نَحوَ النَّصر: إقدامُ المُقاوَمة تَبديدٌ لوَهمِ العَجز

نَحوَ النَّصر: إقدامُ المُقاوَمة تَبديدٌ لوَهمِ العَجز
تحميل المادة

  يَستمر العدوان الصُهيوني على قطاع غَزَّة، وتدخل معركة طوفان الأقصى مُنعطف اللاعودة في تغيير الواقع وتحديد شكل المُستقبل، ومع ما تَمَّ وَيتمُّ ارتكابه من مجازر وجرائم إبادةٍ جماعيةٍ بحقِّ كل ما هو فلسطيني انتقامًا من المُقاوَمة وتدميرًا للمجتمع الحاضن لها، يحضر تساؤل: جَدوى الفِعل المُقاوِم، ويفتح النقاش حول طبيعة الثمن الذي ندفعه مُقابل مواجهتنا للمشروع الاستعماري في فلسطين في هذه المرحلة من التاريخ.  

  إنَّ الحَدث المفصلي في هذه المَرحلة هو شَرارة الفِعل المُقاوِم المُرتبط بالعُبور العظيم صَبيحة السّابع من أكتوبر 2023، الذي دَشّنت فيه المُقاوَمة عَصرًا جَديدًا سَيكون فاصِلًا بين زَمنين وَمشروعين. فما كان وسيكون من مُجريات الحَرب على شِدَّتِها وَقسوَتها، ومع حَجم التَّوحش والإبادة الصهيونية، لَن يُميتَ الأمل بحتمية النّصر الذي أحياه مَشروعُ المُقاوَمة حين بَدّد وهمَّ القُوّة لدى دولة الاحتلال ومشروعها الاستعماري.

  يُعيدنا هذا الحدث المِفصَلي في تاريخ المُقاوَمة الفلسطينية إلى معركة الكرامة في 21 آذار/مارس 1968م، التي شَكّلت نُقطة تحولٍ مُهمةٍ في تاريخ الثورة الفلسطينية وحضورها وفاعلية دورها في الكفاح المُسلح، الأمر الذي يُشبه في أثره حَدث السّابع من أكتوبر، مَع وعينا لاختلاف البيئة والسّياق التاريخي.  

 لقد كانت معركة الكرامة مرحلة فارقة ومُهمة في تاريخ العَمل الفدائي الفلسطيني، لأنها بددت وهمَ القُوة المُطلقة لجيش الاحتلال المُنتصر في حرب حزيران 1967، وأطلقت مارد الفدائي الذي انطلق نحو الأرض المحتلة في دورياتٍ مُقاتلة مؤمنًا بقدرته على استعادة الأرض وهزيمة الاحتلال. فراكمت الثورة الفلسطينية في حينه على زخم المعركة وصداها عربيًا وعالميًا، وفتحت لها الأبواب نحو المَدِّ الثوري حيث تدافعت الجماهير للقتال في صفوفها ضد الاحتلال الصهيوني.

 والحال هُنا أيضًا يأخذنا لنُطالع واحدةً من أهم تجارب بَعثّ الأمل وتبديد الوهم التي قُدَّت من صَخر المُستحيل، وذلك في السادس من أيلول/سبتمبر عام 2021 حين تَمَكَّن ستّة أسرى فلسطينين من حَفرِ نفقٍ من سجن جلبوع الأكثر تَحصينًا من قبل الاحتلال الصهيوني، وتمكنوا بفعل الإرادة الجَبّارة من الخروج عبر هذا النفق نحو شَمس الحرية. لقد كان الحدث يومها أكبر من مُجرد خروجٍ من العَتمة إلى النّور، لقد كان تَبديدًا لوهم الاحتلال وقهرًا لجبروت القُوّة لديه، وهو ما عَبَّر عَنه الأسير محمود العارضة أحدُ أبطال تلك العملية بقوله: "هذا الوَحش هُوَ وَهمٌ مِن غُبار".

 وقبلها كانت هناك نقاط ومحطات أمل ومُقاوَمة شَحنت رُوح المُجتمع وَشَدّت من عزيمته سواءٌ هبّة باب الأسباط 2017 وهبّة باب الرحمة 2019 وهبّة فلسطين 2021، وغيرها من مَوجاتِ الأمل واستعادة الذات.

  لتأتي معركة طوفان الأقصى بعد عامين من نجاح مُعجزة الإرادة في جلبوع لتؤكد فاعلية الإرادة وقدرتها على اجتراح المُستحيل، وتُنهي وَهمَ القُوّة التي تَلبَسُ صورة نَمرٍ من وَرق، فتهتز لهذه العَملية دولة الاحتلال بكل مؤسساتها ومنظومتها الاستعمارية، وتصرخ مُنهارة ولسانُ قادتها يقول: إنّ ما تعرضت له دولتهم هو أكبر خطر وجودي على مستقبلهم ومشروعهم، وأنها تلقت ضربة لم تشهدها منذ قيامها قبل 75 عامًا. ولأجل ذلك هَرعت قوى الاستعمار العالمي لنجدتها لأنها شعرت بالتهديد الحقيقي على غطرستهم وانحيازهم الظالم؛ فأمدّوهم بالقوات المُقاتلة وقذائف الموت الموجهة والمعدات الحربية الفتّاكة لتلملم هذه الدولة الاستعمارية ما بقي من هيبتها المُتهاوية أمام فتية المُقاوَمة في غَزَّة. وهذا الأمر على ما فيه من عدوان وانحياز سيخلق إرادة القُوّة والنصر التي ترى في دولة الاحتلال مُجرد قاعدة عسكرية بائسة مُرتبطة بمشيمة وحبلٍ سري مع الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية، التي لا بُد في يوم من الأيام أن يُقطع حبلها ويكون بداية النّهاية لدولة الاستعمار الصهيوني.

  وقد يتساءل البعض عن قولنا بأن استمرار المُقاوَمة هو تبديدٌ للوَهم وَبَعثِ الأمل في رَفضِ الاحتلال ومواجهته مع ما نُشاهد من نتائج النماذج التي سُقتها، فالثورة الفلسطينية وصورة الفدائي المارد انتهت إلى مجرد جسمٍ أمنيٍ مشلول القدرة على الفاعلية والكفاح، وأبطالُ نفق جلبوع تمكن الاحتلال من إعادة اعتقالهم والزّجّ بهم في السجن مُضاعفًا لهم العقوبة، وفي الرد على عملية السابع من أكتوبر ارتكبت دولة الاحتلال مجازر وجرائم إبادة جماعية غير مَسبوقة في التاريخ المُعاصر، وقد بلغت فاتورة التّضحيات ذروتها. فكيف يكون فِعلُ المُقاوَمة مُبددًا للوهم وصانِعًَا لأمل النّصر مع هذه النّتائج التي نُشاهدها.

وعليه يُمكنني الادّعاء بأنّ أهم ما صَنعته المُقاوَمة في ضَربتها الاستراتيجية في السّابع من أكتوبر مُرتبط بالوَعي الجَذري حَول الصراع وَمُستقبله، ذلك أنّ تراكمات المعركة وأثرها أبعدُ وأعمق من ساحة الحرب في الميدان وعلى الأرض، ولا يَغفلُ أحدٌ بأن المُقاوَمة تمكنت من  إسقاط أسطورة الجيش الذي رَوّجَ لنفسه بأنه لا يُقهر، وتبددت خُرافة  أنه من أقوى جيوش العالم جاعلًا نفسه بموضعٍ يُسوق لنظرياته وإنتاجاته الحربية وأفكاره الاستعمارية كأنظمة الحماية والمراقبة والضبط وأنظمة السجون والجدران الذكية والصناعات الحربية المُصفحة، وأنظمة القبة الحديدية وغيرها. لقد استطاعت المُقاوَمة هَدم كل هذا الوهم وتبديده كأنه غُبارٌ انقشع أمام إقدام نُخبتها المُقاتلة، فَخلقت المُقاوَمة في السابع من أكتوبر ثغرة في جدار الردع، وتآكلت صورة هذا الكيان ووهم تفوقه الأخلاقي والعسكري.

  وفي المُحصّلة هذا مُؤشرٌ مُهم على تقدمنا المُتسارع نحو الحُرية وتراجع الاحتلال المُتدحرج نحو الأفول والزوال، ذلك أن الفعل المقاوم تراكمي، بحيث يضيفُ اللاحق أثره على الفعل السابق له، حتى تبلغ المُقاوَمة ذَروَة قُوَّتِها وتُسَجّل اللحظة الفاصلة للأبد.

●      الوجه الآخر للحرب

    على الرغم من حَجم الألم والحُزن بفعل جرائم الإبادة الصُهيونية  ومجازر التّطهير العرقي في غَزَّة، واتباع سياسة الأرض المحروقة، والشّعور بالعجز أمام مُشاهدة ما يجري من استهدافٍ لكلِّ مُقومات الحياة وتدميرها والتهجير القسري لنحو مليون فلسطيني، وتركيز الخطاب الإعلامي العالمي المتضامن على البُعد الإنساني، إلا أن فِعلَ المُقاوَمة على الأرض وخطابها الإعلامي المُوجّه بذكاء عَبرَ فيديوهات إعلامها العسكري، والتَّكثيف العَبقري لحضور الملثّم "أبو عبيدة"، الناطق باسم كتائب القسام ظل قادرًا على تقديم الوجه الآخر للحرب وجعل التضامن مع فلسطين نابعٌ من فكرة الحق في المُقاوَمة وضرورة دحر الاحتلال، الأمر الذي آمنت الجماهير بإمكانية فعله  وحدوثه ولم يَعدُ من المُستحيلات.

 ورغم الخسائر الكبيرة التي طالت الإنسان الفلسطيني وحياته ووجوده في غَزَّة -وهو أمر بلا شك مؤلم وأثره كبير-، إلا أن فِعلَ المُقاوَمة على الأرض لا زال يُسَطّر صُورًا من ملاحم خارقة، لن تقدر آلة الموت الصهيوني على محوها مهما تَقدَّمت وسَجّلت من انتصارات مَوهومة. إذ تمكنت المُقاوَمة حتى اليوم السادس والثلاثين من الحرب من إمطار مدن العدو ومُستعمراته بأكثر من 10 آلاف صاروخ، وجعلت من مدينة تل أبيب (مَلْطَشَةً) للمُقاوَمة أُسوة بمستعمرات غلاف غَزَّة. وتكبد جيشُ الاحتلال خسائر كبيرة في اجتياحه البري، منها تدمير أكثر من 160 دبّابة وناقلة جُند كما أعلن الناطق باسم كتائب القسام في اليوم السادس والثلاثين للحرب. ناهيك عن شَللِ الحياة وتوقف عَجلتها في (إسرائيل) المُستَعمَرةُ الاستيطانية.

 ولعل ما تقوله المشاهد المصورة التي تبثّها المُقاوَمة، وتظهر خروج مُقاتليها لمواجهة الدبابات المُصفّحة والمُحصّنة وهم في لباسٍ رياضي وَبعضُهم حُفاة الأرجل، فيتقدمون نحو الموت غير هُيابى أو مُترددين من مسافة صفر، ما يُعبر عن قوة صاحب الأرض والحق، ويُشير إلى أنّ الغريب المُستعمر وإن سيطر على الأرض بفعل القصف والتّدمير لا يزالُ بحاجة لمددٍ وعونٍ وحصونٍ فولاذيةٍ كي تحميه من الموت، وهذا ما علينا أن نَعيه وندركه بوضوح كَمُتغيراتٍ في المُواجهة مع الاحتلال، والتي تُشير لحتمية زواله وهزيمته نهاية الأمر.

 وفوق ذلك يُمكننا مشاهدة التحول المهم في الخطاب الفلسطيني والعربي الشعبي العام، واستعادتهم لمصطلحات مُهمة في توصيف المواجهة مع الاحتلال، كالحديث عن النكبة المُستمرة، والمعركة المفتوحة، والإبادة الجماعية، والدّعوات الجادّة للمقاطعة فلسطينيًا وعربيًا، وكيف تبنت الجماهير خطاب المواجهة وانحازت للمُقاوَمة ورمزياتها، وصارت تُعبر عن ذاتها من خلال رؤيتها للنصر ونقاط القوة، والشعور بالعلو في مواجهة دولة الاحتلال والقوى الحليفة لها. وبلا شك تمكنت المُقاوَمة من المساهمة في إعادة صياغة الهوية الفلسطينية المُشتبكة والرافضة للاحتلال، وتمثل نموذجًا يستحق الاحترام والتضامن والمُناصرة.

 كل هذا يَجعَلُنا على يقين بأن المُقاوَمة الفلسطينية كَسبت المعركة من الضَّربة الأولى، وسجلت نُقطة التحول المصيري الذي تُحاول دولة الاحتلال تفاديه وتغيير مساره عبر القصف والتدمير غير المسبوق، ولأجل ذلك تمضي في عدوانها وجرائمها مع إدراكها أنها لن تحقق شيئًا على الصعيد العسكري ولن يكون بمقدورها دفع سهم الزمن الذي انطلق في السابع من أكتوبر للاستدارة والعودة للخلف، ولن يكون بمقدورها في العدوان البري المدعوم بحزام ناري من الجو القضاء على المُقاوَمة في غَزَّة ولا انهاء وجودها، رغم ما تستخدمه من قوة في ظل غطاء أمريكي وتوهم من بعض الحلفاء العرب والغربيين الذين يُعدّون لمرحلة "ما بعد حماس".

  سترضخ دولة الاحتلال في النهاية، ولن تنفعها كل صواريخ القتل والموت التي تصبّها على غَزَّة، وحين تنتهي الحرب سيكون الغزّي ذاته واقفًا كالرمح صلبًا مُستعدًا للجولة القادمة، وسيكون على دولة الاحتلال أن تبقى على قدمٍ واحدة متأهبة لأن المواجهة لن تنتهي عند حدود غَزَّة في هذه الحرب.

 وفي ملف الأسرى سيكون على دولة الاحتلال تقديم تنازلات، فلكل شيء ثمن وكل شيء له مقابل، وسيكون هناك صفقة مع المُقاوَمة، وهذا من المُسلمات التي باتت دولة الاحتلال تدركها وأنه السّبيل الوحيد لاستعادة جنودها، وأنه الكلام حول قدرتها على استعادتهم وتدمير قوة المُقاوَمة هو مجرد كلام إنشائي يُسوق للمجتمع الصهيوني لا أكثر .وساعتها سيتراجع خطابها من "القضاء على المُقاوَمة ومحوها" إلى صيغٍ أكثر قبولًا بعد أن تحقق ما يُمكنها تسويقه بأنه نصرٌ على الأرض.

 وفي ذات السياق من المُهم أن نتبه أنه على الجانب الآخر هناك قلق تَفتّح، وخوفٌ لن يَمحوه كذبُ الساسة في دولة الاحتلال. وسيكون سَهلًا على قادة العدو بناءُ ما تهدم وترميم ما استهدف من أبنية وحياة في ظل الدعم الأميركي والأوروبي، لكن كيف تُرمّم دولة الاحتلال وعي مواطنيها بأنه لا سلام على أرض مُحتلة، وقد بددت صواريخ المُقاوَمة  أوهامهم بإمكانية العيش بسلام واستقرار.

 ●        فلسطين.. القضية من جديد

   سَيعلو أثرُ معركة طوفان الأقصى وسيظل مُرافقًا للفعل المُقاوم للأبد، وسيكون كنجم سهيل في علو السماء الصافية، لامعًا في درب السائرين نحو الحرية في عالم مُنحاز وظالم، وليس للمستضعفين فيه نصيرٌ إلا قوّة ساعدهم ومضاء عزيمتهم، وإصرارهم على السباحة عكس التيار لبلوغ شاطئ الحرية.

  ففي هذه المعركة كان مِنَ الواضح بأن جُزءًا من الأنظمة العربية والنُّخب السياسية الحاكمة في المنطقة حَريصٌ أكثر من الاحتلال على إنهاء تجربة غَزَّة، وتخريب حالة التَّعافي والنّهوض في المشروع الوطني الفلسطيني المُنادي بوضوح بالمُقاوَمة طَريقًا لأجل الحرية ودحر الاحتلال. وكانت هذه الأنظمة والنُّخب بالسّر أو بالعلن مَعنيةً بتلقين المُقاوَمة دَرسًَا شديد الألم كي لا تُعَرّيهم وتُظهِرَ تقصيرهم وتواطؤهم، ولم نكن بحاجة لسماع تصريحاتهم وأقوالهم في الوقت الذي كانت مَواقفهم تُنبئ عن ذلك وتفضحهم. 

 ولا يخفى على أحد أنّ ذات الأنظمة العَربية تَمكنت في العقود الماضية من تذويب الاهتمام بفلسطين باعتبارها قضية مركزية، وذلك بإشغال الشعوب بهمومهم اليومية وربطهم بتكاليف الحياة التي لم ترحمهم. وحتى الأحزاب والحركات المعارضة ونُشطاء الرأي في العالم العربي شُغلوا بقضايا الإصلاح والأولويات المحلية وذاب دورهم تجاه قضية فلسطين أمام موجات التطبيع وفتح العلاقات مع الاحتلال. وغابت فلسطين عن الإعلام والخطاب الرسمي وصارت مسألة هامشية قلّ تأثيرها في المجتمعات العربية. 

واستعادت الجماهير العربية ثقتها بنفسها وخرجت إلى الميادين مجددًا، وقد نجحت المُقاوَمة الفلسطينية عبر بوابة الأمل بضخ دماء في عروق أمتنا اليابسة، فتفجرت طاقاتهم من جديد وَبُعِثَ في حناجرهم الصَّوتُ الصّارخُ لأجل حرية فلسطين.

  فالقوّة التي بُعثت في الناس مُجددًا في زمن اليأس وتردي الأوضاع العربية، ما كانت لتحدث لولا تلك اللحظة الفارقة والفعل المقدام، والمُبادرة بالهجوم نحو العدو من قِبَلِ المُقاوَمة الصادقة التي أعدت ونجحت في مُباغتة العدو وإصابته في مَقتل، فكان فِعلها جُرعة عالية من الأمل لدى الشعوب، فرسخت لديهم أن وهم العَجز والضعف لا يُبدده إلا الاشتباك مع العدو، ذلك أنه لا شيء أقوى في ذاكرة الأمة ولا أطهر من "ذاكرة الاشتباك"، وهي وحدها القادِرَةُ على شَدِّ جَسَدِ الأمّة المُترهل وَبعْثِ الرّوح فيه من جديد.

  كما أن قضية فلسطين أصبحت عالميًا رمزًا لمن يُريد الانحياز لقضايا عادلة يُواجهه من خلالها قوى الاستكبار والطغيان العالمي المنحازة إلى الاحتلال. ومع استمرار الحرب واشتداد وتيرة العدوان على غَزَّة بدأ التضامن مع القضية يأخذ طابعًا عالميًا مُهمًا، وصرنا نسمع بوضوح نداءات واعية تقول بحتمية الحرية والخلاص من الاحتلال.

●   ثَمَّة قتالٌ شرسٌ باقٍ

يقول مظفر النّواب في قصيدة الحُزن جميلٌ جدًا:

إياكَ وإن عُرّيتَ أمامَ العالمِ

أن تيأسَ

ثَمَّ قِتالٌ شَرِسٌ باقٍ

ما بَقيَ اللهُ

ويُحتاجُ سِلاحًا وحدودًا

داخِلَ رأسِكَ

إحذَر أن تُزرَعَ إسرائيلُ بِرأسِكَ

حَصِّن رأسَكَ

وابدأ بِسلاحٍ أبيضَ مِنهُ

هُجومًا بَعدَ هجومٍ يا ولدي

لا نَصرَ بِدونِ هُجوم

أو تُصبِحُ قَوّادًا دَولِيًا ياوَلَدي

مَفهومٌ ... مَفهومٌ

يا وَلَدي مَفهوم

 

  لن تنتهي المواجهة مع الاحتلال لكن هذه الحرب ستنتهي، وسيعود الفلسطيني لِعُقَدِ الاشتباك، وسيكون هناك قتالٌ شرسٌ آخر على طريق الحُرية، وسيكون هناك مواجهات تالية، نُدرك ذلك ونعيه، ويعي المُقاتل الفلسطيني بأنه لن يَهزم عدوه بالضربة القاصمة، وإنما بتتابع الضربات وتواصلها، وأن المُقاوَمة جدوى مُستمرة. ولأجل ذلك: "إن على قصيري النفس التنحي جانبًا" كما كان يقول جورج حبش.

 سيتواصل الاشتباك في قادم الأيام، وسيكون هناك تضحيات بقدر البطولات، لكن المواجهة القادمة ستكون مُشبعًا بأمل النّصر، إذ سيبقى صوت المنادي: "آخر راكب على سديروت" حاضرًا برأس المُقاوم، ولن تنطفئ شُعلة النور الآتية من آخر النفق، وستجود الأيام القادمة بحكايات وأساطير لمن قال: لا، ووقف في وجه العدوان.

  في الختام أقول: لا ريب بأن هذه المُتغيرات الجوهرية التي تؤشر لعافيتنا ونهوض قضيتنا وأفول الاحتلال ومشروعه ستؤتي ثمارها قريبًا، ما لم تُسارع نُخب منّا لبيع شعبنا وصموده وشراء امتيازات سياسية واقتصادية وأمنية ثمنًا لهذه التضحيات الكبيرة. سننتصر في النهاية ما بقينا نُقاتل ونتشبث بصمودنا على الأرض ولم ننحن لموج التآمر الهادر.