مقام يوسف .. عدوى النموذج والبحث عن المواجهة
على سبيل التقديم..
تصل منصة إطار العديد من المساهمات، التي تستحق النشر، بعض هذه المساهمات خالية من اسم كاتبها، مما يضطر المنصة لنشرها باسم "مساهمات". هذه المادة من تلك المساهمات، وتتناول الحالة التي أصبح عليها "قبر يوسف" في نابلس عنصر تثوير للشبان الفلسطينيين، واشتباك مستمرّ مع قوات الاحتلال، وتستدعي المادة في هذا الصدد الحكاية التاريخية للقبر، ومحطات الاشتباك التي كان القبر محورها من قبل، كما في هبة النفق، والانتفاضة الثانية، والظروف التي تحيط بحالة الاشتباك الراهنة الآن، وشكل هذه الحالة وعناصرها. وقد يجدر نشر مادة كهذه بالتزامن مع تهديد الاحتلال بتوسيع عدوانه على مراكز المقاومة في الضفّة الغربية، ومحاولته ابتزاز السلطة الفلسطينية، وتحريضه على تلك المراكز.
· التحرير
في الثلاثين من آب/ أغسطس لهذا العام، أصاب رصاص مقاومين فلسطينيين مستوطنيْن اثنين اقتحما رفقة آخرين شارع عمان شرقي نابلس ليؤدوا طقوسهم التلمودية في مقام يوسف[1]. فرّ المستوطنون من سيّارتهم تحت الرصاص، واختبؤوا بين الأشواك 40 دقيقةً حتى وصلتهم نجدة جيش الاحتلال. إصابة المستوطنيْن لم تكن حدثًا بلا سياق، فقد أصبح الاشتباك المسلح هو الطابع الأساسي لمواجهة اقتحامات المستوطنين وجيش الاحتلال لقبر يوسف خلال الشهور الأخيرة.
يعيدُنا الحدث إلى السنوات السابقة، حيث كان اقتحام المقام روتينًا "إسرائيليا" يمرّ دون أن تعكّره مواجهةٌ فلسطينية حقيقية، قبل أن تُغيّر حروب المقاومة بغزة في وعيَ "فلسطيني ما بعد الانقسام" بنفسه عميقًا، وتمنحه الشرط الأساس لإمكان المقاومة، وهو الإيمان بالذات، بإمكانيتها وقدرتها، وقابلية العدوّ للهزيمة، بقدر الإيمان بحقّانية القضية التي يقاتل من أجلها.
يشبّه كثيرون "سيف القدس" بمعركة الكرامة التي خاضها الفدائيون في 1968. منحت الكرامة الفلسطيني نَفسَه، وملّكته قضيّته، ونحّت الزعامات العربية من التّحكم بالقضية الفلسطينية، ثمّ هي، وهو الأهم، صنعت على المستوى التعبوي صورة جديدةً للفلسطيني، الفلسطيني الذي يمكنه القتال والانتصار، بعد أن كان الفلسطينيّ المهزوم والمشرّد والمنكوب، وعلى هذا المستوى، فقد كان أثر سيف القدس في الفلسطيني، وفي الضفاوي أساسًا، مشابهًا لأثر الكرامة، وبما أن إمكانية الانتقال الفيزيائي إلى ميدان القتال الأساس و"معسكرات الثورة" ليس متاحًا كما كان بعد الكرامة، فقد قرّر الجيل الفلسطينيّ الجديد أن يقيمَ مقاومته في مساحته الجغرافية، بأداته مهما بدَت بالغة المحدودية.
عند قبر يوسف، استمرّت المواجهات لشهور طويلةٍ على هيئة مواجهات انتفاضة الـ 87، بالحجارة والمولوتوف، وما يشابهها، غيرَ أنّ الأداة تطورت مع استقرار نموذج الاشتباك المسلّح في مخيم جنين، ثمّ توسعه وانتقاله لمساحات جغرافية أخرى في الضفة، كانت نابلس أولها، فأصبح الرصاص مظهرًا لا يكاد يغيب عن كل اقتحام من اقتحامات الاحتلال ومستوطنيه لقبر يوسف.
كان اقتحام المقام روتينًا "إسرائيليا" يمرّ دون أن تعكّره مواجهةٌ فلسطينية حقيقية، قبل أن تُغيّر حروب المقاومة بغزة في وعيَ "فلسطيني ما بعد الانقسام" بنفسه عميقًا، وتمنحه الشرط الأساسي لإمكان المقاومة، وهو الإيمان بالذات، وقابلية العدوّ للهزيمة
مسمار في الخاصرة
لا يعرفُ كثيرٌ من الفلسطينيين الأحياء، شكل مقام يوسف من الداخل إلّا من الصّور التي يبثّها المستوطنون لمكائهم وتصديتهم فيه – ما يدعونه صلاتهم - ، ينطبق هذا على سكّان المنطقة التي ينتصب فيها المقام في قرية بلاطة، أو "بلاطة البلد" حسب التسمية الشعبيّة في نابلس.
يدّعي الاحتلال أن المقام عائد للنبي يوسف "عليه السلام"، بعد نقل رفاته إليه من مصر، إلا أن الرواية اليهودية مع كونها عارية من الدليل التاريخيّ أو الأركيولوجيّ، فهي مناقضة للشكل المعماريّ للقبر الذي تعلوه قبّة على الطراز الإسلامي، كما تؤكّد المصادر أن البناء أقيم مطلع القرن العشرين تخليدًا لرجل صالح يُدعى يوسف دويكات[2]، أو أنّه سميّ باسم يوسف تيمّنًا بالنبّي كما هي عادة المسلمين في تسمية بعض مقاماتهم (كمقام النبي موسى مثلًا) لا لكونها تضمّ رفاتهم على الحقيقة[3].
بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 تعامل الاحتلال مع مقام يوسف بوصفه مقامًا مقدسًا عند اليهود، فسيّر الرحلات إليه، ثمّ أقام مدرسةً يهودية فيه عام 1986. وفي عام 1990 تحول القبر إلى نقطة عسكرية يسيطر عليها جيش الاحتلال، وهو العام نفسه الذي صنّفه الاحتلال فيه وقفًا يهوديًا. [4]
وخلال مفاوضات أوسلو 1993 استسلم المفاوض الفلسطينيّ للرغبة "الإسرائيلية" باعتبار مقام يوسف موقعًا يهوديًا رغمَ كونه مقامًا في المنطقة "أ" التي يفترض أنّها خاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية الكاملة للسلطة حسب الاتفاق[5]، وبهذا تحوّل القبر إلى "مسمار جحا"، يتذرّع الاحتلال به ليحضرَ مباشرةً في حياة الفلسطينيين، ويفرض به على السلطة دورَها المتصوّر لها في الاتفاقية، حائلاً بين الفلسطينيين والاحتلال.
وفي الانتفاضة الثانية التي تميزت عن سابقتها باستخدام كبير للسلاح الناري فإن قبر يوسف قد شهد مواجهات مسلحة في مطلع الانتفاضة نتج عنها استشهاد ستة فلسطينيين ومقتل جندي "إسرائيلي"، ولا ننسى في هذا المقام هبة النفق في عام 1996 التي شهد فيها محيط قبر يوسف اشتباكًا بين الأجهزة الأمنية وقوات الاحتلال انتهت إلى استشهاد فلسطينييْن ومقتل 6 من جنود جيش الاحتلال.
تحوّل قبر يوسف إلى "مسمار جحا" بعد التنصيص عليه موقعًا يهوديًا في اتفاقية أوسلو، يتذرّع الاحتلال به ليحضرَ مباشرةً في حياة الفلسطينيين، ويفرض به على السلطة دورَها المتصوّر لها في الاتفاقية، حائلاً بين الفلسطينيين والاحتلال
وبعد أفول نجم الانتفاضة الثانية وترسيخ نفوذ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، أصبح اقتحام قبر يوسف يجري دوريًّا في ظل التنسيق الأمني، وعلى الرغم من ذلك، لم تكن الاقتحامات تمر دون مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال بوتيرات متفاوتة، فقد استخدم الشبان في تلك المواجهات الحجارة والمولتوف وإشعال إطارات السيارات وغيرها. لم تكن تلك الأدوات تمنع أو تحول دون اقتحام المستوطنين برفقة قوات الاحتلال لأداء الصلوات داخل القبر، وإنما كانت أدوات تعكر وتعيق تلك الاقتحامات، وتستفز أحيانًا قوات الاحتلال والمستوطنين كثيرًا، كما حدث على إثر احراق القبر في 16 تشرين أول/ أكتوبر 2015، مع مطلع هبّة القدس[6].
مؤخرًا، عاد قبر يوسف ليتصدر مناطق الموجهات في الضفة الغربية، ولكن هذه المرة لم تقتصر تلك المواجهات على الحجارة والمولتوف. وإنما استخدم المقاومون أدوات الانتفاضة الثانية، أي الأسلحة والاشتباكات، لم يكن قبر يوسف أول من أعاد إنتاج واستخدام أدوات الانتفاضة الثانية، فقد نالت محافظة جنين بمخيمها وريفها قدم السبق، ومن ثم سارت نابلس وغيرها من المدن والمحافظات والمخيمات والقرى على ذات النهج.
عدوى النموذج وعدوى الاشتباك
تسمى هذه الحالة في أبجديات الثورات بعدوى النموذج، وينظِمُها العقل الشعبيّ مثلًا يقول إن "نفس الرجال يحيي الرجال"، وتتبنى هذه المادّة مصطلح عدوى الاشتباك، وإذا كانت جنين أصل الحالة فإن عدواها قد وصل إلى نابلس، وقد كان الأسير عبد الحكيم شاهين أول من التقط العدوى، وبدأ ومجموعته التي ضمت الشهيدين محمد الدخيل وأدهم مبروكة وغيرهم من المقاومين بالتصدي أولا لاقتحامات جيش الاحتلال لمدينة نابلس، فقد كانت تلك المجموعة تلاحق جنود الاحتلال وجيباته العسكرية وتطلق عليهم النار عند اقتحامهم الأحياء السكنية بهدف الاعتقال أو عند اقتحامهم قبر يوسف لحماية المستوطنين.
ربما ظنت مخابرات الاحتلال أن القضاء على هذه المجموعة قد ينهي الحالة الثورية الوليدة في مدينة نابلس، فقامت قوات خاصة من جيش الاحتلال باعتقال عبد الحكيم شاهين في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وفي كانون الأول من العام نفسه ارتقى الشهيد جميل الكيال في حي راس العين خلال التصدي لاقتحام قوات الاحتلال، وفي مطلع العام الحالي استشهد الشاب باكير الحشاش من مخيم بلاطة إثر اشتباك مسلح وقع في مخيم بلاطة، وفي شهر شباط/ فبراير من هذا العام كذلك اغتالت قوات الاحتلال الشهداء محمد الدخيل وأدهم مبروكة وأشرف المبسلط.
لم تفلح تلك الاغتيالات والاعتقالات في القضاء على الحالة الثورية الوليدة في مدينة نابلس، ولم تتوقف عدوى الاشتباك أيضًا، فإذا كانت عدوى الاشتباك تعني انتقال الحالة من مدينة إلى أخرى أو من مكان لآخر، فإن ما حدث على إثر تلك الاغتيالات هو توسع عدوى النموذج على المستوى الفردي في المساحة الجغرافية نفسها، فقد شهدت نابلس توسّع المجموعات الأساسية التي قادت حالة المقاومة الحاليّة، ونشوء مجموعات جديدة في المحافظة تأثرًا بالنموذج.
وإذا كان التصدي لاقتحام قبر يوسف قبل الحالة الثورية أو قبل عدوى الاشتباك يتم بأدوات الانتفاضة الأولى كالحجار والمولتوف واحراق الإطارات، فإن التصدي لذلك الاقتحام أثناء الحالة الثورية وبعد انتقال عدوى الاشتباك أصبح يتم بأدوات الانتفاضة الثانية، أي بالأسلحة النارية
كانت جنازات الشهداء الكيال والدخيل ومبروكة والمبسلط، بمثابة إحياء لذاكرة المقاومة عند قطاع واسع من الشبان الذين شاركوا في الجنازات، فمشاعر الحزن والغضب والهتافات والاستعراضات العسكرية أنعشت ذاكرة المقاومة في الانتفاضة الثانية في مدينة نابلس، على الرغم من الانتقاد الذي نال الاستعراضات العسكرية وإطلاق النار في الهواء، والتساؤل عن انتظام جميع السلاح المشاهَد في حالة المقاومة.
وقد يكون من الصعب ومن غير الضروري في الوقت الحالي رسم خارطة جديدة للمجموعات المقاومة في مدينة نابلس، إلا أنه لا يخفى على أحد أن البلدة القديمة في مدينة نابلس بحاراتها الغربية والشرقية أصبحت تعج بالمقاومين الذين يهرعون للاشتباك مع قوات الاحتلال فور دخولهم إلى المدينة، بالإضافة إلى التصدي والاشتباك مع قوات الاحتلال التي تؤمّن الحماية للمستوطنين عند اقتحام قبر يوسف شرقي المدينة، وإذا كان التصدي لاقتحام قبر يوسف قبل الحالة الثورية أو قبل عدوى الاشتباك يتم بأدوات الانتفاضة الأولى كالحجار والمولتوف وإحراق الإطارات، فإن التصدي لذلك الاقتحام أثناء الحالة الثورية وبعد انتقال عدوى الاشتباك أصبح يتم بأدوات الانتفاضة الثانية، أي بالأسلحة النارية وبالأكواع المتفجرة. وإذا كانت أدوات الانتفاضة الأولى تعكر وتعيق وتستفز قوات الاحتلال، فإن أدوات الانتفاضة الثانية تحرم المستوطنين من دخول القبر في بعض الأحيان، وعند إصرار قوات الاحتلال على اقتحام المستوطنين للقبر وتوفير الحماية لهم فإن تكلفة الاقتحام تكون أكبر وأكثر كلفةً، وقد يتكبد الجيش والمستوطنون خسائر بشرية، وهو ما كان من نصيب قائد "لواء السامرة" في جيش الاحتلال العقيد روعي تسفيع الذي تعرض للإصابة بأعيرة نارية أطلقها مقاومون أثناء تصديهم لاقتحام قوات الاحتلال في نهاية حزيران/ يونيو من هذا العام.
ربما استطاعت مخابرات الاحتلال تحديد المقاوم أو المجموعة المقاومة التي أطلقت النار على العقيد تسفيع، لكن ما حدث في تلك الليلة يجعل من تحديد الجهة التي أطلقت النار على العقيد أمرًا صعًبا للغاية، ويعود ذلك إلى العدد الكبير من المقاومين والشبان الذين تصدوا لذلك الاقتحام، ولا يقتصر الأمر على العدد، وإنما على الأماكن التي انطلق منها المقاومون. فعدوى الاشتباك لم تتوقف على البلدة القديمة في نابلس، وإنما امتدت لتشمل مختلف الأحياء السكنية في المدينة.
وبالإضافة لذلك، فإن مخيمات بلاطة وعسكر وعين بيت الماء قد دخلوا على خط الاشتباكات بالتوازي مع دخول البلدة القديمة، وبالعودة إلى مخيم بلاطة الذي يحمل إرثًا كبيرًا وملهمًا في المقاومة والاشتباكات والتصدي لقوات الاحتلال، وعلى الرغم من الحالة التي وصل إليها المخيم نتيجة إغراقه بصراعات النفوذ بين أقطابه والسلطة الفلسطينية، والمشكلات الاجتماعية، فإن انتقال عدوى الاشتباك وعدوى النموذج إلى المقاومين في المخيم يسهم في تشكيل بيئة خصبة للمقاومة وللاشتباك في المخيم، ومما يعطي زخما أكبر للتصدي لاقتحامات قبر يوسف نظرًا لقرب المخيم من قبر يوسف، وإرثه المقاوم، وطبيعته الديموغرافية المتميزة بالكثافة السكانية، وسيادة روح الرفض والمجابهة لدى قطاعات واسعة من أبنائه.
أين التنظيم من كل هذا؟
أعادت الحالة الثورية في مدينة نابلس استخدام أدوات الانتفاضة الثانية في التصدي لقوات الاحتلال عند اقتحام المدينة والاشتباك معها وإطلاق النار على الحواجز والمعسكرات الإسرائيلية والذي أخذ الطابع التنظيمي آنذاك، وقد لمع اسمع كتائب شهداء الاقصى وكتائب القسام وكتائب أبو علي مصطفى وسرايا القدس في تلك المواجهات، والمقصود هنا بالطابع التنظيمي هو الحالة التي تكون بها المجموعة المقاومة تتبع لتنظيم معين وتنضوي تحت مظلته، ويكون الفصيل السياسي في هذه الحالة هو المسؤول عن التمويل والتسليح وقرار الهجوم أو التهدئة، ولكن ما يميز هذه الحالة الثورية هو تجاوز الحالة التنظيمية الكلاسيكية، رغم الخلفية التنظيمية لعدد من المقاومين.
يظهر هذا في انخراط أعدادٍ من المقاومين ذوي الخلفيات التنظيمية المختلفة في أطرٍ جديدةٍ موحّدة، وفي التسميات الجديدة التي أطلقها المقاومون على تجمعاتهم، ففي البلدة القديمة أسمى المقاومون مجموعتهم باسم "عرين الاسود"، بينما درجت تسمية "كتيبة" على المجموعة المقاومة حسب منطقتها، مثل "كتيبة بلاطة".
ثمة أسباب عديدة تكمن خلف ظاهرة تجاوز الحالة التنظيمية، نحاول هنا تتبع حالة الخروج عن التنظيم عند المقاومين من خلفيات فتحاوية، ذلك لأن غالبية الشهداء المقاومين الذين ارتقوا في الحالة الثورية في مدينة نابلس جاؤوا من خلفية فتحاوية، وعلى الرغم من حالة الخروج عن التنظيم عند المقاومين، إلا أن التنظيم كان حاضرًا في تبني الشهداء وفي بيوت الأجر وفي الجنازات.
لا يخفى على أحد أن ثمة حالة من التناقضات الداخلية والصدامات بين الكوادر الفتحاوية سواء في مدينة نابلس أو مخيم بلاطة، مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وهو ما أحدث حالة من البعد ما بين الكوادر الفتحاوية من جهة وما بين القيادة السياسية للتنظيم والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى.
ولعل استخدام الأجهزة الأمنية القوة الخشنة واليد الحديدية أحيانًا تجاه الكوادر الفتحاوية في البلدة القديمة ومخيم بلاطة هو ما عزز حالة الخروج عن التنظيم، فقد تعرضت عائلة الشهيد عبد الرحمن صبح مثلًا لقمع الأجهزة الأمنية عند استقبال أحد أبنائها الأسرى، كما تعرض الشهيد أدهم مبروكة والشهيد إسلام صبوح للسجن عدة أشهر في سجون الأجهزة الأمنية على إثر أحداث أليمة دارت في البلدة القديمة.
وفي مقابل ظاهرة الخروج عن التنظيمات، بزرت حالة تعدد التنظيمات، ولا يقصد هنا تعدد التنظيمات المقاومة في الحالة الثورية فحسب، وإنما تعني أيضًا تقديم عدة تنظيمات الدعم والتمويل لنفس المقاوم أو لنفس المجموعة المقاومة، فقد ظهر الشهيد إبراهيم النابلسي بمقطع فيديو يقول فيه" إبراهيم النابلسي – كتائب شهداء الأقصى" كما ظهر النابلسي بعدة صور وهو يرتدي عصبة سرايا القدس ومن خلفه علم السرايا، وكما نُشر تسجيل صوتي للنابلسي يشكر فيها كتائب القسام على دعمها، ويحيّي قائدها محمد الضيف.
وربما لم تتوقف حالة تعدد التنظيمات عند الشهيد إبراهيم النابلسي، فقد تكررت مع غيره من المقاومين، وهذه الحالة تعكس رغبة الفصائل في دعم الحالة الثورية في مدينة نابلس وتطويرها، وعلى الجهة الأخرى، ربما توحي هذه الحالة بالنقص والعجز عند بعض الفصائل في الكوادر القادرة على الانخراط في الحالة الثورية.
تُظهر الحالة الثورية الحالية في نابلس تراجع الحالة التنظيمية التقليدية، إما لأسباب ذاتية كعدم الرغبة في ترسيخ نماذج ثورية تضرّ بوضع السلطة القائم، أو لعجز التنظيمات المقاومة عن النهوض، وتجاوز الظرف الموضوعي المعقّد