حضور الجغرافيا والمكان في معركة الطوفان

حمزة العقرباوي

صبيحة السابع من تشرين/ أكتوبر أفاقت فلسطين كما العالم على حَدثٍ محوريٍ في تاريخ الصّراع العربي الصهيوني، فكان خُطوةً مُتقدمةً في طريق الفِعل المُقاوم لأجل استعادة الأرض ودحرِ الاحتلال، ولم يكد أحدٌ يستوعبُ ما حدث من اقتحامٍ للمقاومين الفلسطينيين لمعسكرات جيش الاحتلال ومستعمراته في منطقة "غلاف غزة" حتى بدأ الاحتلال معركته المفتوحة على غزة.

 ومنذ اللحظة الأولى للمعركة التي سمتها كتائب الشهيد عز الدين القسام: "طوفان الأقصى"، بدأت تنتشر مُصطلحات وكلمات تعليقًا على ما يجري، ثم تتابعت هذه المصطلحات مع بدء المعركة المفتوحة على قطاع غزة. ومع تصاعد وتيرة الحرب ومضيّ أيامها الأولى، في ظل استبسالٍ عجيبٍ للمقاومة في الاشتباك وإطلاق الصواريخ، بدأت تتضح صورة الجغرافيا الفلسطينية الثائرة والمنتفضة، لتتشكل خارطة فلسطين من جديد على ضوء الفعل المُقاوم، أو بفعل الصمود الأسطوري في وجه ضربات الاحتلال المتواصلة.

خلال الأيام الستة الأولى التي انقضت من المعركة صرنا نسمع أسماءً كثيرةً لمواقع وبلدات فلسطينية في قطاع غزة وعموم فلسطين، وكذلك أسماء مدن ومستعمرات صهيونية مُقامة على الجغرافيا الفلسطينية، حيث كانت مَسرحًا لبطولة المُقاومة الفلسطينية، وقد رَصدّتُ 120 اسمًا وموقعًا وبلدةً ورد ذكرها في الأحداث المُتصلة بالمعركة والمواجهة بشكل مُباشر، أو ذُكرت في بيانات المقاومة وبلاغاتها العسكرية. الأمر الذي أحاول تتبعه في هذا المقال، مكونًا مُعجَمًا أوّليًا يوثق الجغرافيا والأرض الفلسطينية الثائرة من جهة، والاستيطان الاستعماري على الأرض الفلسطينية من جهة ثانية، من غير إغفال لما يتصل بهذه المعركة جُغرافيًا في المحيط الفلسطيني.

●    أولًا: الأرض الثائرة والبلاد المُنتفضة: 

انطلاقًا من أرض المعركة ومُحركها الأساس وهو قطاع غزة، بدأت تزدحم الأخبار بأسماء مدن وبلدات ومخيمات ومواقع فلسطينية كانت محورًا للفعل المقاوم والاشتباك الحي، أو نتيجةَ تعرضها لضربات قاسية وعدوان غاشم من دولة الاحتلال، ولعل أشهر تلك الأماكن التي حضر ذكرها في الأيام الخمسة الأولى من المعركة:

1- قطاع غزة: هو المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني، على الحدود مع سيناء (مصر) ومساحته 360 كيلو متر مربع، وهو من أكثر المناطق كثافة بالسكان في العالم، و طوله 41 كم، أما عرضه فيتراوح بين 5 و15 كم. وقد سُمّي بذلك نسبةً للمدينة الكبرى في هذه البقعة الجغرافية من فلسطين، والذي أُتبع لمصر بعد نكبة فلسطين عام 1948 وبقي كذلك حتى العام 1967. وفي قطاع غزّة عدة مدن ومخيمات وبلدات كبرى مثل: غزة، رفح، خان يونس، دير البلح..الخ. وقد شكل القطاع خلال السنوات الماضية عُقدةً الصمود في وجه الاحتلال من خلال بسالة المقاومة وقوّة إرادتها في طلب الحرية والسعي لها. كما يعدّ قطاع غزة معقل المقاومة الفلسطينية المُسلحة ومركز القوة لحركة المقاومة الاسلامية "حماس".

2- حيّ الرمال: أحد أحياء مدينة غزة وأكثرها ازدهارًا لكونه مركزًا تجاريًا كبيرًا ونشطًا، ويبعد عن مركز المدينة 3 كيلومترات، ويحاذي الخط الساحلي، ويتميز هذا الحي بالكثافة السّكانية. وقد تعمد الاحتلال في هذه المعركة استهداف الحي وتدمير أبراجه وتسويتها بالأرض، وتدمير مساحاتٍ واسعةٍ منه.  

3- الجولان: أرض عربية سورية مُحتلة، تقع في أقصى جنوب غرب سورية على امتداد حدودها مع فلسطين. وتقدر مساحته الإجمالية بـ 1860 كم2، وتأخذ شكلاً متطاولاً من الشمال إلى الجنوب على مسافة حوالي 75 كم بعرض متوسط يتراوح بين 18-27 كم. وللجولان السوري المُحتل أهمية استراتيجية كبيرة. وقد تركز حضوره إعلاميًا في اليوم الخامس من المعركة.

4- القدس: المدينة الفلسطينية الأهم، ففيها المسجد الأقصى وقبّة الصخرة وكنيسة القيامة، وحائط البراق. وهي عاصمة فلسطين، وقد احتُل الجزء الغربي منها عام 1948، واحتُل الجزء الشرقي منها عام 1967، وتسعى دولة الاحتلال لتغيير معالم المدينة وتهويدها وتهجير الفلسطينيين منها، وتغليب الوجود الصهيوني على طابع المدينة، وكانت المدينة ومقدساتها سببًا لثورات وهبّات كثيرة في تاريخ المقاومة القديم والحديث، ومنها ثورة القدس (انتفاضة موسم النبي موسى) 1920، هبة النفق عام 1996، وانتفاضة الأقصى عام 2000، وهبة القدس عام 2015، ومعركة سيف القدس عام 2021، ولأجلها انطلقت معركة طوفان الأقصى.

5- الضفة الغربية: هي المنطقة الوسطى من فلسطين، والتي فيها سلسلة الجبال الوسطى (جبال نابلس - الخليل)، والجزء الشرقي منها هو الغور، وقد أتبعت المنطقة للأردن بعد نكبة فلسطين عام 1948، وعرفت باسم الضفة الغربية، وبقيت كذلك حتى العام 1967، وتشكّل مساحتها (5860 كيلو متر مربع) نحو 21% من مساحة فلسطين الانتدابية. قطّع الاحتلال أواصر الضفة بالمستعمرات الصهيونية والحواجز الاستعمارية، وتعيش الضفة حالةً مُرعبةً من السيطرة الصهيونية على كل مناحي الحياة، رغم وجود مؤسسات السلطة الفلسطينية فيها.

6- جنوب لبنان: هي المنطقة الجنوبية من دولة لبنان المحاذية لفلسطين المحتلة، ويشمل جنوب لبنان محافظتي الجنوب والنبطية، وللجنوب اللبناني مكانة وأهمية كبيرة في الصراع مع الاحتلال الصهيوني، كونه تحرر بفعل المقاومة، ويمثل حاليًا مركز قوة لحزب الله اللبناني. وقد بدأ حضور الجنوب اللبناني في المعركة على إثر عملية تسلل نفّذها مقاومون فلسطينيون من سرايا القدس، وتلتها عمليات أخرى.

7- مخيم جباليا: أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، وقد أقيم بعد العام 1948، على إثر طرد الفلسطينيين وتهجيرهم من بلداتهم وقراهم في يافا وأسدود والمجدل وسمسم واللد ونعليا.. وغيرها. ويعدّ المخيم معقلًا للفعل المُقاوم فلسطينيًا، وكانت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987؛ قد انطلقت من مخيم جباليا، على إثر حادثة دهس عدد من العمال الفلسطينيين. 

8- برج فلسطين: برج سكني كبير  يتكون من 14 طابقًا، في حيّ الرّمال وسط مدينة غزة، ويُعّدّ من أشهر مباني القطاع، وفيه مؤسسات إعلامية وعيادات طبية وشقق سكنية، وقد دمرته طائرات الاحتلال الصهيوني يوم السبت 7/10/2023. 

9- مزارع شبعا: هي منطقة تقع على الحدود بين لبنان والجولان السوري المُحتل، وبعد انسحاب الاحتلال من جنوب لبنان وترسيم الحدود بقي جزء من هذه المزارع غير خاضع للدولة اللبنانية، ولذا ينشط حزب الله اللبناني في هذه الحدود، وتحدث بشكل دائم مناوشات فيها، وقد عاد تداول اسمها في المعركة مع مناطق الجنوب اللبناني.

10- الإسكندرية: مدينة مصرية عريقة، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وللمدينة تاريخ كبير، وفيها معالم أثرية وتاريخية ومتاحف تستقطب السياح من كل دول العالم. وقد حضر اسمها في المعركة حين نفذ عسكري مصري هجومًا على سياح صهاينة في اليوم الثاني للمعركة 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 فقتل عددًا منهم.

●    ثانيًا: الجُغرافيا المسلوبة والمُدن الاستعمارية:

 مُنذ اللحظة الأولى للمعركة، وَبَعْدَ مُباشرة اقتحام المقاتلين للسياج الزائل والجدار المنصوب حول قطاع غزة تفجرت أسماءٌ كثيرة في الفضاء الرقمي وعبر شاشات التلفزة، وراح الإعلام العسكري للمقاومة يضخ فيديوهات وبلاغات تتحدث عن البطولات الميدانية في هذه المواقع، ثم رَسمت صواريخ المقاومة خارطة فلسطين بمداد الرشقات الممتدة لأبعد مدى. وكان من جُملة ما عرفناه وسمعنا اسمه من هذه المُستعمرات والمواقع العسكرية:

1- غلاف غزة: طوقٌ استعماريٌ يحيطُ بقطاع غزة على امتداد أكثر من 40 كيلومتر، ويضم 50 تجمعًا ومستعمرةً صهيونيةً أشهرها: كيسوفيم، زيكيم، نحال عوز، كريات ملاخي، كريات غات، ماغن، وكفار عزّة، ومدن استعمارية مثل: عسقلان وأسدود، وسديروت، بالإضافة إلى قاعدة رعيم العسكرية، وحاجز إيريز. 

2- سديروت: مدينة استعمارية تقع شمال قطاع غزة، أقيمت على أراضي قرية النجدة الفلسطينية المهجرة، وتعدّ من أهم التجمعات الصهيونية في الجنوب، وفيها أنظمة حديثة تعمل بالليزر عالي الطاقة لمواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية. وكانت سديروت مسرحًا لاشتباكات عنيفة ومعارك ضارية بين المقاتلين الفلسطينيين وجيش الاحتلال أثناء المعركة.

3- عسقلان: مدينة استعمارية ساحلية على البحر الأبيض المتوسط في جنوب فلسطين المحتلة، تبعد حوالي عشرين كيلومترًا إلى الجنوب من مدينة أسدود (أشدود) وحوالي عشرة كيلومترات إلى الشمال من مدينة غزة. والمدينة مقامة على أراضي بلدة المجدل (عسقلان) الفلسطينية التي هُجّر سكانها إبان النكبة الفلسطينية في العام 1948 على أيدي العصابات اليهودية.

4- الكيبوتس: (كيبوتسات) كلمة من العبرية وتعني مستوطنة زراعية وعسكرية، تعتمد على نفسها في إدارة التجمع ومؤسساته، وبالعادة تضم جماعة من المزارعين أو العمال اليهود الذين يعيشون ويعملون سويًا. والكيبوتس من أخطر النماذج الاستعمارية التي استخدمت في فلسطين منذ بداية الهجرة الصهيونية في بداية القرن العشرين حتى الاستعمار المتأخر في الأراضي المحتلة بعد العام 1967.

5- إيرز: حاجز صهيوني يُعرف فلسطينيًا باسم حاجز بيت حانون، ويقع في أقصى شمال قطاع غزة ويربط القطاع مع دولة الاحتلال، وهو مُخصصٌ للمشاة والحمولات ولنقل المرضى والمصابين للعلاج خارج قطاع غزة، ومن خلاله يعبر الدبلوماسيون والبعثات الأجنبية والصحفيون والعمال والتجار الفلسطينيون وغيرهم، ممن يملكون تصاريح للعبور إلى دولة الاحتلال، وبجانب الحاجز هناك مُعسكر للجيش ومستوطنة (كيبوتس). وكانت المقاومة الفلسطينية قد تمكنت من الوصول لهذا المعسكر في معركة طوفان الأقصى.

6- ناحال عوز: كيبوتس صهيوني جنوب دولة الاحتلال بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، وتحديدًا بالقرب من مستعمرات سديروت ونتيفوت، وقد كان هذا الكيبوتس "مَلطشةً" للمقاومة الفلسطينية.

7- قاعدة رعيم: قاعدة عسكرية مُهمة لجيش الاحتلال بالقرب من كيبوتس رعيم الاستعماري، وهذه القاعدة المُحصنة تُعدّ من القواعد العسكرية المهمة لجيش الاحتلال، وقد تمكنت كتائب القسام من مداهمتها والسيطرة عليها في 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023، وتضم هذه القاعدة العسكرية قيادة فرقة غزة في جيش الاحتلال، ولذا شكل اقتحامها وقتل جنودها واعتقال بعض الضباط منها، ضربةً قوية لجيش الاحتلال الاسرائيلي. 

8- زيكيم: مستعمرة صهيونية على الحدود الشمالية من قطاع غزة، وتتبع مدينة عسقلان، وفيها قاعدة "زيكيم" العسكرية المطلة على شواطئ البحر. وتكمن أهمية القاعدة العسكرية في وقوعها ضمن المستعمرة التي تتمتع بتحصينات أمنية مشددة، حيث توجد فيها مصفاة للنفط ومحطة توليد كهرباء تمد جنوب دولة الاحتلال بالكهرباء. وقد نفذت المقاومة سلسلة غارات وهجماتٍ بحرية من خلال الكوماندوز البحري على هذه القاعدة العسكرية.

9- بئيري: كيبوتس استعماري جنوب فلسطين المحتلة بالقرب من قطاع غزة، وعلى مقربة من هذه المستعمرة يقع النصب التذكاري للغزاة الذين قتلوا في معركة غزة الثالثة في الحرب العالمية الأولى، وقد وصل إلى هذه المُستعمرة عناصر المقاومة الفلسطينية، ولم تتوقف الصواريخ عن دكّها طوال المعركة.

10- ياد مردخاي: مستعمرة صهيونية في جنوب فلسطين المحتلة على مقربة من قطاع غزة، وقد أقيمت على أنقاض قرية هربيا العربية المهجرة عام 1948، وقد وصل لها عناصر المقاومة الفلسطينية، كما أن صواريخ المقاومة تستهدفها.

11- كرم أبو سالم: حاجز استعماري على الحدود مع قطاع غزة ويخضع لإدارة جيش الاحتلال، وبالقرب منه مستوطنة استعمارية بالاسم ذاته، ومن خلال هذا الحاجز يجري التحكم بإدخال الوقود والسلع، والشاحنات لقطاع غزة، وكانت عناصر المقاومة قد خاضت معركةً فيه، وتمكنت من قتل يوناتان شتاينبرغ قائد لواء ناحل، كما قتلت وأسرت العديد من جنود الاحتلال في هذه المعركة. 

12- مطار بنغوريون: المطار الدولي الرئيسي لدولة الاحتلال، ويقع على بعد حوالي 45 كم شمال غرب القدس و20 كم جنوب شرق مستعمرة تل أبيب، وهو مُقامٌ على أراضي مدينة اللد الفلسطينية، وكان يحمل اسمها في الأصل، والمطار يعدّ هدفًا لصواريخ المقاومة الفلسطينية.

13- ريشون لتسيون: مدينة استعمارية صهيونية في المنطقة الوسطى من فلسطين المحتلة، إلى الجنوب من مدينة تل أبيب الاستعمارية، وهي مُقامة على موقع عيون قارة العربية، وتعد المستعمرة رابع مدن دولة الاحتلال من حيث عدد السكان، وخلال المعركة كانت صواريخ المقاومة تطالها باستمرار.

14- تل أبيب: كُبرى المُستعمرات الصهيونية في فلسطين، والمدينة المركز لدولة الاحتلال، وهي من أوائل المُدن الاستعمارية في فلسطين، يشكل حضور اسمها في الحروب حالة نشوة لدى الفلسطينيين، ذلك أن قصفها يُعدّ هَزًّا لصورة دولة الاحتلال وانتصارًا للمقاومة الفلسطينية، وكان أبو عبيدة الناطق باسم القسام قد صرح على إثر قصف برج فلسطين بأن على تل أبيب أن تقف على رجل واحدة وتنتظر.

15- كيبوتس حوليت: مستعمرة صهيونية في جنوب فلسطين المحتلة على مقربة من قطاع غزة، وقد أظهرت بلاغات المقاومة الفلسطينية تعرضها الدائم للهجمات الصاروخية خلال معركة طوفان الأقصى. كما بثت المقامة شريط فيديو يظهر إطلاق المقاتلين سراح سيدة صهيونية مع أطفال جيرانها في هذا الكيبوتس دون تعرضهم لأي أذى.

هذه بعض المواقع والمدن التي تحملها جُغرافيا فلسطين على ظهرها وبين تضاريسها، وتعيد المُقاومة بفعلها المُشتبك رسمَ صورتها الكُلية التي تجعل من فلسطين الشيء الكامل المُمكن بالنسبة للأجيال، ولذا أعتقد بأن من الأهمية أن يجريَ تتبع ما يُرسم بالرصاص والرّشقات، ووعي أثره وحضوره في اللغة المحكية والمتداولة بين الناس وعبر منصات السوشيال ميديا وفي وسائل الإعلام المختلفة. لأن ذلك مما يليق بحجم هذه المعركة وأهميتها ومفصليّتها في تاريخنا، فما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله بكلّ تأكيد وعلى كُلّ الأصعدة.