مثلث رعب الكرمل .. القتال وجهًا آخر للنكبة (حكاية شفوية)
"أهل إجزم وجبع وعين غزال هذول أبطال لو أجاهم سلاح كان ظلو يقاتلو لليوم"... يختصر المؤرخ خير نمر الحلبي من دالية الكرمل جارة إجزم وجبع وعين غزال، أو ما تعرف في الأدبيات العسكرية الصهيونية "مثلث رعب الكرمل"، حكاية إحدى بؤر الصمود في الحرب التي خاضها الفلسطينيون والعرب خلال الفترة ما بين صدور قرار تقسيم فلسطين إلى ما بعد إعلان قيام "إسرائيل".
على سفوح جبل الكرمل إلى الجنوب من حيفا على مسافة ما يقارب 28 كيلومترًا منها، تقع إجزم وجبع وعين غزال، ومن هذا الموقع سيطرت ناريًا طوال شهور على الطريق بين يافا وحيفا، وحرمت القوافل الصهيونية من المرور الآمن، قبل أن تسيِّر العصابات الصهيونية حملةً عسكريةً إجراميةً استخدمت فيها الطائرات والمدفعية لإجبار أهلها الذين قاتلوا "حتى آخر الطلقة" حرفيًا وليس من باب المجاز، على الهجرة.
حكاية صمود قرى مثلث الكرمل حتى بعد أسابيع من سقوط مدن كبرى "حيفا، ويافا، وعكا، واللد، والرملة" وغيرها، في يد العصابات الصهيونية، جزء من رواية بديلة عن ما ترسخ في الوعي الفلسطيني والعربي عن حرب النكبة، وهو مشهد للاجئين يهربون من ديارهم فقط.
إلى تلك الأيام التي هي "أحزان متصلة" في التاريخ المكتوب بالدم والرصاص، نعود عبر آلة زمننا الشعبي (التاريخ الشفوي)، الذي يسيل من ذاكرة مجروحة تتشبث بسيرة الأيام الأخيرة في البلاد، وتحمل معها في منافيها الكثيرة روايات مقاتلين ما زالت أسماء مئات منهم مجهولةً في كتب التاريخ الرسمي، معروفة أفعالهم على وجه البلاد التي ما زالت لم تلق السلاح.
إجزم ("خزائن" عن الأرشيف الوطني للصّور)
الطريق إلى الصمود .. السلاح و "محمد الإنجليزي"
مع الساعات الأخيرة من اقتراب البلاد من الحرب الكبيرة، حضر مختار مستوطنة "عتليت" القريبة من المنطقة إلى وجهاء إجزم وجبع وعين غزال، ثلاث مرات، لإقناعهم بالتوصل لاتفاقية "سلام" أو استسلام بالمعنى الواقعي، لكن خيار المواجهة كان هو الطاغي.
مع التباشير الأولى للمواجهة تجيّش أهالي مثلث الكرمل، تنوعت مصادر السلاح بين الشراء الشخصي من المال الخاص الذي يوفره بيع ذهب الزوجات أو عائدات المحاصيل، وعتاد آخر اشتروه من خارج البلاد؛ وجزء آخر كان غنائم من أرض المعارك، والمعسكرات البريطانية الموزعة حينها قرب جبع وإجزم وعين غزال، مصدرًا مهمًا للسيطرة على السلاح.
لم يعجز الأهالي عن اجتراح إجابات عن سؤال: كيف السبيل إلى السلاح؟ من "كامب عتليت" أو معسكر القوات البريطانية في منطقة عتليت، رصد الراصدون قافلة سلاح وإمدادات عسكريةً، ولم يكن الطريق لرشوة جنود بريطانيين مقابل تغاضيهم عن اقتحام المعسكر والسيطرة على قافلة السلاح مستحيلًا، وبذلك توفر لمقاتلي قرى مثلث الكرمل عتاد يعينهم على شهور المواجهة.
من "المجهول/ المعلوم" إلى قرى "مثلث الكرمل"، جاء "محمد الإنجليزي" الذي سلخ عنه ثوبه القديم وانحاز لأهل البلاد، في حربهم من أجل البقاء، يروون أن دافعه كان "الانتقام" لشقيقه الجندي الذي قتلته العصابات الصهيونية خلال هجماتها على القوات الإنجليزية، في الشهور الأخيرة من الاحتلال البريطاني لفلسطين.
لا يُعلم على وجه الحقيقة الاسم الأصلي للضابط الإنجليزي الذي أزاح عنه اسمه القديم، واختار اسمًا قريبًا من أهل البلاد "محمد"، وشاركهم في قتالهم على دفع مصير أسود عن حياتهم، ولم تكن نهايته أقل مأساويةً من بلاد رفض أن يخرج منها وهي تتحول إلى اسمٍ آخر سوى الاسم الذي حملته وهو يدخل إليها.
في عين غزال لم يزد عدد البنادق عن 35 بندقية، وحمل الوجهاء "خراطيش" صيد، وفي منزل حاج من القرية توزعت البنادق التي تنوعت ما بين تركية وإيطالية ألمانية. ومن على جبل "كنوبرة" في الجهة الجنوبية - الشرقية من القرية، اتخذ الأهالي الاستحكامات في المنطقة التي تشرف على الوادي الذي هو مسلك القوافل من زمارين صعودًا إلى عين غزال.
قتْل جندي من "الهاغاناة" كان فرصةً أخرى لاغتنام السلاح، يذكر أهالي "عين غزال" عندما عاد "رزق" من "كنوبرة" حاملًا سلاح جندي صهيوني، بعد أن قتله عندما حاول مع مجموعة أخرى التقدم إلى المنطقة، قبل أن يفر رفاقه ويتركوا جثته في الأرض.
كان رشاش "البرن" سلاحًا استراتيجيًا في يد الأهالي في المعارك مع العصابات الصهيونية، وعلى جبل "كنوبرة" أيضًا حضر مقاتل من جبع معه سلاح "البرن" للمشاركة في نصب الكمائن، وإذا تعطلت "سبطانته" تشاركت العقول في محاولة حل المعضلة التي يجب أن لا تستمر، في معركة لا وقت فيها للراحة، ومكافأة من يحل المعضلة أن يضرب طلقات عليه.
أيقن أهالي "عين غزال" أن الجهة الجنوبية أي من جبل "كنوبرة"، هي مصدر قلق رئيسي، بسبب قربها من مستوطنة "زخرون يعقوب"، وأقاموا استحكامات فيها، ومن الجهة الغربية أقاموا أيضًا الخنادق لمواجهة الشارع الذي كانت تسلكه المدرعات ومركبات "ستاوت"، وعند شجر الخروب هناك بلغ عمق الخندق مترين.
شارك أهالي "عين غزال" مع القادمين للقتال معهم دمعهم وأكلهم، كل بيت يُقدّم زيته وخبزه وخضاره للمقاتلين، يوصي كل مقاتل أهله على الطعام الذي لم يصاحب الفلسطيني طعامٌ أكثر منه (خبز وزيت وزعتر)، حتى صارت الرفقة أكبر من السلاح، وصار القتال إلى تشاركٍ في لحظات الأمل واليأس والخوف والإقدام.
من زيت جرارهم زيَّت أهالي مثلث الكرمل بنادقهم لحمايتها من الأعطال، كانت هذه أحد مهمات من امتلكوا خبرةً سابقةً في التعامل مع السلاح. يذكر كل من عاش تلك الأيام، قوافل الذخائر التي أرسلها الجيش العراقي على الجمال، من جنين وعارة وعرعرة، إلى القرى الثلاث.
زمن الطريق من جبع وإجزم وعين غزال إلى عارة وعرعرة، أكثر من ست ساعات، يحمل المكلفون بهذه المهمة العتاد على الدواب والجمال ويعودون به إلى المقاتلين، وتذكر الروايات أن وجهاء من عائلة الصعبي من عين غزال أشرفوا على مهمة التنسيق مع الجيش العراقي الذي كان يقوده في الحرب عمر علي وعبد الكريم قاسم، في منطقة جنين وما جاورها من شماليّ فلسطين المحتلة.
مقام الشيخ شحادة عبد الحق في قرية عين غزال (عن صفحة عين غزال الفلسطينية قضاء حيفا على موقع الفيسبوك)
حكايات من قتال الناس
في كل يوم اعتادت العصابات الصهيونية على تسيير آلية مدرعة من جبع حتى الفريديس، وهي تطلق أصواتًا تشبه الرصاص، في سبيل بث الرعب في قلوب الأهالي، وبعد أن تسرب الشك إلى المقاتلين حينما لاحظوا أن بساتين الصبر لم تُصب بأي رصاصة، طوال جولات هذه المجنزرة، وبعد كمين في سهل من الذرة والسمسم الذي كان في تلك الأيام "بطول الزلمة"، وباستخدام قنابل محلية الصنع، سيطر المقاتلون على المدرعة، بعد أن هرب المقاتلون الصهاينة منها، وتبيَن أن صوت الرصاص كان ليس سوى جهاز لاسلكي يصدر أصواتًا عاليةً لإيهام الأهالي بأنه طلقات رشاش.
نظام "الحراسات" كان تطوعيًا/ تعاونيًا أكثر مما هو منظّم على اعتبارات دقيقة، إذا أصاب المقاتل النعاس يغادر ليريح جسده في إحدى المغارات القريبة، ليحلّ مكانه رفيقه طائعًا.
انغمس "محمد الإنجليزي" في كل المهمات، درّب من توفر في هذه القرى من مقاتلين، وأشرف على حفر الخنادق، وشارك في القتال، ومن رشاشه "البرين" تصدى للطائرات في غاراتها المتلاحقة، واستغل مدفع "الهاون" الذي غنمه الثوار من غاراتهم على المواقع البريطانية، في عمليات التصدي للعصابات الصهيونية.
على جبل المنارة القريب من جبع، اختار "محمد" موقعًا لمدفع الهاون، وبعد عدة جولات من القصف المضاد، تدمر المدفع بعد استهدافه من بَحرية العدو التي اشتركت في الغارات على "مثلث الصمود" جنوب الكرمل. فتحت القرى الثلاثة بيوتها ومضافاتها للضابط الذي اختار الانحياز لهم في معركتهم الأخيرة على البلاد.
من حرم من امتلاك السلاح، وللفلسطيني ذاكرة واسعة في التاريخ مع هذا النوع من الحرمان، حتى أنه غنّى في الأشعار الشعبية ومواسم الزفاف والفرح لمهربي العتاد الذين عرفوا الدروب من البلاد وخارجها؛ كان بإمكانه الانخراط في حفر الخنادق أو الحراسة أو حتى القتال بالعصي.
مقام الشيخ عمير في قرية جبع قضاء حيفا (تصوير داود مصطفى كبها عن صفحة البروفيسور مصطفى كبها على موقع الفيسبوك)
فزعة يا رجال
في الفزعات التي نظمها أهالي جبع وإجزم وعين غزال لمواجهة كل هجوم من العصابات الصهيونية، يذكر الذاكرون عشرات المقاتلين الذين لم يجدوا ما يحملونه سوى العصي والأسلحة البيضاء. كان نظام "النجدات" اتفاقية دفاع مشتركةً غير مكتوبة على مستوى محلي، ساعدت أهالي مثلث الكرمل في البقاء لأطول فترة ممكنة في مواجهة عدو أكثر قوة.
جبل المنارة كان مركز سلاح "الإشارة" الذي هو مسدس يحمله مقاتل يطلق رصاصة الإشارة، عند كل هجوم صهيوني، فيلتقط أهالي القرى المجاورة خبر الهجوم وتنطلق النجدات إلى جبع، وفي كل هجوم كانت خسائر الصهاينة تتسع، حتى تكثفت هجمات سلاح الطيران والمدفعية التي أطلقت قذائفها من البحر والبر على المنازل وبساتين الصبر التي جاورت أشواكها العائلات، لعلها تحتمي بها.
"يا سامعين الصوت… اليهود هجموا على عين غزال"، أطلق المنادي صرخته إيذانًا لانطلاق نجدة لمواجهة هجوم جديد من العصابات الصهيونية على عين غزال، "القولجي" وهو اللقب الشعبي الذي يحمله كل من يعمل في الحراسة، حمل سلاحه الذي حصل عليه سابقًا من الحكومة للقيام بمهامه في حراسة الغابات، وانطلق مع المقاتلين، أصيب في المعركة التي صدّت الهجوم الصهيوني، وفي الطريق إلى جبع التي انتمى إليها من خارجها استشهد.
ببندقية "أم اصبع" هذه التي تطلق طلقة واحدة ثم على المقاتل أن يعيد تذخيرها، وما توفر من رشاشات "البرين" وغيرها من الأسلحة، شن أهالي مثلث الكرمل غارات يوميةً على القوافل الصهيونية على الطريق بين حيفا ويافا، وفي إحدى الغارات غنم الثوار مصفحات صهيونيةً بعد أن قتلوا من بداخلها، وتوجهوا بها إلى عين حوض القريبة.
إجزم التي لم تصلها العصابات الصهيونية، إلا بعد الهجوم الأخير الذي نفّذته بالطائرات والقصف المدفعي والبحري، تكفّلت الحارة الشمالية فيها بالنجدات لعين حوض، والحارة الوسطى بنجدة جبع، والحارة "الفوقا" بنجدة عين غزال، ولم تتأخر هذه النجدات في كل هجوم، وقد كانت الهجمات تتكرر مرةً في كل أسبوع.
أدمَن "أحمد أبو زهرة" ابن جبع صناعة "الديناميت"، كانت القنابل التي يصنعها من "مواسير" الحديد حلًا للمصفحات الصهيونية التي كانت تخترق المنطقة من بيارة "ليند" الإنجليزي، وتمر عبر الجسر القريب، وهو ما حرَم العصابات الصهيونية من حرية الحركة على محور مركزي.
كانت ساعات النهار والليل خيطًا متصلًا من العمل، حراسات على مدار اليوم، أخذ أهالي القرى الثلاث بنصيحة الضابط "محمد الإنجليزي" الذي اقترح خلال اجتماع في المسجد، حفر خنادق على مسافة من المنازل، من أجل توفير مسافة حماية لها من هجمات العصابات الصهيونية، كان الخندق يتسع لعدد من المقاتلين، وبين الخندق والآخر 5 أمتار.
في شهور القتال هذه عقدت القرى الثلاث صفقة تبادل، خطف الثوار في إحداها مهندسًا يهوديًا مع زوجته وأبقوه في بيارة "محمود الماضي" أحد وجهاء إجزم، وبعد اتصالات مع مختار مستوطنة "عتيلت" عبر وجهاء دالية الكرمل أو "دالية الدروز"، كما يسميها أهل المنطقة، جرى تسليمهم مقابل إفراج عن أسرى من المنطقة.
في إجزم قاد "محمود الماضي" و"عبد الله الزيدان" عشرات المقاتلين في عمليات الدفاع والتسليح، والتنسيق مع بقية أطراف مثلث الصمود، وفي الفزعات إلى جبع وعين غزال. وإلى بيارة الماضي لجأت العائلات هربًا من غارات الطيران الصهيوني.
المجزرة في عقلية المقاتل.. الغضب والصمود
قبل شهور من تهجير إجزم وجبع وعين غزال، ارتكبت العصابات الصهيونية مجزرةً في قرية الطنطورة القريبة. السهل الواسع الذي فصل قرى المثلث عن القرية الذبيحة منع المقاتلين من التوجه في فزعات لنجدتها، نظرًا لقدرة الصهاينة على إيقاع خسائر فادحة فيهم خلال تنقلهم فيه، لكن أخبار مجزرتها التي قال الرواة إن ضحاياها حفروا قبورهم قبل دفنهم، وبعضهم أُجبر أحباؤهم على دفنهم قبل ذبحهم، كانت هاجسًا آخر للقتال حتى آخر الطلقات.
في يوم "غطغيطة" أو ضباب وصل خبر المجزرة إلى الأهالي، قالت الناس "اليهود بفعلوا بالبنات" هذا زاد من غضبهم، والخوف في الوقت نفسه على "العرض والشرف"، لأنّ "العربي أكثر ما يخيفه الاعتداء على حرمه"، كما يروي من ذاقوا مرارة تلك الأيام التي هي من دم وتوجس وترقب.
تجرع أهالي القرى الثلاث مرارة أن تفقد الوطن تدريجيًا من لاجئي القرى الصغيرة المجاورة: "المزار، والصرفند، والطنطورة"، الذين هجرتهم العصابات الصهيونية بعد حملات الإرهاب والعدوان عليها، ولجؤوا إلى إجزم وجبع وعين غزال لأيام، قبل أن يكملوا طريقهم إلى ديار الهجرة الجديدة.
أكل الجوع وقلة العتاد من صمود الناس، تقول المصادر الإسرائيلية إن حكومة بن غوريون حديثة العهد بعد إعلان قيام "إسرائيل" على أنقاض الشعب الفلسطيني، أدركت خطر استمرار مقاومة المثلث الصغير أو "مثلث الرعب"، الواقع في وسط كيان العدو، وقررت تسيير حملة عسكرية نحوه لإنهاء وجوده.
آخر المعارك
أطلقت العصابات الصهيونية، في الشهور هذه، ثلاث حملات رئيسية لاحتلال القرى الثلاثة، وأفشل المقاتلون محاولتين في 18 حزيران/ يونيو و8 تموز/ يوليو 1948، ثم استغل الصهاينة فترة الهدنة الثانية التي توصلوا لها مع الجيوش العربية، خلال حرب النكبة، للهجوم على القرى الثلاث بمشاركة قوات جوية وبحرية ومدفعية وألوية "جولاني" و"كرملي" و"ألكسندروني".
في العملية الأخيرة لطرد أهالي القرى التي أطلقت عليها العصابات الصهيونية اسم "الشرطي"، شن الطيران غارات عنيفةً على أهالي إجزم وجبع وعين غزال، وبين ألواح الصبر في إجزم استشهد العشرات بعد أن سقطت عليهم البراميل المتفجرة، قيل إن 13 من الضحايا كانوا من عائلة "خديش".
بيوت مدمرة بعد أن ضربتها الطائرات، دكاكين تركت أبوابها على عجل، وعائلات تحتمي ببساتين الصبر، وأخرى اختارت المغر والجبال، كانت هذه المشاهد الأخيرة لحياة ثلاث قرى انتزعت من الحياة إلى أمد ما زالت أجيال اللاجئين منها تنتظر نهاية له.
قرب بيارة محمود الماضي تجمع مئات الأهالي وهم يلقون النظرة الأخيرة على البلاد، وهم يعيشون على أمل أن الرحلة ستكون قصيرةً، وانطلاقًا من 24 تموز/ يوليو رحل أهالي القرى الثلاث بعد قصة صمود، إلى عارة وعرعرة ثم إلى جنين وقراها، وعدد منهم أكمل رحلة اللجوء إلى الأردن والعراق الذي أراد جيشه إكرام أهالي "مثلث الصمود" الذي ارتبط معه برابطة السلاح.
وعن تهجير القرى الثلاث، كتب القائد الأردني عبد الله التل في كتابه "كارثة فلسطين": "وقد مهّد اليهود لاعتداءاتهم على هذه القرى بأن أخذوا يذيعون أنها تقوم بأعمال تخريبية في إسرائيل وتهاجم طرق مواصلاتهم. وفي 21/7/1948 بدأت الطائرات الإسرائيلية تقصف هذه القرى الآمنة التي اطمأنت إلى الهدنة. وقد استمر قصف القوات اليهودية لها عدة أيام زحف بعدها الجيش اليهودي فاحتل هذه القرى بعدما انسحب منها أغلب أهلها وأُسر الباقون وقتل منهم ما يزيد على مائة، وأزالوا جبع وعين غزال من الوجود. وقد ادعى اليهود أنهم إنما يقومون بأعمال بوليسية لحماية دولتهم، ولم تنفع شكوى العرب، ولا تحقيقات هيئة الرقابة وتقاريرهم".
لم يكن مصير "محمد الإنجليزي" بأحسن حالًا من الناس الذين قاتل معهم، قيل إنه رحل مع اللاجئين وقضى في جنين خلال تدريبه المقاتلين.
قبل تهجيرها عرفت قرى إجزم وجبع وعين غزال بما لها من موقع جغرافي قريب من حيفا، المدينة الصاعدة في ذلك الحين، مظاهر تطورٍ مبكرٍ أجهضه التهجير والتدمير، وبعد سنوات من نكبتهم الأولى عام 1948، قاسى قسم منهم نكبةً أخرى في العراق التي عاشوا فيها، على أمل العودة، بعد احتلال الجيش الأمريكي للبلاد، وهجمات تعرض لها الفلسطينيون طوال سنوات، قتلت المئات منهم ودفعت آخرين إلى هجرة جديدة.