وثائقيات "سيف القدس" .. سِيَرُ شهداء صنعوا المعركة

وثائقيات "سيف القدس" .. سِيَرُ شهداء صنعوا المعركة
تحميل المادة

بعد عام على معركة "سيف القدس"، كشفت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس عن سيرة مجموعة من قادتها الذين استشهدوا خلال الحرب، رفعت شيئًا من السرية التي كللت مسيرتهم النضالية، وقدمت للجمهور جانبًا من أدوارهم في تطوير العمل العسكري والأمني في الكتائب، في سلسلة من الأفلام الوثائقية التي عُرضت في أوقات مختلفة خلال الأسابيع الماضية.

عرضت الكتائب في السلسلة الوثائقية السير الجهادية للقادة الشهداء سامي رضوان في 17 أيار/ مايو الماضي، وباسم عيسى في الرابع من حزيران/ يونيو الماضي، وحازم الخطيب، وظافر الشوا في الحادي عشر من الشهر ذاته، وحسن القهوجي في 26 أيار/مايو الماضي، ووليد الشمالي في 25 من الشهر نفسه، بالإضافة لأفلام أخرى تحكي قصص قادة ميدانيين وعناصر استشهدوا في المعركة.

المقولة الأساسية التي نلمسها في هذه السلسلة هي الاستمرارية التي رسمت مسيرة السعي لتمتين قوة المقاومة في مواجهة الاحتلال، ومن هذا المنطلق يمكن قراءة سير هؤلاء القادة، الذين بدأت مسيرة بعضهم في الكتائب، منذ البدايات الأولى في التسعينيات، حين كان تشكيلاتها العسكرية مجموعة من الخلايا الصغيرة، المطاردة، حتى قيل إن البندقية الواحدة كانت تعبر بين الضفة وغزة لتنفيذ العمليات.

 

"على خطى العياش": الاستمرارية من العبوة إلى المسيرات

"مهندس على خطى العياش"، بهذا العنوان يفتتح الإعلام العسكري في كتائب القسام الفيلم الوثائقي عن الشهيد سامي رضوان، القائد في وحدة التصنيع العسكري بالكتائب. ينطلق الحديث عن الشهيد من مشهد تحضر فيه صور المهندس يحيى عياش بكثافة، مع خلفية صوتية يروي فيها المتحدث تعلق الشهيد رضوان بمسيرة العياش، الشخصية المركزية في تاريخ الكتائب والمقاومة الفلسطينية، في التسعينيات، وامتد أثرها النفسي والفكري في أجيال متعددة حتى صعد إلى مرتبة الأسطورة.

حضور العياش في السلسلة الوثائقية، يعزز فكرة الترابط التي تؤكد عليها الكتائب في مختلف أدبياتها بين أجيالها التي تعاقبت على تطوير الفعل العسكري والأمني، في مختلف جولات الصراع مع الاحتلال، تحضر هذه الفكرة واضحة في مسيرة القائد باسم عيسى، أحد شهداء المعركة الذين اختصتهم الكتائب بفيلم خاص. انخرط عيسى في مقاومة الاحتلال في الانتفاضة الأولى، قبل أن يترقى في السلم الجهادي داخل الكتائب، وصولًا إلى "ما بعد أوسلو" وتأسيس السلطة الفلسطينية، وهي المرحلة التي كابدت فيها الكتائب تحديات جديدة ضاعفت من مسؤوليات الجيل الذي تولى قيادة العمل العسكري حينها. شكل العياش رمزًا في تلك المرحلة، وكان للشهيد باسم عيسى (التستري) حضوره في سيرة احتضان المهندس، ودفع الثمن إصابة خطيرة برصاص الأمن الفلسطيني كادت أن تودي بحياته، خلال مداهمات للبحث عن عياش خلال وجوده في قطاع غزّة.

صورة من فيلم مهندس «على خطى العياش» الشهيد القائد سامي سعيد رضوان

تتكرر الفكرة في سيرة قادة آخرين، في فيلم الشهيدين حازم الخطيب وظافر الشوا يروي رفيقهما إيهاب الغصين حكاية زيارتهم لقبر المهندس، قبل انضمامهما للكتائب، وبكاء الشهيد الشوا أمامه وهو يعاهده على مواصلة مسيرة المقاومة، وقد نضج قرار انضمام الشهيدين للكتائب بعد رحيل صديقهما إسماعيل المعصوابي، بداية انتفاضة الأقصى.

وليد الشمالي القائد في ركن التصنيع العسكري تعلم فنون المتفجرات من قادة رافقوا العياش، كالشهيد عدنان الغول، وهو ما أكده قائد في التصنيع العسكري شارك في الفيلم الوثائقي: "أخونا أبو بلال [وليد الشمالي] ورث علمًا وافرًا مما تعلمه من الإخوة القادة الذين علموه هذا العلم". معنى التصميم والإرادة يحضر في الإصابات التي تعرّض لها ولم تمنعه من إكمال المسيرة، وأقساها كان بتر يده، وهو ما يعبر عنه في تسجيل كشفت عنه الكتائب خلال الفيلم: "الحمد لله تلقينا الإصابات بالرضا وهذا الطريق الذي سلكناه ليس معبداً بالورود".

انتظم وليد الشمالي وباسم عيسى في كتائب القسام في بداية التسعينيات واستشهدا في عام 2021، وتعاقبت عليهما في العمل العسكري، محطات أساسية في تاريخ المقاومة، من فترة أوسلو والعمليات الاستشهادية حينها، وانتفاضة الأقصى التي منحت المقاومة في غزة أرضية انطلقت منها إلى الوضع الذي وصلت إليه، ولاحقًا مرحلة بناء جهاز عسكري موسع خاض الحروب المختلفة، خاصة بعد تحرير القطاع في عام 2005.

 

صورة من فيلم: «عميد التصنيع».. القائد وليد شمالي

عن البدايات يقول الشهيد باسم عيسى وهو يروي مرافقته للقائد عدنان الغول في التجارب لتطوير مدافع الهاون: "خرجنا بمدفع الهاون، وكان معنا المدفع و3 حبات هاون فقط، أخونا أبو بلال (الشهيد عدنان) عمل تشييك على المدفع وجهز حشوة متفجرة، لأن القذائف من أيام المصريين، ووضعنا المدفع بجانب مستوطنة "نيفيه ديكاليم" وضربنا قذيفة هاون، وهذه أول قذيفة ضربناها في هذه المرحلة".

 

"الجدية": كيف راكمت الكتائب خبراتها؟

ليس المقصود من الاستمرارية التي أكدت عليها الأفلام الوثائقية، حصرها في سياق الانتماء فقط، بل تقول لنا سير الشهداء القادة إن هذا الالتزام يعكس "جدية" عالية في تطوير الأدوات اللازمة لمواجهة المشروع الصهيوني وإدامة مقاتلته. الجدية في الصراع تظهر من خلال تتبع المسار الذي انتظمت فيه الكتائب منذ بداية تأسيسها، فهي لم تنقطع عن السعي الحثيث لتطوير عملها العسكري، في ظل ظروف قاسية.

منذ بدايات الكتائب انهمكت في تطوير صناعة المتفجرات التي كانت بداياتها الأبرز مع الشهيد المهندس يحيى عياش، وبقي مسار التطوير حاضرًا مع مهندسين آخرين انضموا للكتائب في مراحل المواجهة المختلفة. ولم يبقَ مسار التصنيع العسكري محصورًا في تطوير الأحزمة الناسفة، بل انتقل مع انطلاقة انتفاضة الأقصى إلى مشاريع لتطوير الصواريخ وقذائف الهاون والعبوات، وهو ما يظهر بوضوح في سير الشهداء القادة الذين حاولت الأفلام الوثائقية أن تحكي طرفًا من سِيَر قتالهم.

هذه الجدية يمكن التدليل عليها بالإشراف المباشر للقائد العام للكتائب محمد الضيف، على بناء وحدة لمتابعة تطوير التصنيع العسكري، كما يروي الفيلم الوثائقي عن الشهيد وليد الشمالي، الذي أطلقت عليه الكتائب لقب "عميد التصنيع العسكري"، إذ تلقى التدريب على صناعة المتفجرات من قبل الشهداء محمود فروانة، وسعد العرابيد، وعدنان الغول، ويوسف أبو هين، وياسر طه.

لا تتوقف جدية القسام في تطوير أدائها على تجويد أداء المصنعين العسكريين، بل في بناء تنظيم عسكري متين يقود المواجهة العسكرية مع الاحتلال.

 في بدايات انتفاضة الأقصى كانت الكتائب تستعيد عافيتها من الضربات التي تعرضت لها في الفترة التي تلت توقيع اتفاقية أوسلو. كان الشكل التنظيمي لها أقرب إلى الخلايا الصغيرة، ومع اتساع مساحة المواجهة ودخول أجيال جديدة فيها، كان خيار عدد من القادة من مختلف الفصائل في تلك المرحلة، كصلاح شحادة وجمال أبو سمهدانة، بناء شكل جديد من التنظيم العسكري قادر على استيعاب المتغيرات التي طرأت في الميدان، خاصة في غزة، في ظل توفر مساحة آمنة نسبيًّا، عقب تراجع جيش الاحتلال إلى المستوطنات والحدود، في مرحلة مفاوضات التسوية، وبذلك كانت البداية للتشكيلات العسكرية التي نعرفها الآن.

"كل يوم عن يوم في تطور جديد"، المثال الأبرز على هذا التطور نلمسه في سيرة الشهيد باسم عيسى، صاحب هذه الكلمات، الذي بدأ مساره النضالي في الكتائب، مع الشهيد عماد عقل أحد أبرز قادة مرحلة عمليات إطلاق النار التي كانت تنفذها خلايا صغيرة في بداية التسعينيات، ضمن أسلوب حرب العصابات، واستشهد وهو قائد للواء غزة ضمن التنظيم العسكري للكتائب، الذي استقر على هيئته الجديدة اليوم، والتي تختلف كليًّا عن تلك البدايات.

صورة من فيلم «قائد اللواء» باسم صبحي عيسى

وجه آخر للجدية والتصميم الذي يكلل مسار الكتائب، يظهر في سيرة شهداء آخرين عرضت لهم الكتائب في هذه السلسلة. بدأ الشهيد ظافر الشوا مع رفيقه حازم الخطيب الذي بقى ملازمًا له حتى الشهادة. كان ظافر على قائمة أسماء الاستشهاديين، واستشهد وهو ضمن فريق مسؤول عن تطوير مشاريع استراتيجية للكتائب.

أشرف الشهيدان ظافر الشوا وحازم الخطيب، ضمن فريق من مهندسي القسام، على تطوير شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة، الأمر الذي وفّر مساحة آمنة للتواصل وتنسيق العمليات، وإحباط مجهودات استخبارات الاحتلال لاختراق الشبكة وتعطيل جهود المقاومة في التنسيق بين وحداتها، خاصة خلال المواجهات والحروب.

كشفت الكتائب في الفيلم الوثائقي عن الشهيدين الشوا والخطيب، أنهما كانا على تواصل مباشر مع القائد محمد الضيف، وهو ما يؤكد على مركزية الرجل في تطوير مشروع المقاومة، واستثمار العقول المبدعة. وبالشراكة مع شهداء ومهندسين آخرين مثل المهندس التونسي محمد الزواري ساهم الشهيدان الشوا والخطيب في تطوير مشروع الطائرات المسيرة، الذي يشكل أداة استراتيجية تعول عليها المقاومة كثيرًا، وذلك لكونها جزءًا من بناء معادلات جديدة في الصراع مع الاحتلال، وهو ماتؤكّد عليه مسارات المقاومة الحربية والثقافية.

ويظهر من سير الشهداء قدرات كبيرة على المزاوجة بين أكثر من تخصص في العمل العسكري، واستثمار التخصصات الأكاديمية في تطوير مشاريع الكتائب (شبكة الاتصالات، والصواريخ، والطائرات المسيرة، وغيرها)، وهو ما يظهر في تجارب الشهداء جمعة الطحلة والدكتور جمال الزبدة ونجله أسامة، الذين استشهدوا أيضًا خلال "سيف القدس"، وكشفت الكتائب عن جانب من أدوارهم في تطوير العمل العسكري.

صورة من فيلم «روح في جسدين».. القائدان حازم الخطيب وظافر الشوا

تروي الكتائب أنها منحت الشهيد سامي رضوان استثناء كسر قاعدتها التي اعتادتها في عملية تنظيم العناصر، حين ضمته مباشرة إلى وحدة التصنيع العسكري، نظرًا لما عاينته من قدرات إبداعية لديه في مجالات الهندسة وغيرها، ويظهر من الفيلم الوثائقي الخاص بالشهيد أن أدواره تعدت التصنيع العسكري إلى مجالات حساسة مثل تطوير قطاع "السايبر" الذي حققه القسام من خلاله نجاحات في إطار "حرب الأدمغة"، بالإضافة للمشاركة في بناء وقيادة جهاز الاستخبارات الخاص بالكتائب.

تعزز الأفلام الوثائقية صورة القسام "المؤسسة" التنظيمية الجادة التي تتفاعل مع مختلف التطورات وتستفيد من تجاربها، وهنا تحضر تجربة أسر الجندي جلعاد شاليط، الذي أشرف باسم عيسى على إخفائه. منذ بدايات التأسيس. كان لعمليات أسر الجنود حضور دائم في العقل العسكري لكتائب القسام، ونفذت عدة عمليات نجح بعضها في أسر الجنود، لكنها لم تصل إلى مراحلها الأخيرة. يروي الفيلم الخاص بالشهيد عيسى أنه طلب من قيادة الكتائب تسليمه شاليط كي يخفيه ضمن إجراءات أمنية، مرتكزها إبقاؤه في مكان واحد وعدم نقله في القطاع، تفاديًا للانكشاف أمام الإجراءات الأمنية الضخمة التي يبذلها الاحتلال، وكانت هذه نواة تشكيل "وحدة الظل" المخصصة لتأمين الجنود الأسرى، وفي ظلال سيرة الشهيد تتجلى مظاهر التزام القسام بتحرير الأسرى، إذ يروي الفيلم أن عيسى أشرف خلال حرب الفرقان في 2008/ 2009، على أسر جنود من جبل الريس قبل أن يقصفهم جيش الاحتلال مع خلية المقاومة.

بناء تنظيم عسكري كبير بأجهزة مختلفة يخلق معه تحديات جديدة في الصراع مع الاحتلال، الذي تبذل أجهزة الأمنية والاستخباراتية مجهودات دولة كبيرة في محاولات إلحاق الضرر بمنظومات المقاومة المحاصرة في قطاع صغير من الأرض، وإلى هذا تشير الكتائب في هذه السلسلة بالحديث عملية تفخيخ الاحتلال لشبكة اتصالات المقاومة في دير البلح، عام 2018، من بين من أشرف على تفكيك تلك العملية، شارك بعضهم، وأبرزهم الشوا والخطيب، في فريق شكله محمد الضيف لإحباط الجهود الاستخباراتية الرامية لاختراق المقاومة، والتي نجمت عنها محاولة مجموعة من قوات النخبة في جيش الاحتلال "سيريت متكال" التسلل إلى عمق القطاع، وقد كشفتها إحدى مجموعات القسام شرق خانيونس وقتلت أحد ضباطها.

 

لكل مرحلة أدواتها

بُعدٌ آخر يظهر في السلسلة الوثائقية، وهو سعي الكتائب لخلق أدوات تناسب كل مرحلة من المواجهة. في بداية انتفاضة الأقصى رفع الشهيد صلاح شحادة القائد العام للكتائب شعار: "الانتفاضة ستطرد الاحتلال من غزة"، وفي سياق تحقيقه سعت الكتائب إلى تطوير حزمة من الأسلحة بإمكانيات متواضعة، مثل صواريخ البتار والياسين المخصصة للتصدي للاقتحامات، تزامناً مع مسار تطوير الصواريخ.

مرحلة تحرير غزة عام 2005، فتحت أمام المقاومة جملة من التحديات كما الفرص، وأصبح تحقيق الأضرار بمجتمع الاحتلال وجنوده ومواقعه الحساسة بحاجة إلى أدوات أكثر نجاعة ودقة، وهنا كان لمشروع الصواريخ بمختلف أنواعها جانبٌ هامٌ من اهتمام الكتائب، واستطاعت في عقد ونصف من الزمن شهدت 4 حروب وعدة مواجهات لأيام، صناعة صواريخ بعيدة المدى وصلت إلى شمال فلسطين المحتلة، بالإضافة لتطوير أدوات جديدة في الصراع مثل الطائرات المسيرة والغواصات المفخخة وغيرها مما لم يكشف عنه حتى اللحظة.

 

"نموذج تحد وصمود"... في الأبعاد المعنوية والسياسية للمقاومة

من الإشارات المهمة التي عرضتها السلسلة الوثائقية، رسالة من قائد وحدة التصنيع العسكري بالكتائب، يؤكد فيها على البعد التعبوي والنفسي الذي تسعى له في عملها الدائم لتطوير أدواتها في الصراع، وهو ما يتجلى في وصيته لمهندسي القسام حول دورهم في تحفيز الأمة للمقاومة قائلاً:

"وأن نقدم لشعوبنا العربية والإسلامية نموذج تحدٍ وصمود يشعل فيهم الحماسة ويحثهم على العمل الجاد لينطلقوا للإبداع والابتكار في هذه المعركة المقدسة"[1].

وفي الرسالة أيضًا تأكيد على الاهتمام بالإبداع والتنظيم في العمل المقاوم: "إن صراعنا مع العدو يجب أن يبنى على بصيرة وفهم"، ويشدد على الجانب الإيماني والفكري الأعلى الذي يظلل المسار العسكري ويضع له قائمة أهداف نهائية: "هذا الصراع الذي ننخرط فيه هو رباط دائم في سبيل الله، ومعركة دفاع مستمرة عن الثوابت والقيم والمبادئ، ستنتهي بتحرير فلسطين بإذن الله".

تحمل السلسلة أيضًا أفكارًا مختلفة، بينها التأكيد على البعد العربي والإسلامي في تطوير المقاومة، وهو ما يتجلى في الحديث عن دور الشهيد محمد الزواري في تطوير الطائرات المسيرة، وعرض صور لعدد من القادة الشهداء خلال سفرهم خارج فلسطين للحصول على الخبرات والدورات اللازمة، كما تحضر فيها إشارة إلى سعي المقاومة لتوسيع دائرة المواجهة من خلال الأدوات البصرية التي استخدمها الإعلام العسكري في الأفلام، عبر عرض صور الشهداء والأسرى من الضفة والقدس، بالإضافة للحديث عن جهود القائد باسم عيسى في التواصل مع الكتائب في الضفة وتدريب عدد من كوادرها، خلال فترة التسعينيات.

ويحضر في السلسلة السعي الحثيث من جانب الكتائب، لتوطين "الصناعات العسكرية" داخل غزة، من خلال زيادة خبرات مهندسيها واستثمار الطاقات في المجتمع الفلسطيني في القطاع، وخاصة بين جمهور حماس، والاستفادة من العلاقات مع قوى المقاومة في المنطقة، لنقل مختلف الخبرات وتطويرها بما يتناسب مع بيئة القطاع الميدانية والأمنية.

 

"ارم ببصرك أقصى القوم"

ولم تخل وثائقيات القسام من الكشف عن جانب من الاهتمام الكبير بتطوير أدوات العمل الاستخباراتي والأمني في المواجهة الشاملة مع دولة الاحتلال، من خلال بناء أجهزة متخصصة لجمع المعلومات وتحليلها والخروج بنتائج تبني عليها تكتيكات القسام واستراتيجياته، وإن كانت الكتائب لا تكشف تفاصيل عميقة عن طبيعة عمل جهازها الاستخباراتي ونظامه، نظرًا لطبيعة هذا النمط من العمليات الذي يقوم أساسًا على "الغموض" و"الخفاء"، إلا أنها كشفت في الأفلام الوثائقية عن عدد من قادتها الشهداء روادِ هذا المسار من العمل الأمني المقاوم.

في بداية فيلم الشهيد القائد حسن القهوجي، تؤكد الكتائب على مركزية أجهزة الرصد والاستخبارات في الصراع مع الاحتلال، وفي سرد صوتي يقول الراوي: "المعلومة ميدانُ القتال المتواصل مع الاحتلال في كل الأوقات، وهي المرتكز الأساس الذي تبنى عليه القرارات"، وتزامنًا مع عرض صور الشهيد يقول الراوي: "ولهذا الميدان من القتال رجال لهم كفاءة خاصة وعقولٌ وازنة وتعليمٌ متعمقٌ، فمن وعى خطر الكلمة أدرك خطر المعلومة ونجح بالظفر بها ورسم خطوط المواجهة".

هذا الجهد الاستخباراتي كما تقول الكتائب في فيلم الشهيد القهوجي، مدعوم بداية بجهود وحدات الرصد القسامية المنتشرة على الحدود بين غزة والأراضي المحتلة عام 1948، فقد كشف الفيلم أن الشهيد كانت له "بصمة واضحة" في تطوير هذا المجال حتى أصبح "علمًا ومرجعًا" فيه، بعد أن توفر لديه "الحس الأمني العالي" و"القدرة على تحليل المعلومات" و"حب العمل على أساس منظم".

يمتلك الشهيد القهوجي معرفة أكاديمية بالعلوم الأمنية والعسكرية، اكتسبها من دراسته في الجزائر، عززها بالعمل في الميدان مع الكتائب، وهو ما يثبت مرة أخرى جهود القسام في الاستفادة من أصحاب الخبرات في المجالات المختلفة، ورغم انضمام الشهيد للكتائب في بداية انتفاضة الأقصى إلا أنه أكمل مساره التعليمي في العلوم العسكرية والقانونية والقضائية، وكشفت الكتائب أن القهوجي كانت له جهود في مكافحة شبكات العمالة وحماية المقاومين من مختلف الفصائل.

برزت الجهود الأمنية للشهيد في عملية "سراب"، التي كشفت عنها كتائب القسام في 2019، ونجحت من خلالها في تضليل مخابرات الاحتلال عن طريق "عميل مزدوج"، وكشفت الكتائب أن الشهيد "تعمق في دراسة مكونات المجتمع الصهيوني" وهو ما وفر له القدرة في العمل الأمني وتنفيذ عمليات تضليل لمخابرات الاحتلال.

صورة من فيلم الشهيد القائد حسن القهوجي

 

أسئلة على هامش مقولات السلسلة الوثائقية

تؤكد سير الشهداء التي استعرضتها السلسلة الوثائقية، على الجدية والالتزام والإصرار الذي يكلل مسار كتائب القسام مع بقية فصائل المقاومة، وهو ما ظهرت آثاره جلية في التطور الذي يظهر في كل مواجهة مع الاحتلال، في ظل الصراع غير المتكافئ والحصار الذي ازداد شراسة في السنوات الماضية، تزامنًا مع سعي أنظمة في المنطقة لمحاصرة المقاومة، لتعزيز حضورها في مسار التطبيع.

هذا التطور الدائم في أداء كتائب القسام، تبرز معه أسئلة مختلفة حول أسباب تفوق الجهاز العسكري في مختلف جوانب أدائه، على الجوانب السياسية والإعلامية، في ظل الهاجس الدائم الذي يعيشه الفلسطيني، منذ عقود، حول الإخفاق في استثمار تضحيات المقاومة لتحقيق أهداف مرحلية أو طويلة المدى، لأسباب متعددة، بينها ما يتعلق بقصور الأداء السياسي.

ينقص السلسلة ربما توسيع الحديث عن الأبعاد السياسية والفكرية التي تحملها المقاومة، خلال سعيها لتطوير أدواتها في المواجهة مع الاحتلال، واستغلال وصول الأفلام الوثائقية لفئات واسعة من المجتمع الفلسطيني، لعرض وجهة نظر الكتائب من القضايا المختلفة المرتبطة بصراعها مع العدو، كرؤيتها لمعركة "سيف القدس"، في السياق الاستراتيجي العام المتعلق بالمواجهة مع دولة الاحتلال، بالإضافة لموضوع التحرير ودور الجبهات الفلسطينية المختلفة في عملية الصراع، خاصة في الداخل المحتل عام 1948، الذي كان له دور مهم في "سيف القدس".

 



[1]. رسالة من قائد وحدة التصنيع في كتائب القسام لمهندسيها