمع المكتب الإداري للإخوان في الضفة والقطاع في بيت الأستاذ حسن القيق (وهو أحد أعضاء المكتب) بدورا في الخليل،  وقد ضمّ إضافة إلى مسودي والقيق، عبد الفتاح دخان، وحماد الحسنات، وإبراهيم اليازوري (وثلاثتهم من القطاع)، إضافة إلى شخصين آخرين رمز لهما الدكتور مسودي بـ (م.م) و (ف.ص)، وقد اتّخذ هذا الاجتماع قرارًا بالإجماع بمواجهة الاحتلال، وترك الخيار لكل منطقة لتدير المواجهة بالطريقة التي تراها مناسبة، وقد انطلق الفعل الجهادي، والبيانات الموقعة باسم "حركة المقاومة الإسلامية"، في غزّة أولًا إثر حادثة دهس جيب 4 عمال فلسطينيين نهاية ديسمبر 1987، ثمّ تبعت مناطق الضفة إثر اجتماع المكتب الإداري في 10-1-1988، وعمّت الانتفاضة مناطق الضفة والقطاع كلّها، وقد صارت حماس (التي اختار هذا الاختصار لها حسن القيق) تصدر بيانًا يتضمن رؤاها وفعاليات الانتفاضة التي تدعو لها كالإضرابات والمواجهات مرةً كل أسبوعين، حيث كانت تُصاغ غالبًا في منزل الأستاذ حسن القيق.

في 23-10-1987 اجتمع المكتب الإداري للإخوان في الضفة والقطاع في بيت الأستاذ حسن القيق (وهو أحد أعضاء المكتب) بدورا في الخليل، وقد ضمّ إضافة إلى مسودي والقيق، عبد الفتاح دخان، وحماد الحسنات، وإبراهيم اليازوري (وثلاثتهم من القطاع)، و (م.م) و (ف.ص)، وقد اتّخذ هذا الاجتماع قرارًا بالإجماع بمواجهة الاحتلال، وترك الخيار لكل منطقة لتدير المواجهة بالطريقة التي تراها مناسبة

برز اسم حماس في الانتفاضة، مقابلًا لمسمّى "القيادة الوطنية الموحّدة" الذي يجمع فصائل منظمة التحرير، ويروي مسودي أنّه كلّف للاتصال بأخيه تيسير ممثلًا عن القيادة الموحّدة دون أن يفلحا في التوصّل لاتفاق ولو بالحد الأدنى تدعو فيه بيانات الطرفين الجماهير للالتزام بفعاليات الانتفاضة التي يدعو لها الطرف الآخر.

شارك مسودي في نقاشات إصدار ميثاق حماس في آب/ أغسطس عام 1988، والذي كتب مسوّدته عبد الفتاح دخان.

في شهر حزيرن/ يونيو من عام 1989 تعرّضت حماس لما بات يعرف بالضربة الأولى، فاعتقل أغلب قادتها، وكان من بينهم مسودي الذي خضع لتحقيق قاسٍ لمدة 40 يومًا تنقّل خلالها من سجن الخليل إلى عسقلان، إلى سجن غزّة المركزي، وأنكر أي معرفة أو صلة له بـ "حماس".

يروي مسودي صنوف التعذيب التي تعرّض لها خلال اعتقاله، والتقاءه بالشيخ أحمد ياسين فيه، وحالته الإيمانية وأذكاره وعقده العزم على الاستشهاد، ومحاولات العصافير للإيقاع به، وأمله والمعتقلين من قيادة حماس بصدور البيان رقم 43 خلال اعتقالهم، إذ إن آخر بيانٍ كانوا قد أصدره هو البيان 42، وكان إصدار البيان 43 في حال حدثه إشارةً إلى وجود قيادة أخرى سواهم وهو ما كان بعد 30 يومًا من الاعتقال.

يختم مسودي مذكراته بشهادته عن الإبعاد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، حيث أَبعد الاحتلال أكثر من 400 من قيادات حماس وعددًا من قيادات الجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان في 16-12-1992، فيروي آلية اتخاذ قرار التخييم في مرج الزهور ورفض الانسياح في مناطق لبنان، وترؤسه للجنة الطبية في المخيم، وعضويته في قيادة المخيم ونيابته لأميره في الدورة الثانية، ويؤرّخ لأهم الأحداث التي جرت على أرضه، لا سيّما مسيرات العودة والاعتصام والأكفان التي نُظّمت للتّأكيد على رفض الإبعاد واتّخاذ قرار العودة مهما كان ثمنه، واللقاءات التي جرت مع قيادات حزب الله، وإسهاماتهم مع الجماعة الإسلامية في دعم المخيم وتوفير احتياجاته، ولقاءً جرى مع الحرس الثوري الإيراني في المخيم، ثم عودة المبعدين بالتزامن مع توقيع السلطة لاتفاقية أسلو منتصف أيلول/ سبتمبر 1993. وقد أسهب الدكتور في الحديث عن مرج الزهور، والذي يمكن أن يعدّ المؤتمر الأول لحماس، والانطلاقة الثانية لها.

 

خاتمة

بالإضافة إلى نصّ المذكّرات فقد عمل محرّرها على إلحاقها بعدد من الشهادات والوثائق والصور المتعلّقة بها، كدعوات نشاطات الإخوان ونصوص بيانات حماس المبكّرة، وصور الدكتور مسودي في مراحل مختلفة من حياته، وخطٍّ زمنيٍ بأهم تواريخ حياة صاحب المذكّرات.

ومع أهميّة هذه المذكّرات، وأضرابها، إلّا أن هذه الأهميّة لا يقابلها شيء كـ "غير الكفاية"، مع الحديث عن حدث كبير ومهم ومفصليٍّ يتفاعل في المنطقة منذ ما يزيد عن 35 عامًا هو انطلاق حماس، وقد أصبح اليومَ يكتسب مزيدًا من الأهمية مع التمدد الكبير في شعبية الحركة، وقيادتها لبرنامج المقاومة، ووقوفها رفقة عدد من الفصائل الأخرى، في وجه مشاريع تصفية القضية تصفيةً نهائيةً، ومسؤوليتها الفعلية عن قطاع غزّة.

إن انطلاق الدكتور عدنان مسودي نحو توثيق سيرته، رغمَ ضيق الوقت والمرض والظرف الأمني، والاعتقال الأخير في سجون السلطة والذي حرم المحرر من مناقشة النصف الثاني (والأهم) من المذكرات مع الكاتب، هو انطلاقٌ نحوَ الفعل، وهو كما يظهر من المذكرات، طابعٌ أساسيٌّ لشخصية الراحل، ثمّ هو إحساسٌ بضرورةِ بقاء التجربة بين يدي الجيل الجديد، لا سيّما وقد شاهد الراحل أقرانه يرحلون دون أن يدونوا تجاربهم وخلاصة حكاياتهم، وشهاداتهم على التاريخ.

يختم مسودي مذكراته بشهادته عن الإبعاد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، حيث أبعد الاحتلال أكثر من 400 من قيادات حماس وعددًا من قيادات الجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان في 16-12-1992، فيروي آلية اتخاذ قرار التخييم في مرج الزهور ورفض الانسياح في مناطق لبنان، وعضويته في قيادة المخيم ونيابته لأميره في الدورة الثانية، ويؤرّخ لأهم الأحداث التي جرت على أرضه، لا سيّما مسيرات العودة والاعتصام والأكفان التي نُظّمت للتّأكيد على رفض الإبعاد واتّخاذ قرار العودة مهما كان ثمنه