من النشأة إلى الـ "فيفا" .. سيرة مختصرة لرحلة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم

من النشأة إلى الـ "فيفا" .. سيرة مختصرة لرحلة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم
تحميل المادة

مقدمة

في عام 1998 وافق الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" على طلب فلسطين الانضمام لعضويته، وكان هذا إنجازًا رياضيًا مهمًّا بعد نضال استمر أكثر من خمسين عامًا، وأربع محاولات سابقة قوبلت بالرفض.

فيما تنتشر معلومة خاطئة في وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك في الموقع الرسمي للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، تفيد بأن فلسطين نالت عضوية "الفيفا" عام 1929، والحقيقة هي أن ذلك الاتحاد الذي تأسس عام 1928 لم يكن فلسطينيًا وإنما أسسه الصهاينة بهدف سرقة تمثيل فلسطين على الساحة الدولية، وتعزيز المشروع الصهيوني.

عَرفت فلسطين كرة القدم مع أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وفي عام 1908 شكّلت كلية المعارف فريقًا لكرة القدم، كما شهد العام ذاته تأسيس أول فريق مدرسي لكرة القدم في مدرسة المطران St. George في القدس، والذي تغلب على فريق الجامعة الأمريكية في بيروت (كان من أقوى فرق المنطقة) في عقر داره عام 1909، وفي عام 1910 أقدم عدد من الشباب على تشكيل فريق لكرة القدم يباري فرقًا أجنبيةً كانت تزور فلسطين في تلك الفترة، ثم بدأت كرة القدم بالانتشار في فلسطين. [1]

ويتحدث الدكتور عزت طنوس في كتابه "الفلسطينيون ماض مجيد ومستقبل باهر" عن الحركة الرياضية في فلسطين قبل الاستعمار البريطاني، ويذكر أن أول مباراة في كرة القدم بين بلد وآخر في الشرق الأوسط جرت في عام 1912 عندما جاء فريق الكلية الإنجيلية السورية في بيروت (عرفت فيما بعد بالجامعة الأمريكية) إلى القدس ليلعب مع مختلف فرق كرة القدم في المدينة المقدسة، وهي: السي أم إس، والشبان المسيحية، ومدرسة سان جورج، ومنتخب القدس، حيث تمكن الفريق الضيف من الفوز في 3 مباريات، وتعادل في الرابعة مع فريق سان جورج 3-3. وفي عام 1913 سافر فريق القدس إلى بيروت لمواجهة فريق الكلية، فلعب 4 مباريات: فاز في واحدة، وتعادل في اثنتين، وخسر واحدة بنتيجة 6-0، وفي 1914 عاد فريق الكلية لفلسطين لمواجهة فريق القدس فهُزم شر هزيمة.[2]

 

كلية المعارف

شكّلت كلية المعارف بالقدس فريقًا لكرة القدم سنة 1908. (خبر حفل رياضي نظمته كلية المعارف بحضور المفتي الحاج أمين الحسيني. 6 أيار/ مايو 1933)

 

الصراع على الساحة الرياضية بين العرب والصهاينة

لم تكن الرياضة بمعزل عن الأحداث السياسية والمؤامرات التي تحيكها بريطانيا والصهاينة لفلسطين، فمع هجرة اليهود الأولى حاولت الحركة الصهيونية استغلال الرياضة لتحقيق أطماعها في فلسطين، ومنذ بداية القرن التاسع عشر كان للأندية الصهيونية في أوروبا وفلسطين دورٌ هامٌ في صهينة الشبيبة اليهودية، وإعدادها من أجل حمل السلاح والسعي من أجل اغتصاب فلسطين، وبناء الوطن القومي لليهود.

فالرياضة بوصفها عنصرًا ثقافيًا وشكلًا من أشكال الوعي الاجتماعي كان لها تفسيرها الخاص في العقل الصهيوني، على أنها وسيلة من أجل إعادة بناء الحس القومي وخلق رياضة يهودية تعمل على تحويل المشاعر والمفاهيم الدينية إلى قومية صهيونية. كما عدّ المفكرون الصهاينة الرياضة وسيلةً لبناء الوطن القومي، واستعادة اللغة، والأدب، والتاريخ، وبنظرهم فإن الهدف من إقامة دولة "إسرائيل" لا يتحقق دون إعداد بدني وروحي ومعنوي للأجيال التي كان يتوجب عليها تحقيق هذا الهدف. وسعت الصهيونية إلى إبراز أن التفوق اليهودي لا يقتصر على المجال العلمي والفني فقط، وإنما يتعداه إلى المجال الرياضي، كما أيقنوا أنه لا وطن واحدًا دون ثقافة واحدة، فاعتبرت الرياضة جزءًا مقومًا لهذه الثقافة والأيديولوجيا الصهيونية. [3]

ينظر العالم للفن والأدب والرياضة على أنها جزء من الحضارة الإنسانية، تساهم في تشكيل قيم فكرية وأخلاقية ومعنوية للمجتمعات المختلفة، وهي وسائل لصقل الشخصية الإنسانية والارتقاء بها، لكنّ الحركة الصهيونية وضعت هذه العناصر في إطار أيديولوجي، واستخدمتها لتحقيق هدفها بإقامة الوطن القومي المزعوم، وبث روح القومية اليهودية، والتفوق العرقي، وتهميش الفلسطينيين.

في سنة 1924 شكّل الصهاينة منظمة كرة القدم للأندية بهدف ضمّ كافة الأندية الصهيونية وتنظيم عملها، وسعى عددٌ من قادة منظمة المكابي (منظمة رياضية أسست في أوروبا ثم انتقلت إلى فلسطين) إلى ضمّها للاتحاد الدولي للرياضيين الهواة، لكن طلبهم قوبل بالرفض، لأن المكابي لم تكن تمثل العرب والإنجليز واليهود في فلسطين بشكل متساوٍ، ومنذ العام 1925 حاول جوزيف ياكوتيلي (أحد أبرز قادة المكابي) كسب عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم فكان سبيله الوحيد لتحقيق هذا الهدف تأسيس "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" عام 1928، وقد ضمّ في عضويته ناديًا عربيًا وحيدًا وهو النادي الرياضي العربي في القدس، وكان يمثله إبراهيم نسيبة. [4]

لم يكن تعاون اليهود مع العرب إلا بسبب متطلّبات الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي اشترط أن يمثَّل العرب في عضوية الاتحاد، وما إن نجحوا في تحقيق هدفهم بالانضمام للاتحاد الدولي لكرة القدم في حزيران/ يونيو 1929، حتى بدأت مرحلة تفرد اليهود في شؤون الاتحاد، وتهميش دور المندوبين العرب فيه، فلم يلتزموا بالقوانين الداخلية للاتحاد، ومن خلال تعاونهم مع البريطانيين استطاعوا الهيمنة عليه، وإعطاءه الطابع الصهيوني سواءً بجعل أنفسهم غالبية فيه، أو بإدخال اللغة العبرية والعلم العبري في شعارات الاتحاد.[5]

فكان انضمام "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" لعضوية الاتحاد الدولي "الفيفا" فرصةً ثمينةً للصهاينة من أجل إبراز الهوية اليهودية وسرقة تمثيل فلسطين على الساحة الدولية، وذلك بالتعاون مع حكومة الاحتلال البريطاني. وكنا قد تحدثنا في مادة سابقة بعنوان: "تصفيات كأس العالم 1934 و1938.. عن سرقة اسم فلسطين وكرتها"، وكيف تمكن الصهاينة من تحقيق هذا الهدف. [6]

تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني

لم يكن الجانب الفلسطيني غائبًا عن الساحة فأنشأ الاتحاد الرياضي الفلسطيني، الذي دعا  إلى مقاطعة الفرق اليهودية، ونظّم العديد من النشاطات بمشاركة عربية خالصة، كما شكّل منتخبًا عربيًا فلسطينيًا لكرة القدم، يسعى لتمثيل فلسطين على الصعيد الدولي، لكنّه لم يحصل على اعتراف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بعدما حصل الصهاينة عليه أولًا.

ففي نيسان/ إبريل 1931 عُقد اجتماع في النادي الرياضي الإسلامي في الثغر- يافا؛ حضره كل من: السيد أوبرن والدكتور عزت طنوس عن جمعية الشبان المسيحية  في القدس، والسيد نصري الجوزي عن النادي الرياضي العربي – القدس، والدكتور دواد الحسيني والسيد مصطفي الهباب عن  النادي الرياضي الاسلامي - يافا، ليتم الإعلان عن تأسيس الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني، والذي كان يعدّ أول اتحاد رياضي منظم في فلسطين له قوانينه وأهدافه وفعالياته. وضمّ الاتحاد في عضويته الأندية الآتية: النادي الرياضي العربي في القدس، كلية روضة المعارف، النادي الرياضي الإسلامي - يافا، النادي الأرثوذكسي - يافا، النادي الرياضي الإسلامي - حيفا، النجمة البيضاء - حيفا، ونادي السالزيان - حيفا. وفي 28 من الشهر ذاته عُقد أول اجتماع للاتحاد في دار جمعية الشبان المسيحية في القدس وانتخب خلاله الدكتور داود الحسيني رئيسًا للاتحاد،  وجورج موسى سكرتيرًا. [7]

وفي أيار/ مايو 1931 شُكّل أول منتخب فلسطيني لكرة القدم من لاعبي أندية الرياضي الإسلامي، والشبيبة الأرثوذكسية في يافا، والرياضي العربي، وجمعية الشبان المسيحية، ومدرسة المطران في القدس. وتوجه إلى بيروت لخوض المباريات، فنجح في دحض الرواية الصهيونية التي حاولت إيهام العالم بأن أهل فلسطين من العرب في غيبوبة من الجهل والتقهقر السياسي والاجتماعي  والرياضي.[8]

لم يكن عملُ الاتحاد الفلسطيني العربي بمستوى الاتحاد الصهيوني، لكنه استمر في العطاء معتمدًا على طاقات أعضاء الأندية الرياضية والاجتماعية، وما ميّز عمل الاتحاد هو تنسيقه مع مؤتمر الشباب الفلسطيني الذي دعم الاتحاد ونشاطاته، وكان من أبرز تلك النشاطات التي نُظّمت بالشراكة بين الاتحاد ومؤتمر الشباب تنظيم بطولة (درع مؤتمر الشباب) و(درع الملك غازي)، وتنظيم مهرجان 14 تموز/ يوليو 1935 الذي شاركت فيه الأندية الرياضية والفرق الكشفية والفرسان بخيولها العربية، هذا المهرجان الذي تخوفت منه سلطات الاحتلال البريطاني، وحسبت له الوكالة اليهودية ألف حساب. فيما بعد تعرقل نشاط الاتحاد مع اندلاع ثورة 1936المجيدة حيث اعتقلت بريطانيا الرياضيين الفلسطينيين، وأغلقت العديد من الأندية، واندثر عمل الاتحاد الرياضي بشكل كامل في نهاية الثلاثينيات. [9]

درع فلسطين

رسالة منشورة في صحيفة فلسطين سنة 1932، حول مباريات درع فلسطين التي نظمها الاتحاد الرياضي الفلسطيني (11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1932).

 

إعادة تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني

في خريف عام 1944 وجّه مجلس إدارة النادي الرياضي الإسلامي بيافا الدعوة إلى جميع مجالس إدارات الأندية الفلسطينية لحضور اجتماع لدراسة موضوع إنشاء اتحاد رياضي للأندية الفلسطينية يُشرف على كافة النشاطات الرياضية العربية في فلسطين.

لبّت معظم الأندية الفلسطينية هذه الدعوة، وعُقد الاجتماع في مقر النادي الرياضي الإسلامي في يافا برئاسة عبد الرحمن الهباب أمين سر النادي الرياضي الإسلامي، وتقرر فيه إنشاء الاتحاد الرياضي الفلسطيني. [10]

وحقق الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي نجاحاتٍ كبيرةً على صعيد فلسطين والمنطقة العربية رغم محاولة الصهاينة عرقلة عمله بمختلف الوسائل الممكنة، ومنها استقطاب الرياضيين والأندية العربية إلى جانبهم، إلا أنه استمر في العمل حتى نهاية 1947، ولو لم يبتلَ شعبنا بنكبة عام 1948 لاستطاع هذا الاتحاد أن يضاعف نجاحاته وأن تكون تجربته في الأربعينيات بمثابة قاعدة متينة للرياضة الفلسطينية.

 

أبرز نشاطات الاتحاد [11]

أولًا: مباريات دورية في كل منطقة من مناطق فلسطين (وقد قُسّمت فلسطين إلى 6 مناطق رياضية)، تُجرى من خلال عددٍ من الدوريات الخاصة بكل منطقة، وهي: دوري الدرجة الأولى، ودوري الدرجة الثانية، فلم يكن في فلسطين دوريٌ عام لجميع فرق الدرجة الأولى، وقد أشرفت لجان المناطق التابعة للاتحاد على تنظيم هذه المباريات.

وكان أبطال دوريات المناطق المختلفة يلتقون في دورة لتحديد بطل فلسطين الذي ينال درع البنك العربي، وفاز بلقب البطولة في آخر سنتين قبل النكبة (45-46) و(46-47) فريق النادي الرياضي الإسلامي بيافا، وفريق نادي شباب العرب بحيفا، على التوالي.

ثانيًا: المباريات التنسيقية أو مباريات الكأس، وتشترك فيها جميع الأندية الفلسطينية الراغبة في الاشتراك، وكانت المباريات تجرى وفق نظام خروج المغلوب، والفائز فيها يمنح كأس مؤتمر الشباب. وفاز في هذه البطولة في آخر سنتين من عهد الانتداب كل من: فريق النادي الرياضي الإسلامي بيافا وفريق نادي شباب العرب بحيفا على التوالي، وفي إحدى السنوات جمع النادي الرياضي الإسلامي بيافا البطولتين – الدوري والكأس.

ثالثًا: مباريات منتخبات المناطق حيث تختار لجنة المنطقة منتخب المنطقة، وفي أواخر الموسم الرياضي تقام دورة بين المنتخبات الست لاختيار المنتخب الأفضل.

رابعًا: منتخب فلسطين لكرة القدم: تقوم اللجنة العامّة لكرة القدم باختبار أفراد هذا المنتخب من اللاعبين المبرَّزين من أندية الدرجة الأولى في مختلف أنحاء البلاد، وذلك بترشيح من لجان المناطق.

 

المحاولات الفلسطينية لدخول الـ "فيفا":

 سعى الاتحاد الرياضي الفلسطيني لنيل عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" من أجل تمثيل فلسطين على الساحة الدولية، في الوقت الذي كان فيه الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي يهيمن عليه الصهاينة، عضوًا في الـ "فيفا" ويمثل فلسطين دوليًا.

وطلب الاتحاد الرياضي الممثل للفلسطينيين في بداية العام 1945 من المسؤولين الرياضيين المصريين دراسة إمكانية التوسط والمطالبة بإلغاء عضوية الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (الاتحاد اليهودي)، من الاتحاد الدولي "الفيفا"، كما اقترح الجانب الفلسطيني في حال تعذّر إلغاء عضوية هذا الاتحاد أن تطالب مصر بثلثي مقاعده للفلسطينيين، ويكون الثلث لليهود حسب تشريع الاحتلال البريطاني في فلسطين. [12]

 

1946

في أيار/ مايو عام 1946 أرسل الاتحادان المصري واللبناني رسالةً إلى الاتحاد الدولي، طالبا فيها بتسجيل الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني فيه، ليبدي الـ "فيفا" استعداده المبدئي لنقاش الطلب، وكان من المقرر أن يسافر سكرتير الاتحاد عبد الرحمن الهباب إلى لوكسمبورغ لحضور اجتماع الاتحاد الدولي في شهر تموز/ يوليو 1946 للتباحث مع الأوساط الرياضية وشرح وجهة نظر عرب فلسطين بخصوص تسجيل اتحادهم في "الفيفا"، غير أن الاتحاد الدولي عاد ورفض حضوره لأسباب لم يوضّحها، لكنّ المرجح هو أن الـ "فيفا" خضع لضغوطات أعضاء "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" الذي يسيطر عليه الصهاينة.[13]

وحينما انعقد كونغرس الـ "فيفا" في لوكسمبورغ بين 25  و27 تموز/ يوليو 1946، رُفضَ طلب انضمام الاتحاد الرياضي الفلسطيني، انسجامًا مع ادعاء المندوب اليهودي بأن "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" اتحاد ديمقراطي وقد قُبل سابقًا في المنظمة الدولية -مع كونه يضمّ أغلبية يهودية ولا يوجد فيه إلا نادٍ عربيٌ واحد-، وزعم المندوب اليهودي بأنه "إذا انضمت الأندية العربية الأخرى إليه وأصبحت أكثريةً، صار بإمكانها أن تُشكّل الهيئة الإدارية كما تشاء، لكن عدد الأندية العربية لا يجاوز أربع أو خمس أندية وهذه مسألة رياضية بحتة ولا علاقة لها بالسياسة". وبناءً عليه اقترح المندوب رفض الطلب، وهو ما كان. [14] تجدر الإشارة إلى أن عدد الأندية الفلسطينية في ذلك الوقت بلغ 60 ناديًا، منها 55 ناديًا مسجلًا في الاتحاد الرياضي الفلسطيني.

 

1947

وفي مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم المنعقد في غلاسكو بين 9-10 أيار/ مايو 1947، جرت مناقشة انضمام الاتحاد الرياضي الفلسطيني للفيفا مرةً جديدةً، فكان قرار المنظمة الدولية أنه يجب على العرب واليهود أن يتعاونوا معًا في النواحي الرياضية لأنه يتعذر الاعتراف بهيئتين رياضيتين في قطر واحد. [15]

 

1951

من المثير للإعجاب بقاء الاتحاد الرياضي الفلسطيني على قيد الحياة رغم النكبة عام 1948 وتشتت أعضائه، ومع قدرته على البقاء استمرت مساعيه من أجل الانضمام للاتحاد الدولي لكرة القدم بعد رفض طلبيه في عامي 1946 و1947، ويعود الفضل في هذه المساعي إلى سكرتير الاتحاد عبد الرحمن الهباب، ففي عام 1951 أرسل طلبًا جديدًا إلى الـ "فيفا" من أجل الانضمام إليه. لا يحتوي أرشيف الـ "فيفا" أيَّ وثائق تظهر رده على هذا الطلب من الاتحاد الرياضي الفلسطيني لنيل عضويته، لكنْ، من الواضح أن الطلب قوبل بالرفض كما رفض سابقاه، بالاستناد للحجج والأعذار نفسها التي حاول الاتحاد الدولي تبرير قراراته السابقة من خلالها.[16]

 

 

1963

في عام 1962 تأسس الاتحاد الرياضي الفلسطيني لكرة القدم في قطاع غزة، وترأسه صبحي فرح، وكان نائبه إسحاق النشاشيبي، فيما كان عبد القادر جودة أمينًا للصندوق، وشغل إلياس منّه منصب سكرتير الاتحاد.

وفي عام 1963 أرسل إلياس منّه رسالةً إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم مؤرخة بـ 26 آب/ أغسطس، يعلمه فيها أنه في عام 1962 تم تأسيس اتحاد فلسطيني لكرة القدم في قطاع غزة، متمنيًا أن يتم قبول عضوية هذا الاتحاد في الـ "فيفا"، وفي أيلول من العام ذاته تلقى إلياس منّه رسالةً من الاتحاد الدولي يعلمه فها أن الاتحاد الدولي مسرور لطلب الاتحاد الفلسطيني نيل عضويته، ولكنّ له بعض الشروط التي على الاتحاد الفلسطيني أن يلبيها من أجل نيل العضوية، منها: ثلاث نسخ من القانون الداخلي للاتحاد، وملخّص لنشاطاته وتفاصيل عن عدد الأندية واللاعبين والحكام.. الخ. وعلى الفور أرسل الاتحاد الفلسطيني كل ما طلبه الـ "فيفا"، وفيما بعد تسلم الاتحاد الفلسطيني رسالةً من الاتحاد الدولي يطلب فيها آخر الإحصائيات عن كرة القدم في قطاع غزة، ومرةً أخرى تجاوب الاتحاد الفلسطيني مع هذا المطلب، فأبلغ الـ "فيفا" الاتحاد الفلسطيني أن طلب الانضمام له سيحول إلى اللجنة التنفيذية ليناقش في اجتماعها المقرر عقده بتاريخ 6 تشرين الأول/ أكتوبر1964 في طوكيو، غير أن طلب الاتحاد الفلسطيني لم يدرج على جدول أعمال الاجتماع.

لاحقًا وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر 1964، أرسل الاتحاد الدولي رسالةً إلى الاتحاد الفلسطيني يخبره فيها أنه ظهرت مشكلة واحدة أمامه وهي معرفة التوصيف الدقيق لوضع قطاع غزة، وحينما يصله رد الأمم المتحدة سيكون قادرًا على رفع طلب الاتحاد الفلسطيني إلى اللجنة المختصة، غير أن ذلك لن يتم قبل نهاية شهر شباط/ فبراير 1965، وفي آذار/ مارس من العام ذاته استلم "الفيفا" رسالةً من الأمم الأمم المتحدة جاء فيها: حسب اتفاق الهدنة الموقع بين "إسرائيل" ومصر في رودس في شباط/ فبراير 1949 فإن غزة هي أراض واقعة تحت السيطرة المصرية (الجمهورية العربية المتحدة آنذاك)، ليقرر الاتحاد الدولي رفض طلب الاتحاد الفلسطيني، حيث أرسل له برقيةً جاء فيها: "نحن نرفض قطعيًا قبول منطقة اسمها غزة عضوًا في الـ "فيفا" لأنه ليس هناك دولة اسمها فلسطين، بالتالي فإن غزة ليس من الممكن أن تكون في فلسطين، إن قبول جزء من دولة عضوًا مستقلًا متناقض مع قواعدنا". [17]

 

1993 - 1998

في تشرين الثاني/ نوفمبر 1993 قدم اتحاد كرة القدم الفلسطيني طلب انتساب جديدًا إلى الاتحاد الدولي "فيفا" مقرونًا باعتراف اللجنة الأولمبية الدولية بالقانون الداخلي للجنة الأولمبية الفلسطينية، وفي 31 أيار/ مايو 1995 قُبل الاتحاد الفلسطيني عضوًا مؤقتًا في الـ "فيفا"، قبل أن ينال العضوية الكاملة في 8 حزيران/ يونيو 1998 خلال انعقاد كونغرس الفيفا الحادي والخمسين في باريس. [18]

وصف جورج غطاس، عضو الوفد الفلسطيني في اجتماعات كونغرس الـ "فيفا" شعوره حين أُعلن قبول فلسطين عضوًا كامل العضوية في اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم بالقول: "كانت أجمل أيام حياتي". وأضاف: "مشاعر جياشة انتابت الوفد الفلسطيني، وسط تصفيق حار من مندوبي الاتحادات الوطنية من مختلف دول العالم، حين حاز التصويت على إجماع مندوبي كافة الدول، بما في ذلك مندوب دولة الاحتلال الذي وجد نفسه وحيدًا في البداية، ما اضطره للموافقة صاغرًا".[19]

 

خاتمة

من الضروري التأكيد على أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم هو امتداد طبيعي للاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تأسس عام 1931، وليس امتدادًا للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي أسسه الصهاينة عام 1928.

فمنذ ما يزيد على مئة عام حاول الصهاينة تزوير التاريخ وطمس هويتنا الوطنية في كافة المجالات، وبعد محاولات عديدة على مدى 50 عامًا نجحنا في نيل عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم، بفضل الإرادة والتصميم الذي تميز به القائمون علي الرياضة الفلسطينية في مختلف أماكنهم.

وقد تُرجمت عضوية فلسطين في الـ "فيفا" سريعًا، فأحرز منتخب فلسطين الوطني المركز الثالث في البطولة العربية لكرة القدم التي نظمتها الأردن عام 1999، ثم شارك في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس آسيا 2000، وكأس العالم 2002، وتوالت بعد ذلك مشاركاته الدولية.

ونجح منتخب فلسطين في التأهل لنهائيات كأس آسيا للمرة الأولى عام 2015، بعدما أحرز لقب بطولة التحدي بفوزه في المباراة النهائية على منتخب الفلبين 1-0، بهدف أشرف نعمان من ركلة حرة مباشرة في الدقيقة 59، كما سيشارك في البطولة الآسيوية المقبلة والتي ستحتضنها قطر مطلع العام 2024.



[1] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، (رام الله، دار الشروق للنشر والتوزيع، 2013) ص 22.

[2] - عزت طنوس، الفلسطينيون ماض مجيد، ومستقبل مباهر، الجزء الأول، (بيروت، مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، 1982) ص 16.

[3] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص 32-33.

[4] - المرجع السابق، ص 37-38.

[5] - المرجع السابق، ص 38.

[6] - https://bit.ly/3GbIggl

[7] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ، ص 44.

[8] - المرجع السابق، ص 44.

[9] - عصام الخالدي، فلسطين وعضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم، حوليات القدس، العدد 16، خريف – شتاء 2013، ص 61.

[10] - خيري أبو الجنبين، قصة حياتي في فلسطين والكويت، (عمان، دار الشروق للنشر والتوزيع، 2002) ص 425.

[11] - المرجع السابق، ص 429 و430.

[12] - عصام الخالدي، مئة عام على كرة القدم في فلسطين، ص108.

[13] - المرجع السابق، ص 110-112.

[14] - المرجع السابق، ص 113.

[15] - المرجع السابق، ص 115.

[16] - المرجع السابق، ص 156-157.

[17] - المصدر السابق، ص 170-172

[18] - المصدر السابق، 262-263

[19] - https://bit.ly/3O87TTw