مراجعة فشل اليسار الأمريكي في مواجهة الحرب على غزة
مراجعة فشل اليسار الأمريكي في مواجهة الحرب على غزة [1]
وليد شهيد [2]
ترجمة: هيئة التحرير
على سبيل التقديم
تحاول هذه المادة، التي تترجمها وتنشرها (إطار)، شرح الصعوبات التي تواجه القوى التقدمية في أمريكا في سعيها للتأثير على السياسيين الأمريكيين؛ بخصوص الدعم المطلق الذي تقدّمه أمريكا لـ "إسرائيل" بما في ذلك في حرب الإبادة الجماعية الدائرة الآن على الفلسطينيين في قطاع غزّة. تركّز المادة على الحزب الديمقراطي، مع تفسير أسباب الفشل الذي منيت به هذه القوى بعد نجاحات محدودة وجزئية، مع بيان أسباب نجاح اللوبي الصهيوني، لاسيما AIPAC، التي لا تعتمد على المال السياسي فحسب، ولكن أيضًا على العمل العميق على الأرض وداخل المجتمع، ومع مختلف المجموعات العرقية، وبالاستناد إلى بنى تحتية وشبكات واسعة جدًّا تمتد على مختلف الفئات وممثلي مصالحها. تشير المادة كذلك إلى تأثير شركات السلاح على توجهات السياسيين الأمريكيين بما يتداخل مع مصالح اللوبي الصهيوني بالضرورة.
ينعكس هذا الإخفاق، في الموقف المتردد للمنحدرين من أصول عربية وفلسطينية تجاه التنافس الانتخابي بين ترامب وهاريس، بحيث يذهب بعضهم لانتخاب ترامب بعد دعم إدارة بايدن لإبادة الفلسطينيين في غزّة، ويرى آخرون ومنهم الكاتب أنّ ثمّة أفقًا لمحاولة إنجاز شيء على مستوى الحزب الديمقراطي في المدى المتوسط بالرغم من أنّها محاولة صعبة وتبدو بلا نهاية ومعرضة لانتكاسات هائلة.
من نافلة القول إنّ المادة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها، ولكنّ نشرها بالعربية يهدف إلى زيادة الوعي بالكيفية التي يعمل بها اللوبي الصهيوني التي هي أكثر عمقًا واتساعًا من مجرّد تمويل السياسيين الأمريكيين، إذ يتشعّب عملهم في أحشاء المجتمع نفسه، بحيث يمكن محاصرة السياسي بالمال وبجمهوره الانتخابي وبشركات السلاح، وتتعزّز أهمية هذا الوعي في هذه اللحظة مع حرب الإبادة على غزّة، ومع الانتخابات الأمريكية الجارية، علمًا بأنّ جميع الهوامش من صنع (إطار) لتعريف القارئ العربي بما قد يخفى عليه مما يذكره الكاتب في مادته
التحرير
في تقييم اللحظة السياسية الحالية، هناك حقيقة أساسية واضحة للغاية: نحن على اليسار قد فشلنا.
لقد فشلنا في تحقيق الحرية أو الكرامة أو الحقوق المتساوية للشعب الفلسطيني. فشلنا في تأمين إقامة دولة فلسطينية أو حق تقرير المصير. فشلنا في منع الولايات المتحدة من تزويد الأسلحة للهجمات في رفح أو جنوب لبنان. فشلنا في فرض حظر على الأسلحة، أو تحقيق وقف لإطلاق النار، أو وقف توسع المستوطنات.
فشلنا في إعادة انتخاب جمال بومان[3] وكوري بوش[4]، أو حتى تأمين ثلاث دقائق من الوقت للحديث لفلسطيني أمريكي في المؤتمر الوطني الديمقراطي. كما فشلنا في تغيير التوجه العام لجو بايدن، وكامالا هاريس، أو قيادة الحزب الديمقراطي.
لقد جلب هذا العام بعضًا من أصعب الانتكاسات التي واجهتها حركتنا في نمو اليسار منذ حملة بيرني[5] في عام 2016 — وهي انتكاسات ليست فقط سياسية، بل تثقل كاهلنا أيضًا من الناحية الروحية والأخلاقية.
عائلتي نفسها منقسمة بشأن هذه الانتخابات. والدي والعديد من الرجال الأكبر سنًا الذين أعرفهم قد يصوتون لدونالد ترامب، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الوضع في غزة. أما والدتي، فمن المرجح أن تصوت لجيل شتاين من حزب الخضر. نحن نشهد تحوّلًا تاريخيًا بين المجتمعات العربية والإسلامية، حيث يتجه البعض نحو الترامبية، والبعض الآخر نحو الأحزاب الثالثة. يقولون: كيف يمكن أن يكون ترامب أسوأ من هذا؟
إن تطبيع الترامبية بسبب اصطفاف قيادة الحزب الديمقراطي مع بنيامين نتنياهو يُحزنني بعمق. إنه رد يائس على نظام خذلنا مرارًا وتكرارًا — رد يخدم شخصيات مثل إيلون ماسك وميريام أديلسون[6]، المتبرعة الكبيرة لليمين، والذين يستفيدون من معاناتنا.
إخفاقاتنا هذا العام فيما يتعلق بفلسطين ليست منعزلة؛ بل هي رمز لاختلال ميزان القوى ورد الفعل العنيف الذي ينتجه المحافظون اليمينيون المتطرفون والمؤسسة الديمقراطية المدعومة من الشركات. هذا ليس مجرد فشل في الانتخابات أو السياسات، بل هو فشل في القوة — في كيفية بنائها، وكيفية التمسك بها، وكيفية تلاشيها من بين أيدينا عند مواجهة القوى الراسخة والممولة جيدًا.
تبدد الانتصارات
أشعر بأنني مثقل ليس فقط بإخفاقات حركتنا، بل أيضًا بإخفاقاتي الشخصية.
في عام 2014، كنت أعتقد أننا نستطيع بناء “حزب شاي لليسار”، قوة قوية بما يكفي لإسقاط بعض الأعضاء الحاليين المدعومين من الشركات وتحويل الحزب الديمقراطي في مجموعة من القضايا، بما في ذلك السياسة الخارجية. كان الأمل أنه من خلال الفوز ببعض السباقات الأساسية، سيتجه الحزب نحو سياسات أكثر تقدمية وطبقية.
لبعض الوقت، بدا وكأن هذا النهج يعمل. “الفرقة”[7] كانت صاعدة.
انتصار بومان على إليوت إنجل — أحد أقوى حلفاء لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) — كان إنجازًا كبيرًا، وكذلك كان فوز بوش في ميسوري. وحتى في عام 2020، شهدنا إشارات على حركة داخل الحزب الديمقراطي حول موضوع الأسلحة لإسرائيل، حيث أيد عدد من المرشحين في الانتخابات التمهيدية للرئاسة فرض قيود، وإن كانت تدريجية.
لكن الانتصارات كانت عابرة. جاءت الهجمات المضادة والتنظيم المضاد من AIPAC والمؤسسة الحزبية أقوى مما توقعه الكثير منا. فشلنا في بناء البنية التحتية التي تدعم هذه الانتصارات.
عندما خسر بومان، كان ذلك أكثر من مجرد انتكاسة سياسية — بالنسبة لي، كانت انتكاسة شخصية. كنت أعتقد أنه إذا حققنا بعض الانتصارات الكبرى، فسوف نغير المشهد السياسي بشكل دائم. لكن السياسة ليست دائمًا سباق سرعة، بل هي ماراثون. فزنا في بعض الجولات، لكننا لم نكن مستعدين للمدى الطويل. شعرت وكأنني أحاول الإمساك بالماء بين يدي؛ مهما أحكمت قبضتي، كانت القوة تتسرب مني.
البنية التحتية التي ساعدت في انتخاب بومان وبوش لم تستطع الصمود أمام الهجوم المضاد من AIPAC. لم يكن لدى حزب العائلات العاملة (WFP) [8] ، ولا الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA) [9] ، ولا الديمقراطيين العدالة (Justice Democrats)[10] العمق الكافي من حيث عدد الناخبين، والمتبرعين، وتنظيم المجتمع اللازم لدعمهما في مواجهة هجوم بهذا الحجم. كنا بحاجة لبناء مشروع تحالفي يمتد لأربع سنوات في مناطق بومان وبوش — وفشلنا جميعًا في تحقيق ذلك. لقد فشلتُ.
تحتاج Justice Democrats، على وجه الخصوص، إلى موارد أكبر لبناء بنية تحتية مستدامة تدعم المشاريع الانتخابية التقدمية. الأمر لا يتعلق فقط بالفوز بالانتخابات، بل يتعلق ببناء تحالف طويل الأمد من الناخبين، والمتبرعين، والموظفين، ومنظمي المجتمع القادرين على دعم شخصيات مثل بومان وبوش، حتى في مواجهة المعارضة الممولة جيدًا من AIPAC.
من السهل إلقاء اللوم على مصنعي الأسلحة بسبب معارضة الديمقراطيين لفرض حظر أسلحة على إسرائيل. لكن التأثير الحقيقي في المناطق يأتي من تمثيل مجتمعات ديمقراطية فعلية لديها شبكات ودعم. هذه المجموعات تحشد الناخبين، وتبني شبكات داخل المنطقة، وتوفر الدعم المالي.
في الحملات الانتخابية، تكون هذه المجموعات — وليس مصنعي الأسلحة — هي التي تضغط على المرشحين، محذرةً من أن فرض شروط على المساعدات لإسرائيل قد يجعلهم “منفصلين عن المجتمع”. بالنسبة للديمقراطيين، وخاصة المعتدلين منهم، فإن هذا الضغط المنظم والواقعي صعب التجاهل. إذا شعر المرشحون التقدميون بهذا الضغط، فلك أن تتخيل الضغط على الديمقراطيين ذوي التوجه المعتدل.
AIPAC تقوم بتنظيم الناخبين والمتبرعين والمؤسسات. القوة المالية لشبكة AIPAC هي بالطبع ورقة الضغط الأكبر لديها، لكنها تمارس أيضًا تنظيمًا مجتمعيًا. على سبيل المثال، مررت بتجارب عديدة خلال الحملات الانتخابية حيث علمت أن مدير التوعية لدى AIPAC مع السود كان قد تواصل مسبقًا مع رجال الدين السود في منطقة معينة لترتيب اجتماع مع مرشح لمناقشة “قضايا السود”، وكانت إسرائيل واحدة من تلك القضايا المدرجة. هم لا يستغلون فقط علاقاتهم مع المتبرعين الرئيسيين، بل أيضًا مع القادة المؤسسيين والمجتمعيين الرئيسيين في المناطق والولايات عبر البلاد.
لمواجهة تأثير AIPAC العميق الجذور، نحن بحاجة إلى أكثر من مجرد إقناع أخلاقي. نحن بحاجة إلى بنية تحتية قوية. يجب أن نبني شبكاتنا الخاصة التي تشمل قادة المجتمع، وممثلي النقابات، ورجال الدين، والنشطاء المحليين — وخاصة في أحياء السود، واللاتينيين، والطبقة العاملة. وهذا يتطلب استثمارًا طويل الأجل: ليس فقط لدعم حملاتنا، بل أيضًا لتنظيم دائم، وبناء العلاقات، وتفعيل الناخبين. يعني الانتقال إلى ما هو أبعد من التجمعات والحشد عبر الإنترنت إلى بناء الثقة وجدول أعمال مشترك مع المؤسسات المحلية. من خلال ربط أهدافنا السياسية ببنية تحتية قوية من المتبرعين، والناخبين، والمجتمع، يمكننا خلق ضغط لا يستطيع الديمقراطيون المعتدلون وحتى المحافظون تجاهله.
القوة تعتمد على الناخبين المنظمين، والمال، والمؤسسات. نحن لا نملك ما يكفي من هذه العناصر، وهذا فشل استراتيجي من جانبنا جميعًا.
أشعر بوزن الفشل المتكرر، فشل أدى إلى إسقاط القنابل على عائلات وأحباء أشخاص أعرفهم. بعد كل المسيرات الحاشدة، والعصيان المدني، وحملة غير ملتزم،[11] علينا الآن أن نسأل أنفسنا: ما هو تقييمنا لتوازن القوى المطلوب لتحقيق أهدافنا؟ إذا كنا جادين بشأن تغيير ميزان القوى، فعلينا مواجهة ليس فقط حجم طموحاتنا، بل أيضًا عمق نقصنا — بدءًا من تقييم صريح لما بنيناه، وما فقدناه، وما نحتاجه للفوز.
لسنا أقوياء بما يكفي بعد
نواجه ليبراليين ومعتدلين يعترفون غالبًا بالظلم الواقع على الفلسطينيين ويدركون الضرورة الأخلاقية، لكنهم يرفضون تغييرات سياسة ملموسة، مثل إنهاء مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، باعتبارها غير واقعية سياسيًا. النتيجة: تُختزل الدعوات إلى العدالة في بيانات رمزية منفصلة عن الرهانات السياسية الحقيقية.
هؤلاء المعتدلون يرون العوائق لكنهم يختارون قبولها، محافظين بذلك على الوضع القائم الذي يحتاج إلى تفكيك. بإبقائهم حقوق الفلسطينيين منفصلة عن النضالات الأوسع من أجل التغيير، يعززون الأنظمة التي نسعى إلى الإطاحة بها. هذا ليس مخيبًا للآمال فحسب، بل هو غير مقبول أخلاقيًا.
في الاعتصام خارج مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية (DNC)[12] في شيكاغو، رأيت الدعم يتدفق من منظمات الحقوق المدنية، ونقابات مثل اتحاد عمال السيارات، ومسؤولين منتخبين مثل النائبتين ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز[13] وسمر لي.[14] كما أجرى أعضاء مجلس الشيوخ مثل ديك دوربين وإليزابيث[15] وارن اتصالات لدعمنا. ومع ذلك، لم يكن ذلك كافيًا. رفضنا الحزب. تجلت قسوة واقع القوة.
ربما كنت أعتقد أن الإقناع الأخلاقي، المضخم من خلال الإعلام السائد، يمكن أن يغير قيادة الحزب الديمقراطي. لكنني أدركت قريبًا أن ما كان ينقصنا، في النهاية، هو القوة السياسية الحقيقية. صنّاع القرار في اللجنة الوطنية الديمقراطية وحملة هاريس سيواجهون ردود فعل عنيفة من الطبقة المانحة، والمؤسسات المجتمعية اليهودية الصهيونية الليبرالية، والغالبية العظمى من الديمقراطيين في مجلس النواب والشيوخ الذين يتحملون المسؤولية أمام هذه المراكز القوية. لم تكن لدينا القوة الكافية لمواجهتهم.
الفجوة بين طموحاتنا وقوتنا واضحة ومؤلمة. لا يمكن سدها بمجرد الحشد بشكل أكبر أو رفع الصوت أكثر. نحتاج إلى نهج استراتيجي أكثر فهمًا يسعى لإعادة تشكيل الهياكل السياسية التي تؤثر على سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل.
كيف نمنع تكرار ما حدث لبومان وبوش؟ كيف نغير مواقف ديمقراطيين مثل غريغ ميكس[16]، وغريس مينغ[17]، وأدريانو إسبايلات[18]، وهاكيم جيفريز[19]؟ هل يكون ذلك فقط عن طريق الاحتجاج بصوت أعلى أمام مكاتبهم؟ هل نجمع 20 مليون دولار لكل دائرة ونقوم بمواجهتهم في الانتخابات التمهيدية؟
تقييم واضح ونظرية واضحة للحالة أمران ضروريان. لست متأكدًا من أن الاحتجاجات الأكبر والأعلى ستنجح. ولا أعتقد أن إصدار بيانات صحفية أفضل أو تحقيق تنسيق أعمق بين المجموعات اليسارية أو استخدام رسائل أو تكتيكات مشتعلة ستكون فعّالة.
مؤخرًا، رأيت احتجاجًا صغيرًا خارج مكتب جيفريز — حوالي عشرة أو خمسة عشر شخصًا من مجموعة حقوقية، معظمهم لم يكونوا من السود. كان هذا تذكيرًا بالفجوة بين طموحاتنا وقوتنا على الأرض. لتغيير موقف جيفريز، سنحتاج على الأرجح إلى تنظيم يفوق متبرعي AIPAC وتعبئة منظمات السود في دائرته. بخلاف ذلك، ما الفائدة من الذهاب إلى مكتبه بخمسة عشر شخصًا؟ نحتاج أن نكون واقعيين بشأن المسافة بين ما نحن عليه وما نحتاج أن نكونه.
لتغيير ميزان القوى بشكل حقيقي، نحتاج إلى التركيز على أربع مجالات حاسمة. أولاً، الاستثمار في تنظيم مستدام يبني الثقة والعلاقات داخل مجتمعات السود، واللاتينيين، والطبقة العاملة. ثانيًا، إنشاء بنية تحتية مالية وانتخابية قوية طوال العام تدعم مجموعات مثل Justice Democrats، وJewish Vote،[20] وWFP، وDSA، مما يتيح لها المنافسة مع النفوذ المالي لـAIPAC ودعم المرشحين حتى خارج دورات الانتخابات. ثالثًا، تطوير نموذج للمشاركة المدنية يستهدف الناخبين المحتملين في الانتخابات التمهيدية حول أهداف سياسية واضحة، ويحافظ على تفاعلهم المستمر. رابعًا، بناء تحالفات دائمة بين الليبراليين واليسار مع مؤسسات مثل النقابات العمالية، والتقدميين، ومنظمات دينية، وحركات الشباب. بدون هذا التوجه الاستراتيجي، سنستمر في الفشل.
رغم إخفاقاتنا، حققنا بعض النجاحات. هذا العام، دعمت ثماني نقابات عمالية كبرى والجمعية الوطنية للنهوض بالملونين قيودًا على الأسلحة الأمريكية لإسرائيل. هذا إنجاز تاريخي. لكن يجب أن يتحول إلى ضغط مستدام على بايدن وهاريس. حتى إذا فازت هاريس، ليس من الواضح ما إذا كانت المجموعات ستبقي الضغط مستمرًا عند ظهور أولويات أخرى. العديد من المنظمات التقدمية فقدت التمويل فقط لدعمها قيودًا على الأسلحة الأمريكية لإسرائيل. هل لدينا البنية التحتية لدعمها عندما يشتد الضغط؟
تحالف لا يمكن للديمقراطيين تجاهله
الكثير من الناخبين من الطبقة العاملة يدعمون كلاً من هاريس وإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، حتى وإن كانوا متشككين بشأن طريقة عمل الحزب الديمقراطي. أنا أصوّت لهاريس لمنع عودة ترامب. شخصيات مثل نتنياهو، وماسك، وأديلسون يعتمدون على فوز ترامب لتعزيز سلطتهم. هذه الانتخابات ليست فقط عن هاريس؛ بل عنّا وعن التحالف الأوسع الذي نحاول بناؤه، تحالف يمكنه بالفعل إيقاف دعمنا للحكم العسكري الإسرائيلي على الفلسطينيين.
أعلم أن العديد منكم يشعر بعبء ثقيل. كيف يمكن أن تصوّت لمرشحين دعموا الفظائع ضد الفلسطينيين؟ إنه اختيار مؤلم. الكثير من أصدقائي وعائلتي لا يصوّتون لهاريس بسبب دعمها للمساعدات العسكرية لإسرائيل. وقد يكلفها هذا القرار الانتخابات. ومع ذلك، هنا أنا، أصوّت لها على أي حال — ليس لأنني أؤيد سجلها، بل لأنني أعتقد أن تحالفها هو الذي نحتاج لتنظيمه والعمل إلى جانبه.
أفهم الغضب والحزن لدى إخوتي وأخواتي الفلسطينيين واللبنانيين، الذين يكافحون للتصويت لحزب يمول العنف ضد عائلاتهم. لا ألوم أي شخص لا يستطيع دعم هاريس. بالنسبة لأولئك الذين يفكرون في خيارات الأطراف الثالثة أو حتى ترامب، من الضروري أن نتذكر أن ما نقوم به بعد يوم الانتخابات هو الأهم. الابتعاد عن عملنا في تحدي الحزب الديمقراطي كديمقراطيين هو بالضبط ما تريده AIPAC — فهذا يعرض السلطة لأولئك الذين قد يفعلون ما هو أسوأ بكثير.
أرى أفقًا متوسط المدى يستحق السعي لتحقيقه، من شأنه أن يضعنا في موقع أفضل لوقف المجازر في غزة. تخيلوا أن يتحدث أعضاء مجلس الشيوخ مثل جون أوسوف[21] ورافاييل وارنوك[22] — ممثلين عن الأصوات اليهودية والسوداء في التيار الديمقراطي — جنبًا إلى جنب مع زعيم أمريكي عربي يلقي خطبًا تاريخية في الكونغرس. لتحقيق أغلبية في الكونغرس، لعلهم يدعون إلى إنهاء الأسلحة الأمريكية التي تدعم الحكم العسكري الإسرائيلي، مع الاستمرار في دعم حق إسرائيل في الوجود، وأمنها، وبعض أنظمتها الدفاعية. تحقيق هذه الأهداف لن يحقق كل ما يلزم للعدالة للفلسطينيين، لكنه سيستهدف أسوأ ممارسات إسرائيل العسكرية غير العادلة مع إتاحة المجال لبناء تحالفات أوسع داخل الحزب الديمقراطي.
إنه خطوة صغيرة لكنها ضرورية نحو تغيير السردية حول السياسة الأمريكية، مما يوضح كيف يمكن لتحالف متعدد الأعراق والأديان إعادة تعريف الممكن سياسيًا. تحقيق هذا الدفع حتى بالحد الأدنى يبدو بعيدًا، لكنه هدف يمهد الطريق لتغيير طويل المدى من خلال جمع أصوات متنوعة حول مطلب واضح وقابل للتحقيق.
لنكن واضحين: الأمر ليس حول بايدن أو هاريس. إنه عنّا. عن ما نبنيه — خطوة بخطوة، وانتخابًا بعد انتخاب — وعن إنشاء بنية تحتية لا يستطيع الحزب الديمقراطي تجاهلها: الناخبين، والمتبرعين، والمؤسسات.
هذا عمل مرهق — مؤلم، وبطيء، ومليء بالانتكاسات التي قد تبدو بلا نهاية. لكن السياسة الحقيقية تتطلب منا بناء القوة خطوة بخطوة، وانتخابًا بعد انتخاب، بتركيز لا يلين. نحن بحاجة إلى تعزيز العلاقات مع تحالف واسع من المؤسسات السياسية والمجتمعية الرئيسية في المناطق المهمة، وتأمين تمويل طويل الأجل للبنية التحتية الانتخابية مثل Justice Democrats وDSA، وتفعيل الناخبين على مدار السنة، وليس فقط عندما تقترب الانتخابات.
لا توجد طرق مختصرة، فقط العمل الدؤوب والاستراتيجي في التنظيم الذي يجعل تغييرات السياسة في متناول اليد. قد يكون غير مبهر، لكنه الطريق الوحيد للمضي قدمًا إذا كنا نريد تحقيق التغييرات التي نناضل من أجلها.
قائمة الهوامش
[1]. نشرت المادة الأصلية بتاريخ 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024؛ في موقع JACOBIN بعنوان "Reckoning With the Left’s Many Failures".
https://jacobin.com/2024/11/the-left-gaza-democrats-movement
[2]. وليد شهيد هو مدير منظمة Bloc (وهي منظمة Bloc هي مجموعة سياسية تقدمية في الولايات المتحدة، تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية من خلال دعم المرشحين التقدميين وتطوير السياسات التي تخدم مصالح الطبقة العاملة والمجتمعات المهمشة)، والمتحدث السابق باسم Justice Democrats، (سيأتي التعريف بها لاحقًا)، وعمل وليد شهيد كذلك مستشارًا لحملة "غير ملتزم" ولألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، وجمال بومان. وليد شهيد يحاول في مقالته هذه بيان معضلة التصويت في هذه الانتخابات، فهو وبالرغم من اعتراضه على تمويل إدارة بايدن الديمقراطية لحرب الإبادة الجماعية على غزة ولبنان، فإنه سوف يصوت لكاميلا هاريس.
[3]. عضو سابق في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، في عام 2020، فاز بومان في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، متغلبًا على النائب المخضرم إليوت إنجل، مما جعله أحد أبرز الوجوه التقدمية في الكونغرس. في يونيو 2024، خسر بومان الانتخابات التمهيدية أمام منافسه جورج لاتيمر، الذي حظي بدعم مالي كبير من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، حيث أنفقت اللجنة حوالي 25 مليون دولار لدعم لاتيمر، مما جعل هذه الانتخابات التمهيدية من الأغلى في تاريخ مجلس النواب الأمريكي. تُعتبر خسارة بومان انتكاسة للتيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي، خاصةً في ظل التدخلات المالية الكبيرة من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل للتأثير على نتائج الانتخابات.
[4]. سياسية أمريكية، ممرضة، وناشطة في حركة “حياة السود مهمة”. شغلت منصب عضوة في مجلس النواب الأمريكي ممثلةً للدائرة الأولى في ولاية ميزوري منذ عام 2021 حتى خسارتها في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في أغسطس 2024. تُعد بوش أول امرأة أمريكية من أصل أفريقي تمثل ميزوري في الكونغرس. في أغسطس 2024، خسرت بوش الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي أمام المدعي العام المحلي ويسلي بيل، الذي حظي بدعم قوي من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك).
[5]. حملة بيرني ساندرز لعام 2016 كانت حملة انتخابية ترشح فيها السيناتور بيرني ساندرز، عن ولاية فيرمونت، للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. رغم أن ساندرز لم يفز بالترشيح، إذ حصلت هيلاري كلينتون على ترشيح الحزب في النهاية، إلا أن حملته كانت ذات تأثير كبير وأدت إلى إحداث تغييرات في المشهد السياسي الأمريكي.
[6]. أرملة شيلدون أديلسون والذي كان رجل أعمال وملياردير أمريكي، وُلد في 4 أغسطس 1933 في بوسطن، ماساتشوستس، وتوفي في 11 يناير 2021. اشتهر بكونه رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “لاس فيغاس ساندز” (Las Vegas Sands)، التي تدير بعضًا من أكبر الكازينوهات وقاعات المؤتمرات في لاس فيغاس ومكاو وسنغافورة. كما كان مالكًا لصحيفة “إسرائيل هايوم” الإسرائيلية. صنفته مجلة فوربس ضمن أغنى أثرياء العالم، حيث احتل المرتبة الثامنة بثروة تقدر بـ40 مليار دولار. كان أديلسون معروفًا بدعمه القوي لإسرائيل، حيث أسس مع زوجته مؤسسة “أديلسون فاونديشن” التي تركز بشكل كبير على دعم قضايا تتعلق بإسرائيل واليهود. كما كان من أكبر المساهمين والممولين للحزب الجمهوري الأمريكي، مما منحه تأثيرًا كبيرًا داخل الحزب.
[7]. مجموعة من النساء التقدميات في الكونغرس الأمريكي.
[8]. حزب العائلات العاملة (Working Families Party - WFP) هو حزب سياسي تقدمي في الولايات المتحدة تأسس في عام 1998، ويهدف إلى دعم السياسات التي تعزز حقوق العمال والأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط. يُعتبر الحزب داعمًا للقضايا الاجتماعية والاقتصادية العادلة، ويسعى لتمثيل مصالح الطبقة العاملة في مواجهة تأثير الشركات الكبرى والنخب الاقتصادية.
[9]. الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا (Democratic Socialists of America - DSA) هي منظمة سياسية تقدمية يسارية في الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية من خلال سياسات ديمقراطية اشتراكية. تأسست المنظمة في عام 1982 وتعد من أكبر التنظيمات الاشتراكية في البلاد، وتركز على تعزيز حقوق العمال، وتحقيق المساواة، وتقليل تأثير الشركات الكبرى في السياسة.
[10]. منظمة تقدمية في الولايات المتحدة تأسست في عام 2017 بهدف دعم المرشحين التقدميين داخل الحزب الديمقراطي والعمل على تحويل الحزب إلى قوة سياسية تمثّل الطبقة العاملة والمجتمعات المهمشة. تسعى المنظمة إلى إحداث تغيير جذري في الحزب من خلال دعم مرشحين لا يقبلون تمويل الشركات الكبرى ويركزون على قضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية، مثل الرعاية الصحية الشاملة، ومكافحة التغير المناخي، وحقوق العمال.
[11]. حملة “غير ملتزم” (Uncommitted campaign) تشير إلى حملة سياسية يقودها ناشطون تقدميون أو منظمات داخل الحزب الديمقراطي بهدف التعبير عن عدم التزامهم بمرشح الحزب، عادةً نتيجة لعدم رضاهم عن مواقف الحزب أو مرشحيه تجاه قضايا حساسة، مثل القضية الفلسطينية.
[12]. اللجنة الوطنية الديمقراطية (Democratic National Committee - DNC) هي الهيئة الرئيسية التي تدير الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة. تأسست اللجنة في عام 1848، وهي مسؤولة عن وضع وتنفيذ استراتيجيات الحزب وتوجيه الأنشطة الانتخابية على مستوى الولايات المتحدة.
[13]. سياسية أمريكية وعضوة في مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي، ي من أصول بورتوريكية، وتُعد واحدة من أصغر أعضاء الكونغرس وأكثرهم شهرة. برزت عندما فازت في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية لعام 2018 على النائب المخضرم جو كراولي، مما شكل مفاجأة كبيرة في السياسة الأمريكية، حيث كانت تُعتبر حينها مغمورة نسبيًا. بعد فوزها، أصبحت رمزًا للجيل الجديد من التقدميين داخل الحزب الديمقراطي.
[14]. سياسية أمريكية وعضوة في مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي. انتخبت في عام 2018 لعضوية مجلس نواب ولاية بنسلفانيا، لتصبح أول امرأة سوداء تمثل جنوب غرب بنسلفانيا في المجلس. خلال فترة عملها، كانت مناصرة قوية لحقوق العمال، والعدالة البيئية، والمساواة العرقية. في عام 2022، ترشحت لمجلس النواب الأمريكي عن الدائرة 12 في بنسلفانيا، وفازت بالانتخابات، لتصبح أول امرأة سوداء تمثل الولاية في الكونغرس. تُعرف سمر لي بمواقفها التقدمية ودعمها لسياسات مثل الرعاية الصحية للجميع، والتعليم المجاني، والعدالة البيئية.
[15]. عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي وزعيم الأغلبية فيه.
[16]. عضو في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي.
[17]. سياسية أمريكية، عضو في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي.
[18]. عصو في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي.
[19]. زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي.
[20]. منظمة يهودية أمريكية تركز على القضايا التقدمية.
[21]، سياسي يهودي أمريكي، عضو في مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي.
[22]. قس وسياسي أمريكي أسود، عضو في مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي.