من المعجم إلى الميدان .. كيف طوَّر الفلسطينيُّ دِلالةَ ألفاظه؟

من المعجم إلى الميدان .. كيف طوَّر الفلسطينيُّ دِلالةَ ألفاظه؟
تحميل المادة

على سبيل التقديم

تزامنًا مع حلول اليوم العالمي للغة العربية، تلتفتُ المادة التي بين أيدينا إلى حقل طريف من حقول اللغة وهو تطور دلالة الألفاظ من المعنى المعجمي، إلى معنىً آخر، أو إلى تقييد أو إطلاق آخر منطلق من المعنى المعجمي.

وتطور دلالات الألفاظ دليلٌ على حيوية اللغة التي استطاعت بلفظ هو منها، أن تواكب جِدّة الزمان وتطوراته دون حاجةٍ إلى اشتقاق متعسف، أو استيرادٍ تعريبيّ، مثلًا. وهذا الثراء والإمكان دليلُ حياة اللغة، ومفتاحُ استمرارها كذلك، وهو بعدُ دعوة لأهل هذه اللغة إلى الابتكار من داخلها لمواكبة العصر، وإلى مواكبةِ العصر إنتاجًا وإبداعًا حفاظًا على لغتهم التي هي جزءُ من هويتهم.

وفي السياق الفلسطيني، الذي اكتسبَ خصوصيته من الاحتلال والنضال ضدّه، تبرزُ مجموعةٌ من الألفاظ التي اكتست بالمعنى الفلسطيني، وهذا يؤشّر إلى أنّ النّضال الذي هو في جهةٍ من جهاته نضالٌ منطلقٌ من الهوية المستقلة، ومدافعٌ عنها (والعربية ركن أساسي من أركان الهوية الفلسطينية)، فإنّه يمكنُ أن نقول إن النضال واحدٌ من ضروب الإنتاج في اللغة الذي يمنحها حياتها وديمومتها.

التحرير

مقدِّمة 

         في اللغةِ هنالكَ ظاهرةٌ تدعى بـ "التطوُّر الدِّلالي([1])، وهي ظاهرةٌ لغويّة، تسلِّط الضَّوْءَ على انزياحِ الألفاظِ عن معانيها بين السّابقِ واللّاحق؛ رفعًا للإشكالِ الحاصلِ عند فهمِ اللاحق لنصِّ السّابق، ذلك أنَّ اللغةَ ظاهرةٌ اجتماعية أيضًا، تتطوَّرُ بتطوُّرِ المجتمعِ، ولا يُمكنُ عزلها عنهُ، وهي أرحبُ من أن تضيقَ دِلالاتُ ألفاظها عن تطوُّرِ الحياةِ وتداخُلِ اللُّغات وإلحاحِ الحاجة في المجالات كافة، الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والإعلامية والسياسية وغيرها.

         في السياقات السياسية، يجدُ الدّارسُ أنَّ لغة السياسة قد تطورتْ ووجدتْ سبيلًا لمفاهيمَ سياسيةٍ جديدة، ولمْ يعدْ من المقبولِ أنْ يستخدِمَ السِّياسيُّ اللغةَ في غيرِ مواضعها أو لغيرِ الدِّلالةِ التي تعطيها بما يتناسبُ مع وعيِ الزمانِ الذي قيلت فيهِ؛ لأنَّ اللغةَ تُخضِعُ السياسةَ لها ولا تَخضَعُ هي للسِّياسَةِ. 

         تعالجُ هذه الورقةُ البحثيَّةُ مسألةَ التطوُّر الدِّلالي تحديدًا في لغة السياسة والألفاظ التي تستخدم في سياق القضيةِ الفلسطينيَّة، لحساسيَّةِ القضيّة والصِّراع الممتدِّ منذُ أكثرَ من 100 عام، ولأنَّ المستعمرِ يبحث عن أية ثغرةٍ ليدخل منها مهما كانت، إن لغةً وإن ثقافةً.

 

 

 

 

 

 

 

 نماذج تطبيقية

         الحاجز: جاءَ في معجم لسان العرب أنَّ الحاجِز هو اسمُ ما يفصِلُ بينَ الشَّيْئين([2])، وفي محكمِ التَّنزيلِ يقولُ تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَينَ البَحرَينِ حاجِزًا﴾([3])، أي فاصلًا يحولُ دونَ امتزاجِهِما([4])، وهي دِلالةٌ متقادِمَةٌ أعمُّ من الدِّلالةِ اللاحِقَةِ الحادِثة، التي تعني أنَّه نقطةُ تفتيشٍ، لا تقتصر على كونها تفصل بين منطقتين([5]).

         ظهرَ مصطلحُ الحاجزِ في فِلَسْطينَ بمعناه الحادثِ في عهدِ الدَّولةِ العثمانيَّةِ، حيث كانتْ الحواجزُ آنذاكَ عشوائيةً، والهدفُ منها التَّأكّد من أوراقِ الشَّبابِ الثُّبوتيَّةِ، التي تُشيرُ لإمضائِهمْ المدَّة المطلوبة للجِهادِ، بينما مع الانتداب الإنجليزي أصبحتِ الحواجزُ جزءًا من يوميّاتِ الفِلِسْطينيّ؛ يَضَعها الانتدابُ بحثًا عن الأسلحةِ والذَّخيرَةِ، واستمرَّتْ كذلك مع الاستعمارِ الصهيوني لِفِلَسْطين، وأصبحت أداةَ قمعٍ وإذلالٍ للشَّعْبِ الفِلِسْطيني،([6]) تحاول تكدير حياته، وتستخدم للفصل بين المدن والمناطق، وللاعتقالات، وتشديد الحصار، وتكريس هيمنة الاحتلال على الجغرافيا الفلسطينية.

         يقابلُ مصطلح "الحاجز" العربيَّ "المحسومُ" أو "المخسومُ" في اللغة العبرية، وعلى الفلسطيني النأي عن استخدام المصطلحات العبرية والتمسك بالبديل العربي، حتى لا تُسلب اللغةُ كما سُلبت الأرض، وحتى لا يكونَ للمستعمرِ ما يريدُ.

       العميل: كلمة جذرها عَمِلَ ومنها العاملُ والعميلُ، وهي مفردة تَحمل عند اللاحق دِلالةً مستقبحة في سياق النضال والمقاومة، حيث إنَّ العميل هو عينُ العدوِّ على أهله، وهو الجاسوس الذي يخدم مصالح أعدائه([7])، ولكن الدلالة في السابق لم تكن كذلك، فالعميل في السابق هو من يعامل غيره في شأنٍ من الشؤون كالتجارةِ وغيرها"([8]).

         ما بين عميل السابق، وعميل اللاحق، انقلبت الدِّلالة وصارت سلبيةً يُكرهُ صاحبها، بعدما كانت لمن يعملُ عملًا مشروعًا، أصبحت تُطلَق على من يجلبُ عارًا وذلًا عظيمًا لنفسه بسبب تعامله مع العدوِّ، وتصلُ إلى حدِّ مقاطعته أو التبرئ منه أو قتله.

       المخيم: من الخيمةِ، والخيمةُ هي بيتٌ من بيوتِ الأعراب، تبنى من عيدانِ الأشجارِ([9])، وقد تطورت دلالة الخيمة وأصبحت التي تبنى من القماش أو الصفيح وما شابه([10])، والمُخيَّم اسم مكانٍ من خيَّم، وهو المكان الذي يضمُّ عددًا من الخِيام، هذا في الدِّلالة السابقة، أما الدِّلالة الحادثة للمخيَّمِ فقد تطورت، وشهدت رُقيًا على مستوى الشكل، يتَّضح من الاستعمال الحالي للفظة المخيم في السياق الفلسطيني.

         بالعودة لأحداث النكبة الفلسطينية عام 1948، بعدما هُجِّرَ الأهالي من أراضيهم، وكان آنذاك أمل العودة يسيطر على وجدانهم، أقاموا الخيم مؤقتًا وأُصبح اسم المكان مخيَّم([11])، ومع سيرورة المكان والزمان والأحداث، وتعنت الاستعمار واستيطانه في الأرض الفلسطينية، أقيم للاجئين بيوت حجر بدلًا من الخيام، مع احتفاظ المخيم باسمه.

         من الواضح أن الدِّلالة تطورت وترقَّت على المستوى الشكلي، والجامع بين الدِّلالتين الإقامة والتخييم، ولم يعد مخيَّم اللاحق مجرَّد مكانٍ تنصب فيه الخِيَم، إنما أصبح رمزًا وطنيًا فلسطينيًا، وصارت المخيمات تكبر وتتسع مع تزايد اللاجئين، مع ثبات رمزية المخيَّم وتمسك أهله بالعودة لبيوتهم وأراضهم([12])

       التَّطبيع: يُقال طبَّع ابنه على شيء، بمعنى "عوَّدَه عليه"([13])، ومنها يُطبِّعُ تطبيعًا فهو مطبِّع، والتَّطْبيعُ عندَ السابق تطويعُ الشيء وجعله معتادًا طبيعيًّا([14])، لكن للتَّطْبيع دِلالةً حادثةً في سياقِ النضالِ الفلسطينيّ، فهوَ حسب تعريفِ حركةِ مقاطعةِ إسرائيل (BDS)([15]): "المشاركةُ طوْعًا في أيِّ شيءٍ يجمعُ بين فلسطينيين أو عرب وإسرائيليين، دون تحقُّقِ شرطين، الأول، اعتراف الطرفِ الإسرائيليّ بحقوقِ الشَّعبِ الفلسطينيّ، والثاني، أن يكونَ هدفُ مشاركةِ الطرفين النضالَ ضدَّ نظامِ الاستعمارِ الإسرائيليّ"، وهي محاولة لإيجاد معيار مشترك لمفهوم التطبيع، وإن كان ثمّة من يذهب أكثر من ذلك في تصوّره لمفهوم التطبيع، والذي لم يكن رائجًا لسنوات طويلة من عمر الصراع، إذ كان الرائج مفهوم "مقاطعة إسرائيل"، إذ لم يكن متصورًا، أن يقوم بين "إسرائيل" على المستوى السياسي أو بين أفرادها وبين العرب أي شكل من التواصل السياسي أو الثقافي أو الإعلامي[16].

         يتَّضح مما ذُكر أنَّ دِلالةَ التطبيعِ انتقلت من كونها دلالةً عامةً للتطبُّع بأي شيء والتعوّد عليه، إلى كونها خاصة بالاعتراف بالاستعمار الإسرائيلي وجعل العلاقات معه طبيعيةً اعتياديةً، وهي أيضًا دلالةٌ سلبية شهدت انحطاطًا، فالتطبيع غير مقبول وصاحبه مُدانٌ؛ يستحق المقاطعة طالما لم يتراجع عن فعله([17]).

       المفاوضات: فاوض يفاوض مفاوضةً، والجمعُ مفاوضات، وقد حملت هذه المفردات معاني التفويض أي التوكيل والمجاراة والأخذ في الحديث والشركة، وفي لسان العرب، المفاوضة: "المساواة والمشاركة وهي مفاعلةٌ من التفويض"([18])، فدرجت في سياق ترديد الأفكار ومراجعتها ومباحثتها بين المتناظرين، ثم استخدمها اللاحقُ لوصف فعل المفاوض، حيث يشارك صاحبُ الرأيِ وينسِّق معه بهدف الوصول إلى اتفاق([19])، وفي مجال القضية الفلسطينية فالمفاوض هو من يقوم بالمفاوضة مع الاستعمار الإسرائيلي، بهدف البحث عن حلّ مشترك للقضية الفلسطينية، وقد استخدمت في عموم الصراع العربي الإسرائيلي بين "إسرائيل" والدول العربية التي أجرت مباحثات سلام معها، وهي بالضرورة مستخدمة في العديد من السياقات التجارية والسياسية والقانونية العالمية، بيد أن المفاوضات في السياق الفلسطيني أفضت إلى سياسات أخرى كالتنسيق وتبادل المعلومات، ممّا جعلها مفردة ذات دلالةٍ مستقبحةٍ لأنها تدخل ضمن فعل التطبيع، وتشريع الاحتلال، وخدمةِ مصالحه، فضلاً عن التباين الفلسطيني الداخلي حول الموقف من مبدأ مفاوضة العدوّ أصلاً. 

         وهنا تطورٌ دلالي طرأ على دلالة المفاوضات فخُصِّصت وانحطَّت؛ الأولى لأنَّها أصبحتْ مختصةً –إذا ما ذُكِرَتْ في السِّياقِ الفِلِسْطيني- بين طرفيْنِ هُما منظَّمَةُ التَّحْرير الفِلِسْطينية والطرف الإسرائيلي المستعمِر، وهي، أي المفاوضات، نتاج مؤتمر مدريد عام 1991 ميلادي، والتي لم ينبثق عنها أية نتائج تصبّ في صالح الفلسطينيين والعرب([20])، أما الثانية، فتعودُ لكونِ فعلِ المفاوضِ يدخلُ في إطارِ التَّطبيعِ المرفوض جملةً وتفصيلًا.

       المستوطن: عند النظرِ في مفردة "المستوطن" في السياق الفلسطيني، يظهر أنه جوهرُ الصُّهيونيَّةِ، ويقومُ الاستيطان على الهجرةِ إلى الأراضي الفِلِسْطينيَّةِ وامتِلاكِها وتَسجيلِها ملكيَّةً عامَّةً لليهودِ ([21])، والمستوطنُ هو هذا المهاجرُ الذي يُملَّك الأراضي، ويقوم الاستعمار الإسرائيلي على حمايته، وقد نشأ المصطلح ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر.   

         في المقابلِ، ما هي الدِّلالةُ السّابقة للمُسْتوطِنِ؟ جاءَ في اللِّسانِ مصطلح اسْتَوْطَنَ الأرضَ بمعنى اتَّخذَها وطنًا، والوَطَنُ هو المَنْزِلُ تقيمُ بِهِ ([22])، وفي معجَمِ ألفاظِ العَرَبِيَّةِ المعاصرَةِ "المُستَوْطِن" هو الذي يقيمُ في بلدٍ ليسَ بلده ويقيمُ به، يُقال استوطن اليهود أرض فلسطين أي اتخذوها وطنًا ([23]).

         من الواضح أن الدِّلالة السابقة تتباين عن اللاحقة، تبعًا للحالة السياسية والحاجة لتخصيص الدِّلالة لتناسبَ حالَ الهجراتِ اليهوديَّة والمقيمينَ عنوةً في الأرضِ الفِلِسْطينيَّة عِوَضًا عن أَهلِها. وشهدت الدِّلالة انحطاطًا أيضًا؛ لأن دِلالَةَ المستوطِنِ في السِّياقِ الفلسطينيِّ تشير للمستعمرِ الذي يَنْهِبُ الأرضَ بغيرِ وجهِ حقٍ، فكيفَ تكونُ هذه الدِّلالةُ مستحسنةً؟

         التهويدُ: يعني "أن يصيَّر الإنسان يهوديًا"([24])، ولكنَّ الدِّلالة الحادثة أصبحت تحمل دلالةً عامةً أكثر، وحملت دلالات جديدة، فالتهويد الحادث هو: "مجموعة السياسات والقوانين والإجراءات التي مارستها الحكومة الصهيونية منذ عام 1947 ميلادي حتى الآن؛ بهدف تغييب الطابع العربي عن الأرض أو المقدَّسات الدينية"([25]).

         يمكن للناظر في الانزياح بين الدِّلالتين ملاحظة تعميمٍ شهدته مفردة التهويد، فلم تعد تقتصر على تهويد الإنسان ونقله من أية ديانةٍ إلى اليهودية، إنما أصبحت تهويد كل شيء، ومحو الطابع العربي والإسلامي عنه، كالأماكن، والشوارع، والمقدَّسات، وحتى الوقائع التاريخية؛ وكل ذلك يصب في المساعي المزعومة للصهاينة في إثبات ارتباطهم التاريخي بالأرض([26]).   

       الانتفاضة: من نَفَض ينفِضُ نفْضًا، والأخيرة مصدرٌ من الأولى، وتعني أخذ الشيءِ وتحريكه لنفض التراب عنه([27])، ومنها انتفض، ويقال انتفض العصفورُ إذا تحرَّك واضطربَ([28])، والانتفاضة اسم مرَّة من انتفضَ، أي أنها الحركة والاضطراب. ومع سيرورة الزمان والمكان وفي سياق القضية الفلسطينية، انتقلت دلالة الانتفاضةُ إلى مضمار السياسة، وصارت شكلًا من أشكال مقاومة المستعمر، قد تستمر لسنوات، وتضم شريحةً واسعةً من الشعب، لهمْ أهداف سياسيَّة محدَّدة، يسعوْنَ لتحقيقِها تارةً بطرقٍ سلمية، وتارةً بطرقٍ أخرى توازي فعل المستعمر([29]).

       الاجتياح: من الاستئصال([30])، وفي تاج العروس الاجتياحُ هو استئصال المال([31])، وهي دلالةٌ متقادِمة، يقابِلُها في العصرِ الحادثِ دِلالةٌ تَتَّسِعُ أكثر وتحمل دِلالات إضافيَّةً، حيث إنَّ الاجتياحَ الحادث في السِّياقِ الفِلِسطينيّ: هو دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي عنوةً لمنطقةٍ فلسطينيةٍ أو عربيَّةٍ ما، لاعتقالِ المُقاوِمين، أو مهاجمة مقراتهم، أو احتلال مناطق جديدة، أو لفرض وقائع سياسية، مخلِّفًا ضحايا وخسائر، وتتراوح رقعة اجتياحه من حيث المساحة ومن حيث مدّة البقاء.([32])      

         السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ثمَّة تطورٌ دِلاليٌّ طرأ على مفردة الاجتياح؟ والإجابة نعم، يتجلى ذلكَ في كونِ الاجتياحِ سابقًا يحملُ في طيّاتِهِ معنى الإِتيانِ على شيء، ومنها الإتيانُ على الأموالِ، ولكنَّ الدِّلالة اتسعتْ وأصبحتْ تمثِّلُ عمليةً عسكريةً منظَّمةً يلحقها التَّدمير والقتل، والإتيان على الأرواح والبنيان والأموال، لا على الأموال فقط، والجامع بين الدِّلالتين هو الاستئصال.  

       النكسة: فالنَّكسُ في المعاجم القديمة يعني قلب الشيء([33])، والنَّكسة اسم مرةٍ من نَكَسَ، وفي السياق الفلسطيني ضاقت دلالةُ النَّكسة عن كونها قلب عامٌ، إلى كونها مختصة بحادثة هزيمة الجيوش العربية في فلسطين عام 1967 ميلادي، ونزوح آلاف اللاجئين الفلسطينيين عن بيوتهم وأراضيهم، واستعمار الصهاينة لبقية الأراضي الفلسطينية المتمثلة في القدس، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وهضبة الجولان، وصحراء سيناء([34])، وجاءت هذه الهزيمة بعد ثقة الجيوش العربية واستعدادهم نفسيًا وعدةً للحرب، إذ انقلبت حالهم وهُزِموا([35])، وفي معجم ألفاظ العربية المعاصرة النَّكسة: "معاودة المرض بعد البرء"، ويمكن القول أنَّ النَكسة كانت المرض الذي يعود للشعب الفلسطيني بعد البرء من نزف النكبة، وإن المصطلح نحته الكاتب الصحفي المصري الشهير محمد حسنين هيكل، للتخفيف من وقع الهزيمة الكبرى عام 1967،[36] ولتمييزها عن نكبة العام 1948، وللقول بإمكان النهوض من بعد النكسة، في سياق دعم النظام النصاري، ليعدّ المصطلح مخفّفًا من حقيقة الهزيمة التي لم تكن سوى نكبة أخرى.

       الرِّباط: مفردة تعني الإقامة على الثغور التي قد يدخل منها الأعداء([37])، وقد اختصت سابقًا بمعنىً يتعلق برباط الخيل، "ثمَّ صارَ لزومُ الثَّغرِ رباطًا"([38]). وفي فلسطين نقول نحن في أرض الرباط، ومداد الشهداء والأسرى الممتد.. شاهدٌ على ذلك، كما زاد اختص المعنى بالرّباط في المسجد الأقصى المبارك، مع الخطر الداهم الذي يتهدده اقتحامًا وتهويدًا وتقسيمًا زمانيًا ومكانيّا، حتى أطلق لفظ المرابطين والمرابطات في السياق الفلسطيني على عمّار المسجد الأقصى.

 

 

الخاتمة

         في الختام، يظهر مما سبق أنَّ دلالات ألفاظ لغويةٍ معينةٍ تتطور تبعًا للحالة الفلسطينية والمعطيات المتوقعة وغير المتوقعة، والمستعمرُ في حالاته كافةً يستهدف هذه البلاد، بما يتضمن لغتها وهويَّتها الثقافيَّة، وهذا ما ترجمه الاستعمار الغربي للدول العربية فعلًا على أرض الواقع في الجزائر ولبنان ومصر وسوريا وفلسطين وغيرها، وتجلى ذلك عبر سياسات العولمة وخلق عقد نقص في قلوب المتحدثين باللغة العربية، تصيب ثقافتهم العربية بالهشاشة، فيُقبلون على لغة المستعمر وثقافته.([39])

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر والمراجع

§      أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، ط1، عالم الكتب، القاهرة، 2008م.

§      رمزي منير بعلبكي وآخرين، اللغة والهوية في الوطن العربي: إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية، ط1، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لبنان، 2013م.

§      ساري عرابي، لماذا نرفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟، "ورشة البحرين الاقتصادية".. لماذا يرفض الكثيرون التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟، ميدان/ الجزيرة نت، 21/4/2019، https://bit.ly/3v2ggFI

§      طلال ناجي، الاستيطان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، ط1، الجمعية الفلسطينية للتاريخ والآثار والجمعية الجغرافية الفلسطينية، القدس، 1987م.

§      عبد الله السناوي، «إرث عبد الناصر» | 5 يونيو: كيف وقع الزعيم في الفخ المنصوب؟، صحيفة الأخبار اللبنانية، 19/9/2019، https://bit.ly/3VaYqLj

§      علي الجرباوي، المفاوضات العربية والفلسطينية مع إسرائيل: الأزق والحلّ، مجلَّة الدِّراسات الفلسطينية، 2009م، المجلد 20\ع 78.

§      عوني فارس، ساري عرابي، مفاهيم ومصطلحات القضية الفلسطينية، ط1، مركز رؤية للتنمية السياسية، تركيا، 2016م.  

§      محمد اشتية وآخرون، موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، دار الجليل للنشر، عمان، 2011م.

§      مهدي عرار، جدل اللفظ والمعنى، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، الأردن، 1995م.

§      ابن منظور، محمد بن مكرَّم (ت 711هـ)، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي الكبير وآخرين، دار المعارف، القاهرة، 1290م.

§      هيئة جائزة سليمان عرار للفكر والثقافة، الموسوعة الفلسطينية الميسَّرة، ط2، أروقة للدراسات والنشر، عمان، 2013م.

§      نخبة من العلماء، المختصر في تفسير القرآن الكريم، ط6، دار المختصر للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، 1441ه.

§      معايير المقاطعة ومناهضة التطبيع 12-10-2020، رابط الموقع: https://tinyurl.com/3z7xbm74

 

 



([1]) انظر: مهدي عرار، جدل اللفظ والمعنى، صفحة 121.

([2]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (ح ج ز).

([3]) انظر: (سورة النمل، آية 61).

([4]) انظر: المختصر في التفسير، صفحة 382-بتصرف.

([5]) انظر: محمد اشتية، موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، صفحة 199. 

([6]) انظر: محمد اشتية، موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، صفحة 199-200.

([7]) انظر: أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، مادة (ع م ل).

([8]) انظر: أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، مادة (ع م ل).

([9]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (خ ي م).

([10]) انظر: هيئة جائزة سليمان عرار للفكر والثقافة، الموسوعة الفلسطينية الميسرة، صفحة 651.

([11]) انظر: أحمد مختار عمر، معجم ألفاظ العربية المعاصرة، مادة (خ ي م).

([12]) انظر: هيئة جائزة سليمان عرار للفكر والثقافة، الموسوعة الفلسطينية الميسرة، صفحة 651.

([13]) انظر: أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، مادة (ط ب ع).

([14]) انظر: أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، مادة (ط ب ع).

([15]) انظر: معايير المقاطعة ومناهضة التطبيع 12-10-2020م، تم الاطلاع عليه 22-12-2021م، رابط الموقع:https://tinyurl.com/3z7xbm74

[16] . ساري عرابي، لماذا نرفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟، "ورشة البحرين الاقتصادية".. لماذا يرفض الكثيرون التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟، ميدان/ الجزيرة نت، 21/4/2019، https://bit.ly/3v2ggFI

([17]) انظر: معايير المقاطعة ومناهضة التطبيع 12-10-2020م، تم الاطلاع عليه 22-12-2021م، رابط الموقع:https://tinyurl.com/3z7xbm74

([18]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (ف و ض).

([19]) انظر: أحمد مختار عمر، معجم ألفاظ العربية المعاصرة، مادة (ف و ض).

([20]) انظر: علي الجرباوي، المفاوضات العربية والفلسطينية مع إسرائيل: المأزق والحلّ، مجلَّة الدِّراسات الفلسطينية، 2009م، المجلد 20\ع 78، صفحة 20-31.

([21]) انظر: طلال ناجي، الاستيطان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، صفحة 23.

([22]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (و ط ن).

([23]) انظر: أحمد مختار عمر، معجم ألفاظ العربية المعاصرة، مادة (و ط ن).

([24]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (ه و د).

([25]) انظر: هيئة جائزة سليمان عرار للفكر والثقافة، الموسوعة الفلسطينية الميسرة، صفحة 145.

([26]) انظر: هيئة جائزة سليمان عرار للفكر والثقافة، الموسوعة الفلسطينية الميسرة، صفحة 145.

([27]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (ن ف ض).

([28]) انظر: أحمد مختار عمر، معجم ألفاظ العربية المعاصرة، مادة (ن ف ض).

([29]) انظر: عوني فارس، ساري عرابي، مفاهيم ومصطلحات القضية الفلسطينية، صفحة 10.

([30]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (ج و ح).

([31]) انظر: الزَّبيدي، تاج العروس، مادة (ج و ح)

([32]) انظر: عوني فارس، ساري عرابي، مفاهيم ومصطلحات القضية الفلسطينية، صفحة 113.

([33]) انظر: ابن فارس، مقاييس اللغة، مادة (ن ك س)، وابن منظور، لسان العرب، مادة (ن ك س).

([34]) انظر: محمد اشتية، موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، صفحة 605.

([35]) انظر: محمد اشتية، موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، صفحة 605.

[36] . عبد الله السناوي، «إرث عبد الناصر» | 5 يونيو: كيف وقع الزعيم في الفخ المنصوب؟، صحيفة الأخبار اللبنانية، 19/9/2019، https://bit.ly/3VaYqLj

([37]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (ر ب ط).

([38]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (ر ب ط).

([39]) انظر: مجموعة مؤلفين، اللغة والهوية في الوطن العربي: إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية، صفحة 119-127.